أُطلِق على القهوة (حليب المُفكرين), حيث بدأ الأدباء والمُثقفون والمُفكرون يشربون القهوة ليلًا ونهارًا, حتى أصبحت لها أوقاتًا خاصة تُشرَب بها, وأصبح الناس يُعبرون عن مزاجيتهم من خلال القهوة. والبُن الأخضر من السلع الأكثر مبيعًا في العالم كُله, حيث يأتي النفط الخام في المرتبة الأولى, ويليه البُن في المرتبة الثانية, وتتم زراعته في أكثر من 70 دولة في العالم, باختلاف طُرق الزراعة.
القهوة العربية هي مشروب مُنبِّه, يُشرَب ساخنًا, ويشتهر به أهل شبه الجزيرة العربية ومصر وبلاد الشام والعراق, وتتميز بلونها الأصفر المُتدرج إلى البني ثم الأسود, حسب درجة تحميص البُن. كما أنها خالية من السكر. وتندرج في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) لعام 2015.
هناك العديد من الحكايات التي تتعلَّق بأول ظهور للقهوة وأول شخصٍ استخدمها, حيث سجَّل القرن الخامس عشر الميلادي في اليمن أول استعمال غير دوائي (غير طبي) للبُن, وعملوا على تحميص بذور البُن الذي كان ينبت بريًّا في الحبشة واليمن.
دخلت القهوة إلى اليمن في منتصف القرن الخامس عشر على يد رجل دين مُتصوّف اسمه (جمال الدين أي عبد الله محمد بن سعيد الذبحاني), نسبةً إلى (ذبحان) وهي بلدة معروفة في اليمن, وكان يتولى رئاسة الإفتاء في عدن, وكان على علاقة جيدة بتُجَّار الحبشة ويتردد عليها, حيث يُصنع مشروب القهوة. جاء الذبحاني بالقهوة من الحبشة وقدَّمها إلى ضيوفه وأهل بيته لمساعدتهم في التعافي من الإجهاد وتحسين المزاج. ثم انتشرت في الأديرة الصوفية في اليمن بدافع إبقاء الصوفيين مستيقظين أثناء الولاءات الليلية.
في البداية, كانت القهوة مُعارَضة من قِبل مشايخ اليمن, حتى أن بعضهم اعتبر القهوة تنتقص من المروءة. إلى أن انتشرت زراعة البُن بين مزارعي الطبقة العُليا, ثم العامة, وأصبحت بعدها عادة يومية في مجتمعهم. ثم انتقلت إلى (مصر) عن طريق طُلاب يمنيين بالأزهر الشريف, جاءوا بها إلى مصر لتُساعدهم على المذاكرة والسهر, وعارضها الناس في مصر أيضًا في البداية. ثم انتقلت وانتشرت في (مكة) إلى أن عمَّت الحجاز. وفي مكة, عارضها رجال الدين أيضًا معارضة شديدة, بل وحرَّمها البعض واعتبروها من المُسكرات, وطال النزاع طويلًا, لكن المعارضة كانت أشد وطأةً من مُعارضتها في مصر. إلى أن وصلت القهوة إلى (تركيا), ومنها إلى (إيطاليا), ثم إلى (إنجلترا), وذلك بعد أن سافر بها (باسكا روسي) إلى (لندن), وهو رجل تُركي, فتح أول محل لبيع القهوة في شارع (لومبارد) بلندن عام 1652.
ثم انتقلت القهوة في الوطن العربي من النقيض إلى النقيض, فبعد أن كانت مرفوضة ومُعارَضَة, أصبحت تُقدَّم في المساجد وفي شهر رمضان بجانب التمور. والآن تنتشر في كل مكان, بل ويتفنن الناس في صُنعها.
تحظى القهوة بالكثير من الاحترام عند العرب, خاصةَ بالجزيرة العربية (السعوديين, الخليجيين, اليمنيين). واشتهرت القهوة العربية في بيوت العرب بأنها من رموز الكرم, أو مثال الترحيب بالضيوف عند تقديمها إليهم, فقد حلَّت محل لبن الإبل, ويُقدمون معها التمر عادةً, حتى أنهم أصبحوا يعقدون لها المجالس الخاصة, وأطلقوا على هذه المجالس (القهوة) أو (الديوانية). وتُقدَّم القهوة بطقوسٍ خاصة, حيث تُقدَّم في أداة تُسمى (الدلّة) بأنواعها (القرشية, العمانية, الحساوية, البغدادية), وغيرهم. وسُميت بهذا الاسم من (الدَلَة) وهو (الأُنس) الذي يُصاحب الجلسة.
