كتب: طارق بهجات
وصف خبراء السياسة والاقتصاد الوضع الحالي في البلاد، "بالمترهل" إثرالتراجع الحاد في المؤشرات، ووضع خبراء السياسة والاقتصاد، مجموعة حلول، وأُطروحات للخروج من نفق التراجعات التي مٌني بها الاقتصاد المصري أعقاب ثورة الـ"25"من يناير لعام 2011، والتي تمثلت في، ارتفاع الدين العام، صاحبه ارتفاع التضخم، وزيادة معدلات البطالة، انخفاض السياحة، تخفيض التصنيف الائتماني، تراجع الاحتياطي النقدي، تراجع مؤشرات البورصة، التي تتأرجح ما بين الارتفاع والانخفاض لتحقيق مكاسبها بالتزامن مع الاستفتاء على الدستور.
رهن الخبراء أن عودة الاقتصاد مرتبط بعودة الأمن الذي افتقدته البلاد، وتسبب في هجرة الكثير من رءووس الأموال الأجنبية والعربية، والتي أُغلق على إثرها أكثر من ستة آلاف مصنع، ما تسبب في تشريد مئات الآلاف من العمال والأسر، الأمر الذي ساهم في ارتفاع معدلات البطالة التي لامست 24% بحسب تصريحات الخبراء والساسة المسئولين.
وأكد الخبراء، أن مصر عليها أن تضع خارطة طريق لعودة الأمن والاقتصاد، على رأسها، التصالح مع رجال الأعمال لعودة رأس المال المهرب خارج الوطن، وكذلك ايجاد مصادر للتمويل سواء كانت هذه المصادر داخلية أو خارجية، حيث تتمثل المصادر الداخلية للتمويل فى ودائع ومدخرات المواطنين فى الجهاز المصرفى.
وأن تهتم بالاقتراض من المدخرات المحلية بعدة طرق من بينها: طرح سندات حكومية مثل أذون الخزانة التى تمولها أيضا المدخرات المحلية.
وشدد الخبراء على أن سياسة الحكومة الحالية رغم خلفيتها الاقتصادية، إلا أنها لم ترق لوضع خطط إنقاذ عاجلة لعودة عجلة الاقتصاد الذي تأثر تباعًا بالأحداث السياسية، وأحدثت بدورها تراجع القمة النقدية للجنيه مقابل العملات الأجنبية مثل الدولار، أو اليورو، الأمر الذي تسبب في ارتفاع الأسعار.
قال الدكتور مصطفى السعيد وزير الاقتصاد الأسبق وأحد أكبرالاقتصاديين في مصر والعالم العربي، إن مصر قد تراجعت كثيرًا بفعل التظاهرات والإضرابات التي تحدث بصفة يومية، إضافة إلى تراجع الغياب الأمني الذي تسبب في وقف الكثير من الطاقات المنتجة بتحولها لطاقات معطلة، ما تسبب في انتشار معدلات البطالة، وتخفيض الاحتياطي النقدي، وخفض التصنيف الائتماني أكثر من مرة.
ووضع الدكتور مصطفى السعيد وزير الاقتصاد الأسبق، روشتة إنقاذ عاجلة، موضحًا أن التمويل الداخلى يزيد من أعباء الدين العام، وبالتالي الموازنة العامة للدولة، مما يتسبب في زيادة، عجز الموازنة الذي يؤدي لزيادة الدين العام.
وأكد السعيد، أن إمكانية التمويل الداخلي ضعيفة، ولا تستطيع حل مشاكل الاقتصاد المصرى الحالية لافتًا أن الاقتصاد المصري يستخدم هذه الآليات منذ سنوات.
وقال السعيد، إن الاهتمام بالصناعات الكثيفة للعمالة مثل الصناعات الزراعية، وربطها بسوق العمل والإنتاج في الوطن العربي وأوربا، وكذلك إحياء الصناعات التي كثيرا ما اشتهرت بها مصر مثل صناعات الغزل والنسيج، وكذلك الصناعات الثقيلة، وعودة القطاع العام والأعمال إلى سابق عهده، والاهتمام بالعمال.
وشدد وزير الاقتصاد الأسبق على ضرورة التصالح مع رجال الأعمال، لعودة رءوس الأعمال التي خرجت أعقاب ثورة ينايرمن عام 2011، مؤكدًا في الوقت ذاته أنها ستفيد الاقتصاد من العجز الرهيب في الموازنة والذي تجاوز أكثر من 240مليار جنيه بحسب التصريحات الرسمية.
