شخصيــات وأحــداث 5

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : رحال اسكندراني | المصدر : www.egyptsons.com

عبد الحميد الثاني وجدال لم ينتهِ





السلطان العثماني عبد الحميد الثاني شخصية تاريخية أثارت جدلا كثيرا خرج بأحكام متباينة على الرجل؛ حيث ينظر إليه البعض على أنه مصلح عادل، حكم دولة مترامية الأطراف متعددة الأعراق بدهاء وذكاء، ومدّ في عمر الدولة والخلافة العثمانية، ووقف ضد الأطماع الاستعمارية الغربية لاقتسام تركة "رجل أوربا المريض"، مستفيدًا من تضارب هذه الأطماع، فضلا عن موقفه الحازم والرافض لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين..

بينما ينظر إليه آخرون على أنه مستبد ظالم ديكتاتور، حكم هذه الإمبراطورية الشاسعة لمدة 33 عامًا حكمًا فرديًا، كانت كلمته هي الأولى والأخيرة؛ واضطهد الأحرار، وقتل بعضهم، وطارد البعض الآخر، ولم يسلم منه إلا من خضع له.

إلا أن القارئ والمستطلع الواعي يحتاج إلى أن ينظر بعينيه الاثنتين متفحصا وجهتي النظر السابقتين؛ حتى لا تصاب رؤيته بالأحادية فيصدر أحكامًا صارمة وجائرة على شخصيات وأحداث متعددة الجوانب والأبعاد، وفي هذا إهدار لقيمة التاريخ الذي سجّل لنا حسنات الرجل وسيئاته.

المولد والنشأة

ولد عبد الحميد يوم الأربعاء (16 شعبان 1258 هـ = 22 سبتمبر 1842م)، وهو ابن السلطان عبد المجيد الأول الذي يعد أول سلطان عثماني يضفي على حركة التغريب في الدولة العثمانية صفة الرسمية، وعُرف عهده بعهد التنظيمات، الذي يعني تنظيم شئون الدولة وفق المنهج الغربي.

أما أمه فهي "تيرمشكان" جركسية الأصل توفيت عن 33 عاما، ولم يتجاوز ابنها عشر سنوات، فعهد بعبد الحميد إلى زوجة أبيه "بيرستو قادين" التي اعتنت بتربيته، وأولته محبتها؛ لذا منحها عند صعوده للعرش لقب "السلطانة الوالدة".

تعلم عبد الحميد اللغتين العربية والفارسية، ودرس الكثير من كتب الأدب والدواوين الشعرية والتاريخ والموسيقى والعلوم العسكرية والسياسية، وكان يحب مهنة النجارة ويقضي فيها الوقت الكثير، وما تزال بعض آثاره النجارية موجودة في المتحف.

توفي والده وعمره 18 عامًا، وصار ولي عهد ثان لعمه "عبد العزيز"، الذي تابع نهج أخيه في مسيرة التغريب والتحديث، واستمر في الخلافة 15 عاما شاركه فيها عبد الحميد في بعض سياحاته ورحلاته إلى أوروبا ومصر.

التقى عبد الحميد في خلافة عمه بعدد من ملوك العالم الذين زاروا إستانبول. وعُرف عنه مزاولة الرياضة وركوب الخيل والمحافظة على العبادات والشعائر الإسلامية والبعد عن المسكرات والميل إلى العزلة، وكان والده يصفه بالشكاك الصامت.

قتل السلطان عبد العزيز في مؤامرة دبرها بعض رجال القصر، واعتلى العرش من بعده مراد الخامس شقيق عبد الحميد، ولكنه لم يمكث على العرش إلا 93 يومًا فقط، حيث تركه لإصابته باختلال عقلي.

تولي الخلافة

بويع عبد الحميد بالخلافة في (9 شعبان 1293 هـ = 31 أغسطس 1876)، وكان في الرابعة والثلاثين من عمره، وهو الخليفة السابع والعشرون في الخلفاء العثمانيين، وتولَّى العرش مع اقتراب حرب عثمانية روسية جديدة، وظروف دولية معقدة، واضطرابات في بعض أجزاء الدولة، خاصة في البلقان.

اجتمعت الدول الكبرى في إستانبول في مؤتمر "ترسخانة" في (5 ذي الحجة 1293 = 23 ديسمبر 1876م)، لمناقشة الحرب القادمة، وتزامن ذلك مع إعلان المشروطية الأولى (الدستور)، ثم افتتاح مجلس المبعوثان (النواب) المنتخب من الولايات العثمانية المختلفة، حيث بدأت الخطوات الحثيثة نحو النظام البرلماني. ومع دق طبول الحرب العثمانية الروسية سحبت الدول الكبرى سفراءها من إستانبول، وتركت العثمانيين وحدهم أمام الروس.

وقعت الحرب في منتصف عام (1294 هـ = 1877م)، وعرفت بحرب 93، وتعد من كبرى حروب ذلك الوقت، ومني فيها العثمانيون بهزيمة كبيرة، واقترب الروس من إستانبول لولا تكتل الدول الأوروبية ضد روسيا، وحضور الأسطول الإنجليزي إلى ميناء إستانبول، وأُمليت على العثمانيين معاهدتي صلح هزليتين هما: آيا ستافانوس، وبرلين، اقتطعت فيهما بعض أراضي الدولة العثمانية، وفُرضت عليها غرامات باهظة، وهُجّر مليون مسلم بلغاري إلى إستانبول.

تعطيل الدستور

شعر السلطان عبد الحميد بأنه أجبر على قرار الحرب بسبب ضغوط مدحت باشا -الصدر الأعظم - الذي حرّض طلبة العلوم الدينية العليا للقيام بمظاهرات تجبر السلطان على الحرب. تصاعد الرأي العام على إثر هذه المظاهرات داعيا إلى الحرب. رأى السلطان أن هناك قصورًا في الرأي العام ممثلا في المجلس الذي دفع بالأمة إلى الحرب في غير وقتها وبدون استعداد لها أو حاجة إليها؛ لذلك قام بتعطيل الحياة النيابية إلى أجل غير مسمى في (9 صفر 1295 هـ = 13 فبراير 1878م)، واستمر هذا التعطيل مدة ثلاثين عاما ونصف، بعد حياة نيابية استمرت عاما واحدا.

والملاحظ أن السلطان لم يلغِ الدستور أو ينحيه، بل استمر نشر الدستور في النشرة السنوية للدولة طيلة 31 عاما متوالية دون انقطاع، وإن كانت أحكامه لم تطبق. ولم يجتمع مجلس الأعيان، ولكنهم استمروا في تقاضي مرتباتهم بصورة رسمية مدى الحياة.. وعلى هذا الأساس فإن السلطان أدار دولته بصورة شخصية دون مجلس، في ظل دستور يمنع تدخل السلطان في شئون الحكومة؛ لهذا وسم السلطان بصفة المستبد والديكتاتور.

وقد استصوب السياسي الألماني بسمارك ما فعله السلطان عبد الحميد من حل مجلس المبعوثان (النواب)، وعلَّق عليه بقوله: "إن لم يكن قوام الدولة شعبًا واحدًا، فإن ضرر مجلسها يكون أكبر من نفعه".

حكم السلطان حكمًا فرديًا من مقر إقامته في قصر ييلذر، وربط جميع مؤسسات الإمبراطورية بشخصه، غير أنه لم يستعمل القوة القسرية في حكمه، حيث لم يتدخل الجيش في الشئون الداخلية، وإن اعتمد السلطان على تحريات الأمن التي قامت بالعديد من التجاوزات.

ويلاحظ أن السلطان عبد الحميد كان بعيدًا عن سفك الدماء أو أسلوب الاغتيالات وتصفية معارضيه، وكان لا يلجأ إلى عقوبة السجن إلا في القليل، ثم يغيرها بالنفي. ولم يصدّق خلال سلطته الطويلة إلا على خمس عقوبات إعدام فقط، وهي أقل عدد من عقوبات الإعدام في تاريخ تركيا كلها.

الديون العثمانية

بلغت الديون العثمانية الخارجية عند تولي السلطان عبد الحميد الثاني حوالي 252 مليون قطعة ذهبية، وهو مبلغ كبير بمقياس ذلك العصر، فأقنع السلطان الدول الدائنة بإسقاط 146 مليونًا. ولتسديد المبلغ الباقي وُضعت بعض مؤسسات الدولة تحت تصرف مؤسسة الديون العمومية، وتمكن بهذه الوسيلة من تسديد هذه الديون، وكان حريصًا طوال عهده على عدم الاستدانة من الخارج إلا في أضيق الحدود.

سياسته ومشاريعه

كان عبد الحميد الثاني يرى ضرورة العمل على توحيد القوى الإسلامية لمجابهة الروح الاستعمارية الطامعة في الدولة العثمانية؛ لذلك سعى إلى طرح شعار الجامعة الإسلامية، وجعلها سياسة عليا لدولة الخلافة، فعمل على تدعيم أواصر الأخوة بين مسلمي الصين والهند وإفريقيا، ورأى في ذلك الشعار وسيلة لتوحيد الصفوف حوله وحول دولته في الداخل والخارج؛ فاستعان بمختلف الرجال والدعاة والوسائل لتحقيق غرضه، فأقام الكليات والمدارس، وربط أجزاء الدولة بـ30 ألف كيلومتر من البرق والهاتف، وبنى غواصة وعني بتسليح الجيش.

إلا أن أعظم مشروعاته الحضارية هو سكة حديد الحجاز لتيسير الحج على المسلمين، بحيث يستعاض بهذا المشروع عن طريق القوافل الذي كان يستغرق السفر به أربعين يومًا، وانخفضت المدة بالخط الحديدي إلى أربعة أيام.

وقد خلق هذا المشروع العملاق حماسة دينية بالغة بعدما نشر عبد الحميد الثاني بيانًا على المسلمين يدعوهم فيه للتبرع، وافتتح القائمة بمبلغ كبير؛ فتهافت المسلمون من الهند والصين وبقية العالم على التبرع، باعتبار أن هذا المشروع هو مشروع المسلمين أجمعين. ووصل أول قطار إلى المدينة المنورة في (رجب 1326 هـ = أغسطس 1908م)، بعد ثمانية أعوام من الحماسة والعمل الدائبين.

عبد الحميد والدول الكبرى

كان السلطان شخصيًا غير مرغوب فيه بالنسبة للدول الأوروبية؛ لأنه يمسك في قبضته ملايين المسيحيين، وبصفته خليفة للمسلمين فإن له نفوذا وسلطانا روحيا على رعايا الدول الأوروبية المسلمين.

لم يكن من الممكن لأي من الدول الكبرى أن تقتطع أجزاء من الدولة العثمانية في أوروبا أو البلقان في ظل وجود عبد الحميد الثاني؛ لذا أخذت فكرة إسقاطه تكتسب ثقلا كبيرًا في لندن وباريس.

كما أن سياساته فيما يتعلق بالجامعة الإسلامية وسكة حديد الحجاز وبغداد، ونجاحه في تشييد سكة حديد بغداد برأسمال ألماني (وبذلك استطاع إدخال ألمانيا إلى قائمة الدول المتنافسة في منطقة خليج البصرة الغنية بالبترول، وضمن عدم اقتراب بريطانيا، وحماية السكة الحديد باعتبار ألمانيا صاحبة امتيازها) كل ذلك أقلق إنجلترا، وأثار عدم ارتياح روسيا، وخلق صلابة في التصميم الأوروبي على ضرورة التخلص من هذا الخليفة الماكر الذي استطاع بدهائه تحييد القوى الأوروبية.

عبد الحميد واليهود

كان الحادث المهم الذي أثار أوروبا ضد السلطان عبد الحميد هو رفضه إسكان وتوطين المهاجرين اليهود في فلسطين، فقد كانت أوروبا المسيحية تريد تصدير مشكلة اليهود التي تعاني منها إلى الدولة العثمانية.

وكان أول اتصال بين "هرتزل" رئيس الجمعية الصهيونية، والسلطان عبد الحميد، بعد وساطة قام بها سفير النمسا في إستانبول، في (المحرم 1319 هـ = مايو 1901م)، وعرض هرتزل على السلطان توطين اليهود في فلسطين، وفي المقابل سيقدم اليهود في الحال عدة ملايين من الليرات العثمانية الذهبية كهدية ضخمة للسلطان، وسيقرضون الخزينة العثمانية مبلغ مليوني ليرة أخرى.

أدرك السلطان أن هرتزل يقدم له رشوة من أجل تأسيس وطن قومي لليهود في فلسطين، وبمجرد تحقيقهم لأكثرية سكانية سيطالبون بالحكم الذاتي، مستندين إلى الدول الأوروبية.. فأخرجه السلطان من حضرته بصورة عنيفة.

يقول السلطان عبد الحميد الثاني في مذكراته عن سبب عدم توقيعه على هذا القرار: "إننا نكون قد وقَّعنا قرارًا بالموت على إخواننا في الدين". أما هرتزل فأكد أنه يفقد الأمل في تحقيق آمال اليهود في فلسطين، وأن اليهود لن يدخلوا الأرض الموعودة (فلسطين) طالما أن السلطان عبد الحميد قائمًا في الحكم مستمرًا فيه.

كانت صلابة عبد الحميد الثاني سببًا رئيسًا في تأخير مشروع الصهيونية العالمية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين؛ لذلك سعى اليهود للإيقاع بالسلطان وتشويه صورته أثناء حكمه، وكذلك في التاريخ، وتغلغل بعضهم في جمعية الاتحاد والترقي التي أسقطت السلطان، وكان على رأسهم "عمانويل كراسو".

السلطان والأرمن

عاش الأرمن كغيرهم من الأجناس التي ضمتها الإمبراطورية العثمانية، واحتل بعضهم منصب الوزير، وكان تعدادهم داخل الدولة لا يزيد على مليوني شخص. ونصت معاهدة برلين على إجراء إصلاحات لصالح الأرمن في 6 ولايات عثمانية في الأناضول، ولم تكن تبلغ أكبر نسبة لكثافتهم السكانية في أي ولاية أكثر من 20%، إلا أن السلطان رفض تطبيق هذه المادة من المعاهدة؛ فقام الأرمن -بإيعاز من بعض الدول الكبرى- بارتكاب مذابح بشعة ضد المسلمين القرويين، حيث بقروا بطون الحوامل وقتلوا النساء، وقطعوا عورات الرجال وحرقوا المساجد، ولم يجد عبد الحميد بُدًا من مواجهة هذا الإرهاب الصليبي، فشنت بالتالي الصحافة الغربية حملة شعواء عليه ووصفته بالسلطان الأحمر.

كذلك عمل السلطان على تشكيل فرق من الأكراد لحماية المسلمين العزل في الأناضول عرفت بأفواج الخيالة الحميدية. ويقول أحد المؤرخين: "إن هذه السياسة حافظت على الوجود الكردي والمسلم في الأناضول حتى اليوم".

