من الجآذر في زي الأعاريب
الناقل :
mahmoud
| الكاتب الأصلى :
المتنبي
| المصدر :
www.adab.com
مَنِ الجآذِرُ في زِيّ الأعَارِيبِ
حُمْرَ الحِلَى وَالمَطَايَا وَالجَلابيبِ
إنْ كُنتَ تَسألُ شَكّاً في مَعارِفِها
فمَنْ بَلاكَ بتَسهيدٍ وَتَعذيبِ
لا تَجْزِني بضَنًى بي بَعْدَهَا بَقَرٌ
تَجزي دُموعيَ مَسكوباً بمسكُوبِ
سَوَائِرٌ رُبّمَا سارَتْ هَوَادِجُهَا
مَنيعَةً بَينَ مَطْعُونٍ وَمَضرُوبِ
وَرُبّمَا وَخَدَتْ أيْدي المَطيّ بهَا
على نَجيعٍ مِنَ الفُرْسانِ مَصْبوبِ
كمْ زَوْرَةٍ لَكَ في الأعرابِ خافِيَةٍ
أدهى وَقَد رَقَدوا مِن زَوْرَةِ الذيبِ
أزُورُهُمْ وَسَوَادُ اللّيْلِ يَشفَعُ لي
وَأنثَني وَبَيَاضُ الصّبحِ يُغري بي
قد وَافقوا الوَحشَ في سُكنى مَراتِعِها
وَخالَفُوها بتَقْوِيضٍ وَتَطنيبِ
جِيرانُها وَهُمُ شَرُّ الجِوارِ لهَا
وَصَحبُهَا وَهُمُ شَرُّ الأصاحيبِ
فُؤادُ كُلّ مُحِبٍّ في بُيُوتِهِمِ
وَمَالُ كُلِّ أخيذِ المَالِ مَحرُوبِ
ما أوْجُهُ الحَضَرِ المُسْتَحسَناتُ بهِ
كأوْجُهِ البَدَوِيّاتِ الرّعَابيبِ
حُسْنُ الحِضارَةِ مَجلُوبٌ بتَطْرِيَةٍ
وَفي البِداوَةِ حُسنٌ غيرُ مَجلوبِ
أينَ المَعيزُ مِنَ الآرَامِ نَاظِرَةً
وَغَيرَ ناظِرَةٍ في الحُسنِ وَالطّيبِ
أفدِي ظِبَاءَ فَلاةٍ مَا عَرَفْنَ بِهَا
مَضْغَ الكلامِ وَلا صَبغَ الحَواجيبِ
وَلا بَرَزْنَ مِنَ الحَمّامِ مَاثِلَةً
أورامُهُنَّ صَقيلاتِ العَرَاقيبِ
وَمِنْ هَوَى كلّ مَن ليستْ مُمَوِّهَةً
ترَكْتُ لَوْنَ مَشيبي غيرَ مَخضُوبِ
وَمِن هَوَى الصّدقِ في قَوْلي وَعادَتِهِ
رَغِبْتُ عن شَعَرٍ في الرّأس مكذوبِ
لَيتَ الحَوَادِثَ باعَتني الذي أخذَتْ
مني بحِلمي الذي أعطَتْ وَتَجرِيبي
فَمَا الحَداثَةُ من حِلْمٍ بمَانِعَةٍ
قد يُوجَدُ الحِلمُ في الشبّانِ وَالشِّيبِ
تَرَعْرَعَ المَلِكُ الأستاذُ مُكْتَهِلاً
قَبلَ اكتِهالٍ أديباً قَبلَ تأديبِ
مُجَرَّباً فَهَماً من قَبْلِ تَجْرِبَةٍ
مُهَذَّباً كَرَماً مِنْ غيرِ تَهذيبِ
حتى أصَابَ منَ الدّنْيا نِهايَتَهَا
وَهَمُّهُ في ابْتِداءاتٍ وَتَشبيبِ
يُدَبّرُ المُلْكَ منْ مِصرٍ إلى عَدَنٍ
