معارك المسلمين في أوربا

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : ابن رشد المصري | المصدر : www.egyptsons.com

بسم الله نكمل..
بدايةً وقبل سرد فتوحات جديدة وسير قادة جدد أود أن أستكمل أخر ما تحدثت عنه وهو فتح مدينة الاسلام مدينة القسطنطينية بذكر أحاديث وخطب القادة قبل الفتح وسرد الرسائل والتبريكات والأفراح التي سادت العالم الاسلامي بعد الفتح لعلنا نتخيل حجم وقع ذلك اليوم على النفوس وعظم تأثيره.




دخول محمد الفاتح المدينة للرسام زونارو

عقد محمد الفاتح اجتماعاً ضم مستشاريه وكبار قواده أثناء حصار المدينة وطلب من الجميع أرائهم .. أشار البعض بالانسحاب ومنهم الوزير خليل باشا محذراً من غضب أوربا النصرانية فيما لو استولى المسلمين على المدينة وما ان سأل السلطان قائده زغنوش باشا عن رأيه حتى استفز في قعدته وصاح بلغة تركية تشوبها لكنة أرناؤوطية "حاشا وكلا أيها السلطان أنا لا أقبل أبداً ما قاله خليل باشا فما أتينا هنا الا لنموت لا لنرجع" أحدث استهلاله هذا وقعاً عميقاً على النفوس وخيم سكون الجميع فواصل "ان خليل باشا أراد بما قاله أن يخمد فيكم نار الحمية ويقتل الشجاعة ولكنه لن يبوء الا بالخيبة والخسران ان جيش الاسكندر الكبير الذي قام من اليونان وزحف الى الهند وقهر نصف أسيا الكبيرة الواسعة لم يكن أكبر من جيشنا فان كان ذلك الجيش استطاع أن يستولى علي تلك الأراضي العظيمة الواسعة أفلا يستطيع جيشنا أن يتخطى هذه الكومة من الأحجار المتراكمة؟ .. قد أعلن خليل باشا أن دول الغرب ستزحف الينا وتنتقم ولكن ما الدول الغربية هذه؟ وهل هي الدول اللاتينية التي شغلها ما بينها من خصام وتنافس؟ هل هي دول البحر المتوسط التي لا تقدر على شئ غير القرصنة واللصوصية؟ ولو أن تلك الدول أرادت نصرة بيزنطة لفعلت وأرسلت اليها الجند والسفن ولنفترض أن أهل الغرب بعد فتحنا القسطنطينية هبوا الى الحرب وقاتلونا فهل سنقف منهم مكتوفي الأيدي بغير حراك؟ أو ليس لنا جيش يدافع عن كرامتنا وعزتنا؟
يا صاحب السلطنة أما وقد سألتني عن رأيي فلأعلنها كلمة صريحة يجب أن تكون قلوبنا كالصخر ويجب أن نواصل الحرب دون أن يظهر علينا أقل ضعف أو خور، لقد بدأنا أمراً فواجب علينا أن نتمه ويجب أن نزيد هجماتنا قوة وشراسة ونفتح ثغرات جديدة وننقض على العدو بشجاعة، لا أعرف شيئاً غير هذا ولا أستطيع أن أقول شيئاً غير هذا"
بدت على وجوه الجميع أمارات البشر والحماسة واتفقوا مع القائد الشجاع فيما رآه فقال السلطان "يجب الاستمرار في الحرب وبالغاية الصمدانية سيكون لنا النصر والظفر"
وبعد اصدار التعليمات الأخيرة كانت خطبة الفاتح "اذا تم لنا فتح القسطنطينية تحقق فينا حديث من أحاديث رسول الله ومعجزة من معجزاته وسيكون من حظنا ما أشاد به هذا الحديث من التمجيد والتقدير فأبلغوا أبناءنا العسكر فرداً فرداً أنا لظفر العظيم الذي سنحرزه سيزيد الاسلام قدراً وشرفاً، ويجب على كل جندي أن يجعل تعاليم شريعتنا الغراء نصب عينيه فلا يصدر عن أحد منهم ما يجافي هذه التعاليم وليجتنبوا الكنائس والمعابد ولا يمسوها بأذى ويدعوا القسيس والضعفاء والعجزة الذين لا يقاتلون"

أثر فتح القسطنطينية على العالم المسيحي:

تأثر الغرب النصراني بنبأ الفتح وانتاب النصارى شعور الفزع والخزي والألم وتجسم لهم خطر جيوش الاسلام القادمة من استانبول "مدينة الاسلام" وبذل الشعراء والأدباء ما في وسعهم لتأجيج نار الحقد والكراهية والغضب في نفوس النصارى ضد المسلمين وعقد الأمراء والملوك اجتماعات طويلة ومستمرة وتنادى النصارى الى نبذ الخلافات وكان البابا نيقولا الخامس أشد الناس تأثراً بنبأ سقوط القسطنطينية وعمل جهده وصرف وقته في توحيد الدول الايطالية وتشجيعها على قتال المسلمين وترأس مؤتمراً عقده في روما أعلنت فيه الدول المشتركة عزمها على التعاون فيما بينها وتوجيه جميع جهودها وقوتها ضد العدو المشترك وأوشك الحلف أن يكتمل لولا معالجة الموت للبابا بسبب الصدمة العنيفة الناشئة لسقوط المدينة لديه.
تحمس الأمير فيليب دوق بورجونديا والتهب حماساً وحمية واستفز الملوك لمقاتلة المسلمين وحذا حذوه البارونات والفرسان والمتحمسون والمتعصبون وتحولت فكرة محاربة المسلمين الى عقيدة مقدسة وكان محمد الفاتح بالمرصاد لكل تحركاتهم وخطط ونفذ ما رآه مناسباً لتقوية دولته وحمايتها وتدمير أعدائها .. اضطر النصارى المجاورين لمحمد الفاتح في بلاد المورة وآماسيا الى اظهار فرحهم وبعثوا وفودهم للسلطان في أدرنة لتهنئته.
حاول البابا بيوس الثاني بكل ما أوتي تأجيج الحقد الصليبي من جديد فاستعدت بعض الدول ولما حان وقت النفير اعتذرت أخرى بسبب متاعبها الداخلية فقد أنهكت حرب المائة عام انجلترا وفرنسا وأما اسبانيا فهي مشغولة بالقضاء على مسلمي الأندلس وأما جمهوريات ايطاليا فكانت تهتم بتوطيد علاقاتها بالدولة العثمانية مكرهة.
انتهى مشروع الحملة الصليبية وباتت البندقية والمجر وحدهما أمام الدولة العثمانية أما البندقية فأقامت معاهدة صداقة وحسن جوار وأما المجر فقد انهزمت أمام العثمانيين واستطاع العثمانيين أن يضموا الى بلادهم بلاد الصرب واليونان والأفلاق والقرم والجزر الرئيسية في الأرخبيل وتم ذلك كله في فترة قصيرة

أثر فتح القسطنطينية على العالم الاسلامي



عم الفرح والابتهاج ديار الاسلام في ربوع آسيا وافرقيا وأرسل السلطان محمد الفاتح رسائل الى حكام الديار الاسلامية في مصر والحجاز وبلاد فارس والهند يخبرهم بالنصر الاسلامي العظيم وأذيعت أنباء الانتصارات من فوق المنابر وأقيمت صلوات الشكر في العالم الاسلامي أجمع وزينت المنازل والحوانيت وعلقت على الجدران والحوائط الأعلام والأقمشة المزركشة
يقول ابن الياس "فلما بلغ ذلك ووصل وفد الفاتح دقت البشائر بالقلعة ونودي في القاهرة بالزينة ثم ان السلطان عين برسباي أمير آخور ثاني رسولاً الى ابن عثمان يهنئه بهذا الفتح"
أما أبا المحاسن بن تغري بردي فيقول عن فرحة أهل القاهرة"قلت ولله الحمد والمنة على هذا الفتح العظيم وجاء المقاصد المذكور ومعه أسيران من عظماء اسطنبول وطلع بهما الى السلطان (سلطان مصر اينال) وهما من أهل القسطنطينية وهي الكنيسة العظيمة باسطنبول فسر السلطان والناس قاطبة بهذا الفتح العظيم ودقت البشائر وزينت القاهرة بسبب ذلك أياماً ثم طلع القاصد المذكور وبين يديه الأسيران الى القلعة في يوم الاثنين 25 شوال بعد أن اجتاز ورفقته شوارع القاهرةوقد احتفلت الناس بزينة الحوانيت والأماكن وأمعنوا ذلك الى الغاية وعمل السلطان الخدمة بالحوش السلطاني من قلعة الجبل"
وبعث الفاتح برسائل الفتح الى سلطان مصر وشاه ايران وشريف مكة وأمير القرمان كما بعث الى الأمراء المسيحيين المجاوريين له في المورة والأفلاق والمجر والبوسنة وصربيا وألبانيا والي جميع أطراف مملكته.

من رسالة سلطان مصر الى الفاتح:

خطبتها بكراً وما أمهرتها الا قنا وقواضباً وفوارسا
من كانت السمر العوالي مهره جلبت له بيض الحصون عرايسا
الله أكبر ما جنيت ثمارها الا وكان أبوك قبلك غراسا
الله أكبر هذا النصر والظفر هذا هو الفتح لا ما يزعم البشر

ومن رسالة شريف مكة:

"وفتحناها بكامل الأدب وقرأناها مقابل الكعبة المعظمة بين أهل الحجاز وأبناء العرب فرأينا فيها من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنيين وشاهدنا من فحاويها ظهور معجزة رسول الله خاتم النبيين وما هي الا فتح القسطنطينية العظمى وتوابعها التي متانة حصنها مشهورة بين الأنام وحصانة سورها معروفة عند الخواص والعوام وحمدنا الله بتيسير ذلك الأمر العسير وتحصيل ذلك المهم الخطير وبششنا ذلك غاية البشاشة وابتهجنا من احياء مراسم آبائكم العظام والسلوك مسالك أجدادكم الكرام روح الله أرواحهم وجعل أعلى غرف الجنان مكانهم"



