عن الخلفاء الراشدين.... 2

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : Masrawya | المصدر : www.egyptsons.com

عثمان بن عفان
(‏47 ق‏.‏ هـ 35 هـ / 576 م ـ 656 م)


ذو النورين


هو عثمان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب،يجتمع نسبه مع الرسول ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ من جهة أبيه،(‏ عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف)، فهو قرشي أموي يجتمع هو والنبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ في عبد مناف، وهو ثالث الخلفاء الراشدين‏.

وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، وأم أروى البيضاء بنت عبد المطلب عمة الرسول ـ صلى اللَّه عليه وسلم. ولد بالطائف بعد عام الفيل بست سنين على الصحيح ‏(‏سنة 576 م‏)‏‏.
فأولاده ستة عشر‏:‏ تسعة ذكور، وسبع إناث، وزوجاته تسع، ولم تذكر هنا أم كلثوم لأنها لم تعقب.

 
زواجه من ابنتى رسول الله


كان رسول اللَّه قد زوَّجها من عتبة بن أبي لهب، وزوَّج أختها أم كلثوم عتيبة بن أبي لهب، فلما نزلت‏:‏ ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ)‏.‏ قال لهما أبو لهب وأمهما ـ أم جميل بنت حرب(حمالة الحطب) فارقا ابنتَي محمد، ففارقاهما قبل أن يدخلا بهما كرامة من اللَّه تعالى لهما، وهوانًا لابني أبي لهب، فتزوج عثمان بن عفان رقية بمكة، وهاجرت معه إلى الحبشة، وولدت له هناك ولدًا فسماه‏:‏ ‏"‏عبد اللَّه‏"‏، وكان عثمان يُكنى به ولما سار رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ إلى بدر كانت ابنته رقية مريضة، فتخلَّف عليها عثمان بأمر رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، وكانت قد أصابتها الحصبة فماتت بها‏.‏

ويقال لعثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ‏:‏ ‏(‏ذو النورين‏)‏ لأنه تزوج رقية، وأم كلثوم، ابنتيَّ النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏.‏ ولا يعرف أحد تزوج بنتيَّ نبي غيره، و يقال انه سمى بذلك لان النبى قال " فيه نور اهل السموات و مصباح اهل الارض "

 
صفاته.


من صفات عثمان التى كتبت على السنة معاصرية ، فنراهم مجتمعين على صفتين لم ينسهما احد منهم و هما : الجمال و الحياء.

كان عثمان جميلًا وكان لا بالقصير ولا بالطويل ـ، حسن الوجه، رقيق البشرة كبير اللحية، أسمر اللون، كثير الشعر وكان يصفر لحيته ويشد أسنانه بالذهب ، كان خفيف الجسم لم يكن بضعيفة ولا قليله.

اما خلائقه فقد اجمع على انه كان عذب الروح ، حلو الشمائل محببا الى عارفيه وكان ـ رضي اللَّه عنه ـ أنسب قريش لقريش، وأعلم قريش بما كان فيها من خير وشر، وكان رجال قريش يأتونه ويألفونه من الأمور لعلمه، وتجاربه، وحسن مجالسته، وكان شديد الحياء، ومن كبار التجار الاثرياء فى قريش.

و كان الحياء من صفاتة الملازمة حتى زكاه الرسول قائلا: " اصدق أمتى حياء، عثمان". و و اقعة اخرا عن حياء عثمان ترويها لنا أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها فتخبرنا أن أبا بكر استأذن يوما على النبى و هو مضطجعا و قد انحسر جلبابه عن احدى ساقيه، فأذن لابى بكر فدخل ،واجرى مع الرسول حديثا ثم انصرف,و بعد قليل جاء عمر فاستاذن له، و مكث مع الرسول بعض الوقت قم مضى، ثم جاء بعدها عثمان فاستاذن ، واذا الرسول يتهيأ لمقدمه، قيجلس بعد ان كان مضطحعا و يسبل جلبابه فوق ساقيه المكشوف وقضى معه بعض الوقت ثم انصرف‏.‏ قالت عائشة‏:‏ يا رسول اللَّه" لم أرك تهيأت لأبي بكر وعمر كما تهيأت لعثمان‏!‏ قال رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏إن عثمان رجل حيي وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال لاستحيا ان يدخل ولرجع دون ان اقضى له حاجته )‏
وقال يا عائشة : (الا ‏ أستحي من رجل تستحى منه الملائكة‏)‏

 
إسلامه


أسلم عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ في أول الإسلام قبل دخول رسول اللَّه دار الأرقم، وكانت سنِّه قد تجاوزت الثلاثين،و يروى ان سبب اسلامة ان ابا بكر شرح له قواعد الاسلام و هداية الدين الجديد فقال له: ‏:‏ ويحك يا عثمان واللَّه إنك لرجل حازم ما يخفى عليك الحق من الباطل، هذه الأوثان التي يعبدها قومك، أليست حجارة صماء لا تسمع، ولا تبصر، ولا تضر، ولا تنفع‏؟‏ فقال‏:‏ بلى، واللَّه إنها كذلك،فدعاه الى لقاء النبى، و لقيه ، فقال له – عليه السلام- (‏يا عثمان أجب اللَّه إلى جنته فإني رسول اللَّه إليك وإلى جميع خلقه‏)‏‏ قال عثمان ‏:‏ فواللَّه ما ملكت حين سمعت قوله أن أسلمت، وشهدت أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمد رسول عبده ورسوله، ثم لم ألبث أن تزوجت رقية‏.‏ وكان يقال‏:‏ أحسن زوجين رآهما إنسان،

