يذكر روث بيرد وجيمس هارتلي أن السجل القومي الأمريكي للعاملين في المجالات العلمية والفنية يقدر عدد التخصصات في العلوم الطبيعية وحدها بألف تخصص، وربما زادت في السنوات الماضية، بينما كانت خمسين تخصصاً من ثلاثة عقود من الزمن؛ وقد أدي ذلك الى زيادة الحقائق والنظريات والاكتشافات بصورة مذهلة؛ ومن المتوقع أن تبلغ معدلات تزايد المعارف والعلوم حداً لاسابق له من قبل؛ حتى أطلق كثير من العلماء على هذا العصر "عصر الإنفجار المعرفي"، وهذا التزايد بات من الضخامة إلي الحد الذي يصعب على أي فرد متخصص ـ مهما حاول ـ أن يلم بكل ما ينتج من معارف في مجال تخصصه.
ولهذه الثورة مطالبها التي يتعين على النظم التعليمية أن تلبيها وتفي بها، وذلك بما تفرض من بنيان جديد للمعرفة يقوم على التشارك، والتأثير المتبادل فيما بين جوانب المعرفة، وتولد فروع أخرى من العلم وسرعة تداول المعرفة عبر أدوات الاتصال الحديثة ، وكذلك تحتاج إلي عقلية جديدة تستطيع التعامل معها، ومن ثم تحتاج إلي تربية جديدة، وإلي تعليم لعصر المعلومات وهذا العصر الجديد الذي نقف اليوم على أولى درجاته يفرض علينا مطالب جديدة، ويتيح لنا إمكانات جديدة، وهذا هو التحدي الكبير الذي يواجه التعليم ألا وهو ضرورة إعادة الفرد ليس من أجل المعرفة فقط، بل ينبغي أن يشارك فى انتاجها.
ولكي تحقق المؤسسات التعليمية ذلك لابد من البحث عن صيغ وأساليب جديدة للتعلم لمواجهة الإنفجار المعرفي والإلمام بقدر من المهارات والمعارف العلمية، وإعادة النظر في الهياكل والنظم التعليمية بما يسمح بإزالة الحواجز بين الأقسام العلمية وبين العلوم الأساسية والعلوم الإنسانية لتتكامل فيما بينها لتكوين المعلم القادر على إنتاج المعرفة واستهلاكها، وتكوين اتجاهات موجبة في الحضارة العالمية دون تعصب أو تحيز فكري، وكذلك تنمية قدرته على اكتساب مهارات التعلم الذاتي، واستيعاب التقدم العلمي والإنفجار المعرفي وملاحقته أول بأول وإخضاعه للتقويم المستمر؛ إضافة إلي قيامه بدوره الجديد في إعداد هذا الطالب لثورة المعلومات وتكنولوجاتها؛ كما أنها تفرض تغييراً في الكيفية التي يتعلم بها الطلاب، فالطلاب أصبحوا في حاجة إلي معرفة كيفية الحصول على المعلومات، وكيفية تطبيقها في المواقف الجديدة، وهذا ما حمل أعباء جديدة على الأساتذة . وبالتالي فإن النظرة الضيقة والمحدودة لمفهوم التحصيل الدراسي والفلسفة التربوية التي تهتم بالفروق بين الأفراد والموازنة بينهم، وما ترتب على ذلك من أساليب تقويم وقياس للتحصيل تركز على ما اختزنه المتعلم في ذهنه من معلومات لم تعد تناسب المتطلبات المستقبلية للتربية واحتياجاتها المتغيرة ونحن في القرن الحادي والعشرين الذي يتميز بالتفجر المعرفي والتقدم التكنولوجي. لذا ينبغي أن تتجه طرق التقويم نحو التغيير والشمول والاستمرار والتنوع، من أجل تقويم أنماط التفكير وأساليب الوصول إلي المعرفة والتعامل معها وتطبيقها بدلاً من حفظها وتذكرها؛ لذا فقد فرضت التغيرات المعرفية الحالية والمتوقعة إعادة النظر في نظم التقويم وأساليبه، بحيث يتعين أن تكون أساليب