الكفار بقيادة أمريكا وأذنابها من الدول الأوربية يودون أن يسيطروا ويهيمنوا على العالم اجتماعياً، بعد أن سيطروا عليه اقتصادياً، وعسكرياً، وسياسياً، وإعلامياً، متخذين منظمات الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وهيئة الصحة العالمية الهزيلة الضعيفة، والمنظمات الكنسية الأخرى، مظلات لتحقيق أغراضهم ومآربهم، وبث أحقادهم ضد الإسلام والمسلمين على وجه الخصوص، تحت شعارات ومصطلحات براقة، خادعة، كاذبة: حقوق الإنسان، ومحاربة الإرهاب، والحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل – كما يزعمون – التي خدعوا بها السذج والمغفلين من المنتسبين إلى الإسلام، مستغلين في ذلك ومسخرين عملاءهم وجواسيسهم من الشيوعيين والمنافقين، قوام طابورهم الخامس في العالم، متخذين من المؤتمرات، والندوات، والمنظمات الكنسية، وسيلة لتحقيق هذه الأغراض الخبيثة التي ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب والدمار.
في مقدمة هذه الأمور معقل من معاقل الإسلام، وعروة من عراه، لم يتمكنوا من نقضها بالكلية كما نقضوا سابقاتها بعد، هذا المعقل هو الأسرة المسلمة: الأمهات، والأطفال، وفقهها الذي كان بمعزل من كيدهم ومؤامراتهم حيناً من الدهر، حيث كانت دائرة الأحوال الشخصية "فقه الأسرة"، هي الدائرة الوحيدة التي يحكم فيها شرع الله.
من أجل ذلك كثفوا عقد المؤتمرات والندوات: مؤتمر نيويورك، القاهرة، الذي توِّج بمؤتمر بكين بالصين، الذي نتج عنه اتفاقية "سيداو" المشؤومة، القائمة على أنقاض فقه الأسرة في الإسلام، حيث نقضت بنودها المتسترة في قضية القضاء على التمييز ضد المرأة، ورفع الظلم عنها، وإزالة كل أشكال التمييز بينها وبين الرجل، ضاربين عرض الحائط بالفروق الخلْقية، والنفسية، والشرعية، بين الرجل والمرأة، التي أقرها ربنا على لسان المرأة الصالحة والدة مريم: "وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى"، ورادين لقول الله عز وجل: "وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ".
ثم سعوا لحمل كل الدول الإسلامية لقبول بنود هذه الاتفاقية، والعمل على تنفيذها فوراً.الحامل للكفار للإقدام على هذا العمل الإجرامي الكبير أسباب، منها:
1. الحسد، فطالما أن الأسرة تفككت في أمريكا وأوربا فلماذا تبقى الأسرة المسلمة بمنأى عن ذلك؟
2. الحقد الدفين ضد الإسلام والمسلمين، الذي تبديه ألسنتهم أحياناً، وما تخفي صدورهم أكبر وأكبر.
3. انفراد أمريكا بالسيطرة والهيمنة على كل العالم، بعد أن قضت على النمر الورقي – روسيا، حيث أضحت هي وصنائعها من الشيوعيين يدورون في فلكها، وتحولوا بقدرة قادر إلى موالاة الإمبريالية من غير حياء ولا خجل، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت".
حيث لم يبق أمامهم سوى الإسلام السني فقط، أما الزبد فيذهب جفاء، فلابد من دحره حتى يسهل لهم قياد العالم، وأنى لهم ذلك؟ خاب فألهم وكذبت نبوءتهم.
زعم الفرزدق أن سيقتل مِرْبَعاً *** فاهنأ بطول سلامة يا مِرْبَع
4. استكانة حكام المسلمين، وخضوعهم للهيمنة الأمريكية، وتنفيذهم مخططاتها، جرَّأ الكفار على الاستمرار في حربهم الصليبية على الإسلام والمسلمين في كل المسارات.
ومن العجيب أن نجد بعض الدول الإسلامية سبقت هذه الاتفاقية، حيث قلدتهم في ذلك وتشبهت بهم،وفي مقدمتها تونس.
