حـواديــت أجــدادنــا الفــراعـــنـة 1

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : ريـم | المصدر : www.egyptsons.com

 

 

حـواديــت أجــدادنــا الفــراعـــنـة



الجميع يتكلم عن حضارة الفراعنة العريقة التي يشهد لها العالم أجمع حيث أنها كانت أكث الحضارات العالم تحضراً في وقت كانت بقية الشعوب لازلت تبني بلدانها.. و كان الإيرلنديون لا يزالوا يقفطفون الفاكهة من على أغصان الشجر و يصطادون السمك من نهر الشانون ! على أي حال جميعنا يتكلم عن عبقرية الفراعنة الإستراتيجية و إبتكاراتهم العلمية و الفنية و إبداعتهم الإقتصادية لكن هل في مرة فكرنا في تراث هذا الشعب و قصصه؟ هل في مرة فكرنا في "الحواديت" التي تناقلتها الأجيال و ذُهل بها الأطفال؟

هنا و بين أيديكم 5 قصص شعبية من مصر القديمة، اقرأوها و تعرفوا على "حواديت" الناس أيامها.. و قارنوها بـ "علي بابا" و "حيريزانة" و "بير زويلة" ..


المصدر:
كتاب "روح مصر القديمة"
بقلم: آنا رويز
و ترجمة: إكرام يوسف
المجلس الأعلى للثقافة
المشروع القومي للترجمة
الكتاب رقم: 965

القصة الأولى

ركزت إحدى الأساطير الرائعة العديدة، التي توارثها الناس عبر آلاف السنين على شرب الجعة و تأثيراته على القدرة على التهدئة و التسكين و تحسين الحالة المزاجية. و تبدأ الأسطورة حين شاخ إله الشمس رع عنجما كان فرعوناً بشرياً ع الأرض. فاستهان به شعبه- و اعتبره حاكماً عجوزاً، واهناً و ضعيفاً. و شعر رع بخيانة البشر له. كيف تسنى لهم ألا يحترمونه؟ فالمصريون رغم كل شيء ولدوا من دموعه. و لشعوره بالألم و الغضب، سعى إلى مشورة الآلهة، الذين نصحوه بأن يوجه عينه الجبارة ضد البشر كعقوبة في صورة ابنته سخمت الرهيبة.

و عندما سلط رع نظرته القوية على شعب مصر، ظهرت سخمت فواصلت الإلهة المنتقمة ذبحاً في البشر، و شرباً من دمائهم. و استمر هذا التدمير عدة ليال، حتى فاض النيل باللون الأحمر. و بدأ رع يشعر بالشفقة على الناس الذين هلك العديد منهم بسبب ثورة سخمت. و تملك رع الندم العميق لأنه خلقها. و توسل إليها لتوقف دماراها، إلى أن شهيتها زادت للدم. و عندما أحس رع باليأس منها قرر أن يتولى الأمر بنفسه. فبعث رسله إلى بلدة آبو ليحضروا له نباتات الماندراك و أكسيد الحديد الأحمر، و هي منتجات اشتهرت بها هذه البلدة. و أمر النساء بتخمير كل ما يستطيعونه من جعة، حتى امتلأت 7000 جرة. و أمر الرجال بأن يمزجوا الجعة بالماندراك و أكسيد الحديد الأحمر. و سكب هذا المزيج على كل الأرض التي عاثت فيها سخمت تخريباً.

ثم جاء اليوم الذي القت فيه سخمت بصرها على المنطقة التي الحقت بها الضرر الشديد. فوققعت في هوى صورتها القرمزية، و شرعت في شرب الجعة المصبوغة باللون الأحمر. و سرعان ما أصبحت ثملة تماماً و غلبها النوم. و خلال هذه الفترة تراجعت ميولها العنيفة و التدميرية حتى تلاشت تماماً. (و هناك أساطير آخرى تروي أن رع سلب منها قوتها، مثلما منحها اياها)

و عندما استيقظت سخمت كانت رغبتها في القتل قد انتهت. و غير رع اسمها إلى حت-حيرو الإلهة ذات رأي البقرة. و تقول أساطير آخرى أن سخمت أصبحت باست الإلهة ذات رأس القطة. وكلا من حت-حيرو و باست إلهة رقيقة للحب و السرور و السكر. و ظلت سخمت إلهة الدمار في تاريخ و أساطير مصر القديمة. و صار من الممكن التوسل بسلطتها لفائدة البشر، بطرد الشر و المرض.

