تفسيرات مفهوم الحب "مروان مودنان"

الناقل : MOUDNANE

"مروان مودنان"

 

1-         بأي لغة يمكن الحديث عن الحب ؟

إن الغاية من هذا الحديث ،حول ما جاء من لغة عن معنى الحب ( سواء تعلق الأمر بلغة علماء : البيولوجيا أم الاجتماعية ... أم غير ذلك من اللغات ) لا يكمن الهدف منه ،في مدى قدرتنا على كشف الدلالة الأصح لهذا المفهوم فقط وإنما أيضاً ،في مدى حرصنا على إبراز الأثر الذي من الممكن أن تحدثه ،كل لغة من هذه اللغات -التي نحن الآن بصدد التمهيد لها- عل سيكولوجية المحب .وبمعنى آخر ،حول ما قد تعكسه – لا شعورياً – كل لغة من هذه اللغات على سيكولوجية المحب ؛ لأن الناس ،لو لم يكن قد سمعوا عن الحب ،لما قدر للكثيرين منهم بأن يقعوا صرعى لما أصبح يسمى باسم الحب[1].بالتالي ،فأمعن نظرك أيها المحب ،فيما يلي من لغة حول معنى الحب ،فلعلك تهتدي إلى فهم نفسك بنفسك .

1)  الحب لغة بيولوجية : 

اللغة البيولوجية عن الحب ،إنما هي لغة علماء الفسيولوجيا ، والذين يرجعون هذه الوظيفة السيكولوجية إلى مجموعة من الغدد والإفرازات ،فهم يعتبرون الحب ،مجرد وظيفة بيولوجية ؛لأن الظواهر الفسيولوجية تتكفل بتفسير شتى الظواهر النفسية للموجود البشري ، بما فيها : الحب ،والكراهية والطموح ... وهذا ما ذهب إليه « فرويد » نفسه ،حينما اعتبر الحب مجرد ظاهرة جنسية محضة ،وكأنما هو نتيجة توتر كيماوي يحدث في الجسم فيتطلب نوعا من التفريغ ،أو إطلاق الطاقة ،من أجل إزالة الألم الناجم عن هذا التوتر . فليس الحب في نظر « فرويد » سوى رغبة جنسية .وليست الرغبة الجنسية سوى حاجة عضوية ،لا بد من العمل على إشباعها ، مثلها في ذلك .مثل الجوع أو العطش[2] . وتبعاً لذلك، فإن الرغبة الجنسية ، في نظر « فرويد » لا تخرج عن كونها توتراً عضوياً أليماً . يستلزم موضوعاً جنسياً يعمل على إزالته أو التخفيف من حدته ،وكأنما هي مجرد تهيج موضعي يأتي الإشباع الجنسي فيقضي عليه[3] . لكن أيها المحب ، أ تعتقد حقاً بأن الحب هو مجرد لغة بيولوجية ؟     
    كإجابة عن هذا السؤال ما الذي تتوقعه ؟ بل ألا يمكن أن يكون هنالك قصور في معنى الحب ،بل وحتى في قيمه وأفكاره ،لو أننا فقط اكتفينا باللغة البيولوجية ؟ بل ، ألا تعتقد بأن الإنسان من الممكن ،أن يكون شبيهاً بالحيوان لو أننا فقط اكتفينا بهذه اللغة ؟
    إن الخطأ الأكبر الذي يقع فيه أصحاب هذه اللغة ،هو : أنهم يخلطون بين الحب والجنس، في حين أن التجربة البشرية ،تشهد بأنه قد يكون هنالك حب بدون جنس . كما قد يكون هنالك جنس بدون حب[4]؛ لأنه لو صح ما قاله « فرويد » لكانت العادة السرية هي المثل الأعلى لكل إشباع جنسي .بالتالي ، فإن « فرويد » يتوهم بأن الحب ثمرة للإشباع الجنسي . وكما عبر عن ذلك « زكرياء إبراهيم» من خلال كتابه « مشكلة الحب » حيث قال : ( الحب ليس مجرد وظيفة بيولوجية كل بتفسيرها الغريزة الجنسية بل هو ظاهرة إنسانية معقدة تتداخل فيها اعتبارات القيمة والحاجة إلى التغلب عن الانعزال النفسي ، والنزوع إلى الخروج من الأنانية أو النرجسية ، إلى الرغبة في التلاقي مع الآخر والاتحاد معه ، مع الإبقاء في الوقت نفسه على دوام هذه الثنائية )[5] . بالتالي ، ألا يمكن في نظرك أيها الحب ، التعالي عن اللغة البيولوجية للحب ؟ بل ، ألا يمكن أن يكون الحب – إلى جانب هذه اللغة – لغة اجتماعية ؟ وإن أمكن ،فكيف ذلك ؟
   كإجابة عن هذا السؤال ، سأنتقل بك ، أيها المحب إلى لغة علماء الاجتماع عن الحب . بالتالي ، فما المعني ، والقيم ، والأفكار التي ينطوي عليها هذا المفهوم عند لغة علماء الاجتماع ؟

