الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين وبعد: وردتنا تساؤلات كثيرة من جهات إعلامية، ( إسلامية وغربية )، وكذا من بعض الشخصيات الإسلامية بل حتى من أفراد جاليتنا المسلمة في الدانمرك، عن زيارة الأستاذ عمرو خالد ومدى التنسيق بينه وبين الجهة المسئولة عن نصرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في الدانمرك، ألا وهي ( اللجنة الأوروبية لنصرة خير البرية ) والتي هي عبارة عن تجمع كريم يحوي الغالبية العظمى من المراكز والجمعيات والفعاليات الإسلامية داخل الدانمرك، ومن شتى الجنسيات والمستويات، وكنا في اللجنة نتحاشى الحديث عن سلبيات هذه الزيارة آملين من الأستاذ تداركها ـ بعد إعلامه وإخباره بخطورة هذا المنزلق ـ وحتى لا يكون موقفنا ذريعة يتمسك بها من يريد إفشال أي خطوة للحل أو إظهارنا كذلك، مما سيكون له انعكاس سلبي على مستقبل العمل الدعوي، إذ سيستغل ذلك لتهويل القضية وتوسيع الشقة وإظهار الخلاف. ولكن وبعد أن رأينا إصراراً من الأستاذ ومن وراءه على برنامجهم، وتجاهلاً منهم متعمداً لدور مسلمي الدانمرك، كان لزاما علينا إحقاقاً للحق وتبياناً للواقع وإزالة للبس كنا نتمنى زواله دون مداخلة واضحة منا، ورعاية لأمانة لا يجوز تضييعها، فإنا نحب أن نضع بين يدي الرأي العام المعطيات التالية:- لقد مر على قضية الرسوم المسيئة خمسة أشهر ومن الغريب جداً أنا لم نسمع صوتا للأستاذ عمرو خالد خلال كل هذه الفترة ـ لاسيما في شهر رمضان عندما كانت دروسه عن المصطفى صلى الله عليه وسلم تطل على العالم كله عبر قناة كان لها الدور الكبير في إبراز الأستاذ عمرو وكأنه الوحيد المنقذ من الضلالة، وكأنه فريد دهره ووحيد عصره، والأعجب من ذلك أنه عندما تعاظمت ردود الفعل الإسلامية على هذه الإساءة أيضاً لم نسمع له صوتاً، اللهم إلا ما كان من محاولة لإخماد الجذوة العارمة وإيهام الناس أن هذا كله لا يجدي وأنه لا بد من الحوار، ولعمري كم هو عجيب أن تتوافق دعوته الكريمة مع دعوة الحكومة الدانمركية للحوار كبديل عن الاعتذار. ولكن أليس غريباً جداً، ونحن نسمع من الأستاذ دروساً عن صناعة الحياة واحترام التخصصات، أننا نجده في هذه القضية أبعد ما يكون عن احترام التخصص حتى أنه وقع بأخطاء كثيرة، ولعل اللوم على من زوده بها، مما يشعر أنه عاجز عن حل مُرضٍ ومنصف، هذا في أحسن الأحوال، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره وأنا سأتوقف عند محطات مهمة من كيفية علاج أستاذنا للقضية. 1ـ حاول جاهداً أن يقول أن الجريدة التي اقترفت هذا العمل جريدة مغمورة ومركزها يوجد في ضاحية من ضواحي الدانمرك النائية، حتى أنه أعطى رقماً غريباً، فقال أنها تطبع في اليوم ثلاثة آلاف نسخة فقط. سامح الله أستاذنا فقد قلل من خطورة الإساءة بطريقة عجزت عنها حكومة الدانمرك نفسها!!!. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة، من أين يستقي الأستاذ معلوماته؟ ألم يكن حرياً به أن يسأل إخوانه المسلمين في الدانمرك ليزودوه بكل التفاصيل على قاعدة ( أهل مكة أدرى بشعابها ) أم أنه قد صنف المناوئين للرسومات بأنهم متطرفون ـ كما ألمح لذلك مدير مكتبه عندما سئل عن لقاء الأستاذ مع لجنة المناصرة فقال: أن الأستاذ الكبير لن يلتقي بالمتطرفين من الطرفين!!! ـ بالله عليكم أيجوز أن يقول هذا وفي الوقت هذا رجل كهذا ـ علما أن الجريدة اليوم من أهم الجرائد على الإطلاق وعمرها قريب من 160 عاما وعندما ظهر رئيس التحرير من أيام على شاشة القناة الثانية الدانمركية قُدم على أنه رئيس تحرير أكبر وأهم الجرائد في الدانمرك. 