و منذ ذلك اليوم ظل كهنة حت-حيرو يشربون الجعة المصبوغة باللون الأحمر، على شرفها، خلال مهرجان السكر السنوي الذي يقع في الشهر الأول من موسم الفيضان. و يشرب الناس هذه الجعة بفرح خاص، حيث أنقذ هذا المشروب قبلا البشرية من وحشية سخمت، الإلهة الأقوى..

و توتة توتة فرغت الحدوتة

 

 

القصة الثانية



من بين أشهر القصص في مصر القديمة، واحدة بعنوان "مغامرات سنوهي". و القصة حدثت خلال عصر الاسرة الثانية عشرة، في عهد أمنمحات الأول و تعكس خوف المصري من الموت في أرض غريبة.

حيث كان الفرعون مهدداً دائماً من أولئك الذين يأملون في إزاحته حتى يستولون على العرش لأنفسهم. و سمع أمنمحات الأول شائعات بين حريمه تتهدد حياته. و خشية على مستقبل مصر، بدأ الإعداد لتسمية ابنه سونسرت باعتباره الوريث الحقيقي و الشرعي.

و نما إلى علم سنوهي، و هو أحد المسؤلين و من أخلص رفاق سونسرت نبأ الإعداد لمؤامرة لقتل الفرعون. و خوفاً على حياته، من كل من الطرفين- سواء حاول تحذير الفرعون، أو أصبح متورطاً في هذه المؤامرة، هرب سنوهي إلى بلاد رتنو (فلسطين). و هناك لقى ترحيباً من الملك الذي عينه قائداً للجيش. و تزوج ابنة الملك و عاش في رغد.

و دافع سنوهي عن رتنو ضد أعدائها من البلاد و القبائل المجاورة. و خدم الملك على أتم وجه سنوات عديدة، مما اكسبه ثقته و عطفه. و لما كان الملك لم ينجب ذكوراً، انتقلت الخلافة بالطبع إلى سنوهي. و عندما توفى الملك، أصبح سنوهي حاكم رتنو. و لكن مع مرور الوقت اشتاق سنوهي إلى وطنه. فأرسل رسائل إلى سونسرت، متوسلاً إليه أن يغفر له تركه لمصر منذ سنوات، و ملتمساً عفواً ملكياً يتيح له العودة إلى مصر. و سرعان ما استجاب سونسرت و رحب بعودته إلى مصر.

و مكافأة على إخلاصه مدة طويلة في خدمة أمنمحات الأول والد سونسرت، حصل سنوهي على وعد بجنازة فخمة و لائقة غرب اواست عندما يحين أجله.

و ترك سنوهي بلاد رتنو في رعاية ابنه الكبير و خليفته، و عاد إلى مصر. و صار مشرفاً على بلاط الفرعون خلال السنوات القليلة الباقية من عمره. و قبل وفاته، دوّن جميع المغامرات التي خاضها قبل عودته إلى مصر، و يعتقد أن هذه المغامرات هي بداية أساس قصص السندباد الشهيرة.



* * * * *



أتخيلتم معي هذا؟ كانت مكافأته هي جنازة فخمة! تعجبت جداً في بداية الأمر لكن عندما قرأت أكثر في الكتاب وجدت أن المصريين القدماء كانوا يقدسون حياتهم الآخرى التي تأتي بعد الموت، و أن الموت ما هو إلا تذكرة عبور إلى العالم الآخر و الخلود.. لدرجة أنهم كانوا يدفنون معاهم خدمهم ليخدموهم في الحياة الآخرى، هذا غير الطعام و الملابس و الحلي و مستحضرات تجميل و أواني و أثاث و الحيوانات الأليفة!!

 

 

 

القصة الثالثة



خلفية الحدوتة..

يمنح الطفل اسمين، واحد للإستخدام اليومي و الأخر يبقى تحت حراسة وثيقة خشية أن يستخدم ضد الطفل. و كان يظن أن معرفة الاسم الحقيقي لشخص يضمن التأثير و السيطرة عليه، و يعتقد أن جوهر الشخص أو الحيوان أو الإله يتجسد في اسمه الحقيقي. و ينقش الاسم الحقيقي للمتوفى أو "رين" على حجر و يعتقد أنه يحتوي على روحه الدينية. و يؤدي محو الاسم إلى تبديد أي فرصة لخلوده، حيث تزول الروح الدينية مع زوال الاسم. و من دون هذا الاسم لا يمكن للمرء أن يوجد و لا أن يدخل ممكلة الآلهة.
و كان للآلهة 5 اسماء. فثلاً كان لدى رع عدة أسماء لكن رين الخاص به هو مفتاح قوته الحقيقية و جوهره. و غذا عرف الاسم الحقيقي للإله -الذي لم يكن يتلفظ به- فإنه يستطيع أن يسلب السلطة.
 