للقهوة عادات وتقاليد وطقوس في شُربها مُتعارَف عليها بين القبائل. فمثلًا:
يجب أن يكون صابّها واقفًا وهو يُمسك الدلة باليد اليُسرى ويُقدمها للضيف باليد اليمنى. ويجب أن يبدأ التقديم للحضور من اليمين, أو يبدأ بالضيف مُباشرةً, أو بكبار السِّن, أو الأمير, أو الشيخ, أو كبير القوم. ويظل واقفًا لا يجلس حتى ينتهي الحضور من شرب قهوتهم, بل ويسكب للضيف فنجانًا آخر عندما ينتهي, وهذا قمة الكرم, حتى يقوم الضيف بهَزِّ الفنجان أو يقول (بَس). ويُسلَّم الفنجان إلى القهوجي (الصَّاب) باليَد اليُمنى أيضًا. وفي السعودية يشترطون عدم ملء الفنجان إلى نهايته, بل ويعتبرون ذلك إن حدث إهانة, وبعض الدول يعدون عدم ملء الفنجان إلى آخره إهانة.
كما أن للقهوة مهارات خاصة في شربها وصَبِّها. فمثلًا: في شربها يَهز الشارب الفنجان يمينًا ويسارًا حتى تبرد قهوته, ثم يرتشفها بسرعة. وفي صَبِّها, يجب أن تُحدث صوتًا خفيفًا في الفناجين التي تُصَبّ بها في الأفراح وجلسات القهوة, بينما في العزاء, يُشترط عدم إصدارها أي صوت ولو كان خفيفًا.
وكل هذا يدل على أن القهوة عند العرب لها فنون في كل شيء, بدايةً من تحميصها, مرورًا بصَبِّها, وحتى شُربها, فهي تمثل الذوق والكيْف.
أنواع البُن في العالم
يوجد نوعين رئيسيين من حبوب البُن:
وفيما يلي نذكر أفضل أنواع البُن العربي..
تُصنع هذه القهوة من حبوب قليلة التحميص, تحتوي على الزعفران والقرفة والهيل والقرنفل, فتتميز بلونها الذهبي, وتُقدَّم مع التمر وبعض الحلوى. وتنتشر في شبه الجزيرة العربية (المملكة العربية السعودية, الإمارات العربية المتحدة, العراق, اليمن).
تُصنع من البُن المُحمَّص الغامق, تُقدَّم في (الدلة), وتُصَب في الفناجين الصغيرة, ويُضاف إليها الهيل عادةً, ولكن كثيرًا تكون خالية من الإضافات.
هو نوع من أنواع البُن, يُزرع في (أثيوبيا) في ولاية (هراري), ويُعد من أشهر أنواع البُن في دول الخليج العربي وأقدمها وأكثرها استهلاكًا. ويُقسَّم عادةً إلى 3 فئات:
شجرة البُن اليمني الجبلي: يتراوح طول هذه الشجرة من 5 إلى 6 أمتار, وهي من الأشجار الخضراء دائمًا, وتتميز ثمارها عند نضجها باللون الأحمر.
ويتنوع البُن اليمني إلى عدة أنواع, منها:
تحميص القهوة العربية:
بعض الأشخاص يُفضّلون القهوة المتوسطة أو الغامقة, والبعض الآخر يُفضلون القهوة الصفراء (الشقراء), حيث يتم تحميص حبوب البُن الخضراء الجافة الطازجة بواسطة (المحماسة), وهي أداة معدنية خاصة يُربَط بها سيخ حديدي أشبَه بالملعقة الطويلة, تُقلّب حبّات البُن وتُحرِّكه حتى تأخذ اللون المراد. ثم تُرفع عن النار وتوضَع في أداة لطحنها تُسمى (النجر). بعدها تُوضَع بالقمقوم, ويُضاف إليها القرنفل والهيل (الحبهان) ويُصَب عليها الماء. وفي النهاية نضعها في (الدلة).
بالطبع هذه الأدوات قديمة جدًا في تحميص القهوة العربية, إلا أن بعض المناطق –تحديدًا في المملكة العربية السعودية- لا زالوا يستعملونها, وذلك لمذاقها المختلف الذي تُعطيه للقهوة في رأيهم. الآن أصبح لدينا المطحنة الكهربائية والمحمصة الكهربائية, والرامس (محل الدلة).