اتيكيت المعاملات اليومية عندما سافر بعض المصريين إلى أوروبا في مطلع القرن التاسع عشر وعادوا وقالوا إنهم وجدوا أخلاق الإسلام لدى أناس لا ينتمون إليه، وكانوا يقصدون آداب التعامل والذوق العام والخاص.. ما الذي أدى إلى افتقاد بعض المسلمين لأخلاق الإسلام؟ وما وجه المقارنة بين ما نراه اليوم في حياتنا من تجاوز على الذوق العام وما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة؟ الأدب ثلاث أنواع: أدب مع الله.. وأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وأدب مع الخلْق وسأبدأ كلامي عن الأدب مع الناس لأختمه بالأدب مع الله. حين بدأت أحصر الأدب والذوق اللذين تحدث عنهما الإسلام، وجدت نفسي تائها! هناك الأدب والذوق داخل بيتك. والأدب والذوق في الشارع، والأدب والذوق مع الناس الذين تتوجه لزيارتهم. ولكن كيف يصبح الإنسان" ذوق" داخل بيته؟ الذوق داخل البيت يبدأ مع الوالدين، مثلاً يدخل الإنسان إلى بيته ومعه طعام يحبه لا يريد لأبيه وأمه أن يأكلا منه فيخفي الطعام عن أعينهما أو يلتهمه في الطريق قبل دخول البيت. لمثل هذا النوع مثال حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم: أحد الصحابة جاءته لحظة الوفاة فجاءه إخوان يقولون له: انطق بالشهادتين فحاول أن ينطق فما استطاع عقد لسانه فذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وحكوا له الحكاية فقال النبي: ( أله أم ؟) فقالوا: نعم يا رسول الله. فذهب إليها النبي صلى الله عليه وسلم وسألها: ( هل كان لابنك أخلاق سيئة معك؟) قالت: لا .. لكنه كان يأتي بالفاكهة والطعام لأولاده ويخبئها عني، فيطعم أولاده ولا يطعمني، لهذا انعقد لسانه ولم ينطق بالشهادة. ويوقد النبي له ناراً لحرقه، لعل قلب الأم يتحرك وتحرك قلب الأم وقالت: سامحته يا رسول الله. فنطق بالشهادة. من عدم الأدب أيضاً..أن تنادي عليك أمك فلا ترد عليها، فيروي لنا الإسلام على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم: ( كان فيمن قبلكم رجل عابد يسمى جريح العابد فبينما هو في محرابه يصلي جاءته أمه فقالت يا جريح، فقال يا رب أمي تنادي وأنا في صلاتي، فأقبل على صلاته فانصرفت الأم وتكرر ذلك في اليوم الثاني والثالث.. فغضبت أمه ثم قالت كلمة معناها الزانيات، فسلطت عليه امرأة زانية، فحملت وجاءت بابن وقالت هذا ابن جريح. فقام الناس إليه يضربونه ويؤذونه).. لكن الله أنجاه في النهاية.. أحكي هذه القصة لشباب يذهب لصلاة الجمعة في المسجد، ثم يتأخر ساعتين وأهلهم ينتظرونهم على الغذاء، فما بالك لو أهديت هذه الرواية لفتاة تجلس طوال اليوم مع صديقاتها، وتبخل على أمها بنصف ساعة تقضيها معها. ونجد أصلاً في الاستئذان على الدخول على الأب والأم في غرفة نومهما آية قرآنية تقول: ( يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات) [ النور: 58]. هذه الآية تضع قواعد للأدب و"الإتيكيت". فأطفالكم لابد أن يستأذنوا ثلاث مرات: من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة، ومن بعد صلاة العشاء. الإسلام هنا ينظم الحياة في غرفة النوم جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله أستأذن على أمي؟ فقال له النبي: ( أتحب أن تراها عارية؟) قال: لا يا رسول الله قال: ( فاستأذن على أمك). وماذا عن الذوق مع الزوجة؟ نشاهد في الأفلام الأجنبية أن الرجل الأوروبي يجلس مع زوجته في المطعم ويقطع بالشوكة والسكين قطعة اللحم ويضعها بشوكته في فم زوجته وحين نرى هذا المشهد نقول يا سلام على الرومانسية والذوق ونظن أن هذه أخلاق وسلوكيات أوروبية. هل تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بذلك منذ 1400 عام.. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن أعظم الصدقة لقمة يضعها الرجل في فم زوجته). عندما تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم جميع زوجاته أسكنهم بجوار المسجد النبوي ثم تزوج النبي صلى الله عليه وسلم السيدة مارية المصرية، وهي آتية من أرض النيل الخضراء على عكس باقي زوجاته اللاتي نشأ في البيئة الصحراوية، فنجده يسكنها في مكان في المدينة يسمى العوالي ويتميز بالخضرة الدائمة والزرع. وتقول السيدة عائشة: فكان رسول الله يحب البقاء عند مارية كثيراً ويحب أن يجلس إليها، كان لكليهما حلاوة كلام المصريات. في حين أنه صلى الله عليه وسلم حين شرع في زواج السيدة فاطمة لعلي ابن أبي طالب الفقير، فزوجه على ما يملك: حصيرة ووسادة حشوها ليف. الآن تختلف العائلات على لون فستان الفرح وعلى تفاصيل صغيرة في الأثاث الفاخر وربما تنهار الزيجات لهذه الأسباب، أين الذوق في التعامل الذي أرساه الإسلام بهدف مراعاة التكافؤ في المستوى الاجتماعي. المرأة في وقت المحيض تكون حالتها النفسية متوترة وهناك الكثير من الأزواج لا يطيقون التعامل مع الزوجة في هذا الوقت، وهذا من قلة الذوق. من الذوق أيضاً مراعاة شعور المرأة ساعة غضبها وساعة ضعفها. لا تهدد امرأتك بالطلاق أو الزواج عليها، ولا تدخل بيتك بعد عودتك من عملك وأنت مقطب الجبين تقول السيدة عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته هاشاً باشاً وكان ضحاكاً في بيته وكان يجلس معنا يحدثنا ونحدثه، فإذا أُذِّنَ للصلاة كأنه لا يعرفنا ولا نعرفه. أما الذوق في العلاقة الزوجية فيعبر عنه القرآن بكلمة كلها ذوق وهي ( وقدموا لأنفسكم) [ البقرة:223]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يقع أحدكم على زوجته كما يقع بهيمة على بهيمة ولكن يبدأ بالملاطفة والمداعبة). أما عن الشارع.. فما هي ذوقياته؟ يقولون عن النبي صلى الله عليه وسلم: كان إذا مشى أسرع. ويقول الله سبحانه: ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً) [ الفرقان: 63]. ويقول سبحانه وتعالى: ( إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون* ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيراً لهم والله غفور رحيم [ الحجرات4،5] هذه الآية الهدف منها تنظيم سلوكيات الناس، أيضاً من السلوكيات المرفوضة في الطريق وأنت تقود عربتك أن تضايق سائق العربة التي خلفك فلا تسمح له بأن يتجاوزك ويعبرك. لماذا؟ بل لقد أصبحت هذه التصرفات السلبية تأتي لا شعورية. يقول الله سبحانه وتعالى: ( يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم) [ المجادلة: 11]. من قلة الذوق أن تضيق على الناس الطريق والله سبحانه يأمرنا بتجنب ذلك. يقول عمر رضي الله عنه ثلاثة يصفين لك ود أخيك منها أن تفسح له في المجلس.. وإفساح المكان ينطبق على المسجد وبين السيارات في الشارع وفي الطوابير. ويعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم: ( إماطة الأذى عن الطريق صدقة) وهذا الكلام لمن يلقون القاذورات في الطريق العام.. إن النبي يعلمنا الحضارة منذ 1400 عام. أما عن الذوق في الضيافة.. فأول ما تطالبنا به الشرائع أن نتزاور بميعاد، يقول الله سبحانه وتعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها) [ النور: 27]. تستأنسوا معناها: تتأكدوا أن صاحب البيت مستعد لاستقبالكم. وبلغة العصر الحالي تتصل به هاتفياً ( وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم) [ النور: 28]. والحديث النبوي يقول ما معناه: لا تقفوا أمام الباب ولكن شرقوا أو غربوا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الاستئذان ثلاثاً فإن لم يؤذن لك فارجع). والسنة بين كل استئذان وآخر نصف دقيقة حتى يستعد صاحب البيت لاستقبالك. يقال لك من ؟ فتقول أنا.. ليس في الإسلام شيء اسمه أنا.. إنما تقول اسمك. والآن كيف نتأدب مع الله سبحانه وتعالى؟ الأدب مع الله يكون بثلاثة أشياء: صيانة فكرك.. ألا تلحق بالله أي نقيصة لا تعترض على الله وتقول: لماذا فعلت ذلك بي؟.. هذه قلة أدب مع الله. من الأدب مع الله صيانة قلبك، ألا يلتفت إلى غير الله عز وجل، فلا تقف وتصلي في غير الله أو تنظر إلى غيره. ومن الأدب مع الله صيانة أفعالك. ألا تفعل أي شيء يكرهه الله عز وجل: يقول العلماء من تأدب بهذه الثلاثة: فكره مع الله، وقلبه مع الله، وأفعاله مع الله، فهو من أهل محبة الله سبحانه. أ/عمرو خالد. من كتاب حواراتي مع عمرو خالد للأستاذ / عصام الغازي.(بتصرف