تعريف الأدب، وتطور مدلول الكلمة
الناقل :
mahmoud
| المصدر :
www.iu.edu.sa
الأدب فن من الفنون الجميلة التي تصور الحياة وأحداثها بما فيها من أفراح وأتراح، وآمال وآلام، من خلال ما يختلج في نفس الأديب ويجيش فيها من عواطف وأفكار، بأسلوب جميل، وصورة بديعة، وخيال رائع.
وقد مرت كلمة "أدب" بأطوار متعددة منذ أن عرفت في العصر الجاهلي إلى أن استقر مدلولها في العصر العباسي.
أ ـ
ففي العصر الجاهلي: استعمل الجاهليون كلمة "أدْب"- بسكون الدال- بمعنى الدعوة إلى الطعام، والدعوة إلى الطعام خصلة حميدة وخلق فاضل، ولذلك نجد طرفة بن العبد
[1]
يفتخر فيقول:
نحن في المشْتاةِ ندعو الجفَلى
لا ترى الأدِب فينا ينتقِر
[2]
والأدب هو الداعي إلى الطعام الذي أعد المأدبة.
كما استعملوا أيضا "آداب" بمعنى أخلاق، ففي كتاب النعمان بن المنذر إلى كسرى مع وفد العرب "... وقد أوفدتُ- أيها الملك- رهطاً من العرب لهم فضل في أحسابهم وأنسابهم وعقولهم وآدابهم
"
[3]
ولا تنافي بين هذين المعنيين؟ فالدعوة إلى الطعام أثر من آثار الخلق الحسن الذي كما يدفع صاحبه إلى إكرام الضيوف وإطعام الطعام.
ب ـ
وفي العصر الإسلامي: أخذ مدلول هذه الكلمة يتسع ليشمل التهذيب اللساني إلى جانب التهذيب الخلقي الذي هو النشأة الصالحة وحب الفضيلة والابتعاد عن الرذيلة، فقد ورد في الحديث الشريف عن النبيّ صلى الله عليه وسلم - أنه قال:إ أدّبني ربي فأحسن تأديبي، وربيت في بني سعد"
[4]
. وجاء عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قوله لابنه: "يا بني انسب نفسك تصل رحمك، واحفظ محاسن الشعر يحسن أدبك".
وقال سهم بن حنظلة الغنوي
[5]
:
قد يعلم الناسُ أني من خِيارهُم
في الدين دينا وفي أحسابهم
حَسَبا
لا يمنعُ الناسُ منى ما أردتُ ولا
أعطيهمُ ما أرادوا حُسْنَ ذا أدبا
[6]
وهناك تقارب بين المعنى الذي استخدمت فيه في الجاهلية والإسلام، فالتهذيب النفسي واللساني اللذين برزا في مدلولها في العصر الإسلامي مظهر من مظاهر الخلق الحسن الذي نتج عنه الدعوة إلى الطعام كما استعملت في العصر الجاهلي.
ج ـ
وحينما نصل إلى العصر الأموي: نجد أن الكلمة ضمت إلى معنى التهذيب الخلقي واللساني معنى آخر هو إطلاقها على المعلمين الذين يؤدبون أولاد الخلفاء وغيرهم بتلقينهم الشعر والخطب وأخبار العرب وأيامهم، فسمي هؤلاء بالمؤدبين، وفي هذا المعنى
قال نابغة بني شيبان
[7]
:
إن الغلامَ مطيعٌ من يؤدِّبُه
ولا يطيعُك ذو شيبٍ لتأديب
كما يروى عن عبد الملك بن مروان قوله لمؤدب ولده: "أدبهم برواية شعر الأعشىٍ".
ونلحظ أن مضمون التأديب هو السيرة الحسنة وتهذيب الخلق، وتقويم اللسان.
د ـ
ولما جاء العصر العباسي: واتسعت العلوم والمعارف، اتسع مدلول كلمة "أدب" فأطلقت على الأشعار والأخبار وعلى الأحاديث والوصايا والخطب، لما لها من أثر في تهذيب الأخلاق وتقويم اللسان، فالمطالع لها يتأدب بها، أي يأخذ نفسه بما فيها من آداب، ومن هنا نجد ابن المقفع
[8]
سمى كتابيه "لأدب الصغير، والأدب الكبير" لتضمنهما مجموعة من الحكم والنصائح الخلقية والسياسة، كما أن الإمام البخاري
[9]
أطلق هذا اللفظ على قسم من كتابه "الجامع الصحيح" سماه "كتاب الأدب" جمع فيه الأحاديث التي تدل على حسن الخلق من طاعة الوالدين والعطف على الأيتام ومراعاة حق الجار والصبر، إلى غير ذلك من الفضائل
[10]
.
هـ ـ
ولا نكاد نمضي إلى القرن الثالث الهجري حتى نجد أن كلمة "أدب" أصبحت تطلق على مادة التعليم الأدبي خاصة، وهي الشعر والنثر وما يتصل بهما من الأخبار والأيام والطرائف، وعلى هذا استقر مدلول الكلمة، وألفت كتب في الأدب تجمع هذه الأنواع مثل: البيان والتبيين للجاحظ، والكامل في اللغة والأدب للمبرد، والأمالي لأبي علي القالي، والعقد الفريد لابن عبد ربه وغيرها.
كما أطلقت كلمة "أدباء" على الشعراء والكتاب والنقاد خاصة وهم الذين اشتهروا فيما بعد بها لتوسعهم في ميادين الأدب.
ومن هنا نستطيع أن نقول إن
الأدب
- حسب ما تعارف عليه الأدباء في القرنين الثالث والرابع الهجريين -
هو مأثور الشعر الجميل، والنثر البليغ، المؤثر في النفس، المثير للعواطف
.
فالتأثير شرط في الأدب، أما الشعر والنثر اللذان لا يثيران العواطف كالمنظومات التي تسهل حفظ العلوم، والكتب التي ألفت في العلوم المختلفة، فهذه لا تسمى أدبا.
وقد استقر هذا المدلول لكلمة أدب طوال العصور التي تلت العصر العباسي إلى يومنا هذا.
ولكننا إذا أردنا أن نعرف
الأدب من خلال النظرة الإسلامية
فإننا نقول: الأدب
كل شعر أو نثر يؤثر في النفس ويهذب الخلق ويدعو إلى الفضيلة ويبعد عن الرذيلة، بأسلوب جميل