سيف السلطان محمد الفاتح

[b](5) العثمانيون المفترى عليهم أدخلوا الاسلام لأوربا أول مرة واتسعت دولتهم الكونية لتشمل قارات العالم الثلاث حينها



لاشك أن الماسونية والصهيونية العالمية وما ابتدعاه من فكر علماني وما خدع بصنائعهم من قوميين قد ظلموا تلك الخلافة الاسلامية ظلم عظيم.
واني لأحزن كثيراً اذ أرى مناهجنا الدراسية تغفل دورهم اغفال تام .. فعلى حين تقلل من دورهم كثيراً مناهج أولادنا في المدارس وتكتفي بالاشارة الى أن الأتراك ليؤسسوا دولتهم تحصلوا على العمال المهرة من مصر والشام لاقامة درة العالم وقبلته في اسطنبول أو اسلام بول (مدينة الاسلام) كما أسماها المجاهدين الأتراك يتناسوا أن بفضل العثمانيين حمي الاسلام من الشيعة الصفويين والبويهيين واليزيديين وحموا الاسلام من الخلافة العبيدية .
تناسوا أنهم حموا مسلمين الأندلس من التنكيل ونقلوهم الى ديار الاسلام وأنهم حاربو الاسبان والبرتغاليين وطهروا المغرب العربي منهم وحموه بعد أن كاد يضيع الى الأبد هو الأخر بعد ضياع الأندلس.
أقلقوا راحة الاسبان والبرتغاليين ونزلوا على ثغورهم وخططوا مرات لاسترجاع الأندلس الى ديار المسلمين.
تناسوا أنه بفضلهم تصدوا لما أراده ملوك البرتغال والاسبان من الوصول الى قبر المصطفي ونبشه للحصول على جثمان سيد الخلق محمد صلوات ربي وسلامه عليه ومقايضة المسلمين به للحصول على امارة القدس في أيدي النصرانية من جديد .. تناسوا أنهم طهروا البحر الأحمر والساحل الافريقي والخليج العربي وحتى قلاع الهند من جيوب البرتغاليين بعد أن نشطوا في فناء العالم الاسلامي السفلي .. تناسوا أنهم أقاموا حامياتهم في الحجاز وقبضوا على جواسيس أوربيين وجدوهم طوافيين بالكعبة يعدوا العدة لمخططات صليبية ما كان ليتخيلها العالم الاسلامي حينها.
غفلنا عن دور هذه الخلافة العظيمة ولم نعلم أبنائنا به واكتفينا بصورة التركي المغرور في أفلامنا الذي يحاربه المصري المطالب للاستقلال أو القوميين العرب سواء في الثورة العربية في الحجاز أو ثورات القوميين في مصر والشام للاستقلال عن خلافة المسلمين.
قد قام ولله الحمد مجموعة من علماء التاريخ من أبناء هذه الأمة بالزود عن الدولة العثمانية من افتراءات الجميع ومن أبرزها ما قام به الدكتور عبد العزيز الشناوي في ثلاث مجلدات ضخمة "الدولة العثمانية دولة اسلامية مفترى عليها" وما قدمه الدكتور محمد حرب مثل "العثمانيون في التاريخ والحضارة" و"السلطان محمد الفاتح فاتح القسطنطينية وقاهر الروم" وما كتبه الدكتور علي محمد الصلابي "الدولة العثمانية" وما كتبه الدكتور موفق بنى المرجة "صحوة الرجل المريض"
فعلاً قد كان الاسلام رجل مريض سينهش عن بكرة أبيه لولا نشأة هذه الدولة.
فهلا أعطيناها حقها؟

