حقائق كشفها الزور ..

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : سليمان بن عبد العزيز الدويش | المصدر : www.islamway.com

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله الذي أعز من شاء بطاعته وأذل من شاء بمعصيته, والصلاة والسلام على من لا خير إلا في اتباع هديه، ولا فلاح إلا بسلوك طريقته, ولا كرامة بغير التأسّي به. وأن الإهانة بالبعد عن سبيله { وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ } [الحج:18]، وعلى آله وصحبه ومن سلك طريقته إلى يوم يبعثون، أما بعد..

فقد جاءت هذه الأزمة بخلاف ما ظنّه من افتعلها، بل وعلى خلاف ما تصوّرناه جميعاً، فالحمدلله على كل حال، وله الشكر فهو ذو الإنعام والإفضال، وسبحانه وهو الصادق حيث قال: { فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } [النساء:19].

وقديماً قيل:

قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت *** ويبتلي الله بعض الخلق بالنعم

وقيل: وربما صحت الأبدان بالعلل.


أيها الفضلاء..

إن تلك الحملات المسعورة المسمومة التي يطلقها الغرب الكافر لم تكن بدعاً من الأمر، ولن تقف إلى هذا الحد؛ فهم يكيدون لنا منذ أن بزغ نور الرسالة وسطع شعاعها. ولن يزال كيدهم متواصلاً حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً؛ فهم من قال الله عنهم: { وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } [البقرة:120]، وقال عنهم سبحانه: { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء } [النساء:89]، وقال: { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم } [البقرة:109]، ومن هنا يتضح أن عداوتهم متغلغلة ولا يمكن أن تزول، وأنها مهما خبت أو اختفت لفترة من الفترات فإنما هي لتكتيك يمارسونه وليس لقناعة بأنهم على غير هدى.

وما عملته صحيفة النرويج أو الممثل الهولندي أو صحيفة الدينمارك لم يكن اجتهاداً عفوياً، ولا نتاج حرية عابرة، بل هو أمر مقصود انطلقوا لفعله من عقيدة يؤمنون بها ويتنادون بينهم على الثبات عليها ونشرها وتبشير الناس بها ـزعمواـ, وهذه الأفعال التي صدرت منهم جاءت لتكشف حقيقتهم لمن كان منخدعاً بهم، وليعلم أنهم وإن تشدقوا بالحريات واحترام المعتقدات فإنما هم كَذَبة فجرة يكيلون بمكيالين غير متوازنين, كما أن هذه الأزمة ولله الحمد قد كشفت لنا أموراً هامة على الصعيد الداخلي والخارجي. ولعلي أن أوجز بعضاً منها في هذا البيان باختصار، فأقول مستعيناً بالله وهو خير معين:

أولاً: لعلكم تذكرون ما مارسه الغرب الكافر بقيادة أم الكفر ورأسه ضد إخواننا في أفغانستان وغيرها من بلاد المسلمين، وما يرفعونه من شعارات ويلوّحون به من استنكارات من أننا نحن المسلمين لانحترم الأديان ولا نعرف حقها، وما طالبوا به من وأد منهج الولاء والبراء وكل ماله علاقة به، بل وتدخّلوا بالضغط على جهات قيادية عليا لعزل كثير من الخطباء والدعاة لأنهم يدعون على النصارى واليهود, وما يمارسونه في العالم كله ضد من يحاول المساس باليهود أو يكذب محارقهم المزعومة.. فأين حرية الرأي التي يحترمون؟ وأين هي الديمقراطية التي يتشدقون بها؟ أم هي ديمقراطية وحرية الكافر وحده.

حرام على بلابلنا الدوح *** حلال للطير من كل جنسِ


ثانياً: أن الشعوب المسلمة قادرة على التأثير والتغيير ولله الحمد والمنة، وأنها إن اتّحدت أنجزت ما قد تعجز عن إنجازه كثير من القنوات السياسية الأخرى، وهذا ظاهر في مسألة المقاطعة التي تبنّتها الشعوب المسلمة، والتي حركت مسار القضية وأشعلت فتيل المواجهة المكشوفة الواضحة، في حين كانت المسارات السياسية تقابل بالرفض وعدم الاكتراث إلا ما ندر.


