المراهقة "مروان مودنان"

الناقل : MOUDNANE

1-  المراهقة :

1.1  مفهوم المراهقة:

‌أ.  التعريف اللغوي:

يفيد مفهوم المراهقة؛ الاقتراب أو الدنو، إذ يقال راهق الغلام، فهو مراهق إذ قارب الاحتلام، أي أشرف على سن القدرة على الإنجاب، وراهق فلان الشيء إذ قاربه، وراهق البلوغ أي قارب سن البلوغ ، وصبي مراهق أي مدان للحلم. أما كلمة "Adolescence" الفرنسية التي تعني" مراهقة "، و "Adolescent" التي تعني "مراهق" فهما مشتقتان من الفعل اللاتيني "Adolescerre" الذي يعني التدرج نحو النضج الجسمي والجنسي والعقلي والانفعالي، وهو نفس الفعل الذي اشتقت منه لفظة "Adulte " "راشد".

‌ب. التعريف السيكولوجي:

يرى كودناف "Goodenough "  أن المراهقة مرحلة انتقال من الطفولة إلى سن الرشد، ويحددها  "Littré " ليتري بقوله إنها السن الذي يقع بين الطفولة والرشد، ويلي الطفولة. ويعرفها " جيرزلد "Girzled  تعريفا وظيفيا إذ يقول بأنها "امتداد في السنوات التي يقطعها البنون والبنات متجاوزين مدارج الطفولة إلى مراقي الرشد، حيث يتصفون بالنضج العقلي والانفعالي والاجتماعي والجسمي".  وهذا يعني أن المراهقة طور نهائي ينتقل فيه الناشئ وهو طفل غير ناضج جسميا وعقليا وانفعاليا واجتماعيا، أي من طور أوضح سماته الاعتماد والاتكالية على الغير، إلى فرد إنساني متدرج نحو  بدء النضج، ومحاولة الاستقلال والاكتفاء بالذات، فالمراهقة لا تعني اكتمال النضج، بقدر ما تعني الاقتراب والسير نحوه.

1.2  اتجاهات تفسير المراهقة :

ظهرت اتجاهات متعددة في تفسير المراهقة من أبرزها:

أ‌- الاتجاه البيولوجي:

يتزعم هذا الاتجاه "ستانلي هول Hall Stanley" ويركز على المحددات الداخلية للسلوك، ويشير إلى أن المراهقة تمثل مرحلة تغير شديد مصحوب بالتوترات وصعوبات في التكيف، وأن التغيرات الفيزيولوجية تمثل عاملا أساسيا في خلق هذه التوترات والصعوبات. ويشير "هول" إلى المراهقة باعتبارها فترة ميلاد جديد، لأن الخصائص الإنسانية الكاملة تولد في هذه المرحلة وأن الحياة الانفعالية للمراهق تكمن في حالات متناقضة فمن الحيوية والنشاط إلى الخمول والكسل، ومن المرح إلى الحزن، ومن الرقة  إلى الفضاضة.

ب‌- الاتجاه الأنتروبولوجي:

تتزعم هذا الاتجاه" رودبندكت" و"مارغريت ميد" "M.Mead"-"R.Bendict" ويركز على المحددات الخارجية للسلوك " المحددات الاجتماعية والثقافية والقيم المكتسبة " ومن خلال الدراسات المستفيضة التي قامت بها "ميد"، والتي حاولت  توضيح ما إذا كان سلوك المراهقة سلوكا عاما وشائعا  لدى المراهقين أو انعكاس لظروف بيئية وخبرات معينة، فقد توصلت هذه الدراسات حسب أبحاثها إلى أن المراهقة تتكون وتتشكل بالبيئة الاجتماعية، كما بينت أهمية التنشئة الاجتماعية في اشتداد مشكلات المراهقة، موضحة أن المراهقين في المجتمعات البدائية يجتازون هذه المرحلة دون صراعات تذكر، على عكس مراهقي المجتمعات المتمدنة، هذا وقد أوضحت هذه الدراسات الأنتروبولوجية عددا من الحقائق تمثلت في:

ü أن المراهقة لا تتخذ نمطا عاما أو شكلا واحدا بل قد تتخذ أشكالا مختلفة وأنماطا متعددة  باختلاف البيئة المحيطة بالمراهق، وأن للبيئة الاجتماعية في نظر هذه الدراسات الأنتروبولوجية دور فاعل في أشكال المراهقة وتعقدها بكل ما تشمله من إحباطات وصراعات.