وإن الجزائر الآن تسعى للبدء في تنفيذ هذه البنود، حيث قدم رئيسها مشروعاً لتعديل شرط الولاية في الزواج، ليكون من حق المرأة أن تلي أمر نفسها ومن يليها، رداً لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل".
وهكذا نرى النتائج الخبيثة لهذه الاتفاقية شيئاً فشيئاً.
الذي يغيظ الكفار في فقه الأسرة الإسلامي، ويريدون تغييره وتبديله ليساير ما هم عليه ما يأتي:
1. إقرار المرأة في بيتها.
2. قوامة الرجال على النساء في الإمامة الصغرى (الصلاة)، والكبرى (الحكم)، وفي النكاح.
3. رعاية الوالدين لأولادهما ومسؤوليتهما الكاملة عنهم.
4. تشجيع الإسلام على الزواج المبكر، والحض على الإنجاب.
5. تمييز الذكر على الأنثى في التعصيب فقط في الميراث.
6. عدم مشاركة المحافظات من النساء في الانتخابات ونحوها.
7. حرمان غير المسلم والعدل من حضانة الأبناء.
8. إباحة تعدد الزواجات.
9. إلزام الرجال بالنفقة على من يعولون.
10. قصر الإسلام قضاء الوطر على الزوجة وما ملكت اليمين.
11. ختان الأنثى السني لأنه يعدل من شهوة المرأة.
ولهذا نجد أن بنود هذه الاتفاقية جاءت لتقضي على ذلك كله.
فقد جاء في الجزء الأول، المادة [2- أ] من الاتفاقية: (تجسيد مبدأ عدم التمييز بين الرجل والمرأة في دساتيرها الوطنية)، والله يقول: "وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى".وكذلك في المادة [2- ز]: (إلغاء جميع أحكام قوانين العقوبات)، ويعنون بذلك إبطال عقوبة جريمة الزنا، والإجهاض، ونحوهما.
وجاء في الجزء الثاني، المادة [7- أ، ب، ج] إعطاء المرأة جميع الحقوق السياسية، بحيث يمكن أن تلي الإمامة الكبرى.
وجاء في الجزء الثالث، المادة [10-ج] تشجيع الاختلاط، الذي يعتبر من العوامل الأساسية لإشاعة الفاحشة بين المؤمنين.
وفي الجزء الرابع، المادة [15-2]، حيث نص على أن تكون المرأة والية على نفسها ومن يليها.
هذه مجرد أمثلة، فالاتفاقية عموماً تقوم على أنقاض الإسلام، ورد ما هو معلوم من الدين ضرورة، ومعلوم أن حكم من رد ما هو معلوم من الدين ضرورة الكفر والخروج من دائرة الإسلام، إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع.
وعليه نرجو من جميع حكام المسلمين رفض هذه الاتفاقية، والحذر من الأخذ بها، وعلى العلماء وطلاب العلم أن يبينوا للعامة مخالفة ذلك لما جاء به الشارع الحكيم، حتى يهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة.
ونرجو من إخواننا المخدوعين بها أن يعيدوا النظر في موقفهم هذا، وعليهم أن لا ينخدعوا بدعايات أعداء الإسلام، وعملائهم، وصنائعهم.
وليعلم الجميع أن الدين تم وكمل، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، فوالله لن يضرن إلا نفسه، وأن ما لم يكن في ذاك اليوم ديناً فلن يكون اليوم ديناً، كما قال مالك رحمه الله، وأنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وقد صلح أولها بالاعتصام بالكتاب، والسنة، وما أجمعت عليه الأمة.
وليتذكروا كذلك أن هذا الدين محفوظ بحفظ الله تعالى، وأن هذا العلم دين، فلينظر كل منا ممن يأخذ ويتلقى دينه.
اللهم ألف بين قلوب المسلمين، واهدهم سبل السلام، وجنبهم الكفر، والفواحش، والآثام، وصلى الله وسلم على نبي الملحمة، الناهي عن التشبه بالكفار، المفضي إلى غضب الجبار، وعلى آله وأصحابه الأطهار، والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، لا ينال سلامنا الكفار، والمنافقين، والفجار.