ثالثاً: أن الأمة المسلمة فيها خير كثير، ولكنها تعيش فترة من التخدير والخمول. ساعد في تفاقم هذا الوضع المزري مؤامرات الأعداء المستمرة ووجود آذان للعدو بين المسلمين تحاول جرّهم إلى مالاينفعهم في دينهم ودنياهم من لهو ومجون.

وأن هذه الأمة إن وجدت من ينفض عنها غبار المهانة ويزيح ستار الغفلة ويبطل أثر ذلك التخدير، فإنها تتحرك كالبركان، وهذا ما رأيناه ولله الحمد من دموع المسلمين تحت أعواد المنابر، وفي مجالس أهل العلم وما لاحظناه من تسابقهم في المساهمة وبذل المال وما أقدموا عليه من التنافس على معرفة منتج الكافر للتحذير منه، وما نسمعه من أخبار تثلج الصدر من استنفار الأمة كلها الصغار والكبار, والرجال والنساء, العجزة وذوي القدرة، وما رأيناه من مشاركات وأفكار وطروحات كان لها أثر كبير في كشف بعض المكانة التي يجب أن يعرفها عدونا لأمتنا.


رابعاً: أن الأمة المسلمة تعيش أزمة حقيقية لاتقل عن أزمتها مع الكفار، وهي الأزمة مع الإعلام الذي تسنم ظهره من ينتسب زورا لأمتنا في غالب الأحوال.
وإن أزمتنا التي نحن نتلظى بنارها كشفت أن إعلامنا لا يمثلنا بحال، فهو إعلامُ كَذب ونفاق ومخادعة وتزوير للحقائق.

كنا نعتقد أن حدثاً كهذا سيتسابق له رجال الصحافة والقنوات ليكشفوا من خلاله الخطر الذي يتهدد الأمة من أعدائها، وإذا بنا نراهم الأعداء الحقيقيين للأمة حين انشغلوا بمتابعة الكرة وماقيل من النكات عن حماس، وما يثار عن تبنّي بوش لولد غير شرعي، وغير هذا من القضايا التي تظهر بما لايدع مجالاً للشك أن الإعلام صوت للعدو أكثر منه للصديق.

من كان يظن أن قناة من القنوات تستضيف في وقت كهذا سفلة المجتمع ليتحدثوا عن قضية كقيادة السيارة أو حرية المرأة، ومن كان يظن أن صحيفة من صحفنا وهي تعيش في قلب الحدث تأتي لتعاكس التيار وتختلق للعدو الأعذار، وكأنها تقول إن كل الأمة على باطل وزور، وأن تلك الشركة أو الصحيفة على حق فاقبلوا به حتى ولو سخروا من دينكم وشتموا قدوتكم؟!


خامساً: أن دعوى محبة النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته وحدها لاتكفي؛ فليس الإيمان بالتحلّي ولا بالتمنّي، ولكن ماوقر في القلب وصدّقه العمل, وأن محبة النبي وآله لا تكون بإحياء الموالد وضرب الصدور والنياحة، في حين أنه إذا انتقص شخصه وأُهين عرضه وأسيء إلى سنّته دسسنا رؤوسنا في التراب.

إن الذين كانوا يشنّعون علينا لإنكارنا بدعة المولد لأنها لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه, والذين كانوا يرموننا ببغض النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمنعنا وإنكارنا ترديد البردة للبوصيري وغيرها، مما حوى عبارات شركية لاتليق إلا بالله العظيم سبحانه، لم نرهم اليوم يشنّعون على الكفار ماعملوه من إساءة بالغة لجنابه عليه الصلاة والسلام، ولم نرهم يتكلمون عن من يتّهم عرضه الشريف بالفاحشة عياذاً بالله, بل المؤسف جداً أنك تراهم بدؤا بالتقارب معهم ومد جسور التقارب! فسبحان الله أين هي دعوى محبة النبي صلى الله عليه وسلم؟ وأين هي الغيرة على سنته؟ أم هي البدعة التي يرعاها إبليس ويزينها في قلوبهم فيجعلها من الدين والدين منها براء؟

وأين أؤلئك الذين قطعوا أجسامهم بالسلاسل وأثاروا غبار الأرض بوقع حوافرهم بكاء على أبي عبدالله الحسين رضي الله عنه وأرضاه، ونادوه واستغاثوا به من دون الله عياذاً بالله, أين هم من الثأر لجده بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم والحسين رضي الله عنه، إنما لحقه الشرف من النبي صلى الله عليه وسلم, فهل الحسين عندهم أعظم من جده محمد صلى الله عليه وسلم والد الزهراء رضي الله عنها؟

مابالهم غضبوا ممن أساء إلى رموزهم المنحرفة الضالة، وأهدروا دمه.. في حين أخرست ألسنتهم عن من أساء إلى خير البرية وأزكى البشرية صلى الله عليه وسلم؟؟
إننا لانريد ضرباً بالسلاسل ولا عويلاً ولا بكاءً، ولا حسينيات ولا مآتم ولامظاهرات، بل نريد منهم ماهو أقل من ذلك بكثير نريد منهم أن يكفّوا ألسنتهم ليس غير.

