الفكر التربوي الإسلامي
الفكر التربوي:
هو مجموعة المسلمات والأفكار التي تؤلف النظرية الواحدة أو النظريات المتقاربة، والتي بدورها تعتبر المرجعية والأساس لواضعي الاستراتيجيات والبرامج العملية في ميدان التّعليم. فهي جهود في الجانب النظري، يتوقع أن تكون ذات تأثير وفاعليّة في الجانب العملي للتعليم.
الفكر التربوي الإسلامي:
هو إسهامات قدمت من مفكرين إسلاميين لخدمة التربية والتعليم على مر العصور الإسلامية إلى اليوم.
أهمية تجديد الفكر التربوي الإسلامي:
كل ما في الخليقة يتجدد ويتغير باستمرار. تلك سنة الله في خلقه. والكائنات الحية تتجدد وتتغير وفق تغير الظروف الطبيعية من الخارج ووفق فعالية الجسم والفكر من الداخل. ولما كان الفكر التربوي في العالم الإسلامي نتاجاً لحيوية الإنسان المسلم فإنه يخضع بدوره للناموس العام، ناموس التطور والتجدد. والمجتمعات الإسلامية تتطور وتتجدد كلما دأبت على تجديد فكرها التربوي وترقد وتتخلف كلما توقف وتخلف فكرها التربوي. وتجديد الفكر التربوي لا يعني هدم أو مسخ ما هو قائم بل يعني إدامته مع إصلاح ما انتابه من خلل وإضافة ما تتطلبه الأحوال والحاجات الجديدة من إضافات، وحذف ما أصبح غير لازم للظروف المستجدة. وإن الدعوة إلى التجديد ليست بدعة بل هي جزء من تعاليم الإسلام الخالدة التي وردت في الحديث الشريف: ((إن الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة مَن يجدد لها أمر دينها)). وتجديد الفكر التربوي الإسلامي يتطلب إعادة النظر في شؤون التربية الإسلامية كما تمارس اليوم في البيت وفي المدرسة وفي البيئة الثالثة وما تحويه من مؤسسات دينية واجتماعية واقتصادية وسياسية. فقد تقدم المسلمون يوم كان الفكر التربوي الإسلامي حياً نامياً متجدداً وتأخر المسلمون يوم ركد الفكر التربوي الإسلامي وساد العالم الإسلامي الجمود الفكري والتعصب والتشرذم. فإذا شاء المسلمون اليوم تحقيق النهضة الشاملة والارتقاء لابد لهم أن يفكروا في تجديد التربية ويتساءلوا ما هو التجديد الذي نريده للفكر التربوي الإسلامي وما هو مصدره؟ إن التجديد الذي نريده للفكر التربوي الإسلامي ينبع من درسنا: 1 ـ دراسة جديدة متعمقة وشاملة للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وتراثنا التربوي الإسلامي. 2 ـ مشاكلنا الإسلامية المعاصرة وآمالنا وطموحاتنا المستقبلية. 3 ـ درسنا للتطورات العلمية والتقنيات وما يرافقها من تنظيمات تربوية واقتصادية واجتماعية في البلاد المتقدمة. وعلى ضوء هذه الدراسات نعيد النظر في أهدافنا التربوية ومحتويات برامجنا التربوية والتعليمية، والوسائل والأساليب المتبعة لتحقيق الأهداف فنصوغها من جديد. وها نحن فيما يلي نبدي بإيجاز كلي اجتهادنا الشخصي في كل من هذه النواحي: التجديد في تحديد الأهداف: إن التربية السائدة في العالم الإسلامي اليوم قد يعوزها وحدة الأهداف التربوية ووضوحها أحياناً. فهناك تربية إسلامية تعد الفرد للحياة الإسلامية الحاضرة وإبقاء ما فيها من ضعف في العلاقات الإنسانية وتخلف في الحياة العلمية والعملية. وهناك تربية إسلامية تحول اقتباس نظم غربية وفلسفة تربوية غريبة مع إضافة شيء من علوم الدين والحضارة الإسلامية ولكنها لم تفلح في تحقيق وحدة الهدف ووحدة الثقافة بعد. فما هو الهدف الجديد الذي نريده لتربيتنا؟ الجواب يقودنا إلى استعراض بعض الأهداف الجديدة الشائعة أولاً ثم اقتراح الأهداف الموحدة التي ندعو إليها. من الأقوال المعروفة قديماً وحديثاً عند العديد من كبار المربين: أن هدف التربية الأول هو ((تحقيق إنسانية الإنسان)) وهو هدف عام شامل ليس لأحدنا أن يعترض عليه بسهولة ولكن المشكل يظهر حين نتساءل ((وما هي إنسانية الإنسان؟)) وما هو الإنسان؟ هل هو ما عبر عنه أبو العلاء حين قال: ((والذي حارت البرية فيه حيوان مستحدث من جماد)) أم هو ما عبر عنه الإمام علي بن أبي طالب (رض) حين قال: أتزعـم أنك جـرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر *** وأنت الكتاب المبين الذي بأحـرفه يظـهر المضـمر الكل يتفق على أن الإنسان حيوان يشارك الحيوانات العليا: في الحركة والنمو والتكاثر إنه يسعى للبقاء عن طريق الغذاء والتناسل ولكنه يمتاز بانتصاب قامته وكبر دماغه بالنسبة لحجم جسده. له إبهام يمكنه من سهولة صنع الآلة واستخدام الآلة ثم إنه حيوان ناطق يستعمل اللغة ويعبر عن مقاصد وأفكار في حياته الاجتماعية. فهو اجتماعي ثم إنه يفكر، ويبدع، ويحب الجمال، وذا ضمير أخلاقي. وفوق كل ما مرّ إنه صانع حضارة. وأعتقد أن ما قاله أبو العلاء يقف عند هذا الحد. أما الإمام علي فإنه يضيف على كل ما مر المسمى صفة يمتاز بها الإنسان ألا وهي الصفة الروحية الدينية التي تولد الإيمان في الإنسان. وهنا يختلف الفلاسفة الماديون مع المؤمنين فالماديون لا يؤمنون بالله، والمؤمنون يعتقدون بأن الإنسان هو الحيوان الوحيد على وجه الكرة الأرضية الذي في وسعه أن يرتقي بفكره إلى ما فوق ذاته فيرى الوحدة والترابط بين عناصر الوجود فيرتقي إلى الإيمان بالله خالق الوجود. فالإيمان يصبح أسمى ميزة يمتاز بها الإنسان. إنه القمة في إنسانية الإنسان. فإذا اتفقنا على أن الهدف التربوي الإسلامي هو تحقيق إنسانية الإنسان فلابد من تنشئة وتنمية هذه الإنسانية من كل جوانبها فلا يقتصر العمل التربوي على حشو الأدمغة بالمعلومات لغرض اجتياز الامتحانات والحصول على الشهادات. فكم من حامل شهادة عليا (وقد يكون عالماً حقاً) في موضوع اختصاصه ولكنه لم يستكمل خصائصه الإنسانية بعد. هناك تعبير جديد معاصر عن هدف التربية ألا وهو اعتبار أبناء الشعب عموماً ثروة بشرية تملكها الأمة ومهمة التربية تتلخص في تنمية هذه الثروة إلى أقصى حد واستثمارها أحسن استثمار. إنه تعبير عن الهدف بلغة الاقتصاد وهو مقبول ولا شك بشرط أن تكون التنمية للثروة البشرية شاملة لإنسانية الإنسان من كل جوانبها وليس من جوانبها المادية فحسب. فإذا تحقق ذلك فيكون هذا التعبير عن الهدف مكملاً للتعبير عن أن هدف التربية الأسمى هو تحقيق إنسانية الإنسان. إن هذا التعريف فيه تحد للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها فكم من ملايين المسلمين لم تستثمر مواهبهم وطاقاتهم كلها للخير بل بقيت مهملة أو أنها وجهت للشر وكم من مئات ألوف المسلمين أتلفت أرواحهم بالحروب والفتن دون أن تستثمر. وكم منا من لديه إمكانات وقابليات ثمينة لم تُعبأ للخدمة في حياة الأمة ونهضتها بعد. فمهمة التربية حسب هذا الهدف تبدأ باكتشاف مواهب أبناء الأمة باعتبارها رأس المال البشري واستثمار رأس المال هذا أفضل استثمار. وهناك مَن يجعل هدف التربية ((إعداد الإنسان للحياة)) ويعلق على هذا التعريف آخر فيقول: ((التربية (ينبغي أن تكون) هي الحياة)). فواجب التربية إذن أن تعد الفرد ليعيش عيشة هنيئة في الحاضر وتعده لمستقبل زاهر. هذا التعريف للهدف فيه جاذبية وفيه حيوية وواقعية ولكنه يضعنا أمام مشكلتين: الأولى ما هي الحياة التي نريدها ونعتبرها جيدة والثانية مَن يضمن صحة تنبؤنا عن المستقبل الذي نقوم بالإعداد له؟ وفي هذا الهدف مزية كبرى تستحق أخذها بعين الاعتبار ألا وهي التخلص من مواد كثيرة في برامجنا التعليمية لا تقيد الطالب لا في حياته الحاضرة ولا في مستقبله، يمكن استبدالها بمواد أكثر ارتباطاً بالحياة. نحن كمسلمين في وسعنا أن نستفيد من هذه التعاريف لأهداف التربية وللعديد من أمثالها وفي الوقت نفسه نقترح للتربية في العالم الإسلامي هدفاً جديداً ألا وهو ((تنشئة المسلم الجديد)) ففي العالم الإسلامي اليوم يقظة شاملة وصحو جديد. فعلى التربية الإسلامية أن تستهدف ((تكوين المسلم الجديد)) والمهم الآن أن نحدد ما الذي نعنيه بالمسلم الجديد وما هي مزاياه وصفاته؟ المسلم الجديد في نظرنا هو مَن: 1 ـ ينشأ مؤمناً بالله صادق العقيدة محبا للحق والحقيقة، يؤدي فرائضه الدينية وواجباته المدنية على الوجه الأتم، يتحلى بالأخلاق الإسلامية الفاضلة، ويمارس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 2 ـ يسعى جهده للتخلص من كل نواحي الضعف التي ورثها المسلمون من جهود التخلف والاستعمار كالفقر والجهل والمرض والغضب والفوضى والاستبداد والتحلل الأخلاقي والخرافات والتقاليد البالية. 3 ـ أن يعيش صحيح الجسم وسليم العقل ناشطاً ومتعاوناً ومنتجاً في حياته العائلية والاجتماعية. 4 ـ أن ينشأ صادقاً في ولائه لأمته ووطنه مطيعاً لله وللرسول وأولي الأمر مستعداً للتضحية بالنفس والنفيس دفاعاً عن الدين والأمة والوطن. 5 ـ أن يأخذ بتلابيب العلم والتقنيات الحديثة ويبرع فيها فيصبح منتجاً أكثر منه مستهلكاً. 6 ـ أن يكون متفتحاً على العالم في كل حقول الحياة مدركاً ضرورة الترابط والتعاون بين مختلف الأمم والشعوب على أساس الحق والكرامة. يلتقط المعرفة والحكمة أنّى وجدها ويقدم للعالم مما عندنا من زاد مادي ومعنوي. أعتقد أن هذه المزايا للمسلم الجديد الذي نريده هي الحد الأدنى للأهداف التربوية التي نقترحها للعالم الإسلامي. إنها تحتفظ بكل ما هو غال وثمين في حياتنا الإسلامية. كما أنها تتخلص من كل ما هو سقيم وعقيم في حياتنا الحاضرة. مع السير قدماً إلى الأمام وإلى الأعلى! التجديد في المحتوى التربوي: إن المفروض في المحتوى التربوي (البرنامج) أن يتكون من معرفة (علم) يزود به الطالب وغرس أوضاع نفسية صحيحة في الطالب وتعويده على التفكير الممعن وتعويده عادات نافعة وتدريبه على مهارات عملية وتشبعه بالعقيدة الإسلامية. كل هذا إلى جانب وافر العناية ببناء شخصيته الموحدة باعتباره عضواً مؤثراً في المجتمع يتمتع بالحرية والفعالية المسؤولة. إن البرامج التربوية التي نعرفها في العالم الإسلامي تعني بتقديم المعرفة للطالب على الأكثر وذلك على شكل أقراص يبتلعها بحفظها وخزنها في الحافظة. ولا ندري إن كان مستعداً لهضمها أم لا؟ ثم إن بعض البلاد الإسلامية لا سيما الثرية منها أخذت تعني بالمسابقات والألعاب الرياضية ولا نعتقد بأن العناية بأوضاع الطالب النفسية وتعويده على التفكير الممعن وإتقانه المهارات العملية أو تعويده على الضبط الذاتي والأخلاق النبيلة تحظى بما تستحق من العناية. نظرة سريعة على نتاجنا التربوي في العالم الإسلامي ترينا بأن برامجنا الدراسية هي من الفرع النظري الأكاديمي على الأكثر. وأنها تخرج عدداً من طلاب الوظائف الحكومية أكثر مما تحتاج البلاد إليهم أو تستطيع تشغيلهم. كل ذلك على حساب الأيدي العاملة المطلوبة في الزراعة والصناعة والتجارة والعمران. فتخطيط البرامج لتكوين المسلم الجديد تحتاج إلى إعادة نظر جذرية. وها نحن فيما يلي نقترح المواد التالية التي يتكون منها البرنامج الأساسي العام للتربية الإسلامية الجديدة والتي تشكل الحد الأدنى للمحتوى التربوي الذي نريده لكل مسلم بدون تفريق: 1 ـ تدريس الطالب مبادئ العقائد الإسلامية وغرس الإيمان الصادق في نفسه عن طريق توجيه أفكاره إلى عجائب الخليقة والترابط فيما بين عناصرها وارتباط حياة الإنسان بها وعن طريق الانتباه إلى النعت التي لا تحصى والتي أنعم الله بها على الإنسان. تعليم الفرائض وتعويد الطالب على أدائها مع التأكيد على ما فيها من فوائد جمة لخير الإنسان كفرد وكمجموع. ويستحسن أن يقوم الطلاب بأداء الفرائض مجتمعين في الصلاة ولا سيما صلاة الجمعة وفي صيام شهر رمضان. تحفيظ الطلاب ما تيسر من القرآن الكريم ولا سيما ما يمس الأخلاق والواجبات التي يؤديها الفرد نحو أسرته وأمته الإنسانية جمعاء: ولابد من التأكيد على أن درس الدين يجب أن ينال أعظم قسط من الاهتمام في تكوين المسلم الجديد. 2 ـ تزويد الطالب بالوسائل التي بها يستطيع الحصول على المعرفة المستمرة وبها يستطيع الاتصال بالمجتمع الإنساني قديمه وحديثه. وهذه الوسائل هي القراءة والكتابة والحساب. فالمطلوب من كل طالب أن يتقن القدر الكافي من لغته ويمارسها كلاماً وقراءة وكتابة. ومن المنتظر أن يزو بالكتب النافعة والمجلات المثقفة والصحافة الراقية لينشأ على حب المطالعة. 3 ـ العناية الأكيدة بالتكوين الأخلاقي للطالب: فالأخلاق أهم أساس للنجاح في كل نواحي الحياة إن كانت صالحة. كما إنها من أهم أسباب الإخفاق إن كانت سيئة. ونحن من المعتقدين بأن التخلف الأخلاقي هو وراء كل تخلف مني به العالم الإسلامي فالصدق في القول والإخلاص في العمل والمحافظة على المواعيد والوفاء بالوعود والعهود هي بعض الأخلاق والفضائل الأساسية التي يدعو إليها الدين الإسلامي الحنيف. والأخلاق تغرس بالقدوة وبالموعظة الحسنة وبتزويد الطالب بالمثل العليا عن طريق درس سير الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة وكرام الأمة وسماع قصص عن حياتهم ثم حفظ بعض الأشعار التي تمجد الفضائل كالوفاء والكرم والشجاعة والنجدة. والأخلاق تغرس في ساحات اللعب وفي المعاملات اليومية في السوق وفي الحافلة وفي البريد والمصارف وفي لقاءات الأصدقاء وفي خدمات اجتماعية، في الحارة وفي القرية وفي مساعدة اليتامى والمسنين والمعوقين والمحتاجين الخ .. وفي التربية الأخلاقية مهمتان أولاهما غرس الأخلاق الفاضلة. والثانية قلع ما تأصل في الطالب من أخلاق أو عادات رديئة. وكلاهما يتطلب من المربي أن يبدأ بتربية نفسه أولاً. 