أطلانتس(Atlantis) جزيرة إسطورية في المحيط الأطلسي غربي جبل طارق مزقتها البراكين والزلازل فابتلعها المحيط وغاصت في أعماقه تاركة قطعاً ونتفاً.. يقال أنها تشكل الآن جزر آزور وجزر الكناري وجزر الرأس الأخضر. شغلت هذه الجزيرة القارة بال العلماء والمفكرين منذ العصور الوسطى وحتى الآن فأخذ العلماء ينقبون عن آثارها وأنشأ الأدباء حولها القصص والحكايات نذكر في هذا الصدد الروايتين الشهيرتين (عشرون ألف فرسخ تحت الماء) لـ جون فيرن JOHN VERN و(أعماق ماراكوت) لــ آرثر كونان دويل، Arthur Conan Doyle فنتج عن ذلك تأرجح الآطلانتس بين الواقع والخيال.. فما هي الحقيقة..؟!
أول من أشار إلى جزيرة الأطلانتس هم الفراعنة المصريون ثم روى قصتها شعراً رجل الدولة الإغريقي ( سولون) وأحد الحكماء السبعة الذين استلهموا تاريخ الأطلانتس في سعيهم لتوحيد قبائل الإغريق وتأسيس دولة قوية موحدة بزعامة أثينا، سولون ثم جاء الفيلسوف اليوناني ( أفلاطون ) وكتب عنها أفلاطون سنة 360 قبل الميلاد: "وجدت جزيرة أطلانتس في المحيط الأطلسي، وكان بها حضارة في غاية التطور منذ ما يقرب من 11.500 سنة مضت، إلى أن تم تدميرها نتيجة لكارثة طبيعية، فغرقت تلك الحضارة تحت الأمواج". تحدث أفلاطون عن أهلها و عاداتهم و تقاليدهم .. فقد كانت تمتلك حضارة كبيرة و متقدمة . بالإضافة إلى بداعة أبنائها في الهندسة والري .. حيث استطاعوا بناء ثلاثة حلقات دائرية الشكل تلف المعابد والمباني إضافة إلى سهول مستطيلة الشكل و شبكات رى متقدمة. ثم جاء أفلاطون واعتمد على هذه المصادر وغيرها من الوقائع الشائعة في عصره وتحدث عن الأطلانتس في كتابيه و "Timaeus" (تيماوس) و "Criteaus" (كريتياس ) اللذين يعتبران أهم مرجع للمعلومات عن تلك القارة. يقول أفلاطون على لسان (كريتياس) انه كانت توجد جزيرة كبيرة عند أعمدة هركليس (جبل طارق) مساحتها مليونا كيلومتر مربع، نشأت فيها دولة عظيمة بسطت سيادتها على الجزيرة كلها والجزر القريبة منها، ثم تعاظمت قوتها فاحتلت شمال أفريقيا ووصلت إلى مصر واليونان وقد أسس هذه الدولة (بوسيدون) الذي قسمها إلى عشر ممالك، ونصب أولاده العشرة ملوكاً عليها على أن يخضعوا كلهم لسلطة الابن الأكبر (أطلس) ملك الجزيرة كلها، ثم وضع لهم بوسيدون الشريعة التي نُقشت على نُصب من النحاس، وأهم ما تضمنته تلك الشريعة هو أن يظل الملوك العشرة متحدين ومتآزرين، لا يعتدي أحدهم على الآخر مهما كانت الأسباب وإذا حدث خلاف بينهم اجتمع الملوك فوراً برئاسة أطلس وطوقوا الخلاف وأزالوه أما إذا حدث اعتداء خارجي على أحدهم فعليهم أن يهبوا كلهم لنجدته والدفاع عنه. الاجتماعات الخماسية. عمل الملوك العشرة بتلك الشريعة ولم يخرجوا عنها فازدهرت الجزيرة ونعمت بالرخاء، كانوا يجتمعون مرة كل خمس سنوات ليتباحثوا في أمور الجزيرة العامة والخاصة، وقبل بدء الاجتماع كانوا يصطادون ثوراً برياً دون سلاح يقدمونه ذبيحة ثم يشرب كل ملك من دمه ويقسم بالحفاظ على الشريعة والتقيد بها وعندما يحل الليل كانوا يجلسون بحلل زرقاء يتفاوضون ويتشاورون في شئونهم الخاصة حتى الصباح عندئذ يسجلون ما اتفقوا عليه على لوح من الذهب ثم ينصرف كل واحد إلى مملكته. بلغت دولة الأطلانتس شأواً في القوة والغنى لم تصل اليه دولة أخرى، وسبب قوتها يعود إلى نظامها الاجتماعي العسكري، لقد قسمت كل مملكة إلى ستة آلاف ولاية مساحة كل ولاية ثلاثة كيلومترات مربعة، كل ولاية مستوطنة ومفرزة عسكرية عليها مع بقية الولايات أن تقدم للدولة سنوياً عشرة آلاف مركبة حربية ومئتين وأربعين ألف حصان، مائتي سفينة مع مائتي بحار.
