أمريكا والصين.. والصراع على القمة

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : سامر شعلان | المصدر : www.businesstendersmag.com

72-

 

التنين الصيني يخوض المارثون بنمو اقتصادي "ذي ثلاث رئات".. وتضارب تصريحات البيت الأبيض تقلل "فرص فوز الأمريكان"

شعبية الصين بين دول أوروبا وكافة الدول النامية نقطة لصالح "شي جين بينج".. ومخاوف من "تسييس" أمريكا للمباراة

 

بقلم/ سامر شعلان

تقام الآن على استاد الاقتصاد العالمي مباراة الديربي للصعود للقمة في كلاسيكو مهيب بين قطبي الاقتصاد العالمي الولايات المتحدة الأمريكية والتنين الصين الصاعد مؤخرًا، وسط حالة من الترقب الدولي أيهما سيحسم اللقاء لصالحه؟.. خاصة ونحن على مشارف الانتهاء من العام 2013، وما تبقى من عمر هذا العام يُعتبر بمثابة الوقت المحسوب بدلًا من الضائع لشوط المباراة الثاني؛ بحسب ما توقع له أحد الكتاب العرب في منتصف العام 2011 (الذي رفض الكشف عن هويته حينها) بأن العام 2014 سيكون عامًا حاسمًا في تاريخ الاقتصاد العالمي؛ حيث تنبأ اعتلاء بكين قمة الاقتصاد العالمي هذا العام .

 

وفي تحليل موجز لأبرز محطات "القمة الاقتصادية العالمية"، فإن الاقتصاد الصيني يخوض مباراة اليوم وعينه على انتزاع اللقب من نظيره الأمريكي، بعد تغلبه على الاقتصاد الياباني وإزاحته من مربع النهائيات؛ في خطوة تؤهل التنين الجديد لأداء دور فعال ومسؤول في مد يد العون للاقتصاد العالمي.. فتقارير صندوق النقد الدولي، تتوقع -ولاتزال- أن يتجاوز حجم اقتصاد الصين بحلول العام 2016 نظيره الأمريكي من حيث تعادل القوة الشرائية، وهو ما أكدته دراسة أجراها الخبير الاقتصادي في جامعة كاليفورنيا روبرت فينسترا مؤخرا، والتي قال فيها إن القمة الاقتصادية العالمية ستنتقل إلى الصين في العام 2014.

وقالت الدراسة إنه أمام تعاظم القوة الاقتصادية للصين بدأ العالم يطالبها بالاضطلاع بقدر أكبر من المسؤولية عن صحة الاقتصاد العالمي، لاسيما وأن سياستها النقدية التيسيرية تلعب دوراً كبيراً في التصدي لأزمات مالية حادة؛ وهذا ما ظهر جليًّا في الشهور الخمسة الماضية من العام الجاري؛ حيث تمكنت الأسهم الأوروبية من تسجيل أعلى مستوياتها منذ سبعة أشهر بعد أن يسرت الصين السياسة النقدية لمواجهة تباطؤ النمو. وأمام هذا الواقع يرى خبراء اقتصاديون أن استمرار نمو الاقتصاد الصيني وتمكنه في نهاية المطاف من مضاهاة الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي سيكثف المطالبات الدولية للصين كي تشغل حيزا أكبر من المسؤولية تجاه إنعاش الاقتصاد العالمي الذي يعاني أزمات خانقة في أوروبا والولايات المتحدة التي يبدو أنها غير قادرة حاليا على القيام بأي خطوة للضغط على الاقتصاد الصيني المتنامي بقوة.

وعلى الرغم من توقعات العديد من الخبراء بأن واشنطن قد تفكر بسياسات أخرى عند الضرورة قد تصل إلى القيام بعملية عسكرية ضد الصين بحسب "كروب فيكتور" أستاذ الإدارة العامة بكلية هارفارد الأمريكية، إلا أن بعض الأوراق الرابحة التي تمتلكها الصين وفي مقدمتها امتلاكها لسندات كبيرة في الخزينة الأمريكية؛ من شأنها التأثير سلبا على الاقتصاد الأمريكي بصورة مباشرة إذا ما استغلتها الصين.