ينحدر العثمانيون من قبائل الغز (أوغوز) التركمانية، مع موجة الغارات المغولية تحولوا عن مواطنهم في منغوليا إلى ناحية الغرب. أقامو منذ 1237 م إمارة حربية في بتيينيا (شمال الأناضول، و مقابل جزر القرم). تمكنوا بعدها من إزاحة السلاجقة عن منطقة الأناضول. في عهد السلطان عثمان الأول (عثمان بن ارطغل) (1280-1300 م)، و الذي حملت الأسرة اسمه، ثم خلفاءه من بعده، توسعت المملكة على حساب مملكة بيزنطة (فتح بورصة: 1376 م، إدرين: 1361 م). سنة 1354 م وضع العثمانيون أقدامهم لأول مرة على أرض البلقان. كانت مدينة غاليبولي (في تركية) قاعدتهم الأولى. شكل العثمانيون وحدات خاصة عرفت باسم الإنكشارية (كان أكثر أعضاءها من منطقة البلقان). تمكنوا بفضل هذه القوات الجديدة من التوسع سريعا في البلقان و الأناضول معا (معركة نيكبوليس: 1389 م). إلا أنهم منوا بهزيمة أمام قوات تيمورلنك في أنقرة سنة 1402 م. تلت هذه الهزيمة فترة اضطرابات و قلائل سياسية. استعادت الدولة توازنها و تواصلت سياسة التوسع في عهد مراد الثاني (1421-1451 م) ثم محمد الفاتح (1451-1481 م) والذي استطاع أن يفتح القسطنطينية سنة 1453 م و ينهي بذالك قرونا من التواجد البيزنطي المسيحي في المنطقة.
أصبح العثمانيون القوة الرائدة في العالم الإسلامي. حاولوا غزوا جنوب إيطاليا سنوات 1480/81 م. تمكن السلطان سليم الاول (1512-1520 م) من فتح العراق:1514 وكل بلاد الشام و فلسطين: 1516 م، مصر: 1517 م، ثم جزيرة العرب و الحجاز أخيراً. انتصر على الصفويين في معركة جيلدران و استولى على أذربيجان. بلغت الدولة أوجها في عهد ابنه سليمان القانوني (1520-1566 م) الذي واصل فتوح البلقان (المجر: 1519 م ثم حصار فيينا)، وفتح اليمن عام 1532إستولى بعدها على الساحل الصومالي من البحر الأحمر واستطاع بناء اسطول بحري لبسط سيطرته على البحر المتوسط بمساعدة خير الدين بربروسا الذي قدم ولاءه للسلطان (بعد 1552 م تم اخضاع دول المغرب الثلاث: الجزائر، تونس ثم ليبيا حيث أخضعت طرابلس في حدود عام 1551). فأصبحت الدولة تمتد على معظم ما يشكل اليوم العالم العربي بإستثناء وسط الجزيرة ومراكش وعُمان بإلإضافة إلى إمتدادها في وسط آسيا وجنوب شرق أوروبا.

خارطة توضح حدود الدولة العثمانية منذ بدايتها وحتى اضمحلالها:

 

(6) فتح قبرص
فتحناها مرات ومرات
* اعجاز الرسول الغيبي لم يتوقف عند فتح القسطنطينية وبلاد فارس فحسب .. للرسول نبوءة في هذا الفتح .
* حين قبل الملك القبرصي المغرور الأرض بين قدمي برسباي السلطان المملوكي في ذلة وانكسار بقلعة الجبل في القاهرة وفي حضور شريف مكة وملك تونس ورسل آل عثمان وأمراء التركمان.
* العثمانيون أعادوها اسلامية 307 سنة قبل أن يبيعوها بـ 92 ألف جنيه استرليني!




سيطر عليها الأشوريون في القرن السابع قبل الميلاد، تبعهم المصريون، ثم الفارسيون، حتى قدوم الاسكندر المقدوني. ثم عاد المصريون إليها، ثم أصبحت ولاية رومانية إلى أن فتحها المسلمون.
أدرك المسلمون منذ الخلافة الراشدة الأهمية الإستراتيجية لجزيرة قبرص تلك الجزيرة التي تقع في أقصى شرق البحر المتوسط وتعد من كبرى جزره، ومن الجزر التي تشكل خطرا على الوجود الإسلامي في منطقة البحر المتوسط سواء في الشام مصر وبلاد المغرب أو الأناضول بعد ذلك، فقد كانت الجزيرة من الناحية الإستراتيجية عقبة في طريق التجارة الإسلامية في البحر المتوسط، وخطرا على الوجود الإسلامي في شواطئ المتوسط، وخطرا على قوافل الحجيج، وخطرا على الدولة الإسلامية عند قيام أي حلف صليبي لمحاربة المسلمين، فهي لا تبعد عن الشواطئ التركية إلا أميالا قليلة، ولا تبعد عن سواحل الإسكندرية إلا بأقل من أربعمائة كيلو متر، كما أنها قريبة من سواحل الشام بحوالي مائة كيلو متر.

الفتح الأول
في زمن عثمان بن عفان


ولذا كانت المحاولات الإسلامية متكررة لإخضاع قبرص، وكانت أول هذه المحاولات في عهد الخليفة الراشد "عثمان بن عفان" رضي الله عنه، حيث استأذنه والي الشام آنذاك "معاوية بن أبي سفيان" رضي الله عنه في القيام بغزوة بحرية إلى قبرص، فوافق "عثمان" واشترط عليه ألا ينتخب للغزو في البحر أحدا من الناس وألا يجبر أحدا على الخروج، وأن من يخرج معه للغزو يكون برغبته الحرة، ولعل ذلك يرجع إلى قلق المسلمين من البحر والقتال فيه؛ لأنهم أهل بادية وصحراء ولم يكن لهم سابق خبرة بالبحر.

تحرك الأسطول الإسلامي من سواحل بلاد الشام بقيادة عبد الله بن قيس إلى قبرص وسار إليها أيضاً أسطول إسلامي آخر من مصر بقيادة عبد الله بن سعد عام (28هـ= 649م)
فتحت قبرص التي كانت تحت سيطرة البيزنطيين وامبراطورهم آنذاك قنسطانس الثاني .
وقد صالح أهل قبرص المسلمين على :

1- ألا يقوموا بغزو المسلمين .

2- أن يعلموا المسلمين بمسير عدوهم من الروم .

3- أن يدفعوا جزية قدرها سبعة آلاف دينار كل سنة .