أما سبب غناها فيعود إلى خيرات الجزيرة الغنية بالمعادن والأخشاب والماشية والمراعي والأراضي الخصبة، استغل الأهالي تلك الخيرات فزرعوا الأرض بالحبوب والثمار من كل صنف ونوع وأقاموا السدود والجسور وحفروا الترع وشيدوا الأبنية والهياكل والموانئ والأبراج ثم أقاموا علاقات تجارية مع الدول المجاورة وقايضوا الذهب والنحاس بالعاج والعطور. بداية النهاية نَعِم سكان الأطلانتس بتلك الخيرات وعاشوا وادعين كالحملان لكن ملوكهم تغطرسوا حين كثر مالهم وقوي نفوذهم، فطمعوا بخيرات البلاد المجاورة فاستعمروا قسماً من أوروبا وشمال أفريقيا حتى ليبيا ثم حاولوا اجتياح مصر وبلاد الإغريق لكن قبائل الإغريق المتناحرة توحدت بزعامة أثينا واستطاعت أن تصد جيوش الأطلانتس وتدحرها فتراجعت مهزومة إلى بلادها، بعدئذ انشغل ملوك الأطلانتس بمصالحهم الخاص فانغمسوا في الملذات وفسقوا وعربدوا فثار غضب الله عليهم وثارت البراكين والزلازل وطاف البحر وغاصت الأطلانتس في الأعماق. هذه هي قصة الأطلانتس التي رواها أفلاطون في محاورة اكريتياس وقد أثارت هذه القصة اهتمام وخيال مئات العلماء والباحثين في كل عصر: أنثروبولوجيين وجيولوجيين وفلكيين والأدباء وعلماء الدين ولم يتوقف أولئك العلماء عن البحث والتنقيب عن بقايا هذه القارة في طول الأطلسي وعرضه حتى الآن رسم إفتراضي مبني على قصص المؤرخين أمثال أفلاطون
ومن هذا المنطلق بدأت عشرات المحاولات لإثبات وجود أطلانتس وراح العلماء يبحثون عن أماكن أخرى بخلاف المحيط الأطلسي يمكن أن تكون المهد الحقيقي لأطلانتس , فأشار احد العلماء إلى أن أطلانتس هي نفسها قارة أمريكا , وأكد آخر أن الجزر البريطانية هي جزء من قارة أطلانتس في حين اقترح البعض الآخر وجودها في السويد أو المحيط الهندي أو حتى القطب الشمالي أن علماء التاريخ والآثار لا يملكون حتى الآن دليلاً دامغاً على حقيقة أطلانتس، سوى ما ذكره المؤرخون، أو ما تناقلته الألسن. ومع هذا فإن نقاشاً حول الموضوع شق طريقه مؤخراً إلى الواجهة بعد اكتشاف أرخبيل غارق قبالة جبل طارق جنوبي إسبانيا. وعلى الرغم من إعصار الشكوك الذي تركه أفلاطون بعد إشارته إلى حقيقة وجود أطلانتس ، إلا أن الكثير من الناس ظلوا متعلقين بما عدّوه ماضياً مجيداً للإنسانية المكتملة انتهى بكارثة بيئية. وإزاء حقيقة وجود أو عدم وجود أطلانتس ، انعقد مؤخراً في مدينة ( سيريزي ) الفرنسية مؤتمر ضمّ أساتذة تاريخ وآثار وأدباء، ومتخصصين في الحضارة اليونانية.. وعلماء بحار، لمناقشة جميع أوجه الفرضيات المطروحة حول الموضوع. وتقدم أحد الجغرافيين المتخصصين في جغرافيا ما قبل التاريخ، بفرضية مدعومة بوثائق وخرائط مفصلة، تثبت جميعها أن أطلانتس كانت جزائر قائمة بذاتها، قبل أن يبتلعها البحر. وحدّد هذا العالم مكان أطلانتس على بعد أميال قليلة من المدخل الغربي لمضيق جبل