المالكي وإسطبل أمريكا
الناقل :
elmasry
| الكاتب الأصلى :
شريف عبد العزيز الزهيري
| المصدر :
www.islammemo.cc
كتبه للمفكرة: شريف عبد العزيز الزهيري
shabdazizabd@hotmail.com
للأمريكان نظرية سياسة شهيرة أقروها منذ الحرب العالمية الثانية وما أنتجته من تغيير لشكل وموازين القوى الدولية؛ من أجل السيطرة والهيمنة على دول العالم الثالث وخاصة دول العالم الإسلامي، وهي سياسة "تبادل الجياد" وتقوم فكرتها الأساسية على الاعتماد على العملاء والوكلاء الذين يحكمون بلادهم بالوكالة عن الأمريكان، فتكون إدارتهم لبلادهم أشبه بالاحتلال غير المباشر، فلا يخرجون أبدًا عن فلك السياسة الأمريكية وخطوطها المرسومة ونطاقاتها المحجوزة. وفي حالة فقدان أحد العملاء والوكلاء الأمريكان لكفاءته وخبرته الإدارية التي تضمن السيطرة والهيمنة الأمريكية على هذه البقعة؛ فإنه يُتخلى عنه فورًا ويدخل إسطبل التعاقد الأمريكي، وتقوم أمريكا باستبداله فورًا بغيره من العملاء والوكلاء القادرين على حماية المصالح الأمريكية وتنفيذ أجندتها في المنطقة، أي إذا تعب جواد ولم يعد قادرًا على مواصلة الركض، وركبوا جوادًا آخر مازال في عافيته ولياقته، فيواصل الركض خدمة لرغبات السيد الأمريكي. هذه السياسة اتبعها الأمريكان مع رضا بهلوي شاه إيران وجمال جورسيل التركي وهيلاسياسي الحبشي ومبارك المصري وزين العابدين التونسي وكثير قبلهم وبعدهم، ما دام هناك جياد تركض وأطماع تقتل وشعوب تثور. فإن الإسطبل الأمريكي سيظل عامرًا، ويبدو أن الدور قد حان على نوري المالكي.
نوري المالكي سياسي من طراز فريد ندر أن يوجد مثله، فهو منقطع النظير بحيث لا توجد هذه التركيبة النفسية والعقلية والسياسية متجسدة في رجل واحد، فهو خليط من انتهازية سياسية وطائفية دينية وعصبية حزبية وطموحات ديكتاتورية وأطماع دنيوية واستبدادية سلطوية، شديد التلون سريع التحول، يجيد اللعب على كل الحبال، فهو علماني صريح مع أمريكا وأوروبا، وصفقاته واتفاقياته و2,5 مليون برميل بترول يوميًّا تستقبلها المصانع الأمريكية تشهد على ذلك، وطائفي بغيض مع أهل السنة في العراق، وجرائمه الوحشية ومجازره البشعة بحقهم واضطهاده الشديد ومعتقلاته المليئة برجال ونساء السنة وإقصاؤه السياسي التام لهم يشهد على ذلك، وعميل مخلص لإيران، وفيلق القدس، وقاسم سليماني، وجيش بدر، وعصائب الحق، والمراكز الثقافية والتجارية والاقتصادية والبضائع الإيرانية تشهد على ذلك، وعدو لدود لكل دول الجوار، والمنطقة وتركيا والسعودية بالأخص تشهد على ذلك، ومهووس بالسلطة ضد أي خصم سياسي مهما كان انتماؤه، ومقتدى الصدر وعمار الحكيم وأسامة النجيفي وصالح المطلك وطارق الهاشمي ومسعود البارزاني وأخيرًا وليس آخرًا العيساوي يشهدون على ذلك، سريع التخلي عن حلفائه وأصدقائه في سبيل مصالحه الخاصة، والمتحدث باسمه وحليفه الوثيق "علي الدباغ" يشهد على ذلك.
لذلك كله؛ فإن أمريكا ظلت محتفظة به عميلاً مخلصًا وجوادًا رابحًا في سباق تمزيق وتوتير وتدمير العراق الكبير، واستمرار المالكي رئيسًا لوزراء العراق لأكثر من سبع سنوات رغم كل هذه الفتن والاضطرابات والقلاقل دليل على اعتراف أمريكا بكفاءة الرجل، فالعراق في ظل قيادة المالكي قد ودع الأمن والأمان والاستقرار لغير رجعة، وسيظل بلدًا متوترًا مضطربًا، تغيب عنه مؤسسات الحكم الراشدة، سيظل العراق تحت قيادة المالكي نهبًا للصراعات الإثنية من طائفية وعرقية، العراق تحت قيادة المالكي سيظل بلدًا انتقاليًّا يستخدم في إدارة الصراعات الإقليمية، وتصفية الخلافات الجانبية يستفيد منه الجميع إلا العراقيين أنفسهم، يستفيد منه الأمريكان بكميات ضخمة من البترول يوميًّا تجعل الأسعار العالمية تحت السيطرة ونطاقات التأثير السياسي والعالمي لكبار الدول المنتجة مثل السعودية وفنزويلا محدودًا، وكذلك يستفيدون منه في القضاء على حركة الجهاد الإسلامي هناك ومنع انتقالها لدول الجوار، ويستفيد منه الإيرانيون ونظام الطاغية بشار والروس في إقامة جسر جوي لنقل السلاح والجنود من إيران وروسيا للقتال ضد الثوار السوريين، وأيضًا في تحويلات النقد الأجنبي الذي يتم ضخه من البنك المركزي العراقي للتحايل على الحظر الخارجي لتمويل شراء السلاح، وهي التي كانت السبب في تفجير الأزمة الأخيرة مع وزير المالية العيساوي. بالجملة فالعراق تحت قيادة المالكي لن يكون دولة بالمعنى المعروف، وستظل مثل ميدان وساحة خلفية يلعب بها كل من يريد ألا يلوث يده وبلده بمثل هذه الألعاب القذرة.
