بدأت الحرب الأهلية السورية في مارس «آذار» 2011 عندما بدأت أعداد كبيرة من المتظاهرين السلميين احتجاجها للمطالبة بإنهاء الحكم الاستبدادي الوحشي للرئيس بشار الأسد. كان العديد من المتظاهرين السوريين يأملون في الإطاحة بالديكتاتور بسهولة مثلما سارت الأمور في تونس ومصر ضمن العملية الإقليمية التي تعرف الآن باسم الربيع العربي. لكن للأسف فإن سورية كانت نوعًا مختلفًا تمامًا عن البلاد، حيث الديكتاتورية أكثر عنفًا وأكثر رسوخًا من تلك التي كانت موجودة في القاهرة وتونس. فقد عاقب النظام السوري المتظاهرين المناهضين للحكومة بالقمع الشديد، مما دفع كثيرًا منهم إلي حمل السلاح لمحاربة العدو الذي كان مصممًا على الاحتفاظ بالسلطة بأي ثمن. وأدت هذه العملية الآن إلى حرب داخلية طويلة جدًا لا يزال من الممكن أن تدوم لفترة أطول من ذلك بكثير.
ربما تجدر العودة إلى التاريخ السوري عند قياس احتمالات استمرار هذه الحرب. لقد نحتت سورية الحديثة من الأراضي العربية لتركيا العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى وكان بلدًا متنوًعا بجماعاته الدينية والطائفية المتعددة بما في ذلك السنة والشيعة والعلويون والدروز والتركمان والأكراد والطوائف المختلفة من المسيحيين. ويشكل العرب السنة %60 من السكان. وكان العثمانيون يتلاعبون سابقًا بهذه المجتمعات السورية بسياسة فرق تسد.
إلا أن الفرنسيين أثبتوا في وقت لاحق أنهم حقا أسياد مثل هذه السياسات عندما انتقلت إليهم السلطة بموجب الانتداب من عصبة الأمم في 1923. بعد ذلك الوقت جندت فرنسا الأقليات لقوات الأمن المحلية اعتقادًا منها بأن هذه المجموعات لم تكن مهتمة بصفة خاصة في استقلال سورية خوفًا من تهميشها. وتوافد أيضاً الشباب من الأقليات مثل العلويين للانضمام إلى الجيش المحلي كخطوة للهروب من الفقر المدقع في مجتمعهم. في نهاية المطاف دخل العديد من الرجال العلويين الشباب الأكاديمية العسكرية في حمص ليصبحوا ضباطًا في الجيش الذي تسيطر عليه فرنسا. أما أبناء العائلات السنية الذين كانوا يعيشون في ظروف أفضل لم يفكروا على الإطلاق في الانضمام إلى المهن العسكرية تحت الحكم الفرنسي.
استمر الوجود العلوي القوي في الجيش السوري حتى بعد انتهاء الدور الفرنسي في سورية، على الرغم من أن العلويين لا يشكلون سوى %10 من السكان. واتسع موطئ قدم العلويين في الجيش بعد العام 1970 عندما استولى القائد بالقوات الجوية العلوي حافظ الأسد على السلطة. وتولى ابنه بشارالسلطة في العام 2000 بعد وفاة والده وثبت في نهاية المطاف أنه قاس ووحشي مثل والده. في الوقت الحاضر يحاول بشار سحق المعارضين المناهضين لحكمه من خلال استخدام القمع الوحشي من قبل وحدات النخبة العسكرية العلوية في معظمها، وأجهزة المخابرات، وميليشيات الشبيحة الموالية للنظام. ولأن النظام لا يريد استنفاد جنوده من العلويين في المعركة، فغالبًا ما تستخدم هذه القوات الأسلحة الثقيلة بما في ذلك المدفعية والقوة الجوية، لضرب قوات المتمردين على الرغم من الأضرار الجانبية الهائلة من جراء الاستخدام العشوائي لهذه الأسلحة.