2)  الحب لغة اجتماعية :

   اللغة الاجتماعية في الحديث عن الحب ، هي لغة أولئك الذين لا يرون في الحب . سوى سلوك اجتماعي ، يطلع به حيوان مدني ، لا يملك إلا أن يعيش في جماعة . فالحب في نظر أهل الاجتماع ، ليس ظاهرة حيوية أو سيكولوجية يتكفل بتفسيرها علماء الأحياء أو علم النفس ، وإنما هو أولاً ، وبالذات : سلوك اجتماعي يخضع فيه الفرد لأنماط جمعية يحددها العقل الاجتماعي[6].  
    وتبعاً لذلك ،فإن الناطقين باللغة الاجتماعية أمثال ،« أوغست كونت » مؤسس الفيزياء الاجتماعية و « إميل دوركايم » الذي صار على نهجه ... لا يجدون أدنى صعوبة في ربط الحب بالزواج ، والنسب ، والوراثة ، والبيئة ، والمحارم ، والعائلة ، وصلة الأرحام . واستمرار العلاقة بين السلف والخلف ...[7] وهكذا ؛ إذ نجدهم حريصين على فهم الحب بوصفه وظيفة اجتماعية الهدف منها : هو تقوية التلاحم والتناصر فيما بين الأفراد والشعوب بغية تأسيس مجتمع قوي وفعال . قادر على تحقيق المصلحة العامة . فهؤلاء العلماء قلما يفصلون دراستهم للحب عن مباحثهم والزواج .والأسرة ، والنظام العائلي ،والتراث الثقافي ... ونحن لا ننكر بطبيعة الحالة بان لغة أهل الاجتماع في الحديث عن الحب هي لغة مشروعة يبررها العلم . كما تؤيدها النزعة الموضوعية . لكن ، في نظرك ، أيها المحب ، تعتقد بأن لغة علم الاجتماع ، تكفي وحدها لضبط المعاني والقيم والأفكار التي يتضمنها هذا المفهوم ؟     
    إن النزعة الوضعية لأهل الاجتماع من الممكن أن تفسر الحب بوصفه ظاهرة اجتماعية يستلزمها العمران البشري ،إلا أنها لا تستطيع الإحاطة بكل ما يتضمنه هذا المفهوم من معاني ، وقيم ، وأفكار ، بدليل أن « أوغست كونت » نفسه ، لم يلبث أن تخلى عنها ، حين ما استولى على مجامع قلبه حب « كلوتيلد
CLOTILDE » فإن فتح أمامه أفق جديد لميمكن قد عرفه في عهده الوضعي .كما أن كثيرا من حالات لم تفضي إلى الزواج أو لم تأذي إلى إنجاب النسل ، أو لم تلقي أي تبادل عاطفي . فهل نحكم على مثل هذه الحالات بأنها ليست من الحب في شيء ؟ ألا يدلنا شعورنا الذاتي - كما يقول المفكر الروسي «سولوفيف» - على أن الحب  ليس أداة أو وسيلة في خدمة البشري . بل هو خير مستقل ، تنحصر قيمته الخاصة المطلقة في نطاق حياتنا الشخصية ؟ بالتالي فإن لم يكن هذا هو الحب ، فأي معنى يمكن الحديث عنه ؟

3)  الحب لغة صوفية :