4- وأن يختار المسلمون بطرايرك قبرص .


يقول جبير بن نفير : ولما فتحت قبرص وأخذ منها السبي نظرت إلى أبي الدرداء يبكي، فقلت : ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله، وأذل الكفر وأهله، قال : فضرب منكبي بيده، وقال : ثكلتك أمك ياجبير، ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره، بينما هي أمة ظاهرة قاهرة للناس لهم الملك، إذ تركوا أمر الله فصاروا إلى ماترى، فسلط الله عليهم السباء، وإذا سلط الله السباء على قوم فليس له فيهم حاجة.

وفي هذه الغزوة توفيت أم حرام بنت ملحان الأنصارية تحقيقاً لنبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم: نَامَ رَسُولُ اللهِِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا قَرِيبًا مِنِّى، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَتَبَسَّمُ . فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِِ مَا اضْحَكَكَ ؟ قَالَ: نَاسٌ مِنْ اُمَّتِى عُرِضُوا عَلَىَّ يَرْكَبُونَ ظَهْرَ هَذَا الْبَحْرَ، كَالْمُلُوكِ عَلَى الاسِرَّةِ. قَالَتْ: فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ . فَدَعَا لَهَا . ثُمَّ نَامَ الثَّانِيَةَ فَفَعَلَ مِثْلَهَا. ثُمَّ قَالَتْ مِثْلَ قَوْلِهَا فَاجَابَهَا مِثْلَ جَوَابِهِ الاوَّل. قَالَتِ: فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِى مِنْهُمْ، قال: انْتِ مِنَ الاوَّلِينَ، قال : فَخَرَجَتْ مَعَ زَوْجِهَا عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ غَازِيةً اوَّلَ مَا رَكِبَ الْمُسْلِمُونَ الْبَحْرَ مَعَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أبي سُفْيَانَ، فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ غَزَاتِهِمْ قَافِلِينَ فَنَزَلُوا الشَّامَ ، فَقُرِّبَتْ إِلَيْهَا دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا فَصَرَعَتْهَا فَمَاتَتْ.

ودفنت أم حرام في قبرص ولا يزال قبرها هناك.

فتح ثان

وعندما وقعت الفتنة الكبرى بين المسلمين في عهد الإمام "على بن أبي طالب" رضي الله عنه، استغل القبارصة هذه الظروف السياسية التي تمر بها الدولة الإسلامية وامتنعوا عن دفع الجزية، فقام "معاوية" بغزوهم مرة أخرى واستولى على الجزيرة وأسكن فيها عدة آلاف من جند المسلمين، ونقل إليها عددا من سكان مدينة بعلبك بلغ جميعهم قرابة 12 ألف من المسلمين فبنوا المساجد بها ، لكن الظروف السياسية التي عاصرت القتال بين "عبد الله بن الزبير" و"عبد الملك بن مروان" شجعت البيزنطيين على السيطرة على الجزيرة مرة أخرى.

محاولات وفتوحات في عهد الأمويين والعباسيين

وفي 109 هـ أغار الأسطول الإسلامي علي جزيرة قبرص مرة أخري . وذلك على أثر هجمات الروم علي البلاد الإسلامية ، واستمر الصراع بين المسلمين والروم طيلة العصر الأموي .
تكررت المحاولات الإسلامية لإعادة السيطرة على الجزيرة أعوام (130هـ= 748م) و(158هـ= 775م) وفي العصر العباسي شهدت جزيرة قبرص غزواً إسلامياً في عهد هارون الرشيد ، بعد أن نشطت مهاجمة الروم للسفن الإسلامية ، فغزا المسلمون قبرص في سنتي 174 هـ - 190 هـ وهكذا ظلت قبرص محل نزاع بين الروم والمسلمين في العصر العباسي .

قبرص زمن الحملات الصليبية وتهديدات المغول

قبيل البدء بالحركة الصليبية وجه ملك القسطنطينية تقفور أسطولاً الى قبرص عام 965 م فاحتلها حيث أصبحت بذلك سنداً بالغ الأهمية للصليبيين وبعد استرجاع بيت المقدس على يد صلاح الدين اتجه ريتشارد قلب الأسد اليها وجعلها قاعدة له عام 1191 م وفي عام 1198م أصبحت مملكة وأصبح ملكها موجهاً للمغول للقضاء على المسلمين والاحاطة بهم من كل جانب وفي عام 1248 م أصبحت قاعدة الملك لويس التاسع عند غزوه لمصر.
وفي عام 1263م وحد ملك قبرص هيو قبرص وعكا التي كانت لاتزال في أيدي الصليبيين فأصبح مسئولاً عن حماية عكا أخر معاقل الصليبيين في الشرق وفي عام 1291م حرر المسلمين عكا وأضحت قبرص بعدها مركز تهديد دائم للشواطئ الاسلامية لذلك كان الملك الأشرف خليل محرر عكا ينادي دوماً بفتح قبرص غير أن تهديدات المغول أعاقته عن تنفيذ هدفه