لم يكتف الأرمن بإشاعة الفوضى وارتكاب المذابح بحق القرويين، بل قاموا بأعمال شغب في إستانبول نفسها سنة (1313 هـ = 1892م) و(1314 هـ = 1896م)، وقد واجهتها القوات العثمانية بحزم، أما الدول الكبرى فتركت الأرمن لحالهم بعد أن أوقعتهم في الأزمة، فحاول الأرمن جذب انتباه الدول العظمى إليهم فخططوا لاغتيال السلطان عبد الحميد سنة (1323 هـ = 1905م) فيما عرف بحادث القنبلة، لكنهم فشلوا في اغتيال السلطان، ومات بعض الأمراء والجنود، وقبض على المتآمر البلجيكي "جوريس"، لكن السلطان عفا عنه، بل استخدمه في جمع معلومات له في أوروبا.

عبد الحميد والاتحاد والترقي

الاتحاد والترقي هو أول حزب سياسي في الدولة العثمانية، ظهر عام (1308 هـ = 1890م) كحزب سري يهدف إلى معارضة حكم عبد الحميد الثاني والتخلص منه، وبعدما اكتشف السلطان أمر الحزب سنة (1315 هـ = 1897م) نفى الكثير من أعضائه إلى الخارج، وهرب بعضهم إلى باريس، ثم اجتمع المعارضون لحكم السلطان في باريس في (ذي القعدة 1319 هـ = فبراير 1902م) في مؤتمر أطلقوا عليه "مؤتمر الأحرار العثمانية"، واتخذ قرارات مهمة، منها تأسيس إدارات محلية مستقلة على أساس القوميات، وهو ما يعني تمزيق الإمبراطورية العثمانية، غير أن هذا القرار اعترض عليه بعض الحاضرين في المؤتمر، ثم طالب المؤتمرون من الدول الأوروبية التدخل لإنهاء حكم السلطان عبد الحميد وإقصائه عن العرش.

افتتح الاتحاد والترقي فروعًا له داخل الدولة العثمانية التحق بها عدد كبير من الضباط الشباب وذوي الرتب الصغيرة، ثم تزايد عدد الضباط حتى قيل إن كل ضباط الجيش العثماني الثالث في البلقان سنة (1326 هـ = 1908م) كانوا منضمين إلى الاتحاد والترقي. وتحالفت الجمعية مع الثوار في البلقان، وأهدرت عصابات البلغار واليونانيين كثيرًا من دماء المسلمين بالاتفاق مع الاتحاديين بغرض هدم النظام الحميدي. وبدأ الاتحاديون في قتل الموظفين العثمانيين الذين لا يتعاونون معهم.

بعد كثير من الاضطرابات والوقائع قرر السلطان عبد الحميد استئناف تطبيق الدستور في جمادى الآخرة (1326 هـ = يوليو 1908م)، وتولت جمعية الاتحاد والترقي الحكم، وأعلنت تطبيقها لمبادئ الثورة الفرنسية.

والواقع أن تولي الاتحاد والترقي الحكم لم يؤسس الديمقراطية، وإنما تحول النظام إلى حزب واحد وديكتاتورية واحدة حوت جميع العناصر الراغبة في تمزيق الدولة. وكما يقول أحد المؤرخين: "لو كانت المشروطية الثانية نتيجة حركة شعبية، لأمكن تخطي الخطوة الأولى للديمقراطية"، وكان ضباط الاتحاد والترقي يقولون بأن المشروطية الثانية هي ضيعتهم وحدهم دون غيرهم، واقترن إعلان الدستور ببعض الحوادث المؤلمة للدولة العثمانية؛ إذ أعلنت بلغاريا وكريت انفصالهما عن الدولة العثمانية والانضمام لليونان، واستقلت البوسنة والهرسك.

حادث 31 مارت

رأى الاتحاديون ضرورة التخلص من السلطان عبد الحميد وإسقاط حكمه، واتفقت هذه الرغبة مع رغبة الدول الأوروبية الكبرى خاصة بريطانيا التي رأت في ذلك الخطوة الأولى لتمزيق الإمبراطورية العثمانية، وشعر اليهود والأرمن أنهم اقتربوا كثيرًا من أهدافهم؛ لذلك كانت أحداث 31 مارت (هو الشهر الأول من شهور السنة الرومية، ويقابل شهر إبريل، مع فارق بين الشهرين مقداره 18 يوما) ويوافق يوم (21 ربيع أول 1327 هـ = 13 إبريل 1909)؛ حيث حدث اضطراب كبير في إستانبول قتل فيه بعض جنود الاتحاد والترقي.

وعلى إثر ذلك جاءت قوات موالية للاتحاد والترقي من سلانيك، ونقلت إلى إستانبول، وانضمت إليها بعض العصابات البلغارية والصربية، وادعت هذه القوات أنها جاءت لتنقذ السلطان من عصاة إستانبول، وأراد قادة الجيش الأول الموالي للسلطان عبد الحميد منع هذه القوات من دخول إستانبول والقضاء عليها إلا أن السلطان رفض ذلك، وأخذ القسم من قائد الجيش الأول بعدم استخدام السلاح ضدهم؛ فدخلت هذه القوات إستانبول بقيادة محمود شوكت باشا وأعلنت الأحكام العرفية، وسطوا على قصر السلطان وحاولوا الحصول على فتوى من مفتي الدولة بخلع السلطان لكنه رفض، فحصلوا على فتوى بتهديد السلاح.

واتهم المتآمرون الثائرون السلطان بأنه وراء حادث 31 مارت، وأنه أحرق المصاحف، وأنه حرّض المسلمين على قتال بعضهم بعضًا، وهي ادعاءات كاذبة كان هدفها خلع السلطان عبد الحميد، وأعلنوا عزله.

ندب الثائرون أربعة موظفين لتبليغ السلطان بقرار العزل، وهم: يهودي وأرمني وألباني وجرجي، وهكذا أخذ اليهود والأرمن ثأرهم من عبد الحميد الثاني. واعترف الاتحاديون بعد ذلك بأنهم أخطئوا في انتخابهم لهذه الهيئة.

تنازل السلطان عبد الحميد الثاني عن العرش لأخيه محمد رشاد في (6 ربيع آخر 1327 هـ = 27 إبريل 1909م)، وانتقل مع 38 شخصًا من حاشيته إلى سلانيك بطريقة مهينة ليقيم في المدينة ذات الطابع اليهودي في قصر يمتلكه يهودي بعدما صودرت كل أملاكه وأمواله، وقضى في قصره بسلانيك سنوات مفجعة تحت رقابة شديدة جدًا، ولم يسمح له حتى بقراءة الصحف.

الوفاة

وقد تُوفِّي السلطان عبد الحميد الثاني في (28 ربيع آخر 1336 هـ = 10 فبراير 1918م) عن ستة وسبعين عامًا، واشترك في تشييع جنازته الكثير من المسلمين، ورثاه كثير من الشعراء، بمن فيهم أكبر معارضيه "رضا توفيق" الذي كتب يقول:

عندما يذكر التاريخ اسمك

يكون الحق في جانبك ومعك أيها السلطان العظيم

كنا نحن الذين افترينا دون حياء

على أعظم سياسي العصر

قلنا: إن السلطان ظالم، وإن السلطان مجنون

قلنا لا بد من الثورة على السلطان

وصدقنا كل ما قاله لنا الشيطان

المصادر:

مذكرات السلطان عبد الحميد الثاني – ترجمة محمد حرب – دار القلم – دمشق – الطبعة الرابعة (1419 هـ = 1998م).
يلماز أوتونا – تاريخ الدولة العثمانية – منشورات مؤسسة فيصل للتمويل – تركيا الطبعة الأولى (1410هـ = 1990م).

 

ريتشارد قلب الاسد ..





مخطوطة من القرن الـ 12 م



المولد والنشأة

ولد ريتشارد في أكسفورد بإنجلترا في (غرة شعبان 552 هـ = 8 من سبتمبر 1157م)، ونشأ نشأة عسكرية؛ فشبّ ميالاً للحرب والقتال، وعندما بلغ الحادية عشرة ورث عن والدته دوقية "أكيتين" بفرنسا، ثم تولى سنة (568هـ = 1172م) دوقية "بواتييه"، وهي إحدى المقاطعات الفرنسية التي كانت تابعة آنذاك لسلطة ملك إنجلترا.

ويبدو أنه كان معارضًا لسياسة والده الملك هنري الثاني طامعًا خلافته؛ فاشترك مع إخوته في مؤامرة ضد والدهم سنة (569هـ= 1173م)، ولكنها فشلت، ثم ما لبث أن عفا عنه والده، وانصرف إلى دعم سلطانه على المقاطعات التابعة له، وشرع في الضغط على أبيه ليعترف به وريثا شرعيا يخلفه على عرش إنجلترا والمقاطعات الفرنسية التابعة لها.

ولم يكتف ريتشارد بذلك بل تحالف مع فيليب أوغسطس لتحقيق غرضه في الوصول إلى عرش إنجلترا، وأعلن تمرده على والده وثار ضده سنة (584 هـ = 1188م)، ولم يكن أبوه في سن تسمح له بمقابلة تمرد ابنه بضربات قوية؛ فقد كان كبيرا السن عليل البدن؛ الأمر الذي عجل بوفاته سنة (585هـ= 1189م)، وخلفه ريتشارد ملكا على عرش إنجلترا في (20 من جمادى الأولى 585 هـ = 6 من يوليو 1189م) باسم ريتشارد الأول


الإعداد للحملة الصليبية

وفي أثناء فترة صراع ريتشارد للوصول إلى العرش كان المسلمون قد استردوا بيت المقدس، بعد أن ظل أسيرًا في أيدي الصليبيين نحو 90 عامًا، وبدأت ترتفع صيحات عاتية في أوربا تنادي باستعادة بيت المقدس، واستعادة الروح التي ضاعت تحت سنابك خيل صلاح الدين، واسترداد الهيبة المفقودة، وصادفت تلك الدعوات هوى في نفس ريتشارد، وكان بطبيعته يميل إلى الحرب ويمني نفسه بالنصر المنشود والعودة إلى مملكته مرفوع الهامة تكلل أكاليل النصر رأسه، ويلهج الناس بذكره، وعلى الفور بدأ في إعداد حملته التي كلفته أموالا طائلة، وفي الوقت نفسه كان فيليب أوغسطس ملك فرنسا وفردريك بربروسا يجهزان لحملتهما لنفس الغرض.

الطريق إلى عكا

أبحر ريتشارد بأسطوله قاصدا عكا فوصلها في (13 من جمادى الأولى 587 هـ = 8 من يونيو 1191م)، وقوَّى من عزيمتهم وصول قوات فيليب أوغسطس حيث جمع شمل الصليبيين تحت زعامته، وبدأ في مهاجمة عكا وقذفها قذفا متصلا، ثم جاءت قوات ريتشارد فازداد الصليبيون قوة إلى قوتهم، وأظهرت الحامية الإسلامية ضروبا في الشجاعة وألوانا من الصبر والثبات في مقاومة الحصار ودفع هجمات الصليبيين من البر والبحر، ولكن ذلك لم يعد كافيا بعد أن انقطعت الإمدادات والاتصالات بينها وبين صلاح الدين الذي لم تنجح قواته في اختراق الحصار البري الصليبي.

ولم يعد هناك مفر من المفاوضات لتسليم المدينة، واتفق الطرفان على أن يسمح الصليبيون لحامية عكا بالخروج سالمين في مقابل فدية قدرها 200 ألف دينار، وأن يحرر المسلمون 2500 من الأسرى.

وبعد دخول الصليبيين عكا في (16 من جمادى الآخرة 587 هـ = 11 من يوليو 1191م) تجاهل ريتشارد قلب الأسد بنود الاتفاق، ونقض ما اتفق عليه؛ فقبض على المسلمين بالمدينة وكانوا نحو 3 آلاف مسلم، وقام بقتلهم في وحشية وهمجية في (27 من رجب 587 هـ 20 من أغسطس 1191م) طعنًا وضربًا بالسيف، ولم يقابل صلاح الدين الأيوبي هذا الفعلة الشنعاء بمثلها، ورفض أن يقتل من كان في يده من أسرى الصليبيين


الاستيلاء على مدن الساحل

بدأ ريتشارد بعد سقوط عكا يعد للاستيلاء على شاطئ فلسطين من عكا إلى عسقلان، ويمني نفسه باسترداد بيت المقدس، وخاض من أجل ذلك سلسلة من الحروب مع المسلمين؛ فاستولى الصليبيون على حيفا التي أخلتها حاميتها الإسلامية، ثم على قيسارية التي خربها المسلمون حتى لا ينتفع بها الصليبيون، وفي أثناء ذلك فتح ريتشارد باب المفاوضات مع صلاح الدين، ولكنها فشلت بسبب تمسك ريتشارد بأن تعود مملكة بيت المقدس الصليبية إلى ما كانت عليه قبل حطين.

ثم نشبت بين الطرفين معركة أرسوف في (15 من شعبان 587 هـ = 7 من سبتمبر 1191م)، وكاد المسلمون يحققون نصرا عظيما كما حدث في حطين، ولكن ريتشارد ثبت في المعركة، وأعاد تنظيم قواته، ونجح في تحويل دفة المعركة لصالحه، وحقق نصرا كبيرا بعث الثقة في نفوس الصليبيين بعد سلسلة الهزائم المدوية التي لحقت بهم.

بعد هذا النصر الذي حققه ريتشارد اتجه إلى بيت المقدس، وفي طريقه إليه استولى على عدد من المدن العربية مثل يافا واللد ويازور والرملة والنطرون، وأصبح على مقربة من بيت المقدس، بعد أن تحمل الصليبيون العناء في سبيل الوصول إليه.

صلح الرملة

باءت محاولات ريتشارد للاستيلاء على بيت المقدس بالفشل أمام صلابة المسلمين في الدفاع عنها، وتقوية صلاح الدين الأيوبي لاستحكاماتها، ثم لم يلبث أن دب الخلاف واشتعل النزاع بين الصليبيين، وانتهى بهم الحال إلى طلب الصلح والمفاوضة، وساعد في المسارعة إلى ذلك ورود أنباء إلى ريتشارد باستيلاء أخيه يوحنا على الحكم؛ فعزم على إجراء الصلح قبل العودة إلى بلاده.

