لعل السؤال استفزك عزيزي المربي ...
وأحاطت بعقلك كل علامات الاستفهام الممكنة ؟؟
هل طفلي يأخذ قراره ؟؟ بنفسه ؟؟
الحقيقة هو سؤال محير للغاية .. ربما لأنه ينافي ما نربي عليه أبناءنا ؟؟
حيث أننا نربيهم على أن نأخذ لهم نحن قراراتهم وأنهم لا يستطيعون أن يأخذوا قرارا من ذوات أنفسهم بالتأكيد ..
ولكن هلم معي عزيزي المربي نتأمل في هؤلاء الأطفال الصغار الذين لم يستطيعوا أن يأخذوا قرارا من ذوات أنفسهم فحسب بل استطاعوا أن يأخذوا قرارات مصيرية قد يترتب عليها حياة أو موت ..
سأذهب لأستشير أبي ؟؟
هذه هي الكلمة التي أطلقها علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه عندما عرض النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام فقال له : سأذهب لأستشير أبي ..
وكان عمره آنذاك نحو سبع سنين وما هي إلا ساعات حتى جاء علي فأعلن وتشهد أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم " أشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله " فسأله النبي صلى الله عليه وسلم : " استشرت والدك يا علي ؟ " فقال له الطفل علي بكل ثقة : " أعندما خلقني الله استشار أبي ؟ لا والله فليس لي حاجة لاستشارة أبي في عبادة من خلقني "
وبهذا أصبح علي رضي الله عنه وأرضاه أول من أسلم من الصبيان ..
لحظة ..
أريد أن أسألك سؤالا عزيزي المربي ...
ولا أريد منك إجابة الآن ..
طفلك صاحب السبع أو الست سنوات ؟؟ هل يستطيع أن يأخذ هذا القرار ..
وأي قرار .. إنه قرار مخالفة كل الناس في سبيل إرضاء رب الناس ..
مخالفة الأب والأم والعم الجد والكل والمجتمع بأسره من أجل شيء اقتنع به ووقر في قلبه ...
أي قوة هذه تلك التي تكمن في قلب علي رضي الله عنه وأرضاه ؟؟؟؟؟
إمام المدينة ذو السبع سنين !!
من هو هذا الطفل الفذ إنه عمرو بن سلمة ..
استمع إليه وهو يحدث قومه بكل جرأة وقوة .. وهو طفل في السابعة أو السادسة من عمره يقول :
جئتكم والله من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقا، فقال: (صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآنا). فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا مني، لما كنت أتلقى من الركبان، فقدموني بين أيديهم، وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت علي بردة، كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطون عنا إست قارئكم؟ فاشتروا فقطعوا لي قميصا، فما فرحت بشيء فرحي بذلك القميص." البخاري "
الآن إذا دخلنا المسجد ورأينا طفلاً بل قل شاباً يؤم الناس أو حتى يؤذن لهم أو يقيم الصلاة لقامت الدنيا وما قعدت ؟؟؟
كيف تقدمون الأطفال وتتركون الصغار ..
الإجابة .. الأطفال يحفظون أكثر من الكبار في كثير من الأحيان ..
هذا النموذج الذي قدمه عمرو بن سلمه رضي الله عنه وأرضاه هل استطاع أحد منا أن يقدمه كنموذج من أطفاله الأعزاء ؟؟؟؟
غلام يعظ الخليفة ..
حينما ولي الخلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه وفدت الوفود من كل بلد لبيان حاجتها والتهنئة , فوفد عليه الحجازيون فتقدم غلام هاشمي للكلام , وكان حديث السن فقال عمر : لينطق من هو أسن منك !!
فقال الغلام : أصلح الله أمير المؤمنين , نحن وفد تهنئة لا وفد مرزئة وقد أتيناك لشكر الله الذي من علينا بك , ولم يقدمنا إليك رغبة ورهبة , أما الرغبة فقد أتيناك من بلادنا وأما الرهبة فقد أمنا جورك بعدلك فقال عمر عظني يا غلام , فقال الغلام : أصلح الله أمير المؤمنين إن أناساً من الناس غمرهم حلم الله عنهم وطول أملهم وكثرة ثناء الناس عليهم فزلت بهم الأقدام فهووا في النار فلا يغرنك حلم الله عنك وطول أملك وكثرة ثناء الناس عليك فتنزل قدمك فتلحق بالقوم فلا جعلك الله منهم وألحقك بصالحي هذه الأمة ثم سكت .
فقال عمر : كم عمر الغلام ؟ قيل هو ابن إحدى عشرة سنة ثم سأل عنه فإذا هو من ولد سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنه فأثنى عليه ودعا له .