4 ـ التربية للإنتاج: لابد للمسلم الجديد من أن ينشأ على حب العمل اليدوي وتقديره وممارسة الإنتاج في الزراعة أو الصناعة أو التجارة أو الخدمات الصحية والاجتماعية أو أن يتقن حرفة كالخياطة أو الحلاقة أو التجارة أو الحدادة أو البناء أو التصوير أو المحاسبة إلى غير ذلك. ومن المهم جداً أن ينشأ المسلم الجديد على استعمال الآلات الحاسبة، والقدرة على تقبل تشغيل الماكينات أو الأجهزة الكهربائية ويحسن إصلاحها. نحن نحبذ الجمع بين الدراسة والعمل المنتج كأن تكون الدراسة مسائية والعمل المنتج في النهار أو أن تخصص أيام في الأسبوع للدراسة وأخرى للعمل المنتج أو بعض أشهر السنة لهذا والأخرى لذاك. ولابد لمجتمعنا الإسلامي من أن يعيد النظر في تقديره للقيمة الثقافية للعمل اليدوي المنتج فإنه قد يثقف الإنسان (وبعض الفئات العملية من البشر خاصة) أفضل مما تفعله الكتب. وهذا هو حجر الزاوية في نظرنا في تجديد الفكر التربوي في العالم الإسلامي. 5 ـ التوعية بالانتماء وغرس الولاء للانتماء: لما كان الإنسان اجتماعياً ويعيش في بيئة اجتماعية وطبيعية فإنه ينتمي إلى جماعات عديدة وجهات مختلفة فهو ينتمي لعائلته ولمدرسته ولبلدته ولقطره (وطنه) ولأمته ولقارته وللإسلام وفوق كل الانتماءات هو ينتمي إلى الله تعالى فهو عبد من عباده. والانتماءات هذه هي مصدر قوة للفرد وللجماعة فيما لو جرى تنظيمها في سلم متصاعد وهي مصدر ضعف وانحلال فيما لو اصطدمت الانتماءات ببعضها وقوى الولاء لجهة على حساب الجهة الأخرى. فالبعض من المسلمين اليوم يكرسون أكبر قسط من ولائهم لقطرهم ويضعون القومية والإسلام على الهامش والبعض الآخر يؤكد في ولائه على القومية (عربية كانت أم تركية أم أفغانية مثلاً) والدين في نظره يوضع على الرف والبعض الآخر ينتمي إلى الإسلام ويجب مَن ينادي بالقومية. فبرامج الدراسة لتكوين المسلم الجديد ينبغي ألا تؤسس على توضيح سلّم الانتماءات وما يرافقها من ولاءات. فالانتماء يبدأ بالذات ثم يصعد إلى العائلة السعيدة ثم إلى القبيلة (أو الحارة أو القرية) ثم القطر ثم القومية ثم الإسلام والانتماءات هذه مترابطة تشكل دوائر متحدة المركز وكل ولاء أصغر يخضع للولاء الذي يليه والولاء لله تعالى يعلو على كل ولاء آخر. فلا تضارب ولا إشكال في كون الفرد ينتمي مثلاً إلى تدني فالعروبة فالأفريقية فالإسلام في نفس الوقت. 6 ـ لابد للبرنامج التربوي للمسلم الجديد من أن يتعهد بتقديم المعلومات العلمية ويؤسس الأوضاع النفسية ويغرس العادات المطلوبة لحفظ الصحة الشخصية والعامة وتعريف الشاب المسلم بأهمية الغذاء الصحي والنظافة والنوم الكافي وممارسة الرياضة البدنية في الهواء النقي مع إبداء أن فريضتي الصلاة بأوقاتها والصيام هما من أهم وأفضل أنواع الرياضة الجسدية إلى جانب فوائدهما الروحية والخلقية والاجتماعية. ولابد للمسلم الجديد أن يتعرف على مضار وأخطار الدخان والكحول والمخدرات والإباحية الجنسية فيعمل على تخليص المجتمع الإسلامي من هذه الشرور بممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. 