صفصافة على درب الهديل

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : طالب همّاش | المصدر : www.adab.com

 

قَمَرُ الحصادِ على حقولِ الصيفِ‏

وامرأةٌ تُحدقّ في خريفِ القمحِ‏

تَارِكَةً لحبرِ الليلِ نهديها..‏

وللصلواتِ كُلّ عذابِها في العاشقينْ! .‏

عذراءُ مثلَ حمامةٍ في النهرِ..‏

يبكي صدرَهَا المتروكَ للرمانِ‏

عصفورانِ‏

مِنْ رَجْعِ الخريرِ، وبلبلٌ مِنْ آهةٍ أولى،‏

ويقبلُ نحوها حادي المواويلِ المشَرّدَ‏

جَارِحَاً أهدابَهَا التعبى‏

بسَيْفِ الياسمينْ.‏

فيلوحُ كالذكرى شَمَالُ جمالِهَا المجروحُ!‏

.. فَاْرِدَةً ضَفَائرَهَا على الريحانِ‏

تَصْرخُ يا حبيبيْ!‏

سبعَ مرّاتٍ قَصَصَتُ ضفيرتيْ،‏

شَبّتْ على حزنيْ السّنابلُ كُلّها ..‏

أنا طفلةُ الزيتونِ‏

تُشْعِلُ قَلْبَها لتراكَ‏

أنا حِدَادُ التائبينْ!!.‏

وأنا سنونوةُ البساتينِ التي ضفرّتها‏

يوماً،‏

ورَجْعُ ربيعِهَا العشرينْ.‏

كلُّ الحساسينِ التي حَطّتْ على صدْريْ‏

لتَحْسُوَ مِنْ قُطيراتِ العذابِ الحلوِ،‏

مَالتْ نحوَ كفِّ الروحِ‏

تاركةً لصبّار الكآبةِ بيلسَانَ النّاهدينْ.‏

وأنّا التي أَحببتُ حتَّى أنْ شَكَكْتُ بطينتيْ،‏

ورأيتُ أبعدَ مِنْ طيورِ الريحِ:‏

قمصانَ الألوهةِ وهيَ تهْبِطُ مِنْ أعالي‏

الغيمِ،‏

والعرسَانَ يمتشقونَ سَيْفَ الصُّبْحِ‏

في سَهْلِ القرى البيضاءِ،‏

والإسراءَ‏

مِنْ ليلِ الحجازِ إلى الشّآمْ.‏

يا قَيْسُ علمّنيْ حمَامُ الدَّوحِ‏

أنّكَ زاجِلُ العشّاقِ‏

في دَرْبِ الهوى الباكي،‏

وساجلُ روحهمْ بالدمعِ‏

في قُرَبِ السحابِ..‏

وفي ظلامِ اللّيل كالقَمَرِ الحرَامْ .‏

فاحملْ رسائلَ قلبيَ الظمآنِ‏

للأقمارِ!،‏

واسفحني على المزمَارِ!،‏

واذرفني كَشَاْلِ الثلجِ‏

في دَرْبِ الغزالْ!.‏

يا قيسُ حبُّكَ قاتلٌ‏

ومَدَادُ قلبِكَ من زلالْ .‏

***‏

الذئبَ يَعْوي في مغيبِ الشمسِ‏

والبيداءُ جَاْثِيَة‏

كَشَمْعَةِ راهبٍ تحتَ الهلالْ! ..‏

وجنوبُ صفصافِ البكاءِ‏

يغضُّ طَرْفَ الحُزْنِ عن لَيْلَى‏

ويرحلُ للشمالْ..‏

يا قيسُ علَّمنيْ زراعةَ قَمحِهَا‏

في سَفْحِكَ العالي!‏

لأسقي زَهْرةَ العُشَّاقِ‏

وَهْيَ تَشُبُّ مثلَ الأرملهْ..‏

وأعانِقَ القمرَ الذي تركوهُ‏

يَتْبَعَهَا كحادي العيسِ‏

ما بينَ التلالْ.‏

هِيَ دَمْعَةُ الصَّلصَالِ..‏

مَحْفُوراً عليها إسْم هذا اللّيْل ،‏

والموّالُ قَبْلَ سقوطهِ‏

من حَسْرَةِ الغيّابِ‏