وبعد مفاوضات شاقة عقد الصلح بين ريتشارد وصلاح الدين في (22 من شعبان 588هـ = 2 من سبتمبر 1192م)، وهو الصلح المعروف بصلح الرملة، واتفق الطرفان على أن تكون مدة الصلح ثلاث سنوات وثلاثة أشهر، وأن تكون المنطقة الساحلية من صور إلى يافا للصليبيين، أما عسقلان فتكون للمسلمين، في حين تكون الرملة واللد مناصفة بين المسلمين والصليبيين، ونص الاتفاق أن يعطى للمسيحيين حرية الحج إلى بيت المقدس دون مطالبتهم بأي ضريبة مقابل ذلك.

العودة إلى بلاده

قضى ريتشارد قلب الأسد في حروبه ضد المسلمين 16 شهرًا، ونجح خلالها في تقوية الصليبيين، واستردادهم لبعض المدن التي خسروها في حروبهم ضد صلاح الدين، ثم غادر عكا إلى بلاده في (شوال 588 هـ = أكتوبر 1192م)، غير أن سفينته تعرضت لرياح عاتية فرست في ميناء البندقية، واستكمل طريق العودة برًا فاعتقله "ليوبولد" دوق النمسا بالقرب من فيينا، وسلّمه إلى هنري السادس إمبراطور الدولة الرومانية فسجنه، ولم يطلق سراحه إلا بعد أن دفع فدية كبيرة، وعاد إلى إنجلترا حيث تُوِّج ملكا عليها للمرة الثانية في (23 من ربيع الآخر 590 هـ 17 من إبريل 1194م)، ثم رجع إلى مقاطعة النورماندى واستقر بها، وخاض عددًا من المعارك لإنقاذ ممتلكات التاج الإنجليزي في فرنسا، ثم لم يلبث أن انتهت حياته بسبب سهم طائش أثناء حصاره لأحد حصون النبلاء في (جمادى الآخرة 595هـ = إبريل 1199م).

من مصادر الدراسة:

أبو شامة: كتاب الروضتين في أخبار الدولتين- مطبعة وادي النيل – القاهرة – (1287 هـ = 187م).
ستفين رنسميان: تاريخ الحروب الصليبية – ترجمة السيد الباز العريني – دار الثقافة – بيروت – 1980م

ثعلب الصحراء ومعركة العلمين







رومل فى فريقيا صيف 1941



ولد في 15 نوفمبر 1891 م في مدينة هايدنهايم (Heidenheim) الألمانية كان يلقب بثعلب الصحراء كان قائدًا ألمانيًا أثناء الحرب العالمية الثانية في العلمين في الصحراء الغربية. توفي في 14 أكتوبر عام 1944 م بعد أن أجبره أدولف هتلر على الانتحار بعد ان ثبت ضلوعه في محاولة اغتيال هتلر في مقر قيادته في بروسيا الشرقية في 20 تموز 1944 فخُيِّر بين الانتحار مع إقامة جنازة له وتشييع رسمي مهيب أو الذهاب إلى برلين مع ضمان مثوله امام المحكمة العسكرية والإعدام فاختار الانتحار. خسر حرب العلمين في مصر على يد الجنرال الإنجليزي مونتغمري قائد الجيش الثامن البريطاني (فئران الصحراء) في أكتوبر 1942 م ليس لعدم كفاءته او لكفاءة خصمه بل لعدم توفر دعم جوي لديه وكذلك نقص حاد في المحروقات بينما كان خصمه يتمتع بتفوق جوي مطلق ونسبة قواته تعادل 1:3 وقد اختلقت الدعاية البريطانية أسطورة مونتغمري (مونتي) لتعزيز معنويات جنودها المهزوزة ويبقى هو (مونتي) القائد الحذر الذي يحجم عن استغلال الفرص مستهيناً بالسيقات التكتيكية العسكرية لصالح المحافظة على سمعته فقط.

اما رومل فكان قائد يتمتع بحس تكتيكي وإستراتيجي رائع قلما نجده بين القادة. شارك في حملة فرنسا 1940 وقاد الفرقة المدرعة السابعة (بانزر)التي سميت بالشبح. يعتبر رومل واضع التكتيكات المستخدمة في يومنا هذا في قتال المدرعات حيث تم ابتكار معظم التكتيكات هذه في حملة شمال افريقيا.

في 3 مارس عام 1943 م قاد الفيلد مارشال الألماني إيروين روميل القوات الألمانية والإيطالية في معركة ميدنين بالصحراء التونسية التي كانت آخر معاركه في شمال إفريقيا وهي المنطقة التي شهدت أمجاده العسكرية عندما أحدث انقلابا في الفكر العسكري بمناورات شديدة الإبداع أدت إلى تحقيق انتصارات كبيرة على القوات البريطانية وإجبارها على التراجع من ليبيا إلى مصر حتى منطقة العلمين شمال غرب مصر.

وكان روميل قد تولى قيادة القوات الألمانية والإيطالية الحليفة في شمال إفريقيا عام 1941واستطاع استرداد ليبيا من قبضة البريطانيين بعد معارك خاطفة مما دفع الزعيم النازي أدولف هتلر إلى ترقيته لرتبة فيلد مارشال ليصبح أصغر ضابط يحصل على هذه الرتبة في الجيش الألماني. ولكن الخلل الكبير في موازين القوة بين القوات الألمانية التي يقودها والقوات البريطانية التي استطاعت الحصول على إمدادات هائلة قبل معركة العلمين في الوقت الذي كانت القوات الألمانية تفتقد حتى إلى الكميات الكافية من الوقود اللازم لتسيير المركبات والمدرعات الأمر الذي قيد حرية روميل في ممارسة هوايته المفضلة وهي المناورات السريعة والمفاجئة فكانت النتيجة هي هزيمة الألمان في معركة العلمين لتتخذ معارك شمال إفريقيا اتجاها معاكسا حيث تولت هزائم الألمان واضطروا إلى التراجع إلى ليبيا ولكن القوات البريطانية واصلت الضغط على قوات روميل فتراجع إلى الصحراء التونسية حيث اشتبك في معركة مع قوات الحلفاء في منطقة ميدنين التونسية وتنتهي بهزيمته أيضا فيأمر هتلر بإعادته إلى ألمانيا خاصة وقد ترددت أنباء عن انتقادات روميل لقيادة هتلر.

وبعد عودته إلى ألمانيا ألقي القبض عليه بتهمة التآمر على حياة هتلر حيث خيره الزعيم النازي بين تناول السم والموت منتحرا والإعلان عن وفاته متأثرا بجراحه ليحتفظ بشرفه العسكري أو يقدم إلى محكمة الشعب بتهمة الخيانة فاختار الأولى وانتحر في الرابع عشر من أكتوبر عام 1944م.


كان الوحيد من الجنرالات الالمان الذين توقعوا الانزال في النورمندي غير انه لم يتح له الوقت الكافي لتعزيز الدفاعات هناك ، و لسوء الحظ فانه كان مصاب بجرح نتيجة غارة جوية قبل الانزال في النورمندي و كان خارج قيادته يعالج عند حدوث الانزال تماماً كما كان قبل هجوم العلمين في النمسا يتعالج من مرض اليرقان الذي اصيب به في شمال افريقيا

منطقة العلمين:


يصف اللفتنانت جنرال فريتز بايرلين رئيس أركان رومل خلال معركة العلمين الجبهة كما يأتي:
«صحراء قاحلة، حيث تتناوب الصخور الناتئة الجرداء مع مساحات الرمال المغطاة بصورة متناثرة بالأشواك تحت شمس افريقيا القاسية، وبين تل العيسى الصخري على ساحل البحر الأبيض المتوسط وهرم قارة الحميمات البالغ ارتفاعه 600 قدم والواقع على منخفض القطارة، كان يقع الموضع الوحيد في الصحراء الافريقية الذي لا يمكن الالتفاف حول جناحه، والذي يبلغ عرضه 40 ميلاً أو 60 كلم.
هناك توقف رومل على أبواب مصر لعدم توافر القوات والمعدات الكافية لمتابعة هجومه، وهناك وقفت بالمقابل القوات البريطانية والحليفة تتحضر لرده على أعقابه».
تبعد العلمين 330 ميلاً عن طبرق، و660 ميلاً عن بنغازي و1200 ميل عن طرابلس الغرب، و55 ميلاً عن الاسكندرية، و200 ميل عن السويس.
يقع الموضع الألماني - الإىطالي بين ساحل البحر المتوسط ومنخفض القطارة. ولا يوجد في الصحراء الغربية في مصر غير هذا الموقع لا يمكن مفاجأته أو الالتفاف حول جناحه من الجنوب، هنا فقط على المهاجم تحقيق اختراق جبهي (حوالى 60 كلم).