7 ـ درس البيئة الطبيعية والعلوم المضبوطة: إن درس البيئة الطبيعية من نبات وحيوان وجبال وأنهار وبحار، والتأمل في السماء وما فيها من نجوم، كل هذه تحبب الطبيعة للإنسان وتجعله يتأمل في عظمة الخالق فعليه أن يتعلم أن يكون صديقاً للطبيعة فينعم بخيراتها ويعمل على تنميتها ويقاوم إتلافها ثم يتعرف المسلم الجديد على الدقة في القياس وعلى القوانين الطبيعية في الفيزياء والكيمياء وكيف أن هذه العلوم مهدت لنمو التقنيات الحديثة من آلات وماكينات ومخترعات. وكيف أن الإنسان استطاع بفضل العلوم أن ينشئ الحضارات وينمي الثروات. ويمكن ربط ذلك بالجغرافية الطبيعية والاقتصادية والسياسة وبالتاريخ. المهم تنمية حب الاستطلاع وحب الاكتشاف في نفس المسلم الحديث عن طريق المشاهدات والأسفار والتجارب العلمية في المختبر باستعمال أجهزة الميكرسكوب (المجهر) والتلسكوب والرجوع إلى الكتب الميسرة الجذابة في كل هذه العلوم. 8 ـ ممارسة الفنون الجميلة والهوايات: من المهم جداً أن تشمل التربية وسائل التسلية والمتعة النافعة للطالب. فيتمتع المسلم الجديد بالفنون الجميلة من أدب (شعر وقصة ورواية) ومن موسيقى صوتية وآلية ورسم وتمثيل وتصوير وغير ذلك من الهوايات الصناعية كالنجارة أو الميكانيات أو الزراعة كغرس الأزهار والأشجار أو جمع الطوابع إلى غير ذلك، كل هذه الوسائل للتسلية يتعاطاها المسلم الجديد في أوقات الفراغ بعد أن يكون قد أتم واجباته اليومية وأدى فرائضه الدينية. ومن أحسن ما يثقف الإنسان المسلم في عطله وأوقات فراغه الحياة الكشافية والعيش في الطبيعة وفي المخيمات. ثم العوم في البحر وركوب الخيل وتسلق الجبال أو القيام بمسيرات على الأقدام. 9 ـ التفتح على العالم: نعيش في عصر ارتبطت فيه أجزاء الكرة الأرضية ببعضها بالمواصلات اللاسلكية والأقمار الاصطناعية والطائرات النفاثة. ولذلك وجب تنشئة المسلم الجديد على الاهتمام بشؤون العالم والتعرف على أحوال الإنسان المعاصر وما توفره المعرفة من إمكانات تعاون أو مصادر خطر! ويحسن بالمسلم الجديد أن يتعلم لغة أجنبية واحدة على الأقل تفيده في أسفاره وفي مطالعاته للشؤون العالمية .. 10 ـ خدمة العلم وخدمة العمل: يجدر بالعالم الإسلامي أن يكون لديه جيش دفاعي يحمي حدوده من الاعتداء الخارجي. ولذلك فيحسن تدريب الشباب المسلم على الحياة العسكرية واستعمال السلاح الحديث كما تفعل سويسرة. وذلك لغرض الاستعداد الدائم للدفاع الشرعي وليس للاعتداء. والجيش مدرسة فعالة في تنمية الروح الوطنية مع ما تتطلبه من شجاعة وتضحية ونظام دقيق في الحياة. وإلى جانب خدمة العلم تقوم خدمة العمل حيث يقوم الشباب بالخدمة المدنية في القرى وفي إعمار الأرض ومقاومة التصحر أو حفر القنوات إلى ما هنالك من أعمال تتطلب السواعد المفتولة والعزائم الصادقة. ومن مزايا خدمتي العلم والعمل إنهما يوحدان أبناء الشعب ويحققان المساواة فلا تفريق بين الغني والفقير وابن هذه الديرة أو تلك. فالمنهج التربوي الإسلامي الجديد ينبغي أن يعني بخدمتي العلم والعمل. هذه في نظرنا هي أهم الأسس التي نقترح أن يوضع على ضوءها المحتوى التربوي الجديد لتكوين المسلم الجديد. والتعليم الإسلامي ينبغي أن يشتمل على ثقافة إسلامية أساسية ضرورية لكل مسلم تستمر مدى الحياة وتتجدد مع الأيام على الأسس التي بسطناها أعلاه. تليها ثقافة (دراسية) منوعة وعلى درجات مختلفة لذوي الاختصاصات المهنية. وفوق كل ما مرّ تؤسس المعاهد الاختصاصية العليا لإعداد القادة وتكوين العلماء