مناهج اللغة العربية في التعليم

الناقل : mahmoud | الكاتب الأصلى : د. إيمان فتحي أحمد | المصدر : www.almurabbi.com

 

اللغة هي الحياة، والإنسان بغير لغة إنسان بلا حياة، فإذا وجدت اللغة تربة خصبة؛ نمت ونضجت وغذت أذهان أهلها، وأخصبت تفكيرهم، وأينعت ثمار هذا التفكير، وإذا وجدت بيئة قاحلة ذوت وذبلت، وتدنى فكر أهلها.

و لا تقتصر وظيفة اللغة على التبيّن والتبيين، وإعمال التفكير، وإنماء الفكر، وخلق جو من التواصل بين أفراد المجتمع فحسب، ولكنها تؤدى وظيفة حيوية في بناء الذات وترسيخ الهوية الثقافية، وتحقيق السيادة الذاتية؛ مما يعمق الجذور والأصول، ويحصن الامتداد. ومتى ضعفت هذه الوظيفة أو فُقدت فإن المجتمع يصبح عرضة لاستلاب ثقافي؛ قد ينتهي به إلى الانزلاق في أحابيل الثقافات الأقوى صوتًا والأكثر سيطرة.

وإذا كان للغة – بعامة - كل هذه الأهمية، فما بالنا بلغةٍ ترتبط بالعقيدة الدينية والهوية القومية، مثل لغتنا العربية، لغة النص القرآني، وحافظة الهوية الإسلامية والعربية؟! والتي تمتلك من البناء ما يتسع للتعبير عن حاجيات الإنسان العصرية، والتصدي لما يحيق به من محاولات تهميش وتغريب وعولمة ساحقة للثقافات الأضعف.

وإذا لم ينشئ المجتمع العربي أفراده على حب لغتهم القومية والاعتزاز بها، والإقبال على تعلمها وممارستها؛ شبوا على الاستهتار بتراث أمتهم، والاستهانة بخصائص قوميتهم ولم يهتموا ببذل الجهد صوب بلوغ درجة إتقانها؛ لذا أضحى الحرص على تعليم اللغة العربية وتعلمها من الأمور اللازمة التي ينبغي أن تفرد لها الجهود، وتصرف نحوها الهمم؛ فكانت جهود "التربولغويين" في بناء مناهج لتعليم اللغة العربية من خلال مؤسسات رسمية هي المدارس.

ولكن ثمة شبه إجماع من المتخصصين على أن مناهج اللغة العربية تعانى ضعفًا في البناء، واضطرابًا في التنفيذ والتقويم، وتخبطًا في محاولات التطوير، وينسحب هذا على جميع مكونات المنهج من أهداف، ومحتوى، وطرق تدريس، وتقانة تعليمية، ومناشط تربوية وأساليب تقويم.

ويتجلى الضعف في أهداف مناهج اللغة العربية في أنها توضع دون أن يكون لدى مَنْ صاغوها دراسات تعبر عن الواقع الفعلي لاحتياجات المتعلمين، فهي تعبر عن آمال الكبار أو المسئولين عن التعليم، الذين يضعونها معتمدين على حدسهم دون معرفة بجو المدرسة وسيكولوجية المتعلم، وهم يضعونها واحدة لجميع الأفراد، بغض النظر عن اختلافهم، أو اختلاف بيئتهم المحلية، فضلاً عن أنه لا مجال لإشراك المعلمين في تحديد تلك الأهداف.

وتُختار المحتويات التعليمية لمناهج اللغة العربية بما لا يراعي العلاقات بين فروع اللغة ولا حتى بين فنونها، ولا بين اللغة وأي نشاط تعليمي آخر، وتعتمد هذه المحتويات علي الكتاب المدرسي دون رعاية لتنوع مصادر التعلم اللغوي، وتركّز على كمّ المعارف دون كيفها، فهي تكتظ بمادة تعليمية متضخمة على حساب تنمية مهارات التفكير؛ مما يدفع الطلاب إلى الحفظ دون النقد والإبداع، ولا تستوفي كتب اللغة العربية شروط التأليف التربوي الذي يحترم الأسس اللغوية والعقلية والنفسية للطالب.

وما سبق يؤكد أننا في حاجة إلى الانتقال من محتوى تحشد فيه الحقائق بصورة خطية مفكّكة إلى محتوى يجمع شتات المعرفة المجزأة في نسق منظم يظهر وحدة اللغة، ويساعد الطلاب على اكتسابها بصورة مترابطة، ووظيفية وذات معنى؛ تؤدي إلى زيادة نمائهم العقلي وتصعيد فاعليتهم الاجتماعية.

وقد أدى كل ما سبق إلى أن انتهج المعلمون طرق تدريس سقيمة، غير متنوعة، لا تجتذب الطلاب، تعتمد على التلقين والحفظ، حيث أصبحت الوظيفة الأساسية للمعلم مخاطبة الذاكرة، والبث المباشر، مع التقيد التام بما في الكتاب المدرسي؛ مما نتج عنه أن تعلم الطلاب أشياء عن اللغة وليس اللغة ذاتها!.

ونادرًا ما يستخدم معلم اللغة العربية التقانات الحديثة للتعليم، فهي لا تتوافر في المدارس، والتقويم في ظل مناهجنا لا يتسم بالتنوع والشمول، حيث ينصب على قياس تحصيل الجانب المعرفي، ومدى حفظ الطلاب لهذا الجانب، كما أنه يقتصر على الاختبارات التحصيلية التحريرية، دون أساليب التقويم الأخرى.