 

الآلهة المذكورة في القصة..

ايزيس



زوجة و شقيقة اوزيريس و هي سيدة السحر و حامية الأطفال كما أنها من ساعدت أنوبيس (إله المومياء و رمز البعث و الموت) الذي منح اوزيريس الحياة الخالدة. و ايزيس من أهم ربات مصر القديمة و هي أيضاً واحدة من 4 ربات لحماية الموت

.

رع

إله الخلق، الشمس برأس صقر، أبو الملوك و من أهم المعبودات. و هو يتوحد مع الشمس. و يعتقد المؤمنون به أن البشرية و الحياة كلها نبعت من دموع رع عندما انتحب على الخلق و جمال الإنسانية

.

قصة رع و ايزيس

مع تقدم سن رع خالق الجميع في حياته الفانية كان سائراً على الأرض التي خلقها و اللعاب يسيل من فمه كرجل مسن. فدبرت ايزيس التي يملؤها الطموح اللهفة على النفوذ خطة لتجريد رع من قوته حتى تكسبها لنفسها. و قامت ايزيس بجمع بضع قطرات من لعاب رع و خلطتها بالتراب. و من هذا صنعت أبوفيس الثعبان السام و العدو الأبدي لرع، و نفخت فيه الروح. و في حرص، وضعت ايزيس أبوفيس في الطريق الذي يسير فيه رع يومياً ثم توارت عن الأنظار. و مع إقتراب رع ارتفع أبوفيس من الأرض و لدغ كاحله أثناء سيره. و بعدها اختفى و عاد إلى داخل الأرض.

و صرخ رع من الألم و تعجب، من أين جاء هذا المخلوق الشرير- لأنه يعلم أنه لم ينفخ فيه الروح و من ثم ليس له سلطان عليه. و وسط يأسه استدعى رع الآلهة لطلب العون. فجائوا من الرياح و من الأرض و الصحراء و الماء. و جائت ايزيس من ضمنهم و كانت أول من خطى إلى الأمام و تحدث.

و بإعتبارها ربة السحر وعدت رع بتخليصه من عذابه إذا صارحها باسمه الحقيقي و حاولت إقناعه أنها ستضع هذه المعرفة القوة الجديدة ضمن تشفيه من الألم، غير أن رع رفض. و استمر الألم يشتد، مع سريان السم في جسده، و في نهاية الأمر كشف عن جميع اسمائه... ماعدا الرين. و لم يكن من السهل خداع ايزيس الماهرة فبدأ صبرها ينفد. و تزايد كرب رع و أصبح عظيماً إلى الحد الذي دفعه لأن يسر باسمه الحقيقي "الرين" في اذنها.

و فوراً انتقلت قوة رع إلى ايزيس و توقف سريان السم في جسد رع و تعهدت ايزيس باستخدام قوتها الجديدة في أغراض الخير و خدمة البشر.

القصة الرابعة

نقشت على بردية ترجع إلى نحو 1800 قبل الميلاد، مجموعة من قصص مغامرات في أعالي البحار، منها قصة شعبية بعنوان "الملاح التائه". و تبدأ ببحار يقص على الوزير الأكبر، قصة اصطدامه الهائل بجزيرة زاهرة في عرض البحرالمتوسط، مع تعهده بهدايا للملك. فقد ابحر و معه 500 من أشجع رجال مصر و أكثرهم حنكة، على ظهر سفينة ضخمة يزيد طولهاعن 100 قدم و عرضها عن 30 قدماً، في بعثة إلى المناجم. و بينما هم مبحرين، هبت عليهم رياح هوجاء، و عاصفة مهلكة. و اصطدمت السفينة بأمواج عاتية وصل ارتفاعها إلى 30 قدماً فهلك العديد من الرجال سقوطاً في البحر و في النهاية تبعتهم السفينة نفسها.