وهاجر عثمان إلى أرض الحبشة فارًا بدينه مع زوجته رقية بنت رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، فكان أول مهاجر إليها، ثم تابعه سائر المهاجرين إلى أرض الحبشة، ثم هاجر الهجرة الثانية إلى المدينة‏.‏ عن أنس قال‏:‏ "أول من هاجر إلى الحبشة عثمان"، وخرجت معه ابنة رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم و لما علم النبى قال ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏صحبهما اللَّه، إن كان عثمان لأول من هاجر إلى اللَّه عز وجل بعد لوط‏)‏
وكان عثمان ـ رضي اللَّه ـ عنه أحد العشرة الذين شهد لهم رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ بالجنة‏

وعن أبي موسى الأشعري: كنت مع رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ في حديقة بني فلان والباب علينا ‏ مغلق إذ استفتح رجل فقال النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏يا عبد اللَّه بن قيس، قم فافتح له الباب وبشَّره بالجنة‏)‏ فقمت، ففتحت الباب فإذا أنا بأبي بكر الصدِّيق فأخبرته بما قال رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، فحمد اللَّه ودخل وقعد، ثم أغلقت الباب فجعل النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ ينكت بعود في الأرض فاستفتح آخر فقال‏:‏ يا عبد اللَّه بن قيس قم فافتح له الباب وبشَّره بالجنة، فقمت، ففتحت، فإذا أنا بعمر بن الخطاب فأخبرته بما قال النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، فحمد اللَّه ودخل، فسلم وقعد، وأغلقت الباب فجعل النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ ينكت بذلك العود في الأرض إذ استفتح الثالث الباب فقال النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏يا عبد اللَّه بن قيس، قم فافتح الباب له وبشره بالجنة ، فقمت، ففتحت الباب، فإذا أنا بعثمان بن عفان، فأخبرته بما قال النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، فقال‏:‏ ‏(‏اللَّه المستعان وعليه التكلان‏)‏،
وقال ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة،....)
وعن حسان بن عطية قال‏:‏ قال رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏غفر اللَّه لك يا عثمان ما قدَّمتَ، وما أخَّرتَ، وما أسررتَ، وما أعلنتَ، وما هو كائن إلى يوم القيامة‏)

 
تخلّفه عن بيعة الرضوان



في الحديبية دعا رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له فقال‏:‏ يا رسول اللَّه إني أخاف قريشًا على نفسي، وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني وقد عرفت قريش عداوتي إياها وغلظتي عليها، ولكني أدلّك على رجل أعز بها مني، عثمان بن عفان، فدعا رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ عثمان بن عفان، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحربهم وأنه إنما جاء زائرًا لهذا البيت ومعظَّمًا لحرمته‏.‏
فخرج عثمان إلى مكة فلقيه أبان بن سعيد بن العاص (هوأبان بن سعيد بن العاص الأموي، أبو الوليد، صحابي مشهور من ذوي الشرف، كان في عصر النبوة من شديدي الخصومة للإسلام والمسلمين، ثم أسلم سنة 7 هـ،)

وعظماء قريش فبلغهم عن رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ ما أرسله به، فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ إليهم‏:‏ إن شئت أن تطوف بالبيت فطف، فقال‏:‏ ما كنت لأفعل حتى يطوف رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، واحتبسته قريش عندها، فبلغ رسول اللَّه والمسلمين أن عثمان بن عفان قد قتل، وقيل‏:‏ إنه دخل مكة ومعه عشرة من الصحابة بإذن رسول اللَّه ليزوروا أهاليهم ولم يذكروا أسمائهم، وقيل‏:‏ إن قريشًا احتبست عثمان عندها ثلاثة أيام، وأشاع الناس أنهم قتلوه هو والعشرة الذين معه‏.‏ وعلى كل حال أبطأ عثمان ـ رضي اللَّه ـ عنه عن الرجوع فقلق عليه المسلمون، فلما بلغ ذلك الخبر رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏لا نبرح حتى نناجز القوم‏)

ولما لم يكن قتل عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ محققًا، بل كان بالإشاعة بايع النبي ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ عنه على تقدير حياته‏.‏ وفي ذلك إشارة منه إلى أن عثمان لم يُقتل، وإنما بايع القوم أخذًا بثأر عثمان جريًا على ظاهر الإشاعة تثبيتًا وتقوية لأولئك القوم، فوضع يده اليمنى على يده اليسرى وقال‏:‏ ‏(‏اللَّهم هذه عن عثمان في حاجتك وحاجة رسولك‏)‏‏.‏
 
اختصاصه بكتابة الوحي


عن فاطمة بنت عبد الرحمن عن أمها أنها سألت عائشة وأرسلها عمها فقال‏:‏ إن أحد بنيك يقرئك السلام ويسألك عن عثمان بن عفان فإن الناس قد شتموه فقالت‏:‏ لعن اللَّه من لعنه، فواللَّه لقد كان عند نبي اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ وأن رسول اللَّه ـ مسند فخذه إلى عثمان، وإني لأمسح العرق عن جبين رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ، وأن الوحي لينزل عليه وأنه ليقول‏:‏ اكتب يا عثيم، فواللَّه ما كان اللَّه لينزل عبدًا من نبيه تلك المنزلة إلا كان عليه كريمًا
وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال‏:‏ كان رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ إذا جلس جلس أبو بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وعثمان بين يديه، وكان كَاتبَ سر رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ.