تحقيق الاستقرار
أكد الدكتور أحمد صقر عاشور، أستاذ الإدارة والتنمية المؤسسية بكلية التجارة جامعة الإسكندرية، أن الاقتصاد المصري يواجه تحديات عدة من بينها، ارتفاع معدلات البطالة، تضخم الدين العام، عجز في ميزان المدفوعات، انخفاض معدل النمو، انخفاض الاحتياطي النقدي، انخفاض معدلات السياحة، موضحا أن كل هذه المؤشرات تحتاج لإرادة سياسية حازمة، وذلك لتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي.
وحول الاقتراض من الخارج، ذكر صقر أنه يجب أن نعمل على حُسن استخدام هذه القروض، لخلق طاقات إنتاجية جديدة حتي لا نُبدد هذه القروض في زيادة معدلات الاستهلاك، أو نستنزف المزيد من الأجور والمرتبات بدون تحقيق زيادة في الإنتاج، مما يتطلب أن يستخدم القرض في خلق طاقات إنتاجية جديدة تعطي لنمو الاقتصاد دفعة إلى الإمام مما يؤدي أيضا إلى تقديم حوافز الإنتاج.
وأوضح صقر أن هناك قضية أساسية يجب علينا أن نهتم بها، وأن نعمل من أجلها وهي ضرورة التركيز على زيادة إنتاجية العامل المصرى واستخدام كل العوامل والإمكانيات التي تؤدي إلى زيادة إنتاجية العامل من خلال التدريب والتعليم وتقديم الحوافز للعامل لأن زيادة الإنتاجية على الرغم من عدم زيادة الموارد يكون عن طريق حسن استخدام هذه الموارد.
مناخ الاستثمار
لتحسين مناخ الاستثمار لابد من اتخاذ العديد من الإجراءات منها إصلاح الجهاز الإداري للدولة وتطوير العمل بالجهاز القضائي ويعني سرعة تنفيذ القوانين وإنجاز المنازعات والفصل فيها بسرعة بحيث يطمئن المستثمر بأنه إذا اختلف مع الجهاز الإداري للدولة يستطيع أن يحصل على حقوقه وذلك من خلال قوانين واضحة وأحكام عادلة سريعة أي ما يسمي بالقضاء المنجز. أيضا إذا طورنا الجهاز الإداري والقضائي وتم توفير السيولة النقدية من خلال الاقتراض الخارجي فسوف تبدأ عجلة الإنتاج في الدوران مما يخلق نوعا من التراكمية في الاقتصاد.
ترهل الجهاز الحكومي
وأضاف عاشور، أن الكارثة الكبرى التي تواجه الاقتصاد الآن هي ترهل الجهاز الحكومي المتضخم والملىء بالفساد، مؤكدًا أن الأجهزة الرقابية في الدولة غير فعالة بل ليست على مستوى المسئولية، لافتًا أن الأمر يحتاج لهيكلة كاملة.
وحدد الدكتورأحمد صقر عاشور، أولويات لعلاج مشاكل الاقتصاد المترهل، من خلال وضع حلول على المدى القصير، يأتي على رأسها، ضرورة تحقيق الاستقرار الأمنى والسياسى وإنهاء حالة الاستقطاب السياسي، وتحقيق التوافق والمصالحة بين جميع القوى السياسية.
وأكد صقر، أن غياب الرؤية المتكاملة يتسبب في تراجع الإصلاح السياسي والاقتصادي، وعدم مواجهة الفساد من أكثر الأمور التي تهدد الاقتصاد القومي.
حلول قاطعة
وطالب صقر بإيجاد حلول على المدى البعيد منها، إيجاد مصادر جديدة للتمويل مثل الاقتراض من المدخرات المحلية من خلال، زيادة طاقات الاستثمار للقطاع الخاص وقطاع الأعمال العام، جلب استثمارات عربية وأجنبية، التوسع في وضع حلول لمشاكل البطالة والسياحة، ضرورة إصلاح الجهاز الحكومي الذي لم يطله التغيير أو الإصلاح منذ 25 يناير من عام 2011.
وناشد صقر باتخاذ إجراءات حاسمة، بتغيير كثير من التشريعات التي تدار بها الأجهزة الحكومية، وكذلك الرقابية غير الفعالة، والتخلص من غلبة المصالح الخاصة، والنظر بعين الاعتبار للمصالحة مع رجال الأعمال الذين لم تتلوث أياديهم بالأضرار بالمصالح الوطنية للبلاد.
مردود إيجابي
من جانبها أكدت الدكتورة عالية المهدي أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، أن التصالح مع رجال الأعمال سيكون له مردود إيجابي على الاقتصاد بصفة عامة، خاصة أن الاقتصاد يمر بمراحل حرجة للغاية ويحتاج لخطة إنقاذ سريعة.