هذا الموقع يلائم القوات البريطانية التي كان تدريبها حتى ذلك الوقت يرتكز على تجارب الحرب العالمية الأولى في الحرب الوضعية، حيث يستطيع جندي المشاة النيوزيلندي والاسترالي الممتاز إظهار بأسه، وحيث تستطيع المدفعية الانكليزية بتفوّقها الإداري أن تؤثر تأثيراً مهلكاً. كذلك، قرّر رومل منع اختراق مراكزه مهما كان الثمن، طالما أمكنه ذلك في معركة دفاعية متحركة بسبب تفوّق الحلفاء ونقص وسائله، كما عمد إلى تعزيز ميادين دفاعه بأعداد كبيرة من الألغام (أكثر من 500 ألف لغم وسمّاها «حدائق الشيطان»
(Devil gardens).



جيـش المحـور المعتـاد على الهجـوم وجد نفسه في موقع الدفاع
الوضع الميداني للطرفين قبل المعركة (23ت1 - 1942 و4ت2 - 1942)
- المحور:
تعوّد جيش المحور على الاندفاعات المدرعة السريعة والمفاجئة وعملياً الهجوم المتواصل، ولكنه وجد نفسه في وضع جديد، إذ لم يعد يتمتع بغطاء جوّي كاف، وكان يعاني نقصاً في الوقود إلى الحدود الدنيا التي تتطلبها خطوط انتشاره واتصالاته، لذلك وجد نفسه في موضع الدفاع.
كذلك، فإن رومل قائد الجيش كان في ألمانيا للعلاج، وكان ميزان القوى بنسبة 2 إلى 1 لصالح مونتغمري.
كانت قوات المحور بقيادة الجنرال شتوم (56 سنة) وعديدها نحو 108.000 رجل (منهم 53000 رجل ألماني)، ولديه نحو 600 دبابة (منها 300 دبابة إيطالية م13). هذه الدبابات عرفت باسم «الكفن ذي الارتداد الذاتي» (Self-Propelled Coffin)، فقط 38 دبابة ألمانية (مارك 4) كانت تشكل توازناً مع دبابات الشيرمان التي كانت في حوزة الحلفاء. أما عدد طائرات المحور فكان 345 طائرة منها 216 ايطالية، بينما كان يتوافر للحلفاء نحو 900 طائرة انكليزية، إضافة إلى عدد من الطائرات الأميركية.
وكان للمحور نحو 24 مدفعاً فقط من عيار 88 ملم وعدد كبير من المدافع المضادة للدبابات.
كانت مواقع قوات المحور الدفاعية محمية بحزام عميق من الألغام (8 كلم عرض، و60 كلم طول) وكان لديهم نحو 2000 رجل لكل ميل من الجبهة، وهذا لم يكن له تأثير كبير بالنسبة إلى القتال في الصحراء.
النقص في الوقود كان يعني أن المدرعات ستقاتل حيث هي:
- الفرقة 21 بانزر والفرقة آريتي الإيطالية في الجنوب.
- الفرقة 15 بانزر والفرقة ليتوريو الإيطالية في الشمال.
الفرقة تريستا الإيطالية والفرقة 90 الألمانية الخفيفة احتياط في الشمال.
- الحلفاء:
ضمت قوى مونتغمري نحو 220.000 رجل و1352 دبابة من بينها 1196 في بقعة العمل الأمامية (Forward Area) منها 1201 دبابة كانت مستعدة للانطلاق ليلة23/24 تشرين الأول 1942.
كما كان لدى الانكليز 1400 مدفع مضاد للدبابات (550 مدفعاً 2 رطل، و850 مدفعاً 60 رطلاً).
كما كان لديهم 884 قطعة مدفعية (52 مدفعاً متوسطاً و832 مدفع ميدان).
يتبين أن الجيش الانكليزي الثامن كان يتجه إلى المعركة برجحان واضح على خصمه، في العتاد والرجال والقيادة، خصوصاً وأن قائده (مونتغمري) معروف بإرادته الحديدية وتفوّقه في التكتيك.
خطط العمليات وفكرة المناورة عند مونتغمري
«عندما تسلمت قيادة الجيش قلت إن هذا التكليف كان بهدف تدمير رومل وجيشه، وهذا ما يجب القيام به حالما نكون جاهزين، ونحن الآن جاهزون». قال مونتغمري ذلك في 23 تشرين الأول 1942.
كانت خطة مونتغمري المبدئية تقوم على نقطتين:
أولاً: تدمير مدرعات رومل بسرعة.
ثانياً: التعامل مع عناصره غير المدرعة على مهل.
هذه الخطة تتطابق مع الفكر العسكري السائد في ذلك الوقت، ولكن مونتغمري قرر أن يعكس هذه الطريقة ويقوم بتعديلها بعملين متزامنين:
1- احتواء سلاح العدو المدرع.
2- التعامل مع فرق مشاة العدو، وذلك بتدميرها بطريقة منهجية في مراكزها الدفاعية، وهذه الفرق غير المدرعة ستدمر بعمليات تفتيت متتابعة.
إن تحقيق هذه الخطة يتطلب مهاجمة العدو من الجانبين، والخلف، وقطع الإمدادات عنه بعمليات منظمة، ومخططة بعناية ودقة، من خلال سلسلة من القواعد الثابتة تكون بمتناول قواته.
وقد شرح مونتغمري هذه الخطة واجتمع بقادة جيشه نزولاً حتى رتبة عقيد، فشدد على وضع العدو، وركز على ضعفه، وأكد أن القتال سيكون طويلاً (كقتال الكلاب) أو «قتالاً متوازناً»، قد يستغرق أياماً، وقد تكون عشرة. ثم قدم تفاصيل عن قوة جيشه: دباباته، مدافعه وطائراته والإمدادات الهائلة التي بحوزته من الذخيرة وغيرها، وركز على عدم التخلّي عن روح المبادرة، وشدد على أن كل فرد، يجب أن يكون مشبعاً بالرغبة لقتل الألمان.
كيف سارت المعركة؟
بقيت الشكوك تساور أفكار قادة الفرق الثلاثة للفيلق الثلاثين: «فريبرغ»، «مورشيدو»، «بيانار» وقلة ثقتهم بهجوم مدرع مبكر. ففي الصحراء المفتوحة المنبسطة، من المستحيل إخفاء إشارات هجوم مقبل، ولهذا السبب قام الانكليز بوضع مخطط تمويه يجعل الألمان يعتقدون أن الهجوم سيكون على الطرف الجنوبي للجبهة من جهة الصحراء (منخفض القطارة) وقاموا بوضع أشكال دبابات ومدافع وقواعد لوجستية وخزانات نفط وأنابيب كلها خشبية ومموّهة في هذا القطاع.
الهجوم:
ابتدأ الهجوم مساء 23 تشرين الأول 1942 الساعة 12.04(رمايات مدفعية 784 مدفعاً لمدة عشرين دقيقة).
بعد ذلك، وفي الساعة 22.07 انطلق الفيلق الثلاثون في الشمال بهجوم مباشر لخرق الجبهة عبر ثغرتين، بينما انطلق الفيلق 13 من الجنوب.
أدى الهجوم المفتوح إلى بعض النجاحات المهمة.
