عملية نقل التقنية ( المتطورة ) إلى العالم الإسلامي تواجه صعوبات عديدة؛ يأتي على رأسها -في ظنّي- أمران خطيران: الأول: أن الدول المتقدمة ( تقنيًا ) وعلى رأسها أمريكا، تحاول جهدها عرقلة هذا النقل؛ ولو أدى ذلك لاستعمال القوة، كما رأينا قبل سنين عندما دمروا بواسطة اليهود المفاعل النووي العراقي. إضافة إلى أن هذه الدول تُخفي أسرار التقنية العالية ( نووية أو حربية أو إلكترونية ) عن الآخرين -لاسيما المسلمين-، وإن حدث وتسرب شيء منها قامت بملاحقته، وتدميره واغتيال أصحابه. وشواهد هذا كثيرة. الثاني: أن الاستعمار بعد رحيله قد وضع على البلاد الإسلامية -إلا ما رحم ربي- حكومات عميلة وخائنة خائفة؛ لا همَّ لها إلا أن تبقى على كرسي الحكم، ولو بالامتثال لأمر العدو بترك التقنية وشأنها! وعدم الاهتمام بها أو بالنابغين فيها من أبنائها؛ بل تجريمهم وتخويفهم والخوف منهم!! وكم سمعنا عن نابغة مسلم كان مصيره إما القتل أو التعذيب من دولته المسلمة!! أو الهجرة إلى بلاد أعداء أمته وخدمتهم في تخصصه بدلاً من خدمة بني قومه. ونعوذ بالله من الذل والخنوع والخيانة الذي وقعت فيه هذه الحكومات الخائبة مع العدو فأصبحت كما قال الأول: واقعد فأنت الطاعم الكاسي! وصارت إلى ما قاله تعالى { وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ }؛ ولسان حالها يقول: لتذهب الأمة إلى الجحيم مادام الغرب راض عنا؛ وليبق التخلف والذل مادامت الكراسي مضمونة ! هذان الأمران -في نظري- هما من أهم الأسباب لعدم تمكن أمة الإسلام من نقل التقنية. ولذا ينبغي على العقلاء الشرفاء من أبنائها أن يبحثوا عن حلول ناجحة للتخلص منهما. ومن تلك الحلول -من وجهة نظري- للأمر الأول: أن تسعى الدول الإسلامية إلى نقل التقنية من مصادر وجهات متنوعة؛ شرقًا وغربًا، وتلعب على مصالح الدول المتقدمة، وتستفيد من انهيار الاتحاد السوفيتي في الاستفادة من خبرائه السابقين، وتستخدم المال والنفط الذي تملكه في تيسير هذه الأمور؛ إضافة إلى لزوم السرية؛ حتى يفاجأ العدو بجهودها وقد اكتملت. وخذ لذلك مثالاً: القنبلة النووية الباكستانية التي تمت بصمت ولم يُعلم بها إلا بعد أن اكتملت. أما الأمر الثاني: فيُتخلص منه بمناصحة هذه الحكومات المتهالكة بأن الإسلام وطلب ماعند الله والدار الآخرة خير لها وأبقى من متاع زائل وسط ذل دائم! وأن العدو مهما خُنع له فلا أمان عنده، وعن قريب يقلب ظهر المجن للخانعين. ( وهاهو العراق شاهد على ذلك؛ حيث انقلب عليه حلفاؤه الصليبيون بعد أن استهلكوه واستفادوا منه، ولم تنفعه عمالته لهم، فاعتبروا يا أولي الألباب). وأن لاخوف من أبنائها النابغين؛ مادامت تحكم بشرع الله العادل؛ فلتستفد منهم وتُسهل أموره، وتدعمهم. وقبل هذا: نشر الدعوة بين المسلمين؛ لأنها -أي الدعوة- مع الوقت والانتشار سترفع عنا ما نحن فيه -بإذن الله-. وهذه بعض المقالات المفيدة في نفس القضية 1- كتاب "الردع النووي في الشرق الأوسط"، د. خليل إبراهيم الشقاقي: "إن أية محاولة عربية لاستخدام مواد نووية من محطات الطاقة النووية لأغراض عسكرية ستواجه ثلاث مشاكل على الأقل: أولاً: إن المنشآت المخطط لها سيتم تشغيلها باستعمال وقود اليورانيوم قليل الإخصاب. تعطي المفاعلات التي تستخدم هذا النوع من اليورانيوم نصف كمية