التقويم ترجمة لإثراء روح التفكير الناقد عند الطالب بدلاً من تركيزها على قياس جوانب الحفظ والاستظهار، ويجب أن تتم عملية التقويم بصفة دورية على مدار الفصل الدراسي، وتحقق أكثر من هدف من بينها توجيه الطلبة إلي الأسلوب العلمي في التفكير، وتدريبهم على إيجاد العلاقات بين المعلومات وتوظيفها في مجالات تطبيقية. وبالتالي فقد تضاءلت أهمية الاختبارات الموضوعية التي تعتمد على التعرف والاختيار من بين بدائل، وتعاظم دور أدوات التقويم الأصيل ( الحقيقى) ، الذي يقيس انجازات الطالب في مواقف حقيقية، فهو تقييم يجعل الطلاب ينغمسون في مهمات ذات قيمة ومعنى بالنسبة لهم، فيبدو كنشاطات تعلم وليس كاختبارات سرية، يمارس فيه الطلاب مهارات التفكير العليا ، ويوائمون بين مدى متسع من المعارف لبلورة الأحكام أو لاتخاذ القرارات أو لحل المشكلات الحياتية الحقيقية التي يعيشونها، وبذلك تتطور لديهم القدرة على التفكير التأملى في معالجة المعلومات ونقدها وتحليلها، فهو يوثق الصلة بين التعلم والتعليم، وتختفي فيه مهرجانات الامتحانات التقليدية حيث يهتم بالتفكير الانعكاسي لصالح توجيه التعليم بما يساعد الطالب في التعلم المستمر المفيد له مدى حياته. وهو عملية ديناميكية تدعو الطلاب أن يكونوا مشاركين نشطاء في تعلمهم، حتى أثناء تقييمهم، فلم يعد يدرك التقييم على أنه مجرد عملية منفردة، فالغرض من التقييم هو معرفة ما الذي يستطيع أن يفعله كل طالب بما لديه من خبرة من خلال السياق؛ والتقويم الحقيقي يمثل تقويماً واقعياً للأداء بصورة تعكس المستوى الفعلي لما تم تعلمه، ويعرفه البعض بأنه تقويم أداء المتعلم من خلال مواقف الحياة الواقعية، وطرق التقويم الواقعي ليست محددة البنية كما هو الحال في اختبارات الاختيار من متعدد أو الاختبارات المقننة، ولكنها تحتوي على مشروعات تتطلب من الطلاب استعراض مهاراتهم في حل المشكلات فضلاً عن مهارات تحليل المعلومات وتركيبها في سياق جديد. ولكي يتحقق هذا فمن الضروري تطوير نظم الامتحانات باعتبارها أبرز أساليب التقويم بحيث تقيس قدرة الطالب على: النقد والتحليل العلمي؛ اتباع الأساليب غير النمطية في مواجهة المشكلات وحلها؛ الإلمام بأحدث التطورات العلمية والتكنولوجية؛ الإلمام بالمعارف العامة التي درسها في مختلف السنوات سواء في تلك المراجع العلمية أو الدورية أو الأبحاث التي أجراها والدراسات الحرة التي اطلع عليها؛ التعامل مع التغيرات العلمية والمعرفية؛ تطبيق المعرفة أكثر من حفظها وذلك استناداً على كثرة المعرفة والمعلومات، والتركيز على تعليم الطلاب كيف يتعلمون. إن إصلاح المنظومة التعليمية في المؤسسات التعليمية يتوقف على إصلاحها منذ مرحلة التعليم الأساسي ليتم تهيئة الطالب والمدرس على نظام لا يعتمد على الكتيب فقط. بل لابد من تدريب الطالب منذ اللحظة الأولى للتعليم في التردد على المكتبة، حتى لا يقع أسيراً للكتاب المقرر؛ خاصة في ظل انفجار المعرفة والمعلومات وتعدد مصادرها، وصعوبة الاختيار منها؛ وذلك لأنه من المبادئ الحاكمة للتعليم هو "تعدد المراجع ووجهات النظر فى نفس القضية".