نعم أقول لهؤلاء المدّعين حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم زوراً وبهتاناً: أرأيتم من هو المحب الصادق في محبته؟ أعرفتم الفرق بين الحقيقة والدعوى؟ وأقول لهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، لمّا أخبر عن سبب صيام اليهود ليوم عاشوراء « نحن أحق بموسى منهم »، نعم.. فنحن أحق بمحمد صلى الله عليه وسلم وآله من غيرهم ممن حظه من محبته المدائح والأهازيج والموالد والحسينيات، وحين تحتر الرمضاء يسكن إلى الظل والماء والنساء.


سادساً: أن المال قد يكون نعمة على صاحبه وقد يكون نقمة، ولهذا أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على المال في حال فقال: « نعم المال الصالح في يد الرجل الصالح »، وأن الموفق من التجار من سخّر ماله لمرضاة ربه والانتصار لدينه. ولهذا فقد حظي من بادر إلى النصرة بالأجر بإذن الله تعالى وبالذكر الحسن، في حين خسر هذا الفضل من آثر الفانية على الباقية ولم يتحرك عنده شعور الغيرة بعدُ.

وهذه مناسبة عظيمة أستغلُّها بتذكير أرباب الأموال بأن يعرفوا أنهم مهما بذلوا فهو خير لهم عند ربهم، وهم المنتفعون به قبل غيرهم, فالمال مال الله، والله تعالى يقول { وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } [النور:33]، ومن تصدق بصدقة يبتغي بها وجه الله ربَّاها الله له وأخلفه خيراً منها، وهو خير الرازقين سبحانه.

كما يجب أن نعلم أن المال باب من أبواب الجهاد العظيمة والجهاد فيه على ضربين:
1- جهاد بدفعه وذلك متقرر معلوم.
2- جهاد بمنعه، وهذا يتمثل بالمقاطعة التي تمنع وصول المال والانتفاع به من عدو الدين، وهذا داخل في قوله سبحانه: { وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } [البقرة:120].
ناهيك أن الشعوب المسلمة اليوم ترى الظلم الواقع على إخوتنا في كل بلاد الدنيا، فمن حقهم علينا أن نضعف اليد التي امتدت إليهم بالأذى بمقاطعة منتجاتها ما أمكن، والصبر على ماقد نلقاه من الحرج في بعض الأمور؛ فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.

ومن هنا أيضاً، أشكر الله سبحانه أولاً أن جعل في أمتنا من يبذل ماله أو بعضه لله ونصرة لدينه، ومن ثم أشكر هؤلاء التجار وأدعوالله لهم أن يبارك في أموالهم وأولادهم وأنفسهم وأن يعوضهم خيراً.


سابعاً: أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وأن السلطان إذا انتصر لدينه وغضب لحرمات الله فقد فتح على نفسه وأمته من أبواب الخير والفضيلة مالا يخطر له على بال. وما نشاهده من تظافر الجهود والبدء بخطط علمية وعملية لطباعة الكتب ونشر المطويات المترجمة وترجمة مايمكن ترجمته من الكتب التي تعرّف بالدين الإسلامي، وفتح المجالات أمام الفرص المثمرة للتأليف والكتابة عن سيرة قائدنا العظيم صلى الله عليه وسلم جاء متزامناً مع الموقف الرسمي الرافض لسياسة الاعتداء على الدين من قبل تلك الدول الكافرة المارقة. فهنيئاً لمن أمر بذلك ولمن أشار، فقد كان قراراً حكيماً وموقفاً شجاعاً نتمنى أن يتبعه موقف لايقل عنه حكمة ولاشجاعة، يتمثّل بطرد سفيرهم من بلادنا ليعلموا أننا قد نقبل المساومة والابتزاز في المال والتكنلوجيا وغير ذلك من عرض الدنيا الزائل، ولكننا لايمكن بحال أن نقبل الابتزاز في ثوابتنا ولافي رموزنا التي دونها المهج فداء.