يخشى العديد من العلويين في ظل هذه الظروف انتقام السنة لسنوات من حكم الأسد السيئ والتمييز ضد السنة، لذلك فإن العلويين على استعداد للقتال حتى آخر رصاصة. ويخشون أيضًا الظهور المحتمل لحكومة ديمقراطية في بلد يفوق فيه عدد الناخبين من العرب السنة نظرائهم من العلويين بنسبة 6 إلى 1. وتخشى الأقليات الأخرى التي تعاونت مع النظام خلال السنوات الماضية من انتقام الأغلبية.الجماعات غير الإسلامية السنية (الشيعة والدروز)، خصوصًا المسيحيين فإنهم يشعرون بالرعب من استيلاء المقاتلين الإسلاميين الراديكاليين على السلطة بعد سقوط الأسد الأمر الذي قد يضعهم أمام مصير أسوأ مما واجهه المسيحيون العراقيون بعد انهيار حكم صدام حسين. هذه الجماعات تحاول معارضة الجماعات المتمردة التي قد تضر بهم، في حين تسعى لتجنب الظهور في صفوف الموالين للنظام الذي سيجعلهم ينالون نفس مصير الموالين العلويين إذا سقط الأسد.
في هذه البيئة فإن معظم العلويين وربما الأقليات الأخرى يرون أن الحرب الأهلية تمثل تهديدا لوجود مجتمعاتهم في المستقبل. كما ينظر أيضًا إلى الحرب بأنها بعيدة عن التسوية من قبل العديد من المتمردين. ويحكم نظام الأسد بالخوف، وهذا النوع من الأنظمة يعاقب الناس بقسوة على عدم الولاء من أجل الاحتفاظ بولاء الآخرين. ينظر إلى المغفرة على أنها ضعف وإلى الوحشية على أنها النهج الافتراضي للنظام السوري لجميع المشاكل. فالمتمردون الذين يلقون بأسلحتهم يواجهون الموت وهم يعلمون هذا. كل هذا يترك المجتمع الدولي أمام طرفين ليس لديهما من سبب لتقديم تنازلات ولديهم كل الأسباب لمواصلة القتال. من غير المتوقع أن يتنازل أي من الطرفين في وسط الصراع الذي يرونه ضارًا لأنفسهم وأسرهم ومجتمعاتهم. علاوة على ذلك فإن وفاة أي زعيم بمن في ذلك الأسد ربما لن يؤدي إلى تنازلات من أي خليفة في ظل هذه الظروف. مما يزيد الأمور سوءًا فإن انهيار نظام الأسد ربما يؤدي إلى مرحلة جديدة من الحرب الأهلية التي تدور بين جماعات مختلفة من المتمردين التي تقاتل بعضها البعض من أجل السلطة.
وللأسف فإن الحلول الدبلوماسية غير واردة في الوقت الراهن، ويمكن أن تستمر الحرب حتى تصبح جميع الأطراف منهكة بما لا يمكنها من مواصلة القتال. فالحرب الأهلية اللبنانية استمرت 15 عامًا في ظروف مماثلة. وعلى المدى القصير ليس بوسع الولايات المتحدة وأوروبا وبقية المجتمع الدولي تقديم الكثير من أجل وضع نهاية للحرب الأهلية السورية، لكن يمكنها العمل للحد من تأثير الحرب على المنطقة من خلال العمل مع حلفاء مثل الأردن وتركيا، ولبنان، والعراق التي تكافح من أجل مساعدة اللاجئين السوريين في بلدانهم. يمكنها أيضًا أن تساعد في توفير الدعم اللازم بشكل عاجل لمنظمات الإغاثة التي تعمل داخل الحدود السورية. سوف تحتاج الولايات المتحدة على وجه الخصوص إلي أن تكون على استعداد للاستفادة من أي احتمال التغيير للحل الدبلوماسي على الرغم من الانهيار الواضح لمحادثات جنيف حول سورية.
يجب على الأميركيين أن يفهموا أن تلك ربما تكون حربًا رهيبة طويلة، وربما يكون على المجتمع الدولي أن يستعد بخطة لسنوات من المساعدات الإنسانية لأولئك الذين سيبقون في سورية وغيرهم من الذين هربوا من حمام الدم. من المهم أيضًا أن نعطي الدعم القوي والمستمر لدول مثل الأردن التي تحتاج إلى التأكد من أن حكومتها لن تنهار تحت التحديات الخاصة برعاية أعداد كبيرة من اللاجئين. من الصعب قبول الطبيعة المستمرة لهذا الصراع ولكن ربما تكون هذه هي الوسيلة الوحيدة الواقعية لفهم هذه المشكلة. لا يوجد منطق من خداع النفس حول حرب لا يمكن وقفها تقريبًا. لا تملك الولايات المتحدة الكثير من أجل تشكيل نتائج الحرب الأهلية السورية، وأية إجراءات تقوم بها يجب القيام بها في ظل علم تام بأن هذه ستكون حربا طويلة جدًا.