إلى العِراقِ فأرْضِ الرّومِ فالنُّوبِ
إذا أتَتْهَا الرّياحُ النُّكْبُ منْ بَلَدٍ
فَمَا تَهُبُّ بِهَا إلاّ بتَرْتِيبِ
وَلا تُجاوِزُها شَمسٌ إذا شَرَقَتْ
إلاّ وَمِنْهُ لهَا إذْنٌ بتَغْرِيبِ
يُصَرّفُ الأمْرَ فيها طِينُ خاتَمِهِ
وَلَوْ تَطَلّسَ مِنهُ كلُّ مكتُوبِ
يَحُطّ كُلَّ طَوِيلِ الرّمْحِ حامِلُهُ
من سرْجِ كلّ طَوِيلِ الباعِ يَعبوبِ
كَأنّ كُلّ سُؤالٍ في مَسَامِعِهِ
قَميصُ يوسُفَ في أجفانِ يَعقوبِ
إذا غَزَتْهُ أعادِيهِ بِمَسْألَةٍ
فقد غَزَتْهُ بجَيْشٍ غَيرِ مَغْلُوبِ
أوْ حارَبَتْهُ فَمَا تَنْجُو بتَقْدِمَةٍ
ممّا أرَادَ وَلا تَنْجُو بتَجْبِيبِ
أضرَتْ شَجاعَتُهُ أقصَى كتائِبِهِ
على الحِمَامِ فَمَا مَوْتٌ بمَرْهوبِ
قالُوا هَجَرْتَ إلَيْهِ الغَيثَ قلتُ لهمْ
إلى غُيُوثِ يَدَيْهِ وَالشّآبِيبِ
إلى الذي تَهَبُ الدّوْلاتِ رَاحَتُهُ
وَلا يَمُنُّ على آثَارِ مَوْهُوبِ
وَلا يَرُوعُ بمَغْدورٍ بِهِ أحَداً
وَلا يُفَزِّعُ مَوْفُوراً بمَنْكُوبِ
بَلى يَرُوعُ بذي جَيْشٍ يُجَدّلُهُ
ذا مِثْلِهِ في أحَمّ النّقْعِ غِرْبِيبِ
وَجَدْتُ أنْفَعَ مَالٍ كُنتُ أذخَرُهُ
مَا في السّوَابِقِ مِنْ جَرْيٍ وَتَقرِيبِ
لمّا رَأينَ صُرُوفَ الدّهرِ تَغدُرُ بي
وَفَينَ لي وَوَفَتْ صُمُّ الأنابيبِ
فُتْنَ المَهَالِكَ حتى قالَ قائِلُهَا
ماذا لَقينَا منَ الجُرْدِ السّراحِيبِ
تَهْوِي بمُنْجَرِدٍ لَيسَتْ مَذاهِبُهُ
لِلُبْسِ ثَوْبٍ وَمأكولٍ وَمَشرُوبِ
يَرَى النّجُومَ بعَيْنَيْ مَنْ يُحاوِلُها
كأنّهَا سَلَبٌ في عَينِ مَسلُوبِ
حتى وَصَلْتُ إلى نَفْسٍ مُحَجَّبَةٍ
تَلقَى النّفُوسَ بفَضْلٍ غيرِ محْجوبِ
في جِسْمِ أرْوَعَ صَافي العَقل تُضْحكُه
خلائِقُ النّاسِ إضْحاكَ الأعاجيبِ
فَالحَمْدُ قَبْلُ لَهُ وَالحَمْدُ بَعدُ لها
وَلِلقَنَا وَلإدْلاجي وَتأوِيبي
وَكَيْفَ أكْفُرُ يا كافُورُ نِعْمَتَهَا
وَقَدْ بَلَغْنَكَ بي يا كُلّ مَطلُوبي
يا أيّهَا المَلِكُ الغَاني بتَسْمِيَةٍ
في الشّرْقِ وَالغرْبِ عن وَصْفٍ وتلقيبِ
أنتَ الحَبيبُ وَلَكِنّي أعُوذُ بِهِ
من أنْ أكُونَ مُحِبّاً غَيرَ محْبوبِب