ü أن فترة المراهقة حسب هذا الاتجاه فترة نسبية ديناميكية يصعب معها وضع نظرية عامة لتفسير جميع جوانب المراهقة في أي مجتمع من المجتمعات.

ج‌- الاتجاه المجالي :

يقود هذا الاتجاه " كيرت ليفين "K.Lewin  ويركز على التفاعل بين المحددات الداخلية والخارجية للسلوك، كما يركز بصفة عامة على عامل الصراع أثناء الانتقال من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرشد ومن مجال معروف إلى مجال مجهول، ويصور المراهقة على أنها:

v فترة تغير في الانتماء إلى الجماعة؛ حيث يرتبط بقيم وعادات تمثلها الجماعات التي أصبح ينتمي إليها بعد أن كان ينتمي لجماعة الأطفال، أما وقد أصبح الآن كبيرا يرفض أن يعامل كطفل، عليه أن ينزع الأسلوب الطفولي الذي اعتاده ويقيم نمطا جديدا من العلاقات وفق مضمون ومستوى جديدين.

v إن الانتقال من جماعة الأطفال إلى جماعة المراهقين هو انتقال من وضع معروف إلى وضع جديد غير معروف بالنسبة للمراهق، وكأنه بهذه الحالة ينتقل إلى عالم مجهول لم يتم تكوينه من الناحية المعرفية، بحيث يصعب على المراهق التحرك نحو هدفه بوضوح.

v إن فترة التغيرات الفيزيزلوجية والجسمية التي تحدث للمراهق هي فترة تغيرات شديدة حسب هذا الاتجاه- بحيث تبدو صورة الجسم بالنسبة له صورة مضطربة فبينما هو مشغول بجسمه الذي تغيرت معالمه، فإن خبراته الجنسية التي لم يعرف طبيعتها ولا كيفية التعامل معها، أو الاستجابة لها، تضطره إلى توجيه انتباهه أكثر نحو ذاته التي تعتريها تغيرات لم تنتظم بعد في نمط مستقر.

v إن مرحلة المراهقة حسب هذا الاتجاه تمثل فترة ظهور حاجات واهتمامات ورغبات وأهداف  جديدة، وهي فترة حدوث التغيرات العقلية والانفعالية التي تستدعي إشباع الحاجات النفسية والاجتماعية للمراهق، وقد لا يستطيع إشباع هذه الحاجات مما ينتج عنه القلق والتوتر وبروز مشكلاته الخاصة، ويحاول المراهق في هذه المرحلة استطلاع المواقف الجديدة وحين لا يكون قادرا على إيضاحها فإنه يزداد تعقيدا لعدم قدرته على تحديد واقعه الجديد، فيختلط عنده الواقع بالخيال وينتقل بالتالي إلى عالم الكبار المليء بالتناقضات والصراعات بين قيم وآراء متعددة.

1.3  المراهق والتغيرات النفسانية :

هناك تغيرات نفسانية تصاحب سن البلوغ عند المراهقين من كلا الجنسين، ومن أبرز علماء النفس الذين اهتموا بالتغيرات النفسية التي تحدث في سن المراهقة العالم  "Irikson" إريكسون والعالم "Freud " فرويد، وقد كان لكل منهما وجهة نظر مختلفة، ففي الوقت الذي رأى فيه" فرويد" أن ما يسمى بالاضطرابات النفسية المصاحبة لمرحلة المراهقة ما هي إلا ظواهر طبيعية يجب أن يفسح لها المجال كي تحدث، وأن غيابها يعتبر ظاهرة غير طبيعية، يرى " إريكسون" أنه بتوجيه الرعاية والاهتمام  للمراهق يمكن حمايته من كثير من الاضطرابات النفسية التي قد يتعرض لها في هذه السن الحرجة كما يطلقون عليها.