المجتهدين والأساتذة المتخصصين في الحقول العلمية والتقنيات المنوعة وتربية الجميع على التحلي بالتقوى والعلم والحكمة والشجاعة. تجديد الطرق والوسائل لتكوين المسلم الجديد: 1 ـ إن التربية التي نريدها لتكوين المسلم الجديد هي تربية حياة وأفعال أكثر منها تربية تحفيظ وأقوال. والتربية هذه تتطلب غرف دراسة ومكتبة واسعة وغنية ومختبرات للعلوم ومسجد وقاعة اجتماع (للمحاضرات العامة واللقاءات والتمثيل والحفلات الموسيقية). وساحة ألعاب ومزرعة وحانوت وورشات صناعية. ويمكن تنظيم جدول الأعمال والدراسة بحيث تكون كل المرافق هذه مشغولة طوال الوقت تقريباً. 2 ـ الفروق الفردية وضرورة مراعاتها: تقوم المدرسة بالتعرف على كل طالب واكتشاف مواهبه الخاصة وقابلياته للسير في كل فرع من فروع المعرفة. وإقرار البرنامج المناسب لكل فرد فيسير بالسرعة التي تناسبه بدون تراخ في السير ولا استعجال فيه فلا تفرض مادة على طالب لا يستطيع هضمها كما لا يجوز أن يرهق الطالب بالدروس أو يصيبه الملل. 3 ـ إفرادية التدريس: نقترح تشجيع التدريس الأفرادي ولا سيما في دروس الرياضيات واللغات بحيث يسير كل طالب في كل درس من الدروس مع الزمرة التي هي من مستواه. فقد يكون الطالب متقدماً في الرياضيات فهو يدرس مع زمرة متقدمة وهو مبتدئ في اللغة الأجنبية فهو يدرسها مع زمرة مبتدئة. ولذلك وجب النظر في تعديل نظام الأقسام (الصفوف) ثم أننا ننصح بإلغاء الامتحانات الموحدة في مواعيد مقررة والسماح لكل طالب أن يدرس الدرس حتى يتمه. فلا رسوب ولا إعادة السنة. مع إبداء أن في هذا رجوع إلى تقاليدنا الإسلامية في التربية. 4 ـ الإكثار من الإراءة والمشاهدة والزيارات والجولات والقيام بالقياسات والتجارب العلمية ثم الدخول في النقاش والبحث في الكتب فهذا الأسلوب الفعال الحي يطبق في كل دروس العلوم الحياتية والطبيعية والاجتماعية. فطلاب تونس مثلاً يزورون القيروان وفي زيارتهم هذه يشاهدون المعالم التاريخية والحضارية والتطورات العمرانية فيبدأون بالبحث في كتل التاريخ والجغرافية ويطلعون على ما يتوفر من خرائط وتقارير فيكلفون بإعداد بحث عن القيروان ترافقه رسوم وصور. 5 ـ يشجع الطلاب على البحث المستقل في المكتبة وفي المختبر وورشة العمل وعلى استعمال الوسائل الميكانيكية مع ممارسة فكها وإعادة تركيبها وإصلاحها عند الاقتضاء. تنظم فرص للعمل التعاوني في البحث العلمي وفي المعمل والحقل. 6 ـ يشجع الطلاب على الابتكار والإبداع في الفنون الجميلة وفي الهوايات الميكانيكية. كما يشجعون على العمل الدؤوب لتحقيق السمو والاتقار ويكافأ الطالب الممتاز. 7 ـ تشجع التنظيمات الطلابية والعمل في لجان أدبية أو فنية أو علمية أو اجتماعية. 8 ـ تشجع الحياة الديمقراطية المقترنة بالمسؤولية والنظام المحكم فلا يسمح بالتراخي أو التهاون. 9 ـ يسود جو من الأدب والاحترام المتبادل بين الطلاب والهيأة التدريسية ويؤكد على تقوية روح الولاء للمدرسة. 10 ـ تؤسس علاقات تعاونية صميمة بين المدرسة واليبئة ولا سيما مع أولياء الطلاب. وأخيراً نقول هذه آراء تمثل اجتهادنا في تجديد الفكر التربوي في العالم الإسلامي هي معروضة للنقاش مع الترحيب بكل نقد أو اقتراح أو تصحيح والله الهادي للصواب.
http://www.balagh.com/mosoa/tarbiah/2v0qnhrx.htm