 
جهاده بماله


قام عثمان بن عفان رضي الله عنه بنفسه وماله في واجب النصرة ، كمااشترىبئر رومة بعشرين ألف وتصدق بها ، وجعل دلوه فيها لدلاء المسلمين ،كما ابتاع توسعة المسجد النبوي بخمسة وعشرين ألفا .
ان الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة ، فأصاب الناس جهد حتى بدت الكآبة في وجوه المسلمين ، والفرح في وجوه المنافقين ،فلما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك قال :
" والله لا تغيب الشمس حتى يأتيكم الله برزق "فعلم عثمان أن الله ورسوله سيصدقان ، فاشترى أربع عشرة راحلة بما عليها من الطعام ، فوجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم منها بتسعٍ ، فلما رأى ذلك النبي قال : " ما هذا ؟ "قالوا : أهدي إليك من عثمان فعرف الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه
وسلم والكآبة في وجوه المنافقين ، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه حتى رؤي بياض إبطيه ، يدعو لعثمان دعاء ما سمِع دعا لأحد قبله ولا بعده : " اللهم اعط عثمان ، اللهم افعل بعثمان ".

 
جيش العسرة


يقال لغزوة تبوك غزوة العُسرة، مأخوذة من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ‏}فقال له ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏هل أبقيت لأهلك شيئًا‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ أبقيت لهم اللَّه ورسوله‏.‏ وجاء عمر ـ رضي اللَّه عنه ـ بنصف ماله فسأله‏:‏ ‏(‏هل أبقيت لهم شيئًا‏؟‏‏)‏قال‏:‏ نعم، نصف مالي‏.وجهَّز عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ ثلث الجيش جهزهم بتسعمائة وخمسين بعيرًا وبخمسين فرسًا‏.‏ قال ابن إسحاق‏:‏ أنفق عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ في ذلك الجيش نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها‏.‏ وقيل‏:‏ جاء عثمان ـ رضي اللَّه عنه ـ بألف دينار في كمه حين جهز جيش العُسرة فنثرها في حجر رسول اللَّه فقبلها في حجر وهو يقول‏:‏ ‏(‏ما ضرَّ عثمان ما عمل بعد اليوم‏)‏‏.‏ وقال رسول اللَّه‏:‏ ‏(‏من جهز جيش العُسرة فله الجنة‏)

 
خلافة عثمان بن عفان
(23 - 35 هـ/ 643- 655م )


جعل عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- الخلافة قبل وفاته شورى في ستة من كبار الصحابة، هم عثمان بن عفان، وعلى بن أبى طالب، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعبدالرحمن ابن عوف، وسعد بن أبى وقاص -رضى الله عنهم-، وجعل ابنه عبدالله بن عمر معهم مشيرًا ولا يحق لهم اختياره، وقد وقع الاختيار على عثمان بن عفان سنة 24هـ لتولى خلافة المسلمين.
وقد بدأ عثمان عهده بأن كتب إلى الولاة وعمال الخراج ينصحهم بالسير فى طريق العدل والإنصاف والمساواة بين الناس، وزاد فى أعطيات جيشه.

واستمرت خلافته نحو اثني عشر عاما تم خلالها الكثير من الأعمال: نَسْخ القرآن الكريم وتوزيعه على الأمصار, توسيع المسجد الحرام, وقد انبسطت الأموال في زمنه حتى بيعت جارية بوزنها

عمل عثمان على توطيد نفوذ المسلمين فى كثير من البلاد التى تم فتحها من قبل، كما نجح ولاته فى ضم مناطق جديدة إلى حوزة الدولة الإسلامية، جرى غزو "أذربيجان" و"أرمينية" للمرة الثانية على يد الوليد بن عقبة بعد أن امتنع أهلها عن دفع ما كانوا قد صالحوا المسلمين عليه، وفى نفس العام وصل معاوية بن أبى سفيان إلى الشام لصد الروم التى تحركت لغزو الشام واستعادتها من المسلمين، فأرسل جيشًا من أهل الكوفة بقيادة سلمان بن ربيعة الباهلى فى ثمانية آلاف رجل، فشنوا الغارات على الروم، وأوقعوا بهم، وتوالت الفتوحات الإسلامية، فعاود معاوية بن أبى سفيان غزو الروم، وتوغل فى أرضهم حتى وصل "عمورية"، وقد نجح فى ذلك ففتح قنسرين وغيرها.

وفى الشرق بلغ "عثمان بن عبدالله" أرض كابل (أفغانستان الحالية).وفتح إفريقية (تونس حاليّا) .
وانتصر جيش المسلمين على الجيش البيزنطى وسميت هذه الواقعة بغزوة "العبادلة"، وفيها قتل القائد البيزنطى جُرْجير على يد عبدالله بن الزبير، واستولى المسلمون على أرض تونس سنة 27هـ.

وفى سنة 28هـ عمل معاوية على وضع النواة الأولى للأسطول الإسلامى لغزو قبرص حيث كانت تعد محطة تموين للأسطول البيزنطى فى البحر المتوسط وهو الذى اعتاد مهاجمة الشواطئ الإسلامية، وتم لمعاوية فتحها فانهزم الأسطول الرومى، وفر قائده بما بقى من مراكبه فى موقعة "ذات الصوارى" سنة 31هـ.

وهكذا فقد كانت الفتوحات الإسلامية أيام عثمان بن عفان كبيرة وواسعة إذ أضافت بلادًا جديدة فى إفريقية وقبرص وأرمينيا، وأجبرت من نقض العهد إلى الصلح من جديد فى فارس وخراسان وباب الأبواب.