إلى جانب التغيرات الفسيولوجية تحدث تغيرات نفسانية شديدة تظهر على شكل أعراض مرضية، وحسب " إريسكون " فإن المراهق أو المراهقة قد يصابان باضطراب نفسي فعلي يستوجب العلاج النفسي في عيادة أخصائي متمرس، وهذه التغيرات تكون نتيجة سببين أثنين:

ü السبب الأول : حالة الشدة التي تصيب المراهق أو المراهقة حيث يلاحظ التغيرات التي تحدث في جسمهما عموما.

ü والسبب الثاني: حالة الضياع التي يشعر بها المراهق، فهو الآن لم يعد ذلك الطفل الصغير، وفي الوقت نفسه لم تكتمل رجولته بعد، إنه يرفض الاعتماد على والديه ويفضل أن ينفصل عنهما في حين يكون غير قادر على الاستقلالية التامة والاعتماد على نفسه في الحياة، وفي هذه الحالة يدخل في  صراع البحث عن الذات والكيان والهوية، هذا الصراع الذي يتعرض له المراهق في هذه المرحلة المبكرة من عمره يعرف ب "دوامة المراهقة" أو "كارثة البحث عن الهوية" كما أسماها العالم "إريكسون"، ولهذا  فإن الكثير من الأعراض النفسانية، وربما العقلية أحيانا تبرز في هذه المرحلة.

 وقد تكون الاضطرابات السلوكية تعبيرا عن حالة الثورة والرفض التي يحياها المراهق، فالوالدين لا يريدان أن يعترفا بأن ابنهما أصبح "رجلا صغيرا"، ويعاملانه على أساس أنه طفل، فإذا ما ثار واعترض فإنه يتعرض للتأنيب والتعنيف وربما العقاب والاحتقار أيضا، وتكون وسيلة هذا المراهق للتعبير عن رفضه و غضبه أن يثور عليهما ويعصي أوامرهما، ويتمادى في ذلك، أي أنه يقوم بكل ما يثير حفيظة والديه ويغضبهما، وهنا قد يلجأ الوالدان إلى المزيد من العنف ظنا منهما أنهما بفعلهما يعالجان الموقف بشكل حاسم وسريع، وقد تكون النتيجة في الأخير أن المراهق يزداد عنفا وانحرافا، ولعل بعض التغيرات التي تصيب المراهقين وتطرأ على سلوكهم تكون بالنسبة للأهل انحرافا، كأن يبدأ الفتى بالتدخين والتأخر  في العودة إلى المنزل أو تهتم الفتاة بزينتها وتلح على ارتداء ملابس معينة، وتقضي وقتا أطول خارج  المنزل، وقد تفاجأ الأم بأن ابنتها الصغيرة التي لم تتجاوز الرابعة عشرة من عمرها قد أصبح لديها صديق.

وعكس " إريكسون" فإن " فرويد" لا ينزعج من ظهور هذه الاضطرابات السلوكية عند المراهق .

1.4  المراهق والعلاقات الأسرية :

تعرف المراهقة على أنها عملية تحول وانتقال الطفل من نمط علائقي يتميز بتبعية شبه كاملة للأسرة، وانحصار علاقاته إلى حد كبير ضمن نطاقها أو تحت رقابتها ومسؤوليتها المباشرة، إلى نمط مختلف بتوسيع نطاق العلاقات والمرجعيات والتخلص تدريجيا من التبعية الأسرية، ويتوقع المراهقون والمراهقات مع تقدمهم في العمر وشعورهم بالنضج أن تتيح لهم أسرهم المزيد من الحرية والاستماع إلى رأيهم في المسائل التي تهمهم، والمزيد من القدرة للخروج من المنزل والتواجد مع أصدقائهم، ويتوقع أن تكون العلاقة معهم أكثر تكافؤا باعتبار أنهم لم يعودوا أطفالا. إن دخول الطفل مرحلة المراهقة ومحاولة تأكيد ذاته بتأكيد استقلاله عن والديه قد يمثل مفاجئة بالنسبة للآباء وإرادة الأبناء وحق الآباء في السلطة وحق الأبناء في الاستقلال، فمن مظاهر رغبة الأبناء في الاستقلال سعي الشباب إلى تكوين  الصداقات في الخارج مع من هم في سنهم ومشاركتهم في نشاطهم، وتستدعي هذه المشاركة الظهور أمامهم بالمظهر اللائق الذي قد يتطلب الزيادة في المصروف اليومي الذي قد يكون عبئا على الوالدين، ويكون هذا مدعاة للاحتكاك، وتتطلب مجاراة الأصدقاء مشاركتهم في الجلوس على المقاهي، ومصاحبتهم إلى دور السينما، ودعوتهم أحيانا إلى المنزل لاستضافتهم كما يستضيف الكبار أصدقائهم، وقد يؤدي اضطراره إلى السهر والقيام بنشاط لا يعرف عنه الآباء أي شيء إلى الاحتكاك، فينظر إليه أنه تغير إلى الأسوإ، فهو في نظرهم الولد العاق الذي أفسده الأصدقاء، وقد لا يفهم كثير من الآباء أن هذه مرحلة طبيعية يمكن تقبلها.

2.5  المراهق والعلاقات الاجتماعية:

تتسم فترة المراهقة بنضج اجتماعي لدى المراهق يكون في الغالب أكثر اتساعا وشمولا، نظرا لاتساع الأفق المعرفي للمراهق عما كان عليه في طفولته، فلم تعد علاقاته تقتصر على الأسرة والمدرسة وإنما يتعداها إلى رغبته في تكوين العلاقات الاجتماعية سواء مع جنسه أو مع الجنس الآخر، وقد يكون دافع هذه الرغبة هو التحرر من سلطة الأسرة التي اعتاد على الامتثال لأوامرها ، لهذا يقوم المراهق بربط  العلاقات بالغير لتأكيد حريته الشخصية وإظهار ذاته وبيان تمرده على المعايير التقليدية التي وضعها الراشدون، وقد تكون هذه الجماعة التي ينضم إليها ذات وظيفة هامة في تكوين شخصيته، فانخراطه معها في ندوات ثقافية أو أنشطة رياضية و غير ذلك، يؤدي إلى تفتحه ونموه اجتماعيا، وتساهم هذه  الجماعة التي انخرط فيها في التخفيف من أزماته النفسية. غير أن هذه الجماعة قد تلعب دورا سلبيا في  انخراط المراهق المنضم إليها، فقد يكون أفرادها ذوي ميول واتجاهات عدوانية، بسبب عوامل مختلفة، الأمر الذي قد يزيد من تأزم المراهق النفسي، فتظهر سلوكات عدوانية وتخريبية تتحدى الأسرة والمجتمع.

 هكذا، تتداخل الدراسات والاتجاهات في تفسير المراهقة، وعموما فالمراهق يتعرض لتغيرات فيزيولوجية وتغيرات نفسانية تتفاعل فيما بينها، مؤثرة بذلك على سلوكه، وقد يلعب المحيط الاجتماعي، أو يحصل له عدم توافق انطلاقا من محددات نفسية واجتماعية. وتتفاعل حياة المراهق مع مؤسسة المدرسة التي يتعلم داخلها، فيكون التحصيل الدراسي أحد المؤشرات القياسية الأكثر وضوحا لتبيان مدى توافق أو عدم توافق التلميذ المراهق مع محيطه المدرسي، وهذا ما سنتناوله في المحور الآتي.

 المصادر :

 أحمد أوزي: "المراهق والعلاقات المدرسية"، ص101.

  أحمد أوزي: "سيكولوجية المراهقة"، منشورات مجلة الدراسات النفسية والتربوية، كلية علوم التربية، جامعة محمد الخامس، الرباط، 1986، ص 11.

  أحمد أوزي: "المراهق والعلاقات المدرسية"، ص 16-17.

  نوري الحافظ: "المراهق: دراسة سيكولوجية شاملة"، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط. 1981 ، ص25.

  نوري الحافظ: "المراهق: دراسة سيكولوجية شاملة" ، ص26.

  نوري الحافظ: "المراهق: دراسة سيكولوجية شاملة" ، ص26-27.

  أحمد أوزي: "سيكولوجية المراهقة"، ص33-40.

  سعد جلال: "الطفولة والمراهقة"، دار الفكر العربي، ط. 2، 1985، ص 245-246.

  أحمد أوزي: "سيكولوجية المراهقة"، ص25.