هذي إذن بيروت

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : طالب همّاش | المصدر : www.adab.com

 

وصرختُ يا بيروتُ‏

يا امرأةَ الخريرِ العذبِ‏

والمطرِ الجنوبيِّ الرزينْ!‏

يا أمَّ هذا الليلِ،‏

يا بنةَ شهوةِ الصابونِ‏

والنهدِ الحليبيِّ الحزينْ!‏

بيروتُ يا قمراً‏

يعاركُ في زفافِ الليل‏

أزواجَ الحمامِ بهدبهِ الباكي،‏

وينشرُ في رحابِ الشهوةِ الثكلى‏

محارمَ ياسمينْ!‏

من حزنِ أيامي أتيتكِ حاملاً‏

شوقَ السنابلِ للحفيفِ،‏

ورغبةَ الصفصافِ بالهذيانِ تحت الريحِ..‏

جئتُ اليومَ مشتاقاً حفافي التينِ..‏

يا بيروتُ‏

يا إبريقَ حبرٍ غارقاً بالدمعِ‏

يا ناياً عراقيَّ الحنين!‏

في وجهكِ البدويِّ‏

لاحَ الحزنُ صوفيَّاً،‏

وضاءتْ مثلَ قنديلِ الغروبِ‏

حمامةُ الوادي‏

فجاءَ العاشقونَ مسبّحينْ.‏

نهرانِ يقتربانِ‏

من وترينِ يبتعدانِ‏

والأعراسُ عاليةٌ،‏

وبيروتُ النساءْ.‏

يا للمساءِ العذبِ‏

فاحت زهرةُ القدّاحِ‏

والأشواقُ شفّتْ‏

في فراغ المغربِ الضاوي‏

وراحَ الطائرُ الريفيُّ يخفقُ‏

في أعالي الغيمِ‏

فاحتارَ المغنّي كيف يبدأُ بالغناءْ.‏

فاخترْ كمنجتكَ الحنونةَ!‏

كي تُراقصَ طائرَ الغاباتِ‏

في أفقِ العراءِ الطلقِ للأغساقِ‏

واركضْ في حقولِ القمح‏

برِّياً‏

ليقتلكَ العياءْ!‏

واذهبْ إلى امرأةٍ‏

ضفائرها "أناجيلٌ" من الحنَّاءِ‏

عيناها "مواعيدٌ"‏

ورقصتها غناءٌ‏

في غناءْ!‏

واذهبْ بها عصراً إلى نبعٍ قديمٍ!‏

حيث يبكي طائرُ الحسّونِ منتشياً‏

وتستلقي على رجعِ المياهِ‏

أمومةُ الزيتونِ‏

وافعلْ ما تشاءْ.‏

قلْ إنها امرأةٌ‏

وقلبكَ لا يكفُّ عن النساءْ!‏

هذي إذن بيروتُ‏

امرأةٌ موشّاةٌ بحزنِ اللوزِ.‏

يمشي خلفها العشاقُ‏

قديسينَ‏

والفلاّحُ يجلسُ تحتَ شَجْرتها العتيقةِ‏

مصغياً لحفيفِ شَعْرِ الكستناءْ.‏

مشغولةٌ كالأرزِ‏

من ذرفِ الدموعِ على الأكفِّ،‏

ومن عتاباتِ النواطيرِ‏

الذين يساهرونَ وراء كرمِ الصيفِ‏

جوقاتِ الغناءْ.‏

أغمضْ جفونكَ كي تشاهدَ حلمها!‏

سرّحْ لها أشواقها!‏

واجلسْ إليها مثلَ ناطورِ العنبْ!‏

إن المحبةَ من تعبْ‏

ستشاهدانِ النهرَ كالفرسِ المعذَّبِ‏

سارحاً باللوزِ،‏

والنغماتِ يلهثُ خلفها‏

نايُ القصبْ.‏

وستسمعانِ الليلَ يطلعُ بالعتابا‏

من ضفافِ الوقت كالحادي‏

ويرحلُ في الأبدْ.‏

* * *‏

هذي إذن بيروتُ‏

إِمرأةٌ تضيءُ سراجها وحنينها‏

لليلِ والعشاقِ والقمر الشفيفْ‏

في ليلةِ العشاق يأتي النايُ‏

والمزمار‏

يأتي القمحُ منتشياً‏

بهبَّاتِ الهديلِ على الخريفْ.‏

تأتي صبايا العيدِ‏

تأتي أجملُ الفتياتِ‏

أصغرهنَّ عند تفتّحِ الليمونِ‏

راقصةً‏

بأثوابِ الحفيفْ.‏

يا للأغاني!!‏

زوّجيني من صبايا الأرز‏

أجملهنَّ يا بيروتُ!‏

بنتاً من صبا الأعراسِ‏

يهطلُ جسمها اللوزيُّ أجراساً‏

فيشتاقُ الخريفُ إلى الخريفْ.‏

أحداقها أيقونةٌ‏

أشواقها قمرٌ -و- ريفْ.‏

زهراءُ تولدُ روحها‏

من زغرداتِ الفجر في الغاباتِ‏

من أصباحها،‏

وزواج أزواج الحمائمِ‏

في مقاماتِ الزجلْ‏

فدعوا زرازيرَ الغناءِ البيضَ‏

تخفق في فضاءاتِ الطفولةِ،‏

وارفعوا الحنّاءَ!‏

ولترقصْ صبايا النهرِ رَقْصَاتِ الهدلْ.‏

هذي المواسمُ‏

للتزاوجِ والقبلْ‏

وليرقصِ العشاقُ‏

ما طابتْ لهم هذي الليالي‏

إنهُ... شهرُ العسلْ.‏

يمضي الحبيبُ إلى حبيبةِ روحهِ‏

ويضمّها‏

فتنامُ أسرابُ الحجلْ.‏

والنحلةُ العذراءُ عندَ لقائنا‏

تُخلي خليّتها‏

وترحلُ في مهبِّ الريحِ‏

يا للحلمِ‏

لو يبقى قليلاً نومنا..‏

إنّا صحونا مبكرينَ‏

وفاتنا‏

عَدُّ القبلْ.