الأزمة الأخيرة التي تفجرت في العراق مع وزير المالية رافع العيساوي السني كانت بمثابة القشة التي ستقصم ظهر المالكي إن شاء الله، فعلى الرغم من أن العيساوي دون مكانة وأثر الهاشمي والمطلك والنجيفي عند أهل السنة، إلا أن محاولة إبعاده من العراق بتكرار سيناريو الهاشمي الملفق منذ أكثر من سنة، كان بمثابة سيل الطغيان الذي بلغ ربى أهل السنَّة بالعراق ودفعهم للثورة والاحتجاج، فالمالكي
يمسك بحقيبتي الدفاع والداخلية وسائر الأجهزة الاستخباراتية والأمنية، وهو يسيطر على وزارة النفط عن طريق حليفه ونائبه حسين الشهرستاني، ويدير سياسة خارجية من دون المرور بالوزير زيباري، وكل ما يحتاجه لبسط سلطته كاملة هو الإطباق على موارد الدولة المالية بعيدًا عن أية رقابة، لذلك أقدم على خطوته الحمقاء التي استجاشت الشعور العراقي عامة والسني خاصة.
تظاهرات عارمة لم تشهدها العراق من قبل في مدن عديدة، وبأعداد ضخمة في الموصل أكبر مدن محافظة نينوى، سامراء وتكريت في محافظة صلاح الدين، والرمادي والفلوجة وغيرها من مدن محافظة الأنبار ذات الكثافة السنية والعربية، ولأول مرة يشهد العراق مليونية تنادي بسقوط النظام على غرار ثورات الربيع العربي، ولأول مرة يطلق العراقيون اسمًا على يوم الجمعة مثل السوريين والمصريين؛ "جمعة العزة والكرامة" ولأول مرة يشهد العراق اعتصامًا شعبيًّا يقطع الطريق الدولي الرابط بين العراق والأردن وسوريا والسعودية، وهو الطريق الذي يشهد تدفق السلاح والعتاد الإيراني والروسي على بشار وجنوده، ولأول مرة ترفع أعلام كردستان في مدينة عربية هي الفلوجة للمطالبة بتجاوز الخلافات العرقية بين العرب والأكراد من أجل تكوين تحالف سني ضد تحديات المالكي الطائفية، في الوقت الذي
أغلق نحو 60 ألف شخص الطريق الرئيس الذي يمر عبر مدينة الفلوجة على بعد 50
كيلومترًا غربي العاصمة وأحرقوا العلم الإيراني ورددوا هتافات مثل "يا إيران برا
برا بغداد تبقى حرة" و"يا مالكي يا جبان.. تأخذ شورك (المشورة) من إيران".
كل هذه الأمور تجعل أمريكا تفكر بصورة جدية وسريعة في توفير جواد جديد غير المالكي يواصل دور المالكي ويحتفظ بنفس سياساته دون إحداث مثل هذا القدر الكبير من الصدامات والتوترات داخل العراق، فأمريكا تخشى على الحقيقة اندلاع ثورة عربية إسلامية بالعراق، فالعراق بلد في غاية الأهمية استراتيجيًّا وجغرافيًّا واقتصاديًّا، ومعنى أن تقوم ثورة في العراق وتنجح في الإطاحة بالمالكي، أو يسقط المالكي تحت وطأة الاحتجاجات قبل أن يتوافر البديل المناسب أمريكيًّا وإيرانيًّا، فهذا معناه إعادة ترتيب المنطقة بأسرها من جديد، فالمالكي لن يسقط وحده بل سيسقط معه مباشرة بشار الأسد والدور الإيراني والروسي والشيعي في المنطقة كلها، معناه قيام تحالفات جديدة وقواعد جديدة للعبة، معناه تعطيل أو سقوط المصالح الأمريكية في المنطقة، مما سيجعل الكيان الصهيوني في النهاية كنتونًا ضيقًا محاصرًا من كل مكان.
لهذه الأسباب كلها أقول: إن أيام المالكي باتت معدودة، ولو ظلت الاحتجاجات الشعبية مستمرة، والاعتصامات قائمة، وقطع الطريق الرئيس ثابتًا، وواكب ذلك ضغوط سياسية من السياسيين العراقيين السنة وغيرهم ممن ناله من أذى وطغيان المالكي، لو تناسقت الجهود الشعبية مع التحركات السياسية فلن يمكث المالكي في منصبه إلا قليلاً، ثم يلحق بإسطبل الجياد الأمريكية المتقاعدة عن العمل، حيث يترك ليموت مهملاً وحده، أو يطلق على رصاصة الإعدام، وغالبًا سيكون الخيار الثاني، والله أعلم.