وضمت فتوحات جديدة فى بلاد السند وكابل وفرغانة، ورغم هذا فقد حدثت فتنة فى أواخر عهد عثمان، فقد اتهمه فيها البعض بأنه يقرب إليه بنى أمية ويستشيرهم فى أموره، ويسند إليهم المناصب الهامة فى الدولة، وظهرت بعض الشخصيات التي صارت تبث روح السخط والتمرد فى نفوس أهل البلاد، ومن ذلك ما قام به عبدا لله بن سبأ (المعروف بابن السوداء) وكان يهوديّا يُظهر الإسلام، حيث تنَّقل بين الأقاليم الإسلامية محاولا إثارة الناس ضد الخليفة، ولم يمضِ على ذلك وقت طويل حتى أقبل إلى المدينة فى شوال سنة 35هـ وفد من العرب المقيمين فى مصر والكوفة والبصرة ومعهم بعض المطالب منها عزل الولاة الذين أساءوا للمسلمين، ومازالوا بالخليفة حتى قبل بعض مطالبهم، وسافروا من المدينة،

ثم مالبثوا أن عادوا إليها وفى يدهم كتاب بختم عثمان، قالوا إنهم وجدوه مع رسول عثمان إلى ولاته يأمر فيه بحبسهم وتعذيبهم، فحلف عثمان أنه لم يكتب ذلك، ثم زعم الثائرون أن الكتاب بخط مروان بن الحكم فطلبوا إلى الخليفة أن يخرجه لهم فلم يقبل لكذب هذا الزعم ولخشية أن يقتلوه ظلمًا، فاشتدت الفتنة وحرَّض المحرضون بقيادة ابن السوداء، وضرب الثائرون حصارًا حول دار عثمان بن عفان، ولما علموا أن ولاة الخليفة فى الأقاليم الإسلامية أعدوا الجند لإرسالهم إليه شددوا الحصار على عثمان، وأساءوا معاملته، وبعد أن استمروا فى محاصرته أربعين يومًا، هجم عليه بعضهم وقتلوه، فقتل مظلومًا -رضى الله عنه- فى اليوم الثامن عشر من شهر ذى الحجة سنة35هـ الموافق السابع عشر من يونيه سنة 656م، وفُتِحَ بذلك باب عظيم من الفتنة والابتلاء على المسلمين.

‏(‏رحمك اللَّه يا عثمان ما أصبت من الدنيا، ولا أصابت منك‏)‏‏

 
في رحاب علي كرم الله وجهه

رابع الخلفاء الراشدين



" وورث فرع المجد من آل هاشم...و جاء كريما من أكرام أماثل"

هو أبو الحسن على ابن أبى طالب بن عبد المطلب بن هاشم ابن عم الرسول "على" ابن زعيم من زعماء قريش " أبى طالب ابن عبد المطلب" كانت قريش تهابه و تحبه لا لمكانته فى قريش فقط و إنما أيضا لما كان يحمله من نفس كريمه و شخصية وقياده عادله"

لقد وقع على كاهل أبى طالب دون أعمام النبي عبئ مناصرة رسول الله صلى الله عليه و سلم و مقاومة أهل قريش أمام مناوراتهم و مؤامرتهم لمناصرة الدين الجديد ، و ذلك لأنه كان أوسع رجال قريش أفقا و أذكاهم قلبا و أوفرهم جسارة و عزما.

وقد أمن "أبى طالب" بالرسول و دعوته و وقف لقريش بجانبه، و كان لا يصمد لمحمد ابن أخيه و لكنه وقف بجانب محمد الداعي إلى الحق ، محمدا الصادق الأمين، فقد وقف إلى جانب رسول الله و الدين الناشئ المواقف التي تحملها عليه رجولته و عظمت نفسه.

و ولد "عليا" و سط هذه الأجواء و سمع والده" أبى طالب" و هو يوصى قريش عند موته و يقول" يا معشر قريش...أنى أوصيكم بمحمدا خيرا، فانه الأمين في قريش ، و الصادق في العرب ، و هو الجامع لكل ما أوصيكم به...والله، لا يسلك احد سبيله الا رشد ، ولا يهدى بهدية الا سعد. و لو كان فى العمر بقيه، لكففت عنه الهزاهز ، و لدفعت عنه الدواهي."

و مات" أبى طالب" و اشتد أذى قريش للنبي صلى الله عليه و سلم و نعى الرسول موت و عمه و قال " ما نالت منى قريش شيئا اكره ، حتى مات أبو طالب" و هز رأسه و قال: " يا عم...ما أسرع ما وجدت فقدك".

و كان "على" ابن هذا الرجل العظيم و حفيد رجل عظيم أخر هو "عبد المطلب" جد رسول الله صلى الله عليه و سلم.
فقد كان "عبد المطلب" يبلغ فى قريش و فى العرب منزله لم يبلها احد. و قد كان الناس يدعوه " بشبيه الحمد " من كثرة محامده ، فقد كان غزير الحكمة عميق الإيمان.

و بشر "عبد المطلب" بمولد حفيده " محمد ابن عبد الله" و حمله و ذهب به الى الكعبة حيث صلى صلاة الشكر، و وصى عليه ابى طالب و قال له:" يا ابا طالب...سيكون لابنى هذا شأن فأحفظه ، و لا تدع مكروها يصل إليه".

و حفظ ابو طالب العهد و رعى ابن اخية رعاية تليق برجولته و بعظمة شخصيته ،و حينما خلت الديار من الجد و العم، كان على الابن يحمل ميراث نبالة الاخلاق و مضاء العزم و العقيده. و عاش "عليا" مع ابن عمه فى دار "محمد ابن عبد الله" رسول رب العاملن ، داخل الدار الذي رسم الوحى فيه نشأة الدين الجديد.



