إن أسواقنا المالية ومصارفنا، وكذا الكثير من المصارف في العالمين المتقدم والنامي، ينبغي عليها اعتماد سياسات لمعالجة الضغوط القصيرة الأجل ومتطلبات الاستقرار المالي على المدى الأطول لمواجهة تداعيات الأزمة العالمية. إن العالم يشهد عددا من المبادرات من جانب البنوك المركزية والمصارف العالمية بغية استخلاص الدروس من موجة الاضطرابات المتواصلة برغم مرور نحو عامين ونصف منذ اندلاع الأزمة العالمية. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الموجة لم تنته بعد، ومن ثم لا يمكن اعتبار هذه الدروس نهائية. وبالنظر أولا إلى المدى القصير، يتمثل الهدف في استعادة ثقة كافة الأطراف المتعاملة مع المصارف والأسواق المالية سواء مساهمين او مستثمرين أو مقرضين أو عملاء من خلال إعادة بناء السلامة المالية للمؤسسات، ومن ثم تخفيف ضغوط السيولة المستمرة، بما يتيح لأسواق المعاملات بين البنوك أن تعاود العمل بشكل طبيعي ويسمح لأنشطة الوساطة بالاستمرار. كما يجب أن تبادر المؤسسات المالية التي أصاب الضعف ميزانياتها العمومية إلى زيادة رؤوس أموالها وتخفيض توزيعات الأرباح. كما عليها ان تعمل على تحسين تشريعات وقواعد الحوكمة والشفاقية والمهنية لديها. وللهيئات الرقابية وجهات التدقيق دور أساسي تؤديه لتشجيع الإفصاح المبكر والمتسق والواضح عن حجم المخاطر وقيم القروض منخفضة الجودة وغيرها من السندات ذات الصلة، سواء كانت مدرجة في الميزانية العمومية أو خارجها. وُتعَلَّق أهمية مماثلة أيضا على توضيح المنهجيات والافتراضات التي يستند إليها التقييم. كما يتعين على مصرف البحرين المركزي أن يواصل إسهامه في إدارة المتطلبات المتغيرة للسيولة في أسواق المال ما دامت الحاجة قائمة لهذا الإسهام من أجل التأكد من سلاسة عمل الأسواق بما يحد من التداعيات التالية على الاقتصاد الحقيقي. وفي قيام البنوك المركزية بهذا الدور، من الضروري للغاية أن تحافظ على المرونة في التكيف مع احتياجات السوق بإطلاق مبادرات مشتركة مثل مبادرة «برنامج التسهيلات المعني بمزادات التمويل لأجَل» التي أعلنها بنك الاحتياطي الفيدرالي، والبنك المركزي الأوروبي، والبنك الوطني السويسري. وثمة قضايا على المدى الأطول أمام البنوك التجارية والمصرف المركزي وهيئات الرقابة المالية تثيرها فترة عدم الاستقرار الحالية التي تتميز بوجود سوق متطورة وضعف السيولة لدى الجهاز المصرفي. فهيئات التصنيف الائتماني، على سبيل المثال، يمكن أن تعمل على تحسين منهجياتها المتبعة، وتحقيق التمايز بين ما تصدره من تقديرات الجدارة الائتمانية، وتقديم مزيد من المعلومات عن حساسية هذه التقديرات للافتراضات التي تستند إليها. ومن الضروري أن ينظر المصرف المركزي في مدى فعالية أدواته المستخدمة في الحد من ضغوط السوق والرقابة على المؤسسات وبالذات تعاملاتها في المنتجات المالية الجديدة، مع وضع قيود أشد على المديونية. ومن خلال التقريب بين ممارسات البنوك المركزية فيما يتصل بأدوات إدارة السيولة والمديونية والمنتجات والشفافية والحوكمة، يمكن الإسهام في تخفيف الصعوبات التي تواجه أسواق المال والمصارف الخليجية والعالمية في التعريف بإجراءاتها وتوصيل متطلباتها واشتراطاتها الخاصة بالاستقرار المالي. وأخيرا، ينبغي على المصرف المركزي العمل على حث البنوك التجارية بصورة أقوى للمساهمة في الانعاش الاقتصادي من خلال مراجعة سياسات الإقراض للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والأنشطة الانتاجية، كذلك تعزيز أدوراها الاجتماعية في التوظيف والتدريب خاصة.