كم هو مفرح للقلب ذلك الموقف، وكم هو محفز لكثير من المسلمين حين يرى أنه يقف في الصف نصرة لله ولرسوله ومعه العالم والحاكم والصغير والكبير والذكر والأنثى.


ثامناً: أن زمن الخديعة لا يطول مهما كانت، ولهذا فمن العيب أن يخدعنا بعض النكرات حين يساوم على بعض الأمور، فإذا كان المحك والمعترك وجدته كالملح في الماء الحار.

ما أجمل أن يدافع الإنسان عن وطنه المسلم ويحبه لأن فيه الإسلام، ولكنه قبيح جداً أن يجعل الوطن أغلى عليه من الإسلام والوطن؛ إنما شرف بالدين ليس غير.

إن الوطنية حقاً هي أن تنتصر للدين الذي انبثق من هذا الوطن، وللنبي الذي بعث في هذا الوطن، وللكتاب الذي أنزل في هذا الوطن.. أما أن تنتصر لتراب وحجارة وتقدّسها وتجعل من نفسك الحامي لها والكفيل عليها والوكيل، وتخون من شئت تحت مسمى عداء الوطن، وتقرّب من شئت تحت شعار الوطنية، وأنت أبعد الناس وأقلّهم دفاعاً عن دين الوطن وكتابه وشريعته ورسوله، فقد كذبت وخدعت، وأنَّى لهذه الخديعة أن تطول.

لقد تحدثوا كثيراً أن (الوطن أولاً) وهاهو دستور الوطن ونبيه وقدوته، وهاهو منهاج الوطن يُهان، وهم يتباحثون في قضايا يهدمون بها ولا يبنون، ويفسدون ولايصلحون، ثم يخرجون من تحت أنقاض ماهدموه ليقولوا لمن أراد الإصلاح وترميم ما أفسدوه (الوطن أولاً).

لقد آن الأوان لتعرف الجموع من هم أعداء الوطن ودين الوطن ودستور الوطن وقيادة الوطن.
إن من لم تشغله هذه الأزمة ولم يرفع بها رأساً أو كان ينظر إلى غيره ليرى هل تحرّك أم لازال على حاله، فليعلم أنه خسارة على الوطن وليس ربحاً, وأن وجوده فيه مهانةً له وذلاً.

على هؤلاء الذين لاكوا ألسن العلماء والدعاة والمفكرين ردحاً من الزمن تحت مظلّة الغيرة والحمية لهذا الدين وجناب العقيدة والتوحيد، أنهم قد أفلسوا وخسروا، وأن سعيهم كسعي من يلحق السراب في قيعة, وهيهات أن يجد في السراب ماء.
أين تلك المواقف الثائرة والأمواج الهادرة والخطب الرنانة والجمل الطنانة، وأين عبارات التفسيق والتبديع والتضليل والتجهيل التي أزكمت الأنوف؟ ما بالها اختفت عن العدو الكافر الذي لايحتاج قوله وفعله إلى تحوير وتأويل وتعليل وتدليل؟
أين هجومهم على الأموات والأحياء من العلماء والدعاة؟ أتُرى أؤلئك العلماء والدعاة أشد خطراً ممن سبّ القرآن وسخر بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ أم هو الهوى والزيغ عياذاً بالله من الخذلان؟!


تاسعاً: أن العلم لا يمكن أن ينفع صاحبه ولا أن يرفعه حتى يقوم بزكاته, وزكاة العلم هي ببذله ونشره بين الناس وأن يكون العالم رأساً للأمة في أزماتها، وموجهاً لها وحالاًّ لإشكالياتها, فإذا تخلّف العالم عن هذا الركب وسار الناس وتركوه فقد جنى على أمته وعلى نفسه, وهذا وربي من الكتمان الذي نهى الله عنه وحذر منه { وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ } [آل عمران:187]. وما نشاهده اليوم من خذلان كثير من العلماء للأمة وتقاعسهم عن القيام بواجب إدارتها وتوجيهها إلا علامة حرمان وانتكاسة والعياذبالله.