 
أسلامه.

كان "علي"ا يعيش مع"محمدا" منذ كان عابدا يبحث عن الحق، يتعبد فى غار حراء و بعد ان اوحى الى الرسول بتبليغ رسالة رب العاملين.

و في أيام الرسالة الأولى رأى "على" النبي يصلى مع زوجته "خديجة "رضي الله عنها

و سأله على : ماذا اراك صانع...؟
اجابه الرسول: انى اصلى لرب العالمين.
وسأله على: و من يكون رب العالمين..؟
فقال النبى:" انه اله واحد...لا شريك له...له الخلق ..بيده الامر..يحيى و يميت..وهو على كل ذشئ قدير...."

فاسلم الغلام و هو ابن عشرة سنوات و كان أول من دخل الإسلام من الصبية.و منذ أسلامه و لم يفارق النبي، و يصلى معه و يصغى اليه و يراه و هو يتهيأ لتلقى الوحي ، و كم من آية كان هو أول من يسمعها....و عاشر كل الذين كتب لهم حظ السبق إلى الإسلام من اولئل الصحابة.

و صارت دار الأرقم مكان لقائهم يتلو عليهم الرسول صلى الله عليه و سلم ما تنزل به الوحي من عند رب العالمين و لم يغيب "عليا" عن دار الأرقم و لم يفته من مشاهدة مشهد واحد منذ نشأة الدين الجديد.فقد عاش مع النبي و هو في السادسة من عمره و تربى على يديه حتى كان اسبق السابقين للإسلام .وصارت حياة "الأمام كرم الله و جهه" منذ كان طفلا تطبيقا كاملا لمنهج الرسول و تعاليم القرآن.

و قد ادخر قلب الفتى و مسامعه ما لم يتلقى احد مثله من آيات الله و أحكام الدين الجديد.
ومضى بواكير حياته في نور هذه الآيات المنزلة على رسول الله و ذلك حتى سار جدير بقوله للناس :" سلونى ، سلونى، و سلونى عن كتاب الله ما شئتم ...فوالله ما من أيه من آياته إلا وأنا اعلم أنزلت فى ليل او فى نهار."


 
هجرته

و يوصف على "بربيب النبي" فقد كان يتلقى من فم النبي كلمات القران و آياته.

و قد اختاره الرسول صلى الله عليه و سلم يوم المؤاخاة أخا له، فعندما تمت هجرة النبي و المسلمين إلى المدينة، آخى الرسول بين المهاجرين و الأنصار ، و من بين الصديق" أبو بكر" و الفاروق "عمر بن الخطاب" ، اجلس الرسول "عليا "بجواره و ربت على كتفه و ضمه اليه و هو يقول " هذا آخى".

و هكذا حمل "الأمام على كرم الله" وجهة الإسلام في أعماقه و مضى يستصغر شأن الدنيا بكل ما فيها.
و كلما تراءت له مباهجها صدها بعبارته المأثورة: " يا دنيا ، إليك عنى...يا دنيا ، غٌري غيري.."

و كان "عليا" فى أسلامة نموذج عظيم مكتمل الشكل و الجوهر. فقد كان زاهدا عابدا و ناسكا ، و كان يحدث المسلمين على الإسلام الذي امن به و يحثهم على زهد الدنيا فيقول :" تعلموا العلم تعرفوا به ....واعملوا به، تكونوا من أهله...الا وان الدنيا قد ارتحلت مدبرة.وان الآخرة قد أتت مقبله....و لكل واحد منها بنون. فكونوا من أبناء الاخره ، و لا تكونوا من أبناء الدنيا."

وكان دين الله الذي حمل أمانته و قراة كتابه هو شغله الشاغل ، و من اجل ذلك كان يدع الدنيا وراء ظهره و يقضى ليله و نهاره فى عبادة تضنى الجسد.

فيأبى و هو خليفة للمسلمين ان ينزل قصر الأمارة بالكوفة و كان يلبس الثوب الخشن ، حتى سأله أصحابه أن يعطى نفسه و منصبه حقهما فيقول:" هذا الثوب يصرف عنى الزهو ، و يساعدني على الخشوع في صلاتي ، و هو قدوه صالحه للناس ، كي لا يسرفوا و يتبذخوا..."

وكان" الأمام كرم الله وجهه" لا يركن إلى الدنيا لحظه نهار، فكان أهل الدنيا في مختلف العصور و الدهور عنده ما ألا سائرون فوق جسر ...وكانت الاخره عنده هي الدار و هي الأبد.

و كان زهد "ابن أبى طالب" و بعده عن الدنيا ليست زهد الهاربين من مسئوليات الحياة و أنما هو زهد يشكله أسلامه و مسئوليته أمام الله.

و هكذا كان" الإمام "عاش كما وصفه النبي " مخشوشن فى سبيل الله" نأى الترف عن نفسه بكل عزمه و كان ذلك فهمه للإسلام وان الترف مشغلة الفارغين وان مسئولية حملة راية الإسلام اكبر و أصعب من ان تشغله عنها الدنيا و ترفها.

و يقوم أسلام "عليا" على تقوى الله و كان يعامل الناس بإخلاصه لله و للرسول و ليس بحسبه و نسبه لبيت النبي و كان بذلك لا يتغير طفلا و شابا و جنديا و قائدا و خليفة للمسلمين.

وكانت خطبته و هو أمير للمؤمنين في أول يوم له بالكوفة دعوة خالصة لتقوى الله و حسن عبادته و طاعته فيقول...
" أوصيكم عباد الله بتقوى الله، فان تقوى الله خير ما تواصى به عباده، واقرب الأعمال لرضوانه، وأفضلها في عواقب الأمور عنده....واعملوا من غير رياء ولا سمعه، فان من عمل لغير الله وكله الله الى ما ما عمل...فلا تغركم الدنيا، فأنها غراره لأهلها، و المغرور من اعتز بها .....وان الاخره لهى دار القرار"



 
الرجل المقاتل.

كان" الإمام على كرم الله وجهه" يحمل صفة المقاتل في أعماقه، و قد بلغت هذه الطبيعة من العدالة و المروءة المدى الذي وصفه القران و مبدءا الإسلام.

و تتصور بطولتة ليلة هجرة النبى صلى الله علية و سلم و عندما اخذ "على" مكان النبى فى فراشه ليشغل انظار المحاصرين لبيت الرسول من المشركينو يخدعهم بعض الوقت عن مخرج الرسول علية السلام ، حتى يكون و صاحبة ابو بكر قد جاوزا منطقة الخطر و بعدو مسافة تشتت من خلفوهم من المشركين لمطاردهم.

و صفة المقاتل عند " الأمام"لا تمثل عنده عدوانا ولا تنطلق لإغراض دنيا و أطماع النفس، فتجاوزت طبيعة المقاتل عند "الإمام" أسمى معاني الرجولة ،والتزام بمناهج الرسول الذي به و الدين الذي حمل رايته

و نرى الرجل و البطل المسلم يشكلون فى" الإمام على كرم الله وجهه"، اصدق لقاء و أروع المعاني ففي غزوة احد يخرج لمبارزة احد المشركين و هو "سعد بن أبى طلحه"، و ينادى "عليا" ليبارزه.. ويخرج على و يلتقيان فى مبارزة ضارية و يتمكن "على" من "سعد" و يطرحه أرضا و يتهيأ ليضربه ضربته القاضية فتنكشف عورته ، فيغمض "عليا" عينيه و يثنى عليه سيفه و يعود الى مكانه فلا الصف...و يسأله المسلمون: لماذا لم تجهر عليه..؟
فيقول: " لقد استقبلني بعورته، فعطفتنى عنه الرحم"

و كان شرف المقاتل عند الإمام صفه العظماء و الأبطال الحقيقيين و كان إيمانه الحق بان القتال الشريف العادل هو سيبل الرجال.


 
خلافته سنه35 هــ

لعبت الفتنة بمصائر الدولة الإسلامية ، فتنة تنادى لها أصحابها من مختلف أقطار الإسلام و بلغت الفتنة غاية احتدامها و ظلامها بمقتل الخليفة "عثمان ابن عفان " رضى الله عنه.و روعت مدينة رسول الله صلى الله عليه و سلم بمقتل الخليفة فى واحدة من المأسى الكبرى فى التاريخ نتيجة فتنة عمياء شهدتها المدينة المنورة ، دبر لها و أعدت لتفرقة الأمة.


و لم يكن بين أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم من الأحياء فى ذلك الوقت من يفوق " الأمام" في كفايته الهائلة التي تجعله جدير بمكانة الخلافة، و لم تكن الخلافة حين عرضت على "الأمام" و عندما قبلها تشكل اى مغنم من مغانم الحياة بل كانت تشكل عبئا كبيرا.

و حمل أمير المؤمنين "على ابن ابى طالب" كرم الله وجهه تبعة الحكم و مسئولية الخلافة و قصده الثوار بعد اقتراف جريمتهم بعد قتل الخليفة السابق، و بدأت متاعب " الأمام" و كان علية ان يقتص من قتلة "عثمان" و يعيد الخلافة هيبتها و كان ذلك مطلب عاما ، و كانت الخطوة الأولى إلتى أقدم عليها امير المؤمنين "على" هى عزل كل الولاة الكبار الذين كانوا على عهد "عثمان" حتى تهدءا الفتنة و تستقر الأمور ، وكان هؤلاء الولاة قد اتخذهم أهل الفتنة و الثورة ذريعة للطعن على "عثمان" و الخروج علية....فعزل" الأمام" كرم الله وجهه "عبد الله بن سعد" عن ولاية مصر ، و "عبد الله بن عامر" عن ولاية البصرة و " أبا موسى الاشعرى"عن ولاية الكوفة و " معاوية بن ابا سفيان" عن ولاية الشام.

و هذا القرار قد راجعه فيه ابن عمه "عبد الله بن العباس" لان الأوضاع العامة لا تزال مضطربة و النفوس مشتعلة و الفتنة قائمة تحتاج الى وقت لتهدا.

ولكن "الامام "على أصر على تنفيذ القرار محتجا بأن الثائرين إنما ثاروا غضبا من ولاة عثمان، و لن تهدءا ثورتهم ما لم يعزلوا ، و كان اثر ذلك ان الولاة الجدد تسلموا مهامهم كخلفاء لولاة "عثمان" ، في الوقت الذي رفض "معاوية بن ابى سفيان" أن ينفذ القرار و منع دخول الوالي الجديد إلى الشام.

دارت رسائل و مخاطبات بين" أمير المؤمنين" و "معاوية" حول هذا الشأن، الأول يطلب من الأخر أن يبايعه بالخلافة و ان يذعن لأوامره باعتباره الخليفة الشرعي المبايع من كبار الصحابة.
و يفاجئ الخليفة "على كرم الله وجهه" برسالة من" معاوية" تتضمن عبارة واحدة " من معاوية الى على" و هو ما يعنى ان "معاوية" لم يقر بخلافة "على ابن ابى طالب" إذ لم يصفه "بأمير المؤمنين" ، و أدرك" أمير المؤمنين" إن حمل "معاوية" على البيعة لن يكون إلا بالقوة فاستعد لذلك،

و سارت الإحداث على النحو الذي ساعد "معاوية" و زاد الأمور تعقيدا أمام "الخليفة" و في الوقت الذي اخذ فيه "الإمام على ابن ابى طالب" يجهز للخروج إلى الشام ، جاءته الإنباء بأن ،" السيدة عائشة رضى الل"ه عنها كانت قد خرجت معتمرة قبل مقتل "عثمان" و قد جزعت لمقتله اشد الجزع و كذلك "الزبير" و " طالحة" أصحاب النبي صلى الله علية و سلم.

و بعد علمهم بمقتل الخليفة السابق سارت السيدة " عائشة" رضى الله عنها على رأس حشد كبير من المسلمين إلى البصرة ، ليحرضوا المسلمين بالعراق على الثأر من قتلة عثمان و أخذت تردد" قتل الله عثمان مظلوما ، لاطلبن بدمه" و التحقت بطلحة و الزبير و بعض بني أمية من قوم عثمان و اتفقوا جميعا على تجهيز جيش للأخذ بالقصاص من قتلة "عثمان" و اتجهوا الى البصرة,


وصلت هذه الإنباء إلى" الأمام على ابن أبى طالب" فاضطر إلى تغير خطته بالذهاب الى البصرة لا الى الشام قبل ان يصل جيش عائشة و من معها الى البصرة ، لكنها كانت اسبق منه في الوصول إليها ، غير ان والى البصرة أصر على منعهم من دخول البصرة و دارت معركة ينهم..

وصل الأمام على الى البصرة و علم بما حدث من سفك الدماء فأرسل رسولا الى معسكر" السيدة عائشة" لبحث الأمر ، و كانت النيات حسنة تبغي الإصلاح ، فاتفقوا على الصلح و تجديد البيعة "للأمام على ابن ابى طالب" و توقفت المعركة بعد ان ذهب عن الجيش "طلحة" و الزبير" و دعا "الخليفة" "محمد ابن ابى بكر" ليصحب اخته "السيدة عائشة" رضى الله عنها و يعودوا إلى مكة.

غير إن أنصار الفتنة ساءهم هذا الاتجاه ، و أدركوا ان الصلح بين الفريقين لا يتفق مع أهدافهم، و عاودو القتال و كان هذا مقدمة لحرب " الجمل" التي راح ضحيتها اثنان من خيرة أصحاب النبى صلى الله علية وسلم و هما "طلحة" و" الزبير" رضي الله عنهما.

و عاد " الأمام" بعد ذلك إلى الكوفة ليستعد لإخضاع" معاوية بن ابى سفيان" و اشتعلت الحرب بين الفريقين و ظلت 10 أيام متصلة قتل خلالها الآلاف من المسلمين و و وقعت خسائر ضخمة فى جانب جيش "معاوية" ، و أصبحت هزيمتهم قريبة ، و عند ذلك رأى معاوية ان يضع حد لهذا الأمر ، فطلب من "عمرو بن العاص" الرأي و المشورة حتى يمكن الإبقاء على البقية من أبطال جيشه فأشار عليه "عمرو" بالتحكيم.


 
رفع المصحف..

و اصدر "معاوية" إلى رجالة برفع كل منهما مصحفا على رمحه و أشار الى الاحتكام إلية، و ارتفعت صيحة فى جيشة تقول "كتاب الله بيننا و بينكم، " و رفع جيش "معاوية" نحو 500 مصحف و توقفت الحرب رغم علم الامام انها حيله من جيش "عمرو ابن العاص" و لكنه ارتضى الطرفان ان يعودا الى تحكيم القران بينهما و أناب كل واحد منهما شخص ينيب عنه


بعد رفع المصاحف كان الصلح المعروض فرصة لإنهاء الحرب و أعلن "معاوية" إن ممثلة في التحكيم هو " عمرو بن العاص" و اعلن الخليفة بان ممثلة فى الصلح هو " ابو موسى الاشعرى"

و اتفق "عمرو بن العاص" و" الاشعرى" بعد حوار بينهما على ان يخلعا معا كل من "معاوية" و "الأمام" و يعود ذلك الأمر شورى بين المسلمين يختارون من أمامهم و من خليفتهم.

و دعا "عمرو" أبى موسى الاشعرى" ليبدءا بالحديث ، و بداء" ابو موسى" و خلع "عليا"و "معاوية" ثم تلاه "عمرو بن العاص" قائلا" ان ابا موسى خلع صاحبة كما رايتم، و انى اخلعه كما خلعه، و اثبت معاوية، فهو امير المؤمنين و المطالب بدم عثمان بن عفان ، فبايعوه"

و ثار ابا موسى لهذه الخدعة و انتهى التحكيم بهذه المهزلة و عاد القتال بينهم من جديد.

رفض "الأمام على ابن ابى طالب" هذه النتيجة لان الخلاف لم يكن قائما على منصب الخلافة، و إنما على أقامة الحد على قتلة "عثمان" و على بيعة "معاوية" له كخليفة للمسلمين و تطورت الأحداث بعد ذلك ، و انقسم جيش "على" على نفسه و ظهرت فرقة الخوارج الذين انشقوا علية و اضطر لمحاربتهم مما اضعف جبهته و استنفد كثير من جهده و شاءت الأقدار ان تكون نهايته على يد أحدا منهم و توفى 17 رمضان سنة 40 هــ


 
رحـــــــيل الامــــــــام

كانت قضية "الأمام على كرم الله وجهه" هي أن يرد الإسلام الى حقيقته . وان يرد المسلمين و حدتهم و للدولة الإسلامية تماسكها.