خلال الليل، اندفع الفيلق الثلاثون في طريقه إلى مرتفع المطيرية وكذلك حقق الفيلق 13 بعض التقدم، واستطاعت أحزمة الألغام (حدائق الشيطان) والمقاومة الصلبة من قوات المحور تأخيرهما.
لم تكن ردة فعل قوات المحور سريعة، فهم لم يكونوا يتوقعون هجوماً للحلفاء، ورومل كان في ألمانيا للاستشفاء أما الجنرال شتومي الذي تسلم القيادة فلم يكن يعرف ما يجري، ولما خرج يستطلع ذلك (وبدون حراسه) على رأس الفرقة 90 الخفيفة أصيبت سيارته وهرب سائقه ووجد قرب السيارة في اليوم التالي ميتاً بنوبة قلبية.
وبقي جيش البانزر بدون قائد طيلة هذه الفترة، ولكنه قاوم ببسالة وعناد وبالتالي لم يقم بهجوم معاكس.
بلغت المعركة ذروتها بشكل سريع ومفاجئ، حتى أن مونتغمري لم يكن متأكداً من مدى التقدم الذي أحرزته قواته، ولكنه كان يعتقد أن الأمور تسير سيراً حسناً، وكانت المشكلة لديه هي كيف يدفع المدرعات إلى الأمام من خلال الخطوط الضيقة في حقول الألغام.
خلال ليل24/25 تشرين الأول حاول الجنرال غاتهاوس قائد الفرقة المدرعة العاشرة أن يتقدم إلى الأمام ولكنه لم يستطع ذلك بسبب الارتباك والازدحام الآلوي في عناصر الثغرة، كما أغارت الطائرات الألمانية ودمرت نحو 25 سيارة حليفة محملة بالذخيرة والوقود أثناء عبورها الثغرة، وهذا ما جعل غاتهاوس يفكر بوقف الهجوم، وقد وافقه على ذلك لمسدن قائد الفيلق العاشر المدرع.
كانت هذه اللحظة أخطر ما في المعركة، ففيها يمكن أن تُربح أو تُخسر. ولحسن الحظ، فإن دي غينغاند رئيس أركان الجيش الثامن، أدرك ذلك واستدعى لمسدن وليز لاجتماع فوري في القيادة العامة للجيش، وأيقظ مونتغمري في الساعة 3.03 صباحاً. أوضح مونتغمري أن المخطط الأساسي يجب أن ينفذ، وقال ذلك لغاتهاوس بواسطة الهاتف.
وبعد الاجتماع احتجز مونتغمري لمسدن وانذره بأنه إن لم يقم هو وقادة فرقه بالهجوم فسيجد غيرهم ليقوم بذلك. فقد كان يدرك وبصورة واقعية ان هذه هي اللحظة الحرجة في كل المعركة. وبالفعل، وقبل الساعة الثامنة من صباح ذلك اليوم 10/25, أفيد أن أحد ألوية غاتهوس قد تجاوز بمسافة 2000 ياردة حقول الألغام إلى الغرب.
كذلك، فإن الفرقة النيوزيلندية تابعت طريقها وردت هجوماً معاكساً قامت به فرقة البانزر 15 وكبّدتها خسائر جسيمة.
- في القاطع الجنوبي من الجبهة: تقدمت الفرقة السابعة المدرعة (جرذان الصحراء) خلال حقل الألغام الأول ليلة 32/42 تشرين الأول واستطاعت قوات المحور وقف تقدمها، ولكن مونتغمري أراد استخدام هذه الوضعية فدعا إلى وقف الهجوم قبل أن تزداد الإصابات في صفوفه.
- في صباح 10/26 فقد هجوم مونتغمري زخمه، فالإصابات تزداد وقد أصبحت نحو 200 دبابة خارج المعركة، ولكن الفيلق الثلاثين أحرز أكثر أهدافه. والجيش الثامن أخذ نحو 2000 أسير (600 ألماني)، وقدر أن العدو فقد نحو 30.000 من قواته و250 دبابة ومئات المدافع، وبدت المخابرات العسكرية متفائلة جداً بالوضع، مما دفع مونتغمري لقضاء ذلك اليوم يفكر ويخطط في الخطوة التالية.
- في هذه الأثناء (ليل25/26) عاد رومل من ألمانيا واستلم قيادة قوات المحور الميدانية من الجنرال رايتر فون توما الذي خلف الجنرال شتومي.
وجد رومل أن وضعه غير مشجع: فالفرقة 15 بانزر بقي لديها 31 دبابة فقط والوقود يكاد ينفذ والقصف الجوي والمدفعي أحدثا خسائر جسيمة جداً، بالإجمال فمعنويات قواته متدنية جداً. قرر رومل أن يرمي باحتياطه ليدفع بالقوات الانكليزية خارج مواقعه الأساسية ويستعيد التلة 28 المعروفة بتلة «كدني»
الكلية (KIDNEY).
- مساء 10/27 انطلق رومل بهجومه المعاكس ولكنه اصطدم بمقاومة ضارية من المدرعات والمدافع المضادة للدبابات، فأوقف الهجوم.
فكر مونتغمري بمخطط جديد: على الجنرال لمسدن أن يندفع غرباً وشمالاً غرباً من مرتفع كدني بينما يقوم الجنرال ليز بإعادة تنظيم قواته للهجوم المقبل.
استقدمت الفرقة السابعة المدرعة من الجنوب وسحبت الفرقة النيوزيلندية من الخطوط الأمامية.
- في10/29 أطلقت الفرقة الاسترالية هجوماً تضليلياً لتدفع رومل إلى استخدام احتياطه المتبقي، واندفعت من نتوء شمال مرتفع كدني باتجاه الشاطئ مهددة بعزل فرقة المشاة 164 الألمانية وقطع خطوطها الخلفية، وكما توقع مونتغمري فقد رد رومل بهجوم معاكس على القوات الاسترالية بما لديه من احتياط (ضمناً الفرقة الخفيفة 90 وفرقة البانزر21) ولكن بدون طائل يذكر أمام صمود الفرقة الاسترالية، عند ذلك فكر رومل بالانسحاب إلى فوكا (50 ميلاً إلى الغرب) مع ما بقي لديه من قوات (90 دبابة فقط مقابل 800 لدى الحلفاء).
مهدت هذه العملية إلى عملية أخرى هي «سوبر شارج» (SUPER CHARGE) أو «الضربة القاضية».
في ليل 1/2 تشرين الثاني 1942، ابتدأت هذه العملية وصمد الألمان بوجهها على الرغم من تفوّق قوات الحلفاء والنقص المستمر في قوات المحور وعتاده، مما دفع رومل إلى طلب الانسحاب إلى مواقع خلفية (حوالى 50 ميلاً) من هتلر.
وفي 3 تشرين الأول، وصلت أوامر هتلر بعدم الانسحاب (النصر أو الموت) والثبات حتى آخر رجل.
قال رومل في ما بعد، تعليقاً على أمر هتلر له بالثبات في معركة العلمين: «إن الذي احتجنا إليه هو المدافع والطائرات والوقود، أما الذي لم نكن بحاجة إليه فهو الأوامر التي تطلب منا الثبات».