والعنّابُ في صحرا تُهَامَهْ.‏

وَهِيَ الإقامةُ بينَ خَيْمةِ روحِهَا والدمع‏

تجعلُ رأسَهَا تحتَ الجناحِ‏

كطائرِ البجعِ الحزينِ‏

إذا تغمدَّهَا المغيبُ،‏

ومسّ أطراف البُحِيْرَاتِ الظليلةِ‏

بالغُلاَمَهْ..‏

وهي الحمامةُ‏

قبلَ أن تَرِثَ السَّكينةُ صمتَنا ..‏

وتنامَ ساكنةَ على الأجراسِ،‏

أوّلُ أغنيهْ‏

نامتْ على زَغْرُوْدَةِ الأعراسِ‏

من وَلَهٍ‏

فَعَللَّ قلْبَها المزمارْ.‏

ليلى سماءٌ ثاكلٌ ترعى زَهَوْرَ‏

الحزنِ في دَرْبِ الغيابِ،‏

وغيمةٌ بِكْرٌ تزوّجهَا الضبابُ‏

فأودَعَتْ دَرْبَ الحفيفِ نواحَهَا‏

وتقمصَّتها مريمُ الأشجارْ.‏

يا جذعَ نخلةِ ثُكْلِهَا المجروحَ‏

لا تَتْرُكْ دُموعَ الروحِ!‏

تَسـْـقُط في مِيَاهِ الصُّبحِ كالرّمانِ‏

واتركْ للغزالةِ حزنَها‏

في سَاحِلِ الأسرارْ..‏

مَضَتِ الغزالةُ للحليبِ‏

مَعَ الأصيلِ‏

وَلَمْ تَعُدْ‏

لتردّ للصفصافِ بحتَّهُ الخفيفةَ‏

كلمّا هبّتْ عليه الريحُ نائحةً- ،‏

وتجدلَ لليمامةِ شَعْرَهَا الموؤدَ‏

حينَ تَحِيْنُ أعراسُ الهديلْ.‏

لا بُدّ أنْ تأتي‏

لتُرْضِعَ طائرَ الأنهار قَطْرَةَ حزنِهَا،‏

وتَعِلّ كأسَ أبن الملوّحِ‏

مِنْ شرَابِ السلسبيلْ.‏

لكأنّنيْ شَاهدتُ دِجْلَةَ في ظلامِ اللّيلِ‏

يَرْفَعُ صدرَها للقمحِ،‏

والعُصْفُوْر يرفعُ صوتَهَا للبيلسانْ.‏

وكانّني شاهدتُ سرباً من‏

(زغاريدٍ)‏

يُطيّرُ في الهواءِ الطّلْقِ‏

ثَوْبَ زفافِها،‏

ولفيفَ أجراسٍ يزيّن بالحرائرِ خصَرَها‏

الصاديْ‏

كَعُودِ الخيزرانْ.‏

وسَمِعْتُ موسيقى الغروبِ‏

تَقودُ قُطْعَانَاً من النايات‏

رَاكضَةً علَى دَرْب الغيابِ! .‏

وعازفُ الزَّمْرِ المشردُّ‏

راكضٌ في الريحِ‏

يَقْطِفُ مِنْ أعالي الغيمِ سنبلةَ العناقِ،‏

وبلبلُ الأحزانِ يَعْدُو خَلْفَ آهاتِ الكمانْ! .‏

***‏

سَيَذُوبُ ثَلْجُ العُمرِ يا ليلى‏

وحزنكِ لَنْ يذوبْ!!‏

وسيسقطُ التفّاحُ فوقَ سريركِ الباكي،‏

ورمّانُ الجنوبْ!!‏

والأرضُ تُسْبِلُ راحتيها حينَ تَهْرُمُ‏

روحَكِ الثكلى،‏

ويكتئبُ الغروبُ!!.‏

***‏

يا قَيْس لا تصرخْ على ليلى‏

فقدْ شرَدَتْ وراءَ الشّمسِ‏

راخيةً سنابلَ روحِهَا التعبى‏

وصَارتْ كالنصوبْ!.‏

يا قيسُ لا تصرخ على الريحانِ‏

يفرشُ زهرةٌ‏

سجّادةً لصلاتِهَا‏

وسماؤهَا اتكأتْ على النسيانِ‏

وانفطرَتْ قلوبُ‏

الجلّنارْ.‏

الحزنُ أهدأ مِنْ صلاةِ الفجرِ‏

في بستانِ دِجْلَةَ‏

والدموعُ أحنُّ من ماءِ الترمُّلِ‏

في الجرارْ!