فيا له من واعظ هذا الغلام الفذ ..
يعظ أمير المؤمنين ولا يخاف ..
ويتجرأ في الحق ولا يهاب ..
فهل عقمت أمهات اليوم أن تلد مثل هذا الطفل الفذ صاحب الإحدى عشرة سنة ...
أم أنه خطأ تربوي ..
لقد رأينا في مجتمعنا نموذج الطفل الواعظ حقاً يظهر في شاشات التلفاز ..
ولكن للأسف الحقيقة أن المجتمع بأسره إلا من رحم الله وصفوه بالتعقيد واتهموا أهله بوأد طفولته في مهدها ؟؟ وشتان شتان بين الماضي الحاضر ؟؟
الفارق في منهج التربية يعطي هذا الفارق في النتاج ؟؟
لا نقصد منهج التربية أي المنهج الإسلامي فالكثير من الآباء اليوم يربون أبناءهم تربية إسلامية صحيحة ويحرصون على غرس معاني الإيمان والأخلاق في نفوسهم ولكن القليل القليل منهم اليوم من يربون أبناءهم تربية القادة والكثير الكثير منهم يربون أبناءهم تربية العبيد ..
لذلك كان هذا السؤال لكم أيها الآباء اليوم هل يستطيع أطفالكم أن يأخذوا قراراتهم من تلقاء أنفسهم هل يستطيعوا أن يتحكموا ولو في شبر واحد من حياتهم ؟؟؟
أم أننا نسيطر تمام السيطرة على تصرفاتهم ولا ندع لهم منفذاً واحداً يتصرفون هم من خلاله ..
إليك عزيزي المربي هذه المجموعة من الأسئلة :
هل يستطيع طفلك أن يختار أصدقاءه بنفسه ؟
هل يستطيع طفلك أن ينظم وقته بنفسه ؟
هل يستطيع طفلك أن يلبس ملابسه بنفسه ؟
هل يستطيع طفلك أن يأكل بنفسه ؟
هل يستطيع طفلك أن يمارس رياضة بنفسه ؟
هل يستطيع طفلك أن يذاكر دروسه بنفسه ؟
هل يستطيع طفلك أن ينفق على نفسه ؟
هل يستطيع طفلك أن يذهب المدرسة بنفسه ؟
هل يستطيع طفلك أن يذهب إلى المسجد بنفسه ؟
ستتفاوت إجابات الآباء على هذه الأسئلة على حسب نوعية السؤال .. وأيضاًً على حسب عمر الطفل ..
فسنجد كثيراً من الآباء يسمحون لأبنائهم ببعض الأشياء دون البعض الآخر وسنجد أيضاً من يسمحون لأبنائهم بأشياء في سن ولا يسمحون لهم بأشياء في سن آخر ؟؟؟
ولكن السؤال هل ما نمنع أطفالنا عن أدائه بأنفسهم هل لأنهم بالفعل عاجزين عن أدائه أم أننا نضع عوائق وموانع مقتبسة من العرف والخوف ؟
أم أننا نضع حواجز لا اعتبار لها وليس لها معناًَ ؟؟
لو أننا تأملنا أيها الآباء القصة الأخيرة لعلما كيف ربى الحجازيون أبنائهم ؟؟
وكيف قدموا طفلهم ليتكلم بين أيديهم مع أن فيهم من هو أكبر وأعلم بالتأكيد منه .. ولكنه الفارق في منهج التربية هو الذي أحدث هذا الفارق الكبير في النتاج ..
نحن اليوم إذا أردنا أن نقدم أبنائنا لا نقول ليعظ أمير المؤمنين ولكن على الأقل ليقدم في إذاعة المدرسة أو ليقرأ القرآن لوجدناه خائفاً يرتعد ولوجدنا النسبة الغالبة من الأطفال لا يحبون مواجهة الآخرين أو التصدر في المواقف ..
وما هذا إلا للفارق الكبير بين طبيعة تربية آباء هؤلاء المنسحبين عن تربية هؤلاء الأطفال المقدمين ..
والحقيقة لست أدري حتى متى ستعجز أرحام أمهات نساء المسلمين أن تلد أمثال هؤلاء الأفذاذ الذين يعيدون للإسلام مجده وقوته ..
ولست أدري متى سيخرج الآباء من قيود العادة وتربية أبنائهم بطرية الأجداد ..
ولست أدري متى سيخرج من الآباء من يستطيع أن يقدم للإسلام نموذج محمد الفاتح أو صلاح الدين ..
بدلاً من أطفال السوبر مان وكابتن ماجد وبطولات الأحلام ؟؟؟