وعلى الجانب الآخر، يرى محللون سياسيون واقتصاديون كُثر أن تكتيك سياسات الولايات المتحدة الأمريكية في الضغط على الصين، غير نزيه، وتشوبه الكثير من الشوائب التي تكدر صفو المنافسة وتنحى بها إلى استخدام وسائل غير مشروعة في مباراة النهائي، لاسيما وأن الضغط الأمريكي لا ينحصر في مجال محدد، وإنما امتد إلى أروقة السياسة ووسائل الإعلام عبر تأليب دول الغرب ضد سياسة الصين القائمة على شراء حصة أكبر من النفط الإفريقي بالتزامن مع مواصلة العديد من وسائل الإعلام الأمريكية والأوروبية العمل على تصوير الصين على أنها مستعمر جديد يحاول استعمار الدول الإفريقية وهو ما تنفيه بكين التي تستند في تعاملاتها الاقتصادية مع كل الدول على مبدأ الاتفاق فإما القبول وإما الرفض.

وأيًّا ما تكون؛ فإن سياسة الولايات المتحدة التي باتت على المحك؛ وهالات الريبة والشك التي بدأت تحوم حول طريقة تفكير الإدارة الأمريكية (البيت الأبيض، والكونجرس) -لاسيما بعد فضيحة برنامج "بريزم" السري الذي تستخدمه واشنطن في عمليات مراقبة إلكترونية دولية، والذي كشفه إدوارد سنودن المستشار لدى إحدى الشركات المتعاقدة مع وكالة الأمن القومي الأمريكي- كل هذا يعد خصمًا من رصيد قائد الفريق الأمريكي (باراك أوباما)، في الوقت الذي تتنامى فيه شعبية الاقتصاد الصيني؛ حيث هناك العديد من دول العالم باتت اليوم تنظر إلى قوة الصين المتعاظمة كدولة اقتصادية داعمة لاقتصاد بعض الدول الفقيرة وقوة نامية يمكن الاستفادة منها مستقبلا، وهو ما يعزز فرص الفوز أمام التنين الصيني، القادم من الخلف؛ برصيد نقاط يؤهله لأن يحصد اللقب في الجولة المقبلة.

 

خلفيات تاريخية

والأمر الأكثر أهمية، والذي كان يفترض أن يتم الحديث عنه أولًا، هو التشكيلة الفنية التي يخوض بها كلا الفريقين مباراة الديربي؛ فالصين تخوض الصراع على لقب الزعامة، بتشكيلة قوية جدًّا أبرز لاعبيها النمو الاقتصادي المتسارع (ذو الثلاث رئات)؛ ويتنوع باقي الفريق بين رصيد هائل ومهم من مصادر الطاقة والمعادن؛ حيث تساهم البلاد بحصص مرتفعة من الإنتاج العالمي لمصادر الطاقة كالفحم الحجري والغاز الطبيعي والبترول ، ومجموعة من المعادن كالحديد، إضافة لحسن استغلالها لكم الموارد البشرية الموجودة على أراضيها (وتجربتها في ذلك لا تخفى على أحد)؛ فإلى جانب أن الصين يعيش على أراضيها مليار و313 مليون نسمة؛ (وهو ما يعادل خمس سكان العالم)، إلا أنه لا يمكن إغفال دور العوامل التنظيمية التي لعبت دورًا مهمًّا في تقدم الاقتصاد الصيني؛ بدءًا بمرحلة البناء الاشتراكي بزعامة ماوتسي تونج؛ والتي اتخذت خلالها عدة إجراءات من أبرزها تأميم وسائل الإنتاج، وإعادة تنظيم الفلاحة في إطار التعاونيات الكبرى التي عرفت باسم الكومونات الشعبية، وإعطاء الأولوية في البداية للصناعات الأساسية والتجهيزية قبل إقرار ما عرف باسم "المشي على القدمين"، ثم نهج سياسة "القفزة الكبرى إلى الأمام"، مرورًا بمرحلة الإصلاحات الجديدة والانفتاح على اقتصاد السوق (منذ سنة 1979)؛ حيث اتخذت عدة إجراءات؛ منها: إلغاء الكومونات الشعبية وتعويضها بالمستغلات العائلية، وإحداث المؤسسات الصناعية الجماعية والمؤسسات المختلطة، وتخفيف احتكار الدولة للنشاط الاقتصادي، وتشجيع المبادلات التجارية مع الخارج، واستقطاب الاستثمارات الأجنبية؛ وصولًا لاحتلالها المركز السادس عالميًّا من حيث أكبر إنتاج محلي في السوق الدولي، حيث تساهم الصين بحصص مرتفعة للإنتاج العالمي للصناعات الأساسية (كصناعة الصلب والألومنيوم)، والصناعات التجهيزية، والصناعات الاستهلاكية (وفي طليعتها صناعة النسيج واللعب والأحذية)، كما سجلت البلاد تطورا كبيرا في مجال الصناعات العالية التكنولوجية منها الإلكترونية والمعلوماتية ومعدات غزو الفضاء، فضلًا عن اعتبارها إحدى القوى التجارية الكبرى في العالم، بفائض في ميزانها التجاري كبير جدًّا؛ حيث تضاعفت صادراتها أكثر من مرة خلال العقد الأخير.. وكلها نقاط قوة لمنتخب الاقتصاد الصين؛ يخوض بها "شي جين بينج" المباراة التي تقترب من نهاية شوطها الثاني لهذا العام.

 

الاقتصاد الأمريكي

وفي المقابل، يخوض الاقتصاد الأمريكي مباراة النهائي باقتصاد شبه متقلب، أبرز لاعبيه "التصريحات المتضاربة لمسؤوليه"، ونموًّا متباطئًا في النمو، مما دفع الكثير من المحللين للقول بأنه بدأ يتخذ مساره مجددًا؛ حيث يغلب عليه التباطؤ بتأثير من الضرائب المرتفعة، ومستويات الإنفاق الحكومي المنخفضة التي تقود إلى تراجع على صعيد الإنفاق الاستهلاكي، ناهيك عن النشاط الصناعي المتواضع الذي شهد انكماشًا بنهاية مايو الماضي، ولكن الشيء الوحيد الذي يحسب له هو ارتفاع مؤشرات ثقة المستهلكين، والتي أصبحت عند أعلى مستوى لها مؤخرًا، إلا أن بعض التقارير المتواترة قللت من شأت تلك الثقة، وتوقعت أن تتراجع في ظل حالة الهبوط التي يعانيها اقتصاد الولايات المتحدة، خلال الآونة الراهنة.

هذا بالطبع إذا أضفنا إلى ذلك تداعيات ما يُعرف بسياسة "احتجاز النفقات الحكومية" التي بدأ تطبيقها منذ مارس الفائت، والتي أدت إلى خفض مدخولات العاملين في الحكومة والمقاولين؛ مما أثر على معدل الدخل الشخصي القابل للإنفاق، الذي ظل دون تغير خلال شهري أبريل ومايو الماضيين.

وإلى جانب ذلك فإن دكة بدلاء منتخب الاقتصاد الأمريكي، حافلة بـ 354.000 باحث عن عمل، إلى جانب تقلص الحافز المالي جراء الإلغاء الجزئي لما عرف بسياسة "استقطاعات بوش الضريبية"، والاستقطاعات الإلزامية في الإنفاق الحكومي، والتي تنذر بمزيد من التباطؤ الشديد للنشاط الاقتصادي.

... على وجه العموم، فإن صورة الاقتصاد الأمريكي تظل ضعيفة، أمام تنامي مؤشرات الاقتصاد الصيني، الذي يخوض غمار السباق بروح متأهبة لإحراز اللقب هذه المرة؛ وإلى هنا تبدو فرص التنين الصيني مواتية لاعتلاء منصة التتويج، ما لم يجد في الأمور جديد، وتمارس الولايات المتحدة سياساتها المعهود، التي يمكن أن تقلب موازين اللعبة خلال الفترة القريبة المقبلة؛ خاصة وأن "جراب الحاوي الأمريكي" يحوي الكثير والكثير والكثير.