البلوتونيوم التي تعطيها المفاعلات التي تستخدم اليورانيوم الطبيعي. ثانياً: إن تحويل كمية كبرى من المواد النووية لأغراض عسكرية قد يؤدي إلى توقف الدولة المصدرة عن تزويد الدولة العربية باحتياجاتها من اليورانيوم قليل الإخصاب، وذلك لمنع هذه الدولة العربية من صنع قنابل نووية، كما قد تتعرض أية محاولة عربية لبناء منشآت لإخصاب اليورانيوم للتأخير نتيجة لفرض الدول المصدرة بيع المعدات الضرورية لتلك المنشآت لشكها في الغرض الذي سُتستعمل من أجله. ثالثاً: إن الغالبية العظمى من البرامج النووية العربية تخطط لبناء محطات طاقة نووية لإنتاج كميات كبيرة من بلوتونيوم- 240 و 242 (وهي شواذ لا تصلح للاستعمال العسكري)، بينما تُنتج كميات قليلة من بلوتونيوم - 239 الصالح للتسليح النووي. تعتبر مواد البلوتونيوم - 240 والبلوتونيوم- 242 مواداً غير مرغوب فيها لأسباب تتعلق بتصميم القنبلة النووية؛ ذلك لأن هذين النوعين من البلوتونيوم يزيدان من الحجم المطلوب لكتلة البلوتونيوم الحرجة، ويقللان من إمكان التنبؤ بقوة القنبلة النووية أو بكفاءة تلك القوة؛ كما أنهما شديدتا الإشعاع، كذلك فإن الانشطار التلقائي لبلوتونيوم - 240 يخلق مشاكل إضافية أخرى لتصميم القنبلة حيث يولد هذا الانشطار حرارة عالية ويتطلب بالتالي توفير وسائل تبريد مناسبة لوقاية القنبلة من الحرارة الشديدة. على أية حال، إن وجود بلوتونيوم-240 لا يمنع استعمال البلوتونيوم المستخرج من مفاعلات الطاقة في صناعة قنابل انشطارية نووية قادرة على إحداث انفجارات ذات مدى لا يتعدى عدة كيلوات من الأطنان من المتفجرات، ومن الواضح أنه بالنسبة للدولة المسلحة حديثاً بأسلحة نووية والتي ترغب في استخدام أسلحتها الجديدة لأغراض الردع فقط، فإن امتلاك قنابل نووية بسيطة وبدائية هو العامل الأهم، وليس مهماً مدى تعقيدها أو درجة قوتها. إن المفاعلات النووية غير المكرسة للأغراض العسكرية، مثل مفاعلات الطاقة مثلاً، والتي تستخدم يورانيوم قليل الإخصاب، قادرة على إنتاج ما يعادل كيلوغراماً واحداً من البلوتونيوم سنوياً لكل اثنين من الميغاواطات الكهربائية، وبناء على ذلك فإن مفاعل الطاقة المصري في ضبعة (وهو ذو طاقة الألف ميجا واط) قادر على إنتاج حوالي 500 كلغ من البلوتونيوم سنوياً؛ بعبارة أخرى ستتمكن محطة ضبعة بعد عام واحد فقط من بدء العمل بكامل طاقتها، من إنتاج بلوتونيوم يكفي (بعد فصله عن الشواذ ومواد أخرى) لصنع حوالي 60 قنبلة نووية بقوة 20 كيلوطن لكل منها، ولو قررت مصر السير قدماً في بناء المفاعلات الثمانية المخطط لها حتى العام 2000 (وهو أمر مستبعد في الوقت الحاضر)، فسيكون بمقدورها أن تنتج سنوياً كمية من البلوتونيوم تكفي لصنع 480 قنبلة بقوة 20 كيلوطن. سيكون لدى عدد من الدول العربية، قبل نهاية هذا القرن، القدرة التقنية والفنية لتصميم وصنع قنابل نووية وبناء منشآت لفصل البلوتونيوم. إن إعادة تصنيع كميات قليلة من الوقود النووي البلوتونيوم (من أجل صنع قنابل صغيرة سنوياً) لا تشكل عقبة تقنية صعبة، كما أوضحنا سابقاً، كذلك فإنه ليس من المتوقع أن يواجه العرض مشكلة ذات بال في تصميم وصناعة القنبلة نفسها، يقول العالم الأمريكي جون فوسترjohn foster (وهو خبير معروف في مجال تقنية الأسلحة النووية، ومدير سابق لمختبرات