هديل وأمومة القمح

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : طالب همّاش | المصدر : www.adab.com

 

ويرتفعُ النايْ‏

-طائرْ حزنِ الثلوجِ-‏

على راحةِ الموتِ‏

مثلَ وداعِ المواويلِ!‏

ماتتْ هديلْ!!‏

ولَمْ تمشِ بعدَ على شارعِ العمرِ..‏

لَمْ يرجعِ الطيرُ من آخر الصيفِ‏

كيما يعلْمها الطيرُ كيفَ تطرّزُ‏

سرَّ أنوثتها في حنانِ المناديلِ‏

ماتتْ هديلْ!!‏

ولم يكبر الغيمُ بعدُ‏

لتسقي جرارَ الطفولةِ بالحبرِ‏

وَهْيَ تؤلّفُ للعشقِ‏

أحلى المواويلِ..‏

كيفَ نودّعُ جثمانها الغضَّ‏

وهو يحدقُ مثلَ أبي الهولِ‏

في زرقةِ النيلِ؟!‏

كيفَ نودّعُ أهدابَهَا؟‏

دونَ أنْ يبلغَ القمحِ‏

عُمْرَ الحفيفِ على ركبتيها‏

هديلُ الأحنُّ على البحرِ‏

من غَيْمَةٍ في الأصيلِ!!،‏

القطا قبلَ أنْ يترهَّبَ خلفَ البحيراتِ،‏

أيقونةُ الدَعَوَاتِ‏

التي ذَهَبَتْ للصلاةِ‏

وأخَّرَهَا البيلسانْ!!‏

هديلُ التي اقتربتْ كالأباريقِ‏

من نَبْعَةِ الحزنِ‏

فانجرح الماءُ تحتَ يديها‏

وحطَّ على صَدَرَها‏

بلبلُ الموتِ قبلَ الأوانْ!!.‏

كأنَّ الطيورَ التي أطلقتها على الصبحِ‏

مالتْ على النهرِ‏

كيما تموتَ!!‏

كأنَّ الرياحَ التي سَرَقَتْ شَعْرَهَا‏

للحفيفِ‏

استحالتْ إلى حَسْرَةٍ‏

خلفَ شمسِ الخريفِ!!‏

وهرْتْ دموعُ البكاءِ على المَعْمَدَانْ!!‏

هي الآنَ خلفَ الكرومِ‏

تعلّمُ ألعابَهَا الرقصَ‏

أكثرَ من مرةٍ شاهدتها الينابيعَ‏

ترفعُ سَبْعُ أغان على راحتيها‏

وتومئُ مثلَ المغنْي لسربِ الحمامِ‏

فيشردُ في اللحنِ رفُّ الزرازيرِ..‏

أكثر مِنْ مَرَّةٍ شاهدتها المناديلُ‏

قبلَ الغروبِ‏

تُرَاسلُ حزنَ العصافيرِ!‏

تملأُ أحزانَهَا حنطةً‏

وتمرُّ براحتها فوقَ قلب الفقيرْ!‏

هي الآن دفترَ رسمٍ صغيرْ..‏

يحاولُ أن يتصوَّرَ مثلَ الحمامةِ‏

في النهرِ،‏

مثلَ الغزالِ الجميلِ..‏

هديلُ الصغيرةُ‏

شَبَّ على عمرها القمحُ‏

قبلَ الحصادِ،‏

بنى طائرُ النهرِ عشّاً على شُعْرَهَا‏

في الخريفِ‏

فمالتْ مع الريح مثلَ عذابِ المزاميرِ!!‏

تَنْهَدُ شَجْرَةُ أرزٍ‏

على صدرِهَا،‏

وتُعَلّقُ صبّارةٌ من دموعٍ‏

على راحةِ الموتِ‏

مثلَ وداعِ المواويلِ!!‏

ماتَتْ هديلْ!‏

السحابُ الأخيرُ منَ العمرِ،‏

دربُ الإوزِّ إلى النبعِ،‏

آخرُ أغنيةٍ لحّنتها على الحَوْرِ‏

أنثى النواعيرِ..‏

واأسفاهُ!! هديلُ التي‏

زوّجتْ قلبَها للغيومِ‏

وصارتْ جراراً من الدمعِ‏

مملوءةً بالخريرْ!‏

فقولوا لجدتَّها‏

أنْ تعمِّرَ أنصابَ وحشتها‏

آخرَ الصيفِ!‏

قولوا لخالتها‏

أن تنصِّبَ فزّاعةَ الحورِ‏

خلفَ السياجِ،‏

وللقمحِ أن يتموّجَ خلفَ الحواكيرِ..‏

قولوا لتلكَ الغيوم التي‏

تتشاجرُ في الأفقِ‏

أن تهدأَ الآن!‏

غابتْ هديلَ ولكنْ إلى حين..‏

طفلُ الصباحِ رآها‏

فرافقها نحو قصرِ الثلوجِ..‏

دَعَتْهَا الغزالةُ للنبعِ‏

كي تتأمّلَ عذريَّةَ الماءِ في وجهها،‏

وتُخَصِّلَ أهدابَهَا من حفيف الرياحينِ‏

لا تحسبوها(...)‏

رأتْ في الغيابِ لفيفَ بلابلَ زرقاءَ،‏

أجراسَ بيضاءِ،‏

سربَ عصافيرَ من ليلكٍ وغناءْ..‏

فغابتْ وراءَ البساتينِ‏

سوفَ تعودُ مع النهرِ يوماً‏

فألعابها لَمْ تنمْ بعدُ ...‏

فُلَّتُهَا ما تزال إلى الآن‏

ترسمُ أفواهُهَا قبلاتِ الهواءْ،‏

وسَرْوَتُهَا تُرْضعُ الغيمَ في السَّفْحِ‏

سوفَ تعودُ معَ النهرِ.. .‏

قامَتُهَا أرزةْ تائبهْ،‏

شَعْرُهَا القرويُّ يموّج أشعارهُ في الحقول‏

هديلُ شقيقةُ حزنِ الجداولِ،‏

رَجْعُ الحفيفِ على صخرةِ الروحِ‏

أنثى البحيراتِ‏

لكنها غائبهْ!