   اللغة الصوفية في حديثها عن الحب هي لغة القضاء على الذات الفردية ، والسعي وراء تحرر من أصر الشخصية ، وذلك ، من اجل تحقيق الاندماج في حقيقة تستوعب كل الموجودات أو من أجل الفناء في الذات الإلهية نفسها . ومن مزاياها أنها لغة أو طاقة موحدة. . إلا أن أصحاب هذه اللغة يتصورون الحب على أنه إنكار تام للذات أو تحطيم مطلق للشخصية ، فهم يتناسون ، أن من شروط الحب توافر التجانس والتبادل والتوافق بين المحب والمحبوب من جهة وقيام ضرب من تنوع أو التعدد أو الاختلاف في السمات الشخصية بينهما من جهة أخرى ، بحيث يكمل كل واحد منهما الآخر .ويتكون من اتحادها تكامل إنساني حقيقي .    
   كما أن موضوع الحب في اللغة الصوفية لا يلبث أن يفضي في خاتمة المطاف ، إلا حالة من اللامبالاة أو عدم الاكتراث المطلق ، والذي يكون من شأنها أن تستوعب الفردية الإنسانية بأكملها ، وهنا لا يكون من شأن الحب ،أن يلغي الأنانية .كما يلغى النوم العميق شعورنا بذواتنا ، فيكون الاستغراق الفرضي في الحب الصوفي كاستغراق النائم في وسن عميق . بالتالي فإننا نجد في الحب الصوفي موضوعاً للحب لكننا لا نجد ذاتاً تحب ؛ فماذا من الذات قد اختفت ، وفقدت أنانيتها ، وكأنما استغرقت في نوم عميق لأثر الأحلام فيه . إلا أن هذه الذات حينما تعود إلى نفسها ، فإن موضوع حبها هو الذي يكون قد اختفى ، عند ئد يحل محل اللامبالاة أو عدم الاكتراث المطلق : شعور الأليم بما في الحياة الواقعية من تعدد، مع أنانية شخصية تمتزج بضرب من الكبرياء بالتالي ، ألا يمكن للحب الصوفي أن يؤدي بصاحبه إلى وضع حد لحياته ؟

4)  الحب في لغة أخرى :

وهنا فقط ، تكفي الإشارة إلى نوعين منهما ، ألا وهما : اللغة الأخلاقية ، وأيضاً اللغة الشعرية . فما معنى الحب في كل واحدة منهما ؟     
     الحديث عن الحب في كــ« اللغة الأخلاقية » إنما هو لغة : الحلال والحرام / المباح وغير المباح / الخطيئة والعقاب / الفساد والانحلال / الغريزة والجسد ... هذا هو السبب ، في أن الحب عند أصحاب هذه اللغة .إنما ينصب على موضوع ، وليس على شخص . فهم ينسون بأن الحب ، ليس مجرد وسيلة تهدف من وراءها إلى غاية معينة ، بل ، هو أيضا ، وظيفة سيكولوجية تعدوا بكثير حدود تكاثر التناسل .
    أما الحب في « اللغة الشعرية » فقد خلقت من عذابه سحرا عذبا ، طالما نعمت بمذاقه أفئدة القلوب ؛ إذا هو مزج بين الحقيقة والخيال . كما أن فيه شيئا من كل شيء : ففيه شيء من الروح ، وفيه شيء من العقل ، وفيه شيء من القلب ، وفيه شيء من الجسد ، ولكن الحب ، ليس مزيجاً من كل هذه الأشياء ، بل هو مركب إبداعي يحمل طابع ذلك الموجود الإنساني ، الذي لن يكون إنسان بحق ، اللهم إلا إذا كان شيءً أكثر من مجرد إنسان .     

    لكن ، إذا كانت خبرتنا الشخصية تظهر بأن الحياة لا تبدوا لنا جميلة إلا من خلال عيني الحب ،فما الذي سيحدث لو ارتفع عنا الحب ؟ ألن نحس حينها بأن أحلامنا ،وأفكارنا ، وآمالنا ومقاصدها ، وغاياتها .قد أصبحت جميعاً خلواً من أي معنى ،صفراً من كل قيمة ؟ بل ، ألن يحق لنا القول بأن الحب هو مركز الحياة والمعنى .ومنبع السعادة والقيمة ؟ وبمعنى آخر أ فليس الحب جواب على إشكال الوجود السيكولوجي للإنسان ؟ وإن كان الأمر كذلك أفلا يمكن الحديث عن الحب كـ « لغة سيكولوجية » ؟

5)  الحب لغة سيكولوجية :