قبرص جزيرة للقراصنة والمعتدين

اتخذ القبارصة من جزيرتهم مركزًا للوثوب على الموانئ الإسلامية في شرق البحر المتوسط وتهديد تجارة المسلمين، فقام "بطرس الأول لوزجنان" ملك قبرص بحملته الصليبية على الإسكندرية في سنة (767هـ = 1365م)، وأحرق الحوانيت والخانات والفنادق، ودنس المساجد وعلق القبارصة عليها الصلبان، قتلوا الكثير من سكانها واغتصبوا الكثيرات، وحملوا معهم الكثير من الأسرى. وقد خلد المؤرخ السكندري "النويري" في كتابه "الإلمام" هذه الوقائع، قتلوا الأطفال والشيوخ، ومكثوا بالمدينة ثلاثة أيام يعيثون فيها فسادا، ثم غادروها إلى جزيرتهم، وتكررت مثل هذه الحملة على طرابلس الشام في سنة (796هـ = 1393م).

وظلت غارات القبارصة لا تنقطع على الموانئ الإسلامية، ولم تفلح محاولات سلاطين المماليك في دفع هذا الخطر والقضاء عليه، وبلغ استهانة القبارصة بهيبة دولة المماليك واغترارهم بقوتهم أن اعتدى بعض قراصنتهم على سفينة مصرية سنة (826هـ = 1423م)، وأسروا من فيها، ولم تفلح محاولات السلطان برسباي في عقد معاهدة مع "جانوس" ملك قبرص، تَضْمن عدم التعدي على تجار المسلمين.

وتمادى القبارصة في غرورهم، فاستولوا على سفينتين تجاريتين، قرب ميناء دمياط، وأسروا من فيهما، وكانوا يزيدون على مائة رجل، ثم تجاوزوا ذلك فاستولوا على سفينة محملة بالهدايا كان قد أرسلها السلطان المملوكي برسباي إلى السلطان العثماني "مراد الثاني"، عند ذلك لم يكن أمام برسباي سوى التحرك لدفع هذا الخطر، والرد على هذه الإهانات التي يواظب القبارصة على توجيهها لدولة المماليك، واشتعلت في نفسه نوازع الجهاد، والشعور بالمسئولية، فأعد ثلاث حملات لغزو قبرص، وذلك في ثلاث سنوات متتالية.

حملات برسباي الثلاث على قبرص
قبرص بأيدي المماليك بفضل جند مصر


خرجت الحملة الأولى في سنة (827هـ = 1424م)، وكانت حملة صغيرة نزلت قبرص، وهاجمت ميناء "ليماسول"، وأحرقت ثلاث سفن قبرصية كانت تستعد للقرصنة، وغنموا غنائم كثيرة، ثم عادت الحملة إلى القاهرة.

شجع هذا الظفر أن يبادر برسباي بإعداد حملة أعظم قوة من سابقتها لغزو قبرص، فخرجت الحملة الثانية في رجب (828هـ = مايو 1425م) مكونة من أربعين سفينة، واتجهت إلى الشام، ومنها إلى قبرص، حيث نجحت في تدمير قلعة ليماسول، وقُتل نحو خمسة آلاف قبرصي، وعادت إلى القاهرة تحمل بين يديها ألف أسير، فضلاً عن الغنائم التي حُملت على الجمال والبغال.

وفي الحملة الثالثة استهدف برسباي فتح الجزيرة وإخضاعها لسلطانه، فأعد حملة أعظم من سابقتيها وأكثر عددا وعُدة، فأبحرت مائة وثمانون سفينة من رشيد في (829هـ = 1426م)، واتجهت إلى ليماسول، فلم تلبث أن استسلمت للقوات المصرية في (26 من شعبان 829هـ = 2من يوليو 1426م)، وتحركت الحملة شمالا في جزيرة قبرص، وحاول ملك الجزيرة أن يدفع القوات المصرية، لكنه فشل وسقط أسيرا، واستولت القوات المصرية على العاصمة "نيقوسيا"، وبذا دخلت الجزيرة في طاعة دولة المماليك.

واحتفلت القاهرة برجوع الحملة الظافرة التي تحمل أكاليل النصر، وشقّت الحملة شوارع القاهرة التي احتشد أهلها لاستقبال الأبطال في (8 من شوال 829هـ = 14 من أغسطس 1426م)، وكانت جموع الأسرى البالغة 3700 أسير تسير خلف الموكب، وكان من بينها الملك جانوس وأمراؤه.

استقبل برسباي بالقلعة ملك قبرص، وكان بحضرته وفود من أماكن مختلفة، مثل: شريف مكة، ورسل من آل عثمان، وملك تونس، وبعض أمراء التركمان، فقبّل جانوس الأرض بين يدي برسباي، واستعطفه في أن يطلق سراحه، فوافق السلطان على أن يدفع مائتي ألف دينار فدية، مع التعهد بأن تظل قبرص تابعة لسلطان المماليك، وأن يكون هو نائبا عنه في حكمها، وأن يدفع جزية سنوية، واستمرت جزيرة قبرص منذ ذلك الوقت تابعة لمصر، حتى سنة (923هـ = 1517م) التي سقطت فيها دولة المماليك على يد السلطان العثماني "سليم الأول".