إن العالِم إن لم يقل كلمة الحق ويصدع بها، فسيتخلى الناس عنه، وربما اتخذوا رؤوساً جهالاً فسألوهم فأفتوهم بما لا علم لهم به، فأضلوهم وضلّوا وكان للعلماء وزر هؤلاء وأؤلئك جميعاً.

إن العلماء ورثة الأنبياء, والأنبياء لم يورثوا مالاً ولا متاعاً، وها نحن نرى امتهان الأنبياء، وتخاذل الورثة إلا مارحم الله.. فمن ياترى ينتفض لانتزاع الميراث إن تركه أهله؟

أين مواقف العلماء الناصرة للدين؟ أين تلك البيانات النارية والاستنكارات الشديدة لمواقف بعض المندفعين من شباب المسلمين؟

ياعلماء الإسلام..

إنه الإسلام نعم هو الإسلام ورسوله..
هو دين الله وهو الميراث الذي به رفعكم الله بين الناس وبوأكم هذه المكانة..
إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حمّكم أمانة كنزه.
إن لم تغاروا على الدين ونبي الله،فمتى ستغارون وعلى من ستغارون؟

وبارك الله فيمن سعى من العلماء ونافح وجاهد وصدق وصابر وصبر،وأجرى دمعه وأسال حبر قلمه غَيْرة لله ونصرة لدينه ورسوله صلى الله عليه وسلم.
فصرخة في وجوه هؤلاء أقول: أتريدون أن تذادوا عن حوضه يوم يقال « إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك »؟
أم تريدون أن تتضاعف مهانة الأمة فلا يبقى فيها عرق نخوة ينبض ولا غيور لغبارها ينفض؟

وبارك الله فيمن جعل وقته لله وجهده وكل ماحباه الله، وكأن لسان حاله يقول: "اللهم خذ مني حتى ترضى"، ويقول: "اللهم اشهد أننا لانرضى، فاجعلها لنا عندك يوم نرد على حوضه فلانذاد".


عاشراً: أن التعاون والتكاتف سلاح أقوى في التأثير من كثير من الأسلحة الأخرى، ولهذا فقد رأينا كيف كان وقع تلك الخطابات والمكاتبات والتحركات على كل المستويات. ولكي يؤتي هذا العمل ثماره فعلينا أن نتحرى العدل فيما نقول ونفعل خشية أن نقع في ظلم أحد فيحبط ماصنعنا وتذهب بركته.
ولهذا فمن الواجب التثبت من المنتج أو الجهة قبل نشرها حتى لايتضرر مسلم بشيء لا ذنب له فيه, ومن شك في شيء وخفي عليه علمه فليدعه ولايقحم نفسه فيه.

الحادي عشر: أن العمل النافع يحتاج إلى مجاهدة وصبر ولهذا قال الله تعالى { وَالْعَصْرِ . إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ } [العصر:1-3] ومن سلك هذا الطريق فيحتاج إلى توطين نفسه إلى أنه لن يجد الطريق أمامه معبداً؛ بل قد يواجه فيه من الصعوبات مايحتاج معها إلى الاستعانة بالله العظيم والصبر والمصابرة.

سيجد المسلم في طريقه من يخذله أو يخوِّفه أو يحقِّّره، وربما وجد من يتكلم بلسان العدو وكأنه هو العدو ذاته, فعليه أن يصبر على أذى هؤلاء كلهم لينعم بالوعد الصادق من الله { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } [69].

لقد حاول المنافقون في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تخذيله، والفتَّ في عضده بمثل قولهم { الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا } [آل عمران:168]، وقولهم { وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ } [التوبة:81]، وغير ذلك من عبارات التخذيل، ولكن الله تعالى قال لنبيه { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ } [الأحزاب:1]، فكان النصر لرسول الله والخيبة والخسران للمخذلين وأعداء الدين.

وإن صور التخذيل اليوم ظاهرة جليّة، وربما جاءت باسم الخوف من الله، وكأن ما يقوم به المسلم الغيور من مقاطعة سلع الكفار حد من حدود الله قد انتهك، وأنه لم ينتهك من حدود الله إلا هذا؟

أرأيتم من يقول إن مقاطعة السلع لاتجوز إلا بأمر من ولي الأمر؟ من أين أتى بهذا القول؟ ومادليله؟ وهل من قاطع منتجات الكفار من تلقاء نفسه يعتبر آثماً مفتاتاً على ولي أمره؟ أم هو التخذيل للأمة وتشتيت مواقفها من عدوها؟ وكذلك من يقول إن المقاطعة لاتضر الكافر بل تضر التاجر المسلم، وغير ذلك من صور التخذيل المكشوفة.