لورانس الإشعاعية Lawrence radiation laboratories في كاليفورنيا، ومدير سابق لقسم الهندسة والأبحاث الدفاعية في وزارة الدفاع الأمريكية): إن أصعب جزء في صناعة القنبلة النووية الإنشطارية هو تحضير المواد القابلة للإنشطار وتنقيتها، أما تصميم القنبلة نفسها فعملية سهلة نسبياً، يضاف إلى ذلك أنه ليس ضرورياً تجربة القنبلة نفسها لمعرفة خصائصها وفحص أدائها، ومن هنا فبالإمكان المحافظة على سرية العمل نحو التسليح النووي العربي، إن كان ذلك مرغوباً به ! ". 2- نظرات في مسألة التقدم العلمي والتقني – أ/ عبد الله بن سليمان القفاري، مجلة العلوم والتقنية، العدد ( 41 ): "أما دول العالم النامية والمتخلفة علمياً وتقنياً وصناعياً -مع الاختلاف النسبي في درجة نموها ودرجة تخلفها والتي منها الدول العربية- فهي تعاني أشد المعاناة من آثار هذا التخلف الذي تزداد درجته افتراقاً يوماً بعد يوم في ظل نمو تقني متسارع وحثيث لا يهدأ ولا يفتر. ولتقريب التصور حول آثار التخلف العلمي والتقني على الشعوب والمجتمعات والدول يمكن الإشارة إلى مثالين هنا: أولهما: يمس الأمن الغذائي لهذه المجتمعات في ظل طفرات سكانية وأنماط استهلاكية ملحة، فمثلاً هناك قصور كبير في استغلال الأرض الزراعية، ففي إفريقيا على سبيل المثال، هذه القارة التي تزخر بكل الموارد الطبيعية والثروات الهائلة والتي تعاني من مجاعة دائمة وأمراض مستوطنة، هناك مجال للاستغلال الزراعي لأكثر من 600 مليون هكتار قابلة للزراعة، وفي العالم العربي تقدر المساحة المتاحة بـ 198 مليون هكتار لا يستغل منها سوى 40 مليون هكتار تندرج تحت الزراعة المطرية بشكل رئيسي، أما في دولة مثل مصر فإن الأرض القابلة للزراعة لا تزيد عن 6% فقط من مساحتها. وعلى اعتبار أن هناك العديد من المعوقات التي تعترض طريق التنمية في تلك المناطق ومنها المعوقات الاقتصادية والإدارية والسياسية والاجتماعية، فإن عنصر الاستخدام التقني في العملية الزراعية بشكل مرشد (المكننة الزراعية) يمثل محوراً هاماً يمكن أن يساهم في زيادة مساحة الرقعة الزراعية بطاقات بشرية أقل وبأساليب حديثة تساهم في زيادة المحصول ووفرته، وهذه تعتمد –بالإضافة إلى المكننة الزراعية- على الاستفادة من نتائج البحوث العلمية في عملية الإنتاج الزراعي التي أفاد منها الغرب كثيراً، وجني ثمار التطبيق العملي لنتائج الدراسات العلمية (التطبيق التقني)، لذا فإن الأمن الغذائي لن يتحقق دون الاستثمار الأمثل للأرض، خاصة في ظل شح الموارد المائية وانجراف الأرض الزراعية والتصحّر. إن استجداء الغذاء من الدول المنتجة له سيكون له نتائج وخيمة مستقبلاً، وسيقابله تنازلات وتكاليف اقتصادية متصاعدة ترهق ميزان المدفوعات لتلك الدول، وقد تحملها قروضاً بفوائد متصاعدة تجعلها تدور في حلقات المديونية الدائمة مما يجعلها تراوح مكانها داخل خطوط الفقر التي تحاصرها كما يظهر ذلك الآن. وهناك مثال آخر يبرز سيطرة الشركات العالمية في الدول المتقدمة تقنياً مما يجعل تكاليف نقل التقنية إلى أي دولة نامية مكلف للغاية، نتيجة احتكار سوق التقنية في الدول الصناعية، لأن هذه الشركات بما تملكه من تقنية في الإنتاج والتمويل والمحاسبة والتسويق يمكنها رفع قيمة تكاليف الآلات والمعدات والمصانع التي تصدرها للدول المحتاجة، سواء التكاليف المباشرة أو حتى غير المباشرة مثل (حقوق الإمتيازات – براءات الاختراع- العلامات التجارية...)