قبرص من أملاك البنادقة

وفي عام (895هـ= 1490م) قام البنادقة بالسيطرة على قبرص وإخضاعها لسيطرتهم

الفتح الأخير لقبرص .. الفتح العثماني

كان البنادقة يعتدون على سفن الحج والتجارة في البحر المتوسط، كما أن العلاقات كانت قلقة بين العثمانيين والبنادقة في ذلك الوقت رغم وجود بعض الاتفاقيات، ويرجع ذلك إلى طبيعة التنافس التجاري بين الجانبين.

وكان البنادقة يسيطرون على قبرص رغم أن القبارصة ينتمون في غالبيتهم إلى الروم، ولذا تعرضوا لمعاملة قاسية من البنادقة.

وكانت خطورة قبرص الإستراتيجية على الدولة العثمانية إذا دخلت الدولة العثمانية في حرب ضد البندقية، فقرب قبرص من الأراضي والشواطئ العثمانية بدرجة كبيرة يجعلها رأس حربة ضد أماكن متعددة في الدولة العثمانية في الأناضول ومصر والشام وشمال إفريقيا، خاصة أن هناك تاريخا من العلاقات الدامية بين الدولة العثمانية والبندقية في البحر المتوسط.

وقد نشأت فكرة فتح قبرص عند السلطان سليم الثاني بمشورة عدد من كبار رجال الدولة، ورغم ذلك فإن بعض الشخصيات العثمانية الكبيرة كانت تخشى من فتح قبرص وترى أن الممالك النصرانية لن تمرر هذا الفتح بسهولة للدولة العثمانية، خاصة أن الدولة العثمانية كانت تعاني من حالة من التراجع بعد وفاة القانوني، وأن الحرب إذا قامت فلن تقتصر على الدولة العثمانية والبندقية فقط، بل لا بد أن تمتد لتصبح حربا بين أوربا والعثمانيين في وقت حرج بالنسبة للعثمانيين، وأن الحرب مع البندقية لا بد أن تقود إلى تكوين تحالف مسيحي ضخم ضد العثمانيين.

ولكن السلطان حزم الأمر في المسألة وتم استصدار فتوى شرعية تقول بأن قبرص كانت بلدا إسلاميا، وأن البنادقة استولوا عليها، وأن الواجب إخراجهم من تلك الأراضي التي كانت خاضعة في وقت سابق للمسلمين، وهو ما يعطي العثمانيين شرعية في الحرب.

رتب العثمانيون لعملية فتح قبرص استعدادات كبيرة خاصة في الجانب البحري نظرا لما يتمتع به البنادقة من شهرة في القتال البحري، وامتلاكهم لأسطول بحري قوي، والتوقعات العثمانية تؤكد أنهم لا بد أن يحصلوا على معونات وإمدادات من الممالك المسيحية، ولذا جمعت الدولة العثمانية أكبر عدد من السفن في تاريخها حتى ذلك الوقت، حيث خصصت حوالي 400 سفينة لهذه المهمة، وظهر أسطول الاستطلاع العثماني أمام سواحل قبرص في ( رمضان 977 هـ= مارس 1570م).

أما الأسطول السلطاني بقيادة "داماد بيالة باشا" فقد أقلع من إستانبول في (1 من ذي الحجة 977 هـ= 15 من مايو 1570)، وتولى قيادة الجيش البري الوزير "لالا مصطفى باشا"، وكان الجيش العثماني مكونا من 60 ألف مقاتل بري، والبقية من مقاتلي البحر العثمانيين، وشارك في هذا الفتح عدد من مشاهير القادة العثمانيين مثل "خير الدين باربروسا باشا" و"عروج باشا" أكبر قادة البحر في ذلك الوقت.

وقد استطاع الأسطول العثماني أن يدخل ميناء "ليماسول" في (18 من المحرم 978 هـ=1 من يوليو 1570م) ولم تمض إلا أسابيع قليلة حتى بدأ العثمانيون في عملياتهم العسكرية والبحرية في قبرص التي استمرت ثلاثة عشر شهرا، وبدأ العثمانيون في محاصرة مدينة "لفكوشة" التي كان بداخلها عشرة آلاف جندي بندقي، وبها 15 مدفعا وتمكن العثمانيون من فتحها بعد حصار ومعارك استمرت 49 يوما في (29 من ربيع الأول 978 هـ= 9 من سبتمبر 1570م).

وبدأت المدن في قبرص تسقط تباعا، حيث انتقل العثمانيون إلى حصار مدينة "ماغوسا" الشديدة التحصين التي كان بها أكثر من 7 آلاف مقاتل و75 مدفعا و5 من كبار قادة البندقية الأكفاء، إضافة إلى أنها تسلمت كميات كبيرة من المؤن والذخائر، ودخلها 1600 جندي بندقي آخرون، وهو ما جعل عملية حصارها وقتال من فيها عملية مرهقة للغاية، خاصة أن العثمانيين علموا بالتحالف المسيحي الذي عقده بابا روما "بيوس الخامس" في (21 من ذي الحجة 978 هـ= 25 من مايو 1571م) وضم غالبية الممالك والكيانات المسيحية في أوربا.