إننا نتمنى من الله أن يوفق الحكومة لمنع بيع تلك المنتجات ومنع دخولها نكاية بأعداء الملة المعتدين.
ومثل تلك المواقف في التخذيل موقف بعضهم من محاولة نشر مواضيع وقضايا وطرحها للنقاش، وهي أبعد ماتكون عن صلب اهتمام المسلمين لشغلهم ببنيات الطريق عن قضيتهم الأهم.
ومثله محاولة التفريق بين من يسب الله ويسخر من دينه من كفرة الشرق أو الغرب، وأن القضية يجب أن تنحصر في الدنيمارك والنرويج وهولندا، وهذا من الخلط العجيب والفهم الغريب! فنحن ندافع عن ديننا ونبينا، والدين هو الإسلام والنبي هو محمد صلى الله عليه وسلم، ومن اعتدى على الدين والنبي فهو قضيتنا مهما كانت جنسيته ولونه.


الثاني عشر: أن قيامنا لنصرة هذا الدين يجب أن يكون من دافع حمية له لا من دافع المكاثرة والمفاخرة؛ حيث بدأت تلوح في الأفق شعارات التفاخر بين الأطياف والجنسيات، وإن كانت في بدايتها قد تأخذ طابع التحميس، لكنها قد تنتهي بأهلها إلى منحى خطير، وهذا مما يُضيع أجر العمل ويفسده. ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية، فأي ذلك في سبيل الله؟ قال: « من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله »، وعلينا أن نعلم أن نصرة الله كرامة منه سبحانه وهي تحتاج منا إلى مزيد شكر واعتراف بفضل مسديها وهو الله سبحانه.


الثالث عشر: أن الأعداء قد يرجعون عن بعض إصرارهم ويذعنوا لقولنا رعاية لمصالحهم، ولذا فيجب علينا أن نستمر في الضغط عليهم، ليكون ذلك أبلغ في التنكيل وأعظم للردع والزجر، ولأنه يفيد في تحصيل أكبر قدر من المكاسب والتنازلات من قبلهم, ولهذا فالوصية عدم التراخي حتى وإن اعتذروا عاجلاً، ولكي يفهم من وراءهم أننا لا نرضى بالدون.


الرابع عشر: أن منهج الشكر للمحسن والتنبيه للمسيء منهج مثمر، ولهذا فقد أثمرت سياسة تشجيع المقاطعين ونشر خطاباتهم ثمرة نافعة بفضل الله؛ حيث تسارعت الشركات لذلك ورفعت لافتات أمام واجهات محلاتها تظهر المقاطعة. ولهذا فعلينا التواصل مع من نعرفه ومن لانعرفه، والتواصي وشكر المحسن وتنبيه المخطىء، وإرسال الدعوات عبر الفاكس والجوال وغيرها لمن وقف نصرة لدينه من أصحاب المحلات التجارية أو المواقع الألكترونية أو القنوات والوسائل الإعلامية، وبخاصة من كان له دور إيجابي ملحوظ في هذه الأزمة.

كما إن علينا إرسال رسائل الاستنكار والتنديد والتوبيخ للوسائل الإعلامية وغيرها، والتي لم تقف موقف المحايد فحسب بل ربما تبنّت موقف الضد -عياذاً بالله-، حتى تسمع وتعلم أننا لا نقبل المساومة على ديننا، ومن ثم التلويح بهجرانها ومقاطعتها إن لم تكف أذيتها عنا.


الخامس عشر: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو حصن الأمة وسياجها، ولهذا فلو تكاتف الناس فيما بينهم في مستقبل أيامهم ضد من يريد خرق سفينة الأمة كما يتكاتفون اليوم لارتعدت فرائص أهل الزيغ كما ارتعدت فرائص الحكومة النرويجية.


هذا ماجال في خاطري وأنا أشاهد الحركة المباركة التي أتمنى أن تكون صحوة بلا انقطاع، وأن يتبعها مزيد من حركات الخير المباركة المتعقلة نصرة لدين الله وذوداً عن حياضه، سائلاً الله العلي القدير أن يكلل الجهود بالنجاح وأن ينصر الدين وأهله وأن يخذل الكافرين والمنافقين وأعداء الدين أجمعين.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.