فأن اهل الكوفة الذين دعاهم الى السير معه صوب الشام للقاء "معاوية" قد تقاعسوا و راحوا يتسللون الواحد بعد الاخر من معسكراتهم، حتى تلفت "الأمام" ذات يوم فلم يجد حوله سوى ألف لا يزيدون"

قتل "على كرم الله وجهه" و استشهد البطل و الأمام و هو يقترب من باب مسجد الكوفة بعد أن عبر شوارعها يوقظ أهلها لصلاة الفجر و ينادى فيهم " الصلاة، ايها الناس ، الصلاة، يرحمكم الله"

اقترب منه فى الظلام احد الخوارج أسمة ( عبد الرحمن بن ملجم) ، كان قد تأمر مع اثنين آخرين ليتخلصوا من الأمام بالعراق و معاوية بالشام و عمرو بن العاص بمصر.

كان الأمام بلا حرس و لم تكن الجريمة تتطلب اى قوة او بطولة ، ما كانت تتطلب سوى ضميرا ميتا و تفكيرا ضالا و قلبا أعمى، فلما تصورت هذه جميع فى صورة أدمى و تسلحت بسيف مسموم تم كل شئ فى لحظات.

لقي ا"لأمام" مصابا بضربة سيف مسموم ، و تتصور عظمة الأمام فى أخر مشهد فى اصدق ما تكون اذ هو فى لحظات موتة يأمر من حامليه ان يذهبوا الى المسجد ليدركوا صلاة الفجر قبل ان تؤذن بالفوات ، و يعودون الية و يعود بعض الرجال ممسكين بالقاتل "عبد الرحمن بن ملجم" ، يفتح "الإمام" عينية و يرى القاتل و يهز رأسه فى أسى و يقول " اهو انت..؟ لطالما أحسنت إليك!!"

و يلقى"الأمام" نظره على أصحابة و أهله و بنيه و يرى الانتقام في أعينهم ، و ينادى فيهم و يقول" أحسنوا نزلة، وأكرموا مثواه، فأن اعش ، فأنا اولى بدمة قصاصا او عفوا. و ان أمت، فالحقوا بى...أخاصمه عند رب العالمين...ولا تقتلوه بى سواه...ان الله لا يحب المعتدين"

و في لحظات نهايته زاره وفد من أصحابة و سألوه ان يستخلف عليهم ابنه "الحسن" من بعده فأبى ذلك قائلا: " لا أمركم ، و لا أنهاكم...أنتم بأمركم أبصر"

ثم دعي بنية و على رأسهم "الحسن" و راح يملى عليه و صيته...
" ...أوصيكم بتقوى الله ربكم ، ولا تموتن الا وانتم مسلمون. واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا....الله ، الله فى القران ، لا يسبقنكم الى العمل سابق. الله، الله فى الفقراء و المساكين أشركوهم فى معاشكم. لا تخافن فى الله لومة لائم ، يكفيكم من ارادكم وبغى عليكم. لا تدعوا الأمر بالمعروف ، و النهى عن المنكر ، و قولوا للناس حسنا كما امركم الله تعالى. عليكم بالتواصل و إياكم و التدابر ، و تعاونوا على البر و التقوى ، ولا تعاونوا على الإثم و العدوان..."

و قع الاعتداء على" الأمام" فجر الجمعة الثامن عشر من رمضان عام أربعين من الهجرة، و فاضت روحة غروب السبت التاسع عشر من رمضان.

و رحل "ابن أبى طالب" عن الدنيا، و كان ولائه للحق يتمثل فى قهر الدنيا و زهده فيها و التفوق على فتونها

و ها هو ابن عم النبي يخرج إلى سوق الكوفه و هو خليفة للمسلمين و امير المؤمنين حاملا احد أسيافه الاثيره لدية ، عارضا إياه للبيع قائلا " من يشترى سيفى هذا؟ قوالله لو كان معى ثمن ازار ما بعته"

فكما وصفة "الحسن البصري" فقال: " رحم الله عليا كان رهباني هذه ألامه"
رهباني هذه آلامه ، مقيم هناك بالكوفة، يعيش عيشة البسطاء و يعبد الله عبادة القديسين يحمل مسئوليات أمته مثل عزم الأنبياء"


فهو الخطيب الذي تهتز الدنيا لكلماته، و ما تبق احد من المسلمين إلا و بح صوته ترحما على "عليا"

و ها هو يسأله الرسول صلى الله عليه و سلم: " يا على...كيف أنت اذا زهد الناس فى الآخرة، و رغبوا فى الدنيا، و أكلوا التراث أكلا لما...وأحبوا المال حبا جما. واتخذوا دين الله دغلا و مالوا دولا..."

فإجابة على: " ...اتركهم لدنياهم، واذرهم وما اختاروا...و اختار الله، و رسوله، والدار الاخره...واصبر على ذلك حتى الحق بهم..."

وحققت الأقدار أمنيته الأخيرة وأخرجه الله و فيضه الى رحمته....

رحم الله "الأمام على ابن أبى طالب" و رضي عنه...


منقول من كتاب :خلفاء الرسول ( خالد محمد خالد) مع بعض الاقتباسات من مواقع متفرقه.