 إذا كانت الطبيعة ،قد منحتنا الحب ،على صورة حيوان فسيولوجي صرف ،فإنه بهذا المعنى ،قد يكون الحب ضرباً من الجنون ،إذ هو حليف الشذوذ والإغراء . والخروج عن المألوف . وما دام الأمر كذلك ،فإن لغة علماء النفس عن الحب ،إنما هي لغة «عقدة الحب».؛ لأن هذا الأخير .يعتبر المصدر الأول لأكثر العوارض النفسية العصابية . والذهانية ،والاضطرابات الشخصية ،كتلك الناشئة عن التطرف في حب الذات ، والتي تنبع أساساً من الخضوع المطلق لرغبات النفس وأهوائها وفقدان السيطرة عليها ؛وإذ يبقى من أهم أعراضها : الكبر ،والأنانية ،والتبجح ،والادعاء ... وغير ذلك .مما هو مصاحب لها. وما دام الأمر كذلك ،فإنه . بهذا المعنى ،يكون الحب نوعاً من الفساد يصيب النفس ، فيخرج بها عن حد الاعتدال والتوازن ،فيفسد بذلك إدراكها ،كما يلتبس عليها الحق بالباطل، وتضعف إرادتها .وتنفر ميولها    .
    وبمعنى آخر ،فإذا تحدثنا عن الحب في اللغة السيكولوجية ،انطلاقاً من كل عنصر أو مكون أساسي من مكونات البنية النفسية للشخص ( الهو ،الأنا ،الأنا الأعلى ) واستندنا في ذلك ،على أهم تلك اللغات التي سبق وأن تناولنا من خلال هذا المفهوم ( كاللغة :البيولوجية، الاجتماعية ،والصوفية ... )، وربطنا ذلك كله .بأهم اكتشاف قدَّمه « فرويد » في التحليل النفسي ؛ألا وهو اكتشافه « للاشعور » .فإنه بناءاً على كل ذلك كله ،يمكن قول : بأن العنصر الأول ،من هذه البنية النفسية ؛والذي هو : « الهو » نجده يمثل تلك « اللغة البيولوجية » والتي هي لغة الأهواء والغرائز - كما سلف الذكر - ، وما دام الأمر كذلك، فإن الحب هنا ،يكون مقروناً بتلك الرغبة الجنسية . وبمعنى آخر ، فإذا كانت الرغبة هي تحويل الحاجة إلى ميل نحو شيء ما يفتقده الإنسان ويسعى إلى تحصيله ،فإن هذه الرغبة ، عندما تقترن بالحب الجسدي وتجعل من شخص ما موضوعاً لها ، فإنها بذلك ، تتحول إلى نزعة تدميرية ؛ لأن المحب في هذه الحالة ،لا يعامل محبوبه كغاية في ذاته ،وإنما فقط كوسيلة لتحقيق غاية معينة . ولما كانت الذات – كذات المحبوب مثلاً – تعلم بأن الأغيار لا ينظرون إليها إلا باعتبارها موضوعاً لتحقيق غاية معينة – كالإشباع الجنسي مثلاً – فإنها كثيرا ما تجد لذة كبرى في أن تردَّ لهم الجميل بمثله ، والواقع أننا قلَّ ما نعمل بنصيحة «كانط» فنعامل الآخرين كـ « غاية في ذاتهم » لا كـ « وسائل » .لكن فيما يكمن الخلل هنا   ؟
     السبب في هذا الخلل ، يعود إلى الإنسان نفسه ؛ فعلى الرغم من توفر هذا الأخير على عقل ،فإنه ومع ذلك ،لا يقوى وحده على كبح جماع تلك الغرائز ، كما أن المحب ، عندما يحب .يكون أضعف عقلاً وأقل وعباً – كم سلف الذكر – خصوصاً إذا ما علمنا بأن الشخص ،خاضع لإكراهات لا شعورية هي التي تحدد مصيره ؛فعلى الرغم من توفر سيكولوجية الفرد ،على « أنا واعية » والتي تمثل العنصر الثاني من مكونات جهازه النفسي .فإنه ومع ذلك ،يبقى هذا « الأنا » ليس سيداً على نفسه ،ولا هو بمنزله الخاص، وإنما محكوم عليه بحتمية لا شعورية . الشيء الذي يجعل من النفس البشرية أمارة بالسوء؛ لأنه لو عدنا للتاريخ البشري .لوجدنا بأن هذا التاريخ ،من الممكن أن يكتب بأسره بـ « لغة الحب والكراهية » خصوصاً ،وقد اقترن الحب عند الإنسان بالحرب ،فكان الحب منذ البدء، معركة لها قتلاها و جرحاها ،أ فليس من الحب قتلة ومجرمين ؟
    ولما كان الأمر كذلك ،فإن هذا الخطر الذي يهدد الإنسانية ،يتطلب منا العمل على الحد أو التخفيف من حدته ،ومن هنا فقط ،يمكن الحديث عن الدور الهام الذي يلعبه المكون الثالث من مكونات الجهاز النفسي للشخص والذي يبقى هو : « الأنا الأعلى » . وبما أن هذا الأخير ،يمثل عنصر السلطة في البيئة النفسية للشخص ،فإنه يمكن الحديث عنه ، انطلاقا من لغة كل من أهل : الاجتماع ،والأخلاق والتصوف ،التي هي لغة التعالي عن حب الجسد ،والسعي وراء التحرر من قبضة أهوائه وغرائزه – كما سلف الذكر – ولما كان الأمر كذلك ،أفلا نقع ضحية تنظيم مطلق لشخصية الفرد ؟ بل ،ألن نجعل من الفرد سجين منظومة من القيم و العلاقات التي تحد من آفاقه وتطلعاته الشخصية ؟ بل ،ألن تفقد هذه الذات هويتها      ؟
     وكيف لا يكون لا ،ونحن نجعل من الفرد إشكالا ً عنيفاً ملتبس ،بصميم وجود مشكلة الحب ،التي هي أول مشكلات ذلك الكائن الهجين والذي يتعانق عن النور والظلام ،وتمتزج في قلبه عواطف النور والسلام. بالتالي ،فهل من سبيل للخلاص من هذه الاضطرابات النفسية التي تشل حركيته ،وتمضي به في « عقدة الحب » دون مأوى و اطمئنان وسلام ؟