واستبعدت المهدي، انتعاش المؤشر الاقتصادي في الوقت الحالي، مؤكدة في الوقت نفسه، أن المستثمرين ينظرون للاقتصاد المصري بعين الاهتمام لكنهم يخشون من ضخ أموالهم في ظل حالة التردي الأمني الذي نراه في الشارع الآن.
ورهنت أستاذ الاقتصاد، عودة الانتعاش إلى عودة الأمن، وتنفيذ خريطة الطريق التي تم الاتفاق عليها بانتخابات برلمانية، يتبعها انتخابات رئاسية، ثم استقرار الأوضاع، وعودة الهدوء للبلاد، هذه الأمور ستعطي دلائل مباشرة لعودة الاستثمارات الخارجية في السوق المصري.
أداء بطىء
وانتقدت المهدي، الأداء الحكومي بكل مستوياته، مشيرة إلى أن الأداء العام لحكومة الببلاوي لم يكن على مستوى الحدث، واصفة إياها بـ"البطيء" التي لم تدرك اللحظة التي جاءت من أجلها، مؤكدة أن سابقتها"حكومة قنديل" بالرغم من تخبطها، إلا أنها كانت الأوفر حظا في التوفيق من الحكومة الحالية.
وطالبت أستاذ الاقتصاد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، بضخ وجوه جديدة، بدلا من الوجوه الحالية.
وأوضحت أن من أكثر قرارات الحكومة تخبطا، هو إصرارها على تطبيق الحد الأدنى للأجور، رغم ارتفاع عجز الموازة لأكثر من 240مليار جنيه، مضيفة كان من الممكن أن يصرح الببلاوي بأن الحكومة تعدً بتطبيق الحد الأدنى للأجور.
ولفتت الدكتورة عالية المهدي، بأنه لا توجد أية اختلافات على تطبيق الحد الأقصى للأجور بشرط أن يتم تنفيذه على جميع المستويات، وبلا أية استثناءات، أما أن يتم استبعاد الهيئات الاقتصادية، والبنوك التجارية، والبنك المركزي، وفئات أخرى فهذا هو التخبط بعينه والعبث في القرارات.
بدوره توقع صالح سالم شاكر خبير أسواق المال، عودة الاقتصاد إلى الانتعاش مرة ثانية، بعد مرور ثلاث سنوات من دخوله منطقة الخطر، الذي تخوف البعض منه، بأن مصر مقبلة على خطر الإفلاس، بعد سلسلة من التراجعات العنيفة التي مرت على البلاد وتأثر بها المجتع على إثره.
وطالب صالح: بضرورة، تغيير الحقائب الاقتصادية، التي كثيرًا ما وعدت ، ولم تحقق، مؤكدًا أن السياسات التي تنفذها الحكومة حتى الآن عجزت عن تطبيق سياسات الحد الأدنى والأقصى للأجور، مشيرًا إلى أن الحكومة تنتوي تطبيق الحد الأقصى على 8000 آلاف موظف بينما تعجز عن تطبيق نفس السياسات على باقي الهيئات العملة في الدولة.
وأكد صالح سالم أن بعض المستشارين في الدولة يتقاضون 3 ملايين جنيه في الشهر الواحد، مشيرًا إلى أن الأجهزة السيادية بها أكثر من 20 ألف مستشار يتقاضون ما يقرب من 64مليار جنيه سنويًا.
مثلث الفساد
ورهن صالح، على أنه لكي تنهض البلاد من عثراتها لابد من القضاء على مثلث الفساد في مصر" الفقر، المرض، الجهل" وعلى الدولة أن تضع الخطط الزمنية التي تعيق لنمو والتقدم.
وطالب الخبير الاقتصادي، بتخفيض الإنفاق الحكومي مثل تخفيض عدد الوزارات، بجانب خفض البعثات الدبلوماسية، وتشجيع السياحة، وتحفيز الادخار الداخلي لنصل لـ15%، الأمر الذي يساعد في تنمية الدخل القومي بما يعادل 7% .
وناشد المسئولين بوضع قوانين وتشريعات حازمة لمن يتلاعب من المستثمرين مع منحهم مزايا جديدة تساعدهم في ضخ استثمارات في السوق المحلي.
وأوضح صالح سالم، أن التصالح مع رجال الأعمال سيكون خطوة جيدة لمن لم يقترف جرائم تتلق بسفك الدماء، مشددًا في الوقت ذاته على أن يكون التصالح مع من هم خارج تحقيقات القضاء أو النيابة حتى نساعد لدولة القانون أن تعود.