مساءات العنب

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : طالب همّاش | المصدر : www.adab.com

 

يا للهنيهاتِ الرخيَّةِ‏

واشتعالِ اللوز في الشبّاكِ‏

قد كبرَ النسيمُ‏

وحقَّ للقمحِ الحفيفُ.‏

فاغرقْ بحزنكَ يا خريفُ!‏

إنَّا عرفنا الصبحَ من قدحِ الشرابِ‏

وصفَّقَ العصفورُ من سكرٍ‏

عصرناهُ..‏

وراحَ الصحوُ من وَلَهٍ يطوفُ.‏

يا للصبيَّةِ وردةٌ بيضاءُ‏

شقَّ قميصها الدوريُّ‏

فانهتكَ البياضُ،‏

وراحَ يلثغُ من تويجتها النزيفُ‏

يا صدرها كرَّاسةُ الليمونِ‏

ترقشها الحروفُ‏

فكأنَّ بنتَ الصبحِ أغنيةٌ‏

سمعناها ونحن نُقلِّمُ الأزهارَ‏

لم نُنصتْ لها‏

لكن طغى نغمٌ على أسماعنا..‏

نغمٌ طفيفُ.‏

فاغرقْ بحزنكَ يا خريفُ!‏

* * *‏

إنَّا تركنا البلبلَ الظمآنَ‏

قربَ النبعِ‏

واخترنا الكنارْ.‏

ثم انتقينا من صبايا العرسِ أصغرهنَّ‏

كي يشدو الكنارْ.‏

صُغنا خواتمَ للخطوبةِ‏

ثم صُغنا من جدائلهنَ عشاقاً‏

وصغنا من أساورهنَّ أقمارَ‏

الحصائدِ كي نغارْ.‏

فلنا الأغاني والمغاني‏

والثرياتِ الشفيفةَ..‏

والحمائمُ شاردات في رحابِ الفجرِ‏

والذكرى لنا‏

ولنا من القمحِ الرغيفُ.‏

فاغرقْ بحزنكَ يا خريفُ!‏

* * *‏

سيَّانَ هذا الحزنُ‏

إن كانَ الغناءَ أو التعبْ.‏

فلنا الخمور كؤوسها وجرارها‏

ولنا ليالي الأنسِ..‏

والقمر المذهَّب في مساءاتِ العنبْ.‏

تلكَ الصبايا في طريقِ الكرمِ‏

يملأنَ السلالَ‏

"بنفسجاً وسفرجلاً" غضاً‏

ويجمعنَ الدموعَ منَ القصبْ.‏

فالليلُ ليَّلَ بالأغاني والطربْ.‏

والراقصاتُ البيضُ‏

يرقصنَ الهوينى عندما نغفو‏

فلاْ يُسمعْ لهنَّ حفيفُ‏

فاغرقْ بحزنكَ يا خريفُ!‏

* * * ‏

كلُّ المواويلِ التي بُحْنَا بها‏

لليلِ‏

وسَّعتِ الفضاءْ.‏

كم قد حفرنا بالدموعِ حروفها؛‏

لنكونَ أولى بالربابةِ‏

والغناءْ.‏

والنايُ كم رُحْنَا نغازلُ‏

روحَهُ التعبى‏

فأشجانا بكاءْ.‏

ثمَّ اعتذرنا للربابةِ،‏

واعتذرنا من ثقوب النايِ‏

والخمرِ العتيقِ‏

فراحَ يقطرُ من أناملنا الشفيفُ.‏

فاغرقْ لنغرقَ يا خريفُ!‏