فراقيّة للروحِ والغربة

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : طالب همّاش | المصدر : www.adab.com

 

متألماً في الغاب،‏

أرفعُ كالذئابِ ندائيَ المجروحَ‏

لا الأفقُ الملبّدُ بالغيومِ‏

يحدُّ من ندمي،‏

ولا رَجْعُ الطواحين الحزينْ‏

لكأنما هذي الحياةُ خليلةٌ للموتِ،‏

بنتُ دموعنا في الليلِ...‏

فلاّحونَ نحرثها‏

وتحرثنا السنينْ.‏

وحدي أجاهرُ في جهات الحزنِ‏

بالخسرانِ،‏

أرفعُ راحتيْ في وجهِ هذا الصبرِ:‏

"لا جدوى"‏

وأرثي في خلاءِ الروحِ غرباني‏

ورهطَ النائحينْ.‏

أأنا الندامةُ أم سوادٌ حالكٌ،‏

أم شهوةٌ مجهولة الرعشاتِ‏

تلمعُ كالسكاكينِ الجريحةِ‏

في فضاءِ الجنسِ‏

أم طعمُ الفراقِ المرِّ‏

في شفة الحنينْ؟‏

أأنا طليقٌ أم سجين؟‏

أأنا صراخُ الروحِ في المطلقْ؟‏

أم رَجْعُهَا الخاوي على طللِ الحُدا الأعتق؟‏

أم عزلةٌ مضروبة في الليلِ‏

تلفظها العقاربُ‏

والأسابيعُ الطويلةُ‏

والشهورْ.‏

ربَّاهُ كيف تُطيقني روحي‏

وتلفظني القبورْ؟‏

* * *‏

متألّماً في الغابِ‏

أشهدُ في الغيابِ أمومةَ‏

الأحزانِ‏

تركضُ في ظلالِ الوحشة الصمّاءِ‏

نادبةً كآباتِ الغروبْ.‏

لو أنَّ هذي الأرض من شجنٍ‏

جعلتُ نواحها يُصدي‏

على كلّ الدروبْ.‏

وتركتُ قبري ضائعاً في الريحِ‏

يندبهُ العراءُ،‏

وتلبسُ الأكفانَ من حزنٍ عليهِ‏

الأمهاتُ الباكياتُ على الجنوبْ.‏

لكأنَّ أيامي رحيلُ الغيم‏

خلفَ الغيمِ‏

لا نجمٌ ليرضعني حليبَ الحزنِ‏

في الأغساقِ..‏

لا قمرٌ يضيءُ بليلتي الثكلى‏

ويحملني على جنحِ الطيوبْ.‏

أبداً يحلّقُ طائرٌ‏

بيني وبين الموت،‏

والأمطارُ تسقطُ كالبكاءِ‏

على بساطِ الدمعِ‏

دمعٌ أسودٌ ينسابُ من شرياني‏

المقطوعِ‏

فوقَ الصخرِ معتكراً..‏

وقلبٌ خافقٌ باليأسِ‏

يسكنني،‏

وتملؤني الذنوبْ!‏

مازلتُ أركضُ خلفَ أسرابِ الحمامِ‏

من الشروقِ إلى المغيبِ‏

مُلوِّحاً بقميصِ إيماني‏

فلا أصطادُ إلا الوهمَ‏

والقمر الكذوبْ.‏

لا الليلُ تسقطهُ مواويلي‏

ولا نوحيْ يردُّ جدارَهُ المضروبَ‏

حولَ الروحِ‏

كالأبدِ المحجَّر‏

والصخورْ.‏

ربّاهُ كيف تطيقني روحيْ،‏

وتلفظني القبورْ؟