، وهي كلها غير محددة القيمة وتختلف تكاليفها من دولة إلى أخرى، وهذه التكاليف تمثل من 30-50% من التكاليف الكلية للمشروع، مما يجعل الدول المختلفة -من هذه الناحية- أسيرة للدول الصناعية ومرهونة بإرادتها، وبالإضافة إلى التكاليف الباهظة التي تزيد أعباءها واحتياجها المستمر لخبرات تلك الدول، كما أنها قد تحرم من أي تقنيات صناعية ترى الدول المالكة أن امتلاكها من قبل أطراف أخرى قد يهدد مصالحها وامتيازاتها". "استمد نظام التربية والتعليم الياباني قوته في روحه وصرامته وتصميمه على الكسب والتحصيل من روح الأمة اليابانية التي تملك هذا الحس الرفيع من حسن التلمذة الدائمة إلى القدر الكبير من الفضول المعرفي الذي يدفعها لاستطلاع ما لدى الآخرين من معارف وتجارب، بالإضافة إلى أن التعليم في اليابان يعتبر خدمة وطنية عامة وواجباً قومياً يتجاوز أي جهد فردي أو فئوي خاص، فمنذ مراحل التعليم الإلزامية الأولى لا يُسمح فيه بتعددية المناهج والفلسفات التربوية، كما أن اليابان لم تؤخذ ببريق الدراسات النظرية الغربية من فلسفات وحقوق وإنسانيات وانصرفت إلى تأسيس قاعدتها العلمية التقنية الصناعية، ولا يزال التعليم المهني مقدماً على النظري، ونقطة القوة الأساسية في النظام التربوي هناك ليس جامعات وإنما معاهد التقنية المتوسطة التي تمثل عموده الفقري (التي مثلت وتمثل في الوقت ذاته نقطة الضعف في النظم التربوية العربية التي بنت أمجادها على كليات الحقوق والآداب كما يقول الدكتور محمد جابر الأنصاري ). "إن النظر في تجارب الأمم التي سبقتنا في مضمار التقدم والرقي المادي الحضاري والاستفادة منها مسألة أساسية في اشتراطات النهضة، وتتأكد هذه المسألة عندما تكون تكل الأمم أو الدول أو الشعوب منذ بضعة عقود في صف الدول النامية أو المتطلعة للنمو، مثل تجارب بعض الدول التي حققت في السنوات الأخيرة قفزات هائلة في مضمار التقدم الصناعي ؛كبعض دول جنوب شرق أسيا كإندونيسيا وماليزيا وغيرها من مجموعة (النمور الآسيوية)، تلك التجارب جديرة بالدراسة والنظر ونعتقد أن فرض الاستفادة منها كبيرة خاصة في ظل تشابه بعض الظروف ووجود روابط ثقافية مشتركة. إن تأسيس مراكز فكرية لهذا النوع من الدراسات الاستراتيجية كفيل بأن يضع المخططين لبرامج العلوم والتقنية أمام فرصة كبيرة لبناء برامج عملية وممكنة وذات فرصة أوسع للنجاح والتحقيق". للمزيد : 3- نقل التقنية- أ.د. علي بن أحمد الرباعي، مجلة " كلية الملك عبدالعزيز الحربية "، العدد 41. 4- رسالة " التقنية وكيفية نقلها إلى الدول النامية "؛ للدكتور بهاء بن حسين عزّى. 5- تايوان.. ما بين نقل التقنية والتطور الصناعي- د. محمد بن أحمد الطرابزوني؛ مجلة الأسواق، العدد 55. 6- نقل التقنية وتوطينها بين الواقع والتطلعات، مجلة الحرس الوطني، العدد 174 7- نقل التقانة المفهوم والطموحات والمعاناة- د. داود سليمان رضوان، مجلة " القافلة "، عدد ذي القعدة ، 1416هـ . تنبيه: هل يُشترط للتقنية المأمولة من الدول الإسلامية أن تكون منافسة لتقنية الآخرين ؟! أو يكفي أن تُحقق هذه الدول المسلمة من التقنية ما يحفظ لها كيانها، ويحميه من كيد العدو ؟!