طارق، وبالقرب من طنجة المغربية، حيث يوجد تكوين بحري مغمور بالماء يرتفع بمقدار 56 متراً عن القاع، ويبدو أن هذا التكوين الحجري كان قبل 19 ألف سنة قائماً فوق سطح البحر، وهي فترة تربو كثيراً على زمن أفلاطون الذي لا يبعد عنا أكثر من 2300 عام. ويعتقد هذا الجغرافي أن مستوى سطح البحر كان في تلك الحقبة أسفل مما هو عليه الآن بمقدار 135 متراً، بسبب نحت الكتل الجليدية الزاحفة على المنطقة في ذلك الوقت، ما يعني وجود أرخبيل في مدخل المضيق، بمساحة تصل إلى 70 كيلومتراً مربعاً. خريطة لتحديد أماكن الأطلانتس
لقد سبق لأفلاطون أن ذكر في كتابه أن تلك الأرض كانت شاسعة الأطراف، وتربو مساحتها على مساحة ليبيا، أي منطقة شمالي أفريقيا بأكملها، كما كانت تسمى في زمن أفلاطون ، وحدد الفيلسوف مكان هذه القارة مقابل أعمدة هرقل، أي مضيق جبل طارق، وبالتحديد قبالة منطقة ( قادس ) في إسبانيا. ولتبيان سبب تفاوت المساحة بينه وبين أفلاطون، عمد الجغرافي الفرنسي ( جاك كولينا جيرارد ) إلى وضع فرضية جديدة تقول فصولها إن القارة الضائعة تعرضت على مدى أزمان متعاقبة للغرق تحت مياه البحر بصورة تدريجية، بسبب ذوبان جليد القطب الشمالي، وهي الظاهرة التي استمرت لفترة عشرين ألف عام وانتهت في عصر أفلاطون بابتلاع أطلانتس بأكملها. وعلاوة على ذلك فإن جيرارد يختلف مع أفلاطون حول حقيقة حضارة وتمدن أهل أطلانتس الغارقة، والتي طالما ألهبت خيال الشعراء والمؤرخين وصانعي الأفلام التاريخية، فجيرارد يرى أن حضارة أطلانتس لم تكن تفوق، بما صنعته، أيّاً من حضارات ما قبل التاريخ، مثل الأدوات الحجرية، وبعض أنواع الخزف البدائي، بعد أن استخرجت بعثات الغوص الكثير من هذه الآثار في المكان المفترض لغرق أطلانتس. وهكذا يبدو جلياً أن أطلانتس لم تكن لتحتوي على أي شيء من قصور الأحلام والحضارة الزاهرة مثلما تصورها فيلسوف (الجمهورية)! ومع هذا فإن تقلبات مناخ الأرض عبر تلك القرون الطويلة، كانت كافية لتغيير الكثير من المعالم الجغرافية في سواحل المتوسط، حيث غرقت بعضها وظهرت أخرى، كما يبدو ذلك واضحاً من مصير الكثير من أثار مدينة الإسكندرية التي تعد أقرب لعصرنا من أطلانتس الموغلة في القدم . ترى هل أراد أفلاطون (لجمهوريته) مثالاً يمكن تخيله على أرض الواقع، بلوعة من فقد حلماً كبيراً؟ ويرى البروفيسور جيرارد أن الاعتماد على النصوص التاريخية القديمة في تحديد الأماكن الجغرافية يحمل الكثير من مخاطر الوقوع في تصورات غير حقيقية; لأن المؤرخين القدامى كانوا يعتمدون على أسلوب النقل عن أفواه الرواة، أكثر مما كانوا يتحققون من صدق الوقائع التي يتحدثون عنها، حتى وإن تعلق الأمر بأفلاطون نفسه.... ومن هنا فلنعود معا إلى زمن قديم , أقدم مما يمكن أن نتصوره !!!! للمحاورة التي سجلها لنا التاريخ قبل أربعه وعشرين قرنا من الزمان ....انتظرونا .