الشاعر الذي صار قديساً

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : طالب همّاش | المصدر : www.adab.com

 

وكَنْتُ سأعرفُ أنّ الذي بينهُ‏

وَبَيْنَ أقلّ الشجيراتِ مسّاً‏

لضلعِ الهَواءِ‏

بُكاءُ مناديلَ أرخَصُ‏

مِنْ وَجَعِ النْايِ في الكلماتِ،‏

وهَمْسُ حَفيفٍ أرَقُّ على زَهْرَةٍ‏

"يتركُ الرُّوحَ عريانةً في العَرَاءْ."‏

كأنّ التّرابَ أخْوهُ الذي مِنْ هديلٍ،‏

وتوأمهُ في النحيبِ الغناءُ الذي‏

ذرفوه‏

على آخر الصيفِ‏

إنْ الخريفَ معابدُ لكنْهَا للبكَاءْ!.‏

ومَا كُنتَ أعرفُهُ:‏

(رَجُلٌ شاهقُ الحزنِ)‏

يَشْعرُ بالريحِ أقربَ من راحتيهِ‏

إلى النومِ،‏

يشعرُ بالسنديانةِ تنفخُ كالبحر في الليلِ‏

والبحرِ بئراً عميقاً لأسرارِ زرقتهِ‏

في السماءَ! .‏

ولكَنْ سأعرفُ كَيْفَ أُسَمّي الزهورَ‏

كؤوساً من الثلج فوقَ يَديهِ‏

وأقتلها كي أنامْ .‏

كأنّي به آخر الشّعراءِ،‏

وأجمل أحفادهمْ فوقَ سفحِ الأناجيلِ‏

بِيْضُ الحساسين ترعى على روحِهِ‏

أوّل الصبحِ‏

فيمَا البلابلُ تَقْضِمُ حزنَ البراعمِ‏

عَنْ جانبيهِ‏

ويبقى الحمامْ.‏

أليفاً، أقلّ من الليلِ حزناً‏

وأجْمَل مِنْ لحظاتِ الغُروبِ‏

على نخلتينِ تعانَقَتَا‏

والسَمَاواتِ بيضاءُ مطعُونة بالغيومِ‏

كأنّي بهِ آخرُ الشّعراءِ على الأرضِ!‏

يرتكبُ الإثمَ فوقَ بياضِ القصيدةِ‏

ثمّ يدلّ القوافي على امرأةٍ‏

لمْ تسرّحْ نوارسَهَا للكسوفِ‏

ليرجعَ طيرُ الكلامْ.‏

وما زلتَ مثلَ اليمام‏

أفتشُ عَنْ نبعةٍ خبّأتْ نَفْسها‏

عن أيائل أحزانهِ البيضِ‏

حتّى إذا قامَ كي يتوضّأ في آخر اللّيلِ‏

حلّتْ ضفائرها كحقولٍ من القمحِ‏

وانسابَ لؤلؤها الليلكيّ الحرامْ.‏

***‏

وكانَ مع الوقت أن قالَ‏

للسنديانةِ‏

كونيْ ملاذاً أفيءُ إليهِ‏

فكانتْ‏

وحطّ على جذعها رأسَهُ لينامْ.‏

وقالَ لسِرْب العصافير:‏

كنْ حارسي من غيومِ الشتاءِ! ،‏

ستأتي نساءٌ مكفّنةٌ بالمواويلِ‏

لا قبرَ تُرخي عليهِ جدائلَ أحزانها‏

السودَ‏

لا قمرٌ لتنوحَ على كتفيه سماءُ الأنوثةِ‏

كلُّ الأغاني انتهتْ‏

واضمحلّ رنينُ الكلامْ.‏

ونادى على الماءِ:‏

يا طفلُ كنْ آخرَ الأنبياءِ!‏

وعلّقْ قميصكَ فوقَ الفراتِ! ،‏

فإنّي سئمْتُ الحياةَ‏

وأشرعتُ حزنيْ على الأرضِ كيما أموتَ‏

فقالَ له الماءُ:‏

لا لاتمتْ يا أبيْ!‏

ما أحنَّ يداكَ على كوكب الحزن‏

ما أعذب الثلجَ وهْوَ يرافقُ أنثاكَ نحوَ عرائسها‏

البِيْضِ!‏

لا لاتَمَتْ يا أبي!‏

قبلَ أنْ تتأمّلَ هذا الغروبَ طويلاً‏

وتُمضي على الأرض سبعين عاماً وعامْ.‏

فطلَّ المساءُ كذئبٍ جريحٍ.‏

يبادلُ أشجانه بالعواءِ‏

ويضربُ ريحَ الهديل‏

لتبقى بعيداً عن الدّمعِ‏

إنّ التماثيلَ ترثيهِ‏

والقِطَعُ البيضُ‏

تبكي على روحِهِ في الأعالي‏

ويَنْتَحرُ النايُ‏

لكنَّ غصناً من البيلسانِ المؤطَّر بالدَّمعِ‏

مالَ على الصُّبحِ مثلَ الأباريقِ‏

وانداحَ سِرْبُ يماماتِ زرقتهِ‏

كالبلابلِ فوق بياضِ الرُّخامْ.