وأمام هذا الموقف المتأزم من الناحية الإستراتيجية والعسكرية أرسلت إستانبول إلى المقاتلين العثمانيين في قبرص إمدادات أخرى، وأبحرت "عمارة" (مجموعة إمدادات بحرية) بحرية عثمانية كبيرة إلى إيطاليا بهدف الحيلولة دون تقديم أي مساعدات للبنادقة المُحاصرين في قبرص، ونجحت هذه العمارة التي كانت مكونة من 400 سفينة في القيام بمهمتها.

أما القائد العثماني "لالا مصطفى" فقد أبقى معه 40 سفينة فقط واستمر في حصار "ماغوسا" حتى سقطت في (10 من ربيع الأول 979هـ=1 من أغسطس 1571م) بعد 13 شهرا من القتال والحصار، وقام العثمانيون بإسكان عدد كبير من سكان الأناضول في قبرص، وهو ما أدى إلى زيادة سكان قبرص بنسبة كبيرة، فقد كان عدد سكانها عند الفتح العثماني حوالي 120 ألف نسمة فارتفع إلى حوالي 360 ألف نسمة، وكان العثمانيون يطلقون على قبرص "يشيل أدة" أي الجزيرة الخضراء.

واستمرت السيطرة العثمانية على قبرص حوالي 307 أعوام، حتى تنازلت عنها الدولة العثمانية لبريطانيا سنة (1296هـ=1878م) مقابل مبلغ مالي يُقدر بحوالي 92 ألف جنيه إسترليني تحت الضغط الانجليزي مع التعهد بأن تحمي انجلترا الأراضي العثمانية من أي هجوم خارجي.

المشكلة القبرصية والرغبة في ازاحة المسلمين والأتراك عنها

ما ان استتب الأمر للانجليز في الجزيرة حتى عملوا على زيادة هجرة اليونانيين اليها ،وبالمقابل هاجر الأتراك منها ، لا سيما في فترةالحرب العالمية الأولى
تنازلت بريطانيا عن تبعية قبرص لها في معاهدة لوزان ، وتعاقبت الاصطدامات بعد ذلك بين الطائفتين التركية واليونانية ، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية طالب القبارصة الاتراك باستقلال الجزيرة .

وبرز في هذه الاثناء الاسقف مكاريوس وطالب بوحدة الجزيرة ،وحاولت اليونان التدخل لضم الجزيرة إليها ، وعرضت القضية على هيئة الأمم المتحدة عدة مرات ، ولم تصل إلى نتيجة مرضية ، وظهرت المنظمات السرية مثل منظمة (أيوكا) ،وانتشرت أعمال العنف ،وعرضت قضية قبرص مرة أخرى على هيئة الأمم المتحدة في سنة 1367 هـ و لم تصل إلى حل ، و أمام تفاقم حركات العنف ضد المسلمين الأتراك ، اقترحت تركيا تقسيم الجزيرة بينما أصرت اليونان على الاستفتاء ، ونتائجه مضمونة بسبب الأغلبية اليونانية ، وأمام هذه الأحداث عقد مؤتمر زيوريخ بين انرئيس وزراء اليونان ، وتوصل إلى عقد اتفاق ،وينص على أن تكون قبرص جمهورية مستقلة رئيسها من العرقية اليونانية و نائبه من العرقيةالتركية ،ويضم مجلس الوزراء سبعة من اليونانيين وثلاثة من الأتراك ، كما أن المجلس النيابي يضم 70 % من اليونانيين و 30% من الأتراك .

ولم يستمر هذا الاتفاق طويلا ، فتجددت أعمال العنف ضد المسلمين ،واضطرت هيئة الأمم المتحدة إلى إرسال قوات حفظ السلام بالجزيرة، ورغم هذا عادت أحداث العنف مرة أخرى ، وفي الستينات من القرن العشرين ، قام القبارصة اليونانيون بمذابح ضد المسلمين في المناطق الخاصة بهم فأحرقوا 133 قرية و 117 مسجداً
أرسلت تركيا قوات السلام للدفاع عن الأتراك في سنة 1394 هـ وتكونت حكومة للأتراك في القسم الشمالي من الجزيرة وتشكلت الجمهورية القبرصية التركية الفدرالية في سنة 1395 هـ - 1975 م ،واعترف مؤتمر وزراء خارجية العالم الإسلامي بهذا في سنة 1397 هـ ، و أكد المؤتمر تأييده لاتحاد المنطقتين التركية واليونانية في اتحاد فيدرالي حرصاً على وحدة الجزيرة القبرصية .
وحتى الأن لازال الاتحاد الأوربي يمارس ضغوطات كبيرة على تركيا من أجل الاعتراف بقبرص في أيدي اليونانيين ويجعل منها شريطة تسبق أي مباحثات لدخول تركيا الاتحاد .. يحدث ذلك في غياب عربي تام عن هذه الأزمة.
فهم في الجزء الأخر من العالم ولا شأن لهم ولا رأي!