2ـ تردد كثيراً على لسان الأستاذ كلمة يرى نفسه موفقا جداً بها ـ لذا يكررها ـ لكني لم أفهمها حتى هذه اللحظة يقول أن كل ما يجري كان انتصاراً وخدمة لـ ( محمد ) أما جزئية ( رسول الله ) فلم نعمل لها شيئا حتى الآن. أيعقل أن يستخف بكل ما جرى ليأتي الأستاذ يخدم ـ الرسالة ـ بحواره الهادئ الهادف. من قال للأستاذ أن مشاعر المسلمين التهبت حزناً على شخص عربي اسمه محمد. والله ما قام من قام بما قام به إلا نصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ـ يكفي أن ما جرى كان له وقع الصدمة في الغرب كله لأنهم في حالة لا يعلمون قيمة الرسل ولا يقيمون وزناً للقداسة فكانت ردات الفعل خير دليل بل خير رسالة نؤديها إلى العالم دفعت الكثير منهم إلى قراءة المزيد عن الإسلام. أليس هذا خدمة الرسالة أم أنه لن يكون العمل صحيحاً حتى يمر عبر صناعة الحياة؟!!!. 3ـ من المفارقات العجيبة أن الأستاذ قلل من شأن المقاطعة والغضبة العارمة ليقول هذه لن تُجدي شيئاً، ويكفي هذا، فقد وصلت الرسالة أننا نحب النبي ونغضب له، وقد آن الأوان للحوار. ولما انتقد على هذا الكلام، أخذ يحاول الالتفاف عليه ليقول : أنا لم أقلل من شأن المقاطعة؟!! وسؤالنا هذا واضح جداً , إن الغضبة في عالمنا الإسلامي لم تكن فقط للتعبير عن حبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بل للضغط على المسيء حتى يرتدع عن إساءته. ولكن وعي بعض ( الدعاة؟؟ ) وكلامهم عن الحوار الذي تلقفه المسيئون لينقذهم من أزمتهم هو الذي أجهض هذه القضية وأفرغها من محتواها. والسؤال هنا من المستفيد من هذه المحاورة، الظالم أم المظلوم؟ فتأمل!! 4ـ إمعاناً من أستاذنا في الاعتداد برأيه والتقليل من قيمة أي رأي آخر، نراه يقول أن استصدار قانون لا قيمة له، المهم الحوار؟ سبحان الله ما أشبه كلامه بكلام الحكومة الدانمركية بل بكلام الاتحاد الأوروبي كله، من أين أتى بهذا الكلام؟ وكأني به لا يعرف شيئا عن الغرب وكيف يتعامل. آن الأوان للداعية أن يعلم أن الغرب لا يعرف شيئا عن القداسة وبالتالي أن نَكِلهم إلى عقولهم وأدبهم واحترامهم لنا ـ بعد الحوار ـ أمر مستغرب، وليعلم أنه لا قيمة لشيء في الغرب إلا تحت مظلة القانون ـ هنا أسأله، أيستطيع أن يحاور أحداً في الغرب عن الهولوكوست ـ ما دام أن الحوار هو الحل ـ أم أن موضوع الهولوكوست حماه القانون. 5ـ سيأتي الأستاذ للحوار وأنا هنا أسأله: من سيحاور؟ وما هي ضوابط هذا الحوار؟ وما هي القواعد التي سيحتكم إليها مع من يحاور؟ والأهم من كل هذا من هو صاحب مبادرة الحوار؟!!!. ولماذا هذا الحوار؟! أستاذنا لن يحاور ـ طبعا ـ خمسة ملايين دانمركي، ولن يحاور الصحيفة وأرباب السوء فيها، ولا أظنه سيحاور الحكومة. الذين سيحاورهم مجموعة مثقفة متفهمة، وقد يكون من بينهم مشاغب ( تكملة للمسرحية ). أما ضوابط الحوار فأظنها غير موجودة عند الأستاذ، حتى يعطي صورة متسامحة عن الإسلام، ( حسب تصوره ) أما الطرف الآخر وهو الذي طلب الحوار، إنما طلبه ليفهم المسلمين طبيعة الحياة الديمقراطية وقيمة حرية الرأي في الغرب وأنه يحترم الأديان لكن هذا لا يتعارض مع السخرية والتهكم بها. فعلى المسلمين أن يفهموا أو يتفهموا الغرب. وأوضح من ذلك ما قيل من ترجمة للدستور الدانمركي إلى اللغة العربية ليدعونا إلى الحرية العظيمة التي لا نعرفها ولا نقدرها ـ كما يقولون؟!!!. وبالتالي ما جدوى الحوار الآن وما النتائج المرجوة منه؟ أظن أن خير من يجيب على هذا السؤال، إنما هو الحكومة التي أطلقت هذا الشعار، والتي رحبت بدعوة الأستاذ عمرو خالد دون غيره من العالم الإسلامي على اتساعه!!!.. فهلا راجع الأستاذ عمرو خالد عمله هذا وسال نفسه سؤالاً مهماً لمصلحة من هذا الحوار بهذا الوقت وبهذا الشكل؟!!! ولكن بشرط أن يبتعد عن المستشارين ومديري عمله وليُعدّ جواباً لهذا، يقتنع هو به أولا ثم يقنع إخوانه (المسلمين) في العالم لا سيما في الدانمرك، والأهم من ذلك كله ما هو الجواب الذي أعده لله ولرسوله يوم القيامة؟!!!. وختاما نقول بغض النظر عن رأينا بمنهج الأستاذ وعلمه وأسلوبه ووضعه، إلا أننا نصحاً لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم نقول: لا نسمح لأحد أن يزايد علينا بقضية الحوار لأنها أصلاً من مبادئ القرآن ونحن ندعو لها. بل ما خروجنا إلى العالم الإسلامي طالبين منه النصرة إلا لأننا نريد الحوار وإشراكهم به، ولكن ما نعترض عليه الآن تحديداً هو المبادرة اليتيمة من الأستاذ عمرو خالد، بل والعقيمة لأنها لم تستند على أصل ولا فصل فإنها لم تخرج من توافق إسلامي عالمي، ولا يغرنك هنا إيراد أسماء لعلماء ودعاة، فإن غاية الأمر أنهم وقعوا على بيان من ثمان نقاط، بينما الأستاذ عمرو خالد له أجندة خاصة بحوار على طريقته سوف يحشد له من يكون على شاكلته ويحاول التدليس باستخدام أسماء هؤلاء العلماء وكأنهم وراء عمله بهيئته الحالية، وهذا ما أعلم أنه غير مطابق للواقع. وإلى جانب كونه يتيماً لم يعتمد على توافق إسلامي عالمي أيضاً فيه تجاهل سيء ومتعمد لمسلمي الدانمرك، وكأن الأستاذ يخجل منا أن يراه الدانمركيون ينسق معنا. وليكن بعلم الأستاذ أنه لن يسعفه الاحتجاج بأن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة وبالتالي لا مانع من تجاهل المسلمين لصالح إيصال الدعوة. فأقول كفانا سذاجة ولنعلم أن إقصاء مسلمي الدانمرك خطة الحكومة الحالية، فلا يجوز لمسلم أن يعينهم عليها، مع تذكير الأستاذ أنه عندما ينتهي مؤتمره سيرجع من فندقه وقاعاته ليبقى مسلمو الدانمرك في المواجهة. فنحن أولاً وأخيراً المحتكون والمتعاملون من المجتمع، ولدينا من الكوادر والطاقات ما يغنينا عن هذه ( السياحة ) ليأتينا أناس لا يعرفون شيئا عن الدانمرك، فإنها وإن كانت تجمعها قوانين مشتركة مع الغرب كله إلا أن لها خصوصيات نحن أعرف الناس بها فكيف لمن يجهلها أن يتحاور ـ اللهم إلا إن كان سيقف إلى جانب المجتمع الدانمركي ضد المسلمين كما فعل جماعة ( يلا شباب ) من قبل فأصبحوا يعطوننا دروسا في الاندماج الإيجابي في المجتمع ونحوه، فليتق الله هؤلاء وكفاهم استعلاءً وكأنهم لوحدهم الأعرف والأقدر على إدارة الأزمات، بل هؤلاء بهذه الطريقة هم من يختلقون الأزمات. لذا فإن حضور الأستاذ عمرو بهذه الظروف وبهذه الخلفية وبالنتائج المتوقعة وبتوظيف هذه الزيارة لمصالح الظالم ضد المظلوم، فإن زيارته ليست محل ترحيب من المسلمين مهما حاولوا من ذر الرماد في العيون عندما طالعتنا صفحة الأستاذ أن هناك لقاءً سيعقده مع المسلمين يوم الأحد 12 / 3 / 2006 م في قاعة في كوبنهاجن. أقول هذا لا علم لنا به ولا يوجد تنسيق حوله وهو غير كاف أبداً وأظن أنه علاج عكسي للمشكلة لأن الأستاذ اليوم يتعرض لنقد كبير، بل لضغوط تثنيه عن هذا المشروع الفاشل، فيحاول امتصاص النقمة بأن يلتقي بالمسلمين (وليس بدعاتهم). أحب أن أطمئنه أن اعتراضنا ليس لأننا متشوقون للجلوس معه بل لحرصنا عليه إذ من الخطأ أن يستقي معلوماته من غير المسلمين ومن الخطأ أن يطرح حلاً ليس محل اتفاق بينهم ولا يصح له أن يتفرد به ليصبح طوق نجاة للمسيئين. لذا أطالبه أخيراً أن يراجع نفسه ملياً قبل إقدامه على عملٍ أخشى أن يكون بمثابة الانتحار له على المستوى الدعوي، لأنه بعمله سيذهب هذه الهالة الكبيرة الموضوعة حوله، وسيتعرى تماماً إن لم أقل أنه سيحرق أوراقه بنفسه. فعليه أن يطبق ما يعلمه من أصول وضوابط ( لصناعة الحياة ) وليتذكر أن يد الله مع الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار. ولا يخدعنكم الأعداد الكثيرة التي يوردها في موقعه ( من المؤيدين له) لأن المعارضين له أكثر بكثير، بل قد يكون الواحد منهم بكل الأعداد المؤيدة له كفضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي. والله المستعان.