   إذا كان من مقومات الصحة النفسية للشخص ،الاعتدال والاتزان النفسيين ،الناتجين عن التمتع بقدر من الثبات الانفعالي الذي يميز الشخصية ،والذي يتجلى في شعور الفرد بالطمأنينة ،والأمان ،والرضا عن الذات ،وأيضا ،في القدرة على التكيف مع الواقع .والعمل على مشكلاته ،مع الحرص التام على امتلاك مهارات التفاعل الاجتماعي .فإنه بهذا المعنى، يمكن القول ،بأن الحب الحقيقي إنما هو : ثمرة لوعي الفرد بقيمة الحياة ،وإدراكه لحقيقة المصير .ومجاهدته لنوازع النفس الأمارة بالسوء ،والارتقاء بها إلى مستوى الفضائل والكمالات ؛شرط أن يكون في هذا الحب توافق لدى الفرد بين الحاجات الحيوية والمشاعر الوجدانية التي تدعوا لها لغته البيولوجية من جهة ،وبين تلك القيم والفضائل ،التي تدعوا لها لغة أخرى من أهل الاجتماع والأخلاق والتصوف ، من جهة أخرى . بالتالي ،فإن الحب الحقيقي ،إنما هو ذلك الذي يخلص الأنا من عبادة الذات .ويسعى إلى أن لا يخلط فيما بينهما وبين الحب الحقيقي .لأن هذا الأخير ،إنما هو تلك العلاقة التي تنبني على التبادل والتجاوب بين طرفين اثنين ؛إذ تنشأ بينهما علاقة أخذ و عطاء .فيحيا كل واحد منهما بحياة الآخر بغية تحقيق الكمال والاستقرار النفسي .
    وبناءاً عليه ،فإنه لا ينبغي أن نخلط بين الحب و الأنانية ؛لأن الحب ،ليس مجرد نقطة تلاف تتقابل عندها أنانيتان شجاعتان ،فتخدم الواحدة منهما ،نفسها عندما تخدم نفسها عندما تخدم الأخرى . ولا شك أن مثل هذا الحب ،لا بد أن يستحيل إلى أداة اتصال وانفصال معاً، ما دام هذان المتحابان لا يلتقيان ،إلا لكي يعمل كل واحد منهما على زيادة حظه من الإشباع المادي ،القائم على تحصيل المتعة الحسية . وهنا فقط يكون هذا التلاقي مجرد ذريعة أو مناسبة بين الطرفين تسمح لكل واحد منهما من أن يزيد من حدة شعوره بما يملك . أما الحب الحقيقي ،فما هو كذلك ،وإنما هو علاقة شخصية يراد من وراءها الانتصار على شتى دروب الانفصال من أجل تحقيق الوصال الحقيقي مع الآخر. إذ هو ميثاق تراضي وترابط بين ذكر وأنثى على وجه الدوام  ،غايته الإحصان و العفاف .

 



[1]«مشكلة الحب» ص 14.

[2]نفس المصدر ص 29و30  .

[3]نفس المصدر ص 30   .

[4]« مشكلةالحب » ص30.

[5]نفس المصدر ص 30 .

[6]نفس المصدر ص 31.        

[7]نفس المصدر ص 31.