و ألقى بحارنا الذي يجاهد للبقاء على قيد الحياة، بنفسه من فوق المركب الذي بدأ في الغرق، و تشبث بلوح من الخشب، و ظل التيار يجرفه و هو متشبث باللوح الطافي لمدة 3 أيام و 3 ليال. و في اليوم الرابع طرحته موجة عملاقة على شاطئ جزيرة غريبة و غامضة، جزيرة "كا" فزحف غلى مأوى تحت شجرة.

و بعد أن استراح قليلاً سرعان ما قرر أن يستكشف ما حوله، و يبحث عن ناجين آخرين. و تسمر من هول المفاجأة عندما رأى قدراً هائلاً من الكروم و الشجيرات التي تحمل العنب و التين و التوت. و شاهد حيثما وجه بصره فيضاً من الحياة: القمح و الشعير و الخيار و الكراث و البطيخ و السمك و الطيور و الأفيال و افراس النهر و القرود و الكلاب و الزراف، كلها تجول في الجزيرة غير الآهلة للبشر. و بعد أن ملأ معدته بالفاكهة قرر أن يحفر حفرة و يشعل فيها النار. و شرع في طهي بعض اللحم و سمكة لنفسه و قدم قرابين مشوية للألهة امتنانا من أجل سلامته و حسن حظه.

و سرعان ما بدأت الأرض تهتز و الأشجار تضطرب. و فجأة برز ثعبان عملاق جسمه مكسو بحراشف ذهبية، رافعاً رأسه نحو البحار الممتلئ رعباً. و فتح الثعبان فكيه، و تحدث الثعبان بصوت هادر سائلاً البحار عن المكان الذي جاء منه و قال إنه إذا كانت إجابة البحار مغايرة لما كان -الثعبان- قد سمعه فعلاً من قبل فسيلتهمه.

و حكى البحار و هو يرتعد قصة العاصفة المهلكة و موت زملائه من طاقم السفينة. و كان فزعاً حتى أن الثعبان تحدث و طمأنه أنه آمن لأنه جاء للجزيرة عبر البحر، و أنه كان المختار و الناجي الوحيد من الكارثة التي هلك فيها العديد من الرجال العظماء. و كشف الثعبان أنه واحد من 75 ثعباناً عاشت على الجزيرة بالإضافة إلى فتاة صغيرة جائت مؤخراً عندما سقط نجم (القصة مذكورة بإختلاف بسيط في التفاصيل في موسوعة سليم حسن "مصر القديمة"، الجزء 17، حيث يذكر الثعبان في صــ53 إلى أن سقط شهاباً على الجزيرة فأحرق بقية الثعابين و الطفلة و بقى هذا الثعبان وحده- المترجمة). و أخبر الثعبان البحار أن لديه نعمة القدرة على التنبؤ و تنبأ له بأن سفينة انقاذ ستأتي خلال 4 شهور لتعيده إلى بلده. و نظراً لإحساسه الغامر بالإمتنان تعهد البحار بالعودة إلى الجزيرة و معه كنوز و قرابين- عطور و بخور و حيوانات كثيرة من مصر- كهادايا للثعبان.

و ضحك الثعبان فلم تكن جزيرته بحاجة إلى أي شيء يمكن أن يحضره البحار. و أضاف أن جزيرة كا سوف تغرق في البحر الذي جائت منه بعد أن يرحل البحار، و لن تظهر نفسها مرة آخرى إلا للتائه المختار التالي.

و بعد مرور 4 شهور وصلت السفينة. و أهدى الثعبان للبحار هدايا من العاج و الكحل و العطور الفاخرة و نبات السنا و التوابل و الاخشاب و الذهب و الفضة و الزراف و القرود ليأخذها معه إلى مصر. و أمضى هو و رفاق السفينة الجدد شهرين مبحرين و شاهد الجزيرة تتضائل و تتضائل حتى اختفت من مجال البصر- تماما كما أخبره الثعبان.

و تأثر الوزير للغاية و نقلها للفرعون الذي أمره بدروه كرئيس الكتبة "أمون أمونا" بتدوينها على البردي. و كوفئ البحار بمنصب كبير موظفي القصر، تعويضاً له عن محنته و مكافأة عن روح المغامرة- أو ربما لإبداعه في اختراع هذه القصة لتفسير الكيفية التي أصبح بها ثرياً !

.........

تشبه هذه القصة بعض قصص ألف ليلة و ليلة، أليس كذلك ؟!