وهذا ما ساعد مونتغمري على تدمير ما بقي من قوات المحور، ولما غيّر هتلر أمره في اليوم التالي وسمح بالانسحاب، كان الانكليز قد أتمّوا عملية خرق جبهة المحور في 4 تشرين الثاني 1942 (بعد 21 يوماً من بدء المعركة).
كان رومل يندفع بمن بقي من قواته وما بقي من دباباته ومدافعه باتجاه الغرب (بقي لديه نحو90 دبابة وبضع مئات من المدافع ونحو نصف جيش)، وبعد ذلك بدأت المطاردة الكبرى له حتى وصل إلى تونس، وفي هذه الأثناء كان الحلفاء قد بدأوا إنزالهم الكبير في شمال افريقيا في 8ت2-1942 في ما عرف بعملية تورش (TORCH) أي المشعل، فأصبح بين نارين.
أسباب هزيمة رومل في معركة العلمين وشمال افريقيا
تتمثل أبرز أسباب خسارة الألمان للمعركة بما يلي:
1- تضاؤل التموين عبر البحر المتوسط لقوات المحور إلى خمس الحاجات الاعتيادية بسبب إغراق ثلاثة أرباع سفن التموين من قبل القوة الجوية الملكية البريطانية خصوصاً المحروقات.
2- ازدياد القوة الجوية البريطانية بالطائرات كماً ونوعاً.
3- تضاؤل قوة المحور الجوية (بقيادة كيسلرنغ) على مسرح شمال افريقيا لحاجة هتلر لها على مسرح روسيا.
4- عدم احتلال جزيرة مالطا من قبل المحور، والتي كانت تشكل قاعدة الحلفاء لضرب قوافل البواخر المحورية.
5- طول خطوط التموين لقوات المحور من مرفأ طبرق حتى العلمين والبالغة 330 ميلاً أو 660 ميلاً من بنغازي، بينما خطوط تموين الحلفاء لا تبعد عن العلمين أكثر من 55 ميلاً عن الاسكندرية و200 ميل عن السويس.
6- عدم تزويد رومل بما يحتاج إليه من الدبابات الجديدة أو الجنود الأكفاء لاستبدال الأعداد التي أنهكت.
7- تدخل هتلر المباشر في العمليات وعدم السماح بالانسحاب في الوقت المناسب، وعدم وفائه بوعوده لرومل من احتلال مالطة وتلبية حاجاته الضرورية.
وكانت النتيجة أن تلاشى الأمل في الاستيلاء على دلتا النيل وقناة السويس وضاع حلم هتلر في حركة الكماشة عبر القفقاس، بأن يأتي جيش ألماني من أوكرانيا عبر القفقاس، ويأتي جيش آخر شمالاً عبر الصحراء الغربية وقناة السويس، وذلك بهدف الاستيلاء على حقول نفط الشرق الأوسط، ثم الهجوم على الجناح الجنوبي المكشوف للاتحاد السوفياتي.
وقد اعتبر فوللر أن «مصر وقناة السويس كانتا تمثلان الهدف المثالي لقوات ألمانيا المسلحة في ذلك الوقت. ولو أن ألمانيا ألقت بكامل ثقل آلتها الحربية في الشرق الأوسط، بدلاً من بعثرة قواتها الجوية في أجواء انكلترا، لألحقت ضربة قاتلة بمجموع الامبراطورية البريطانية».
وقال المارشال كايتل مستشار هتلر: «كانت العلمين من أثمن الفرص التي مررنا بالقرب منها وأضعناها»، وأستطيع أن أقول إننا في تلك المرحلة من الحرب كنا أقرب من الظفر العام مما كنا في أي زمان أو بعدها. لم يبق علينا يومذاك إلا بذل جهد قليل لكي نفتح الاسكندرية، ونكر على قناة السويس أو فلسطين...» (من كتاب: رومل على أبواب الشرق، تأليف الجنرال ديزموند يونغ - منشورات مكتبة بيروت 1951 - ص57).
النتائج والدروس المستقاة
اعتبرت العلمين معركة مدفعية بامتياز، غير أن ثمة دروساً أخرى تستقى منها وأبرزها:
- مركزية استعمال المدفعية، وتركيزها على نقاط محددة وفعالية المراقبة واستعمال أجهزة الاتصال (السلكية) حتى المفارز الصغيرة (معركة مدفعية بامتياز).
- دور وسائل المخابرات (الاتصالات) الرائد في تنسيق العمل بين سرعة التدخل والجهد الكثيف.
- دور نازعي الألغام في فتح الثغرة.
- معنويات وتدريب عناصر المشاة.
- دور الطيران في تدمير دفاعات ومدفعية المحور ومشاته ودباباته.
- دور الدبابات، ولكنه لم يصل إلى مستوى اعتبار المعركة معركة نموذجية للمدرعات.
- دور القائد، وصلابته، وذكاؤه واختيار الزمان والمكان للتدخل، ووجوده في الطليعة.
- دور إدامة التموين لدى الحلفاء، وتأثير تقطعه لدى المحور على فقدان المبادرة.
لو ربح رومل معركة العلمين وهزم الانكليز، وتابع تقدّمه واحتل مصر وقناة السويس وطرد الانكليز والفرنسيين من سوريا ولبنان وفلسطين والعراق وتابع... كان من المحتمل أن يتغير مصير الشرق والعالم كما نعرفه اليوم.
كان خطأ هتلر الكبير أنه:
- حارب على مسرحين بعيدين عن بعضهما البعض في الوقت نفسه.
- أخلّ بمبدأ نسبية الأهداف والوسائل في كل مسرح.
- افتقد مبدأ حرية العمل.
- لم يحضّر جيشه لهذه الحرب بالطريقة المناسبة لأهدافه.
- لم يترك حرية العمل لقادة جيشه على مسارح العمليات في الوقت المناسب.
- لم يعقد تحالفات مفيدة لتحييد أخصامه.

نتائج المعركة أسفرت المعركة عن الخسائر الآتية:- الحلفاء:
- 13000 رجل.
- 250 دبابة (غير قابلة للتصليح).
- 250 دبابة (معطوبة).
- 500 مدفع.
- 250 طائرة.
- المحور:
- 15000 رجل.
- 30000 أسير.
- 054 دبابة.
- 008 مدفع.
- 004 طائرة.
على الرغم من تفوق الحلفاء خاصة بالقوات والمدرعات والطائرات والإمدادات واستطاعتهم تدمير الفيلق الافريقي (Africa Korps)، فإن معركة العلمين قد أنهكتهم وحرمتهم من تحقيق انتصار كاسح.
قال تشرشل: «إن معركة العلمين تشكل نقطة تحول في التراث العسكري البريطاني في خلال الحرب العالمية، قبل العلمين كنا نتصارع للبقاء، أما بعد العلمين فأصبحنا ننتصر».
وقال أيضاً: «لا يمكن اعتبار معركة العلمين أنها النهاية، قد تكون بداية النهاية، ولكنها بالتأكيد نهاية البداية».
معركة العلمين كانت معركة نموذجية للمدفعية، ولم تكن كذلك بالنسبة إلى المدرعات.