أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حافلة بذكر المرأة التقية التي تنأى عن التبذل، وتلتزم أمر الله ورسوله صلى الله علية وسلم وتنتهي عما يغضب الله تعالى، فينعكس تقواها على البيت رحمة وسعادة وعلى المجتمع صفاء ونقاء، وعلى الحياة صلاحاً وإصلاحاً. ألم يقل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة» ويوصي الزوج المؤمن بامرأته المؤمنة خيراً: «لايفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي عنها آخر» وفي حجة الوداع قال:« ألا واستوصوا بالنساء خيراً»
. وها أنا أقدم صورا من النساء التقيات في أحاديثه صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الذي رواه عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما في النفر الثلاثة الذين باتوا في الغار، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار فتوسلوا إلى الله تعالى أن ينجيهم فذكروا صالح أعمالهم، يقول الثاني منهم: «اللهم إنه كانت لي ابنة عم كانت أحب الناس إلي، وفي رواية، كنت أحبها كأشد مايحب الرجال النساء، فأردتها على نفسها، فامتنعت مني حتى ألمّت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت، حتى إذا قدرت عليها، قالت: اتق الله، ولاتفض الخاتم إلا بحقه. فقد كانت نقية لم تمكنه من نفسها ابتداء، فلما ضعفت لفقرها، وكاد الفقر أن يكون كفراً، اضطرت إلى ماطلب وذكرته بالله تعالى وتقواه، وهزت فيه المشاعر الإيمانية وأن عليه- إن أرادها- أن يتزوجها حلالاً ولايقع عليها زنا، فارعوى وتاب إلى الله تعالى، فكان لها الفضل الأكبر عليه حقيقة، في انفراج شيء من الصخرة يوم سدت باب الغار.
وما أروع ماقالته السيدة هاجر رضي الله عنها زوج إبراهيم وأم إسماعيل عليهما السلام حين تبعت زوجها، بعد أن وضعها وابنها في واد غير ذي زرع ومضى، تكرر على مسامعه: ياإبراهيم: أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه أنيس ولاشيء؟. وجعل لايلتفت إليها، فقالت له: آالله أمرك بهذا؟. قال: نعم. قالت والإيمان رفيقها والتسليم لقضاء الله غايتها، والاعتماد عليه سبحانه وتعالى رائدها: إذاً لايضيعنا. نعم، إن الله لايضيع عباده الصالحين، ألم يعوض الله سبحانه وتعالى الرجل وزوجته في سورة الكهف {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا، فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحما} ألم يحفظ الله تعالى صاحب الكنز، الرجل الصالح، في ولديه حين أمر صاحب موسى أن يبني الجدار من جديد فيثبته حتى يكبر ولداه فيأخذا كنز والدهما؟ قال تعالى: {أما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك}.