حينما يحصل على الوظيفة الشخص المؤهل لها والأكثر تعليما وتدريبا وليس الأكثر اتصالات أو صداقة بأصحاب النفوذ أو عضو الحزب الحاكم، وحينما يجد الموهوبون والمتميزون الفرصة لإظهار والاستفادة من مواهبهم وتميزهم، وحينما تكون هناك حكومة عادلة وتشمل العدالة الجميع، وحينما تكون هناك حرية لدى الفرد، وحينما تحتضن العدالة الحرية، وحينما تسود المساواة بين الناس بصرف النظر عن انتماءاتهم، وحينما ينتهى الاستقطاب العقائدى ويسود التسامح وقبول الآخر، فتلك هى الخطوات الأولى لنجاح أى أمة وإنقاذها من الوقوع فى براثن الفشل. كان هذا هو ملخص (الروشتة) التى وضعها أساتذة جامعة الإسكندرية والخبير الاقتصادى الإنجليزى وأستاذ الاقتصاد بجامعة هارفارد البريطانية ومؤلف كتاب (لماذا تفشل الأمم) جيمس روبنسون وذلك لإنقاذ مصر واقتصادها المصرى من الوقوع فى براثن الفشل، فى الندوة التى نظمتها كلية تجارة الاسكندرية لمناقشة كتاب ( لماذا تفشل الأمم ). أرقام مهمة وذات مغزى أعلنها د.سعيد عبد العزيز عميد كلية تجارة الإسكندرية فى بداية الندوة إذ ذكر أن منظمة الشفافية العالمية قالت إن 36 % من سكان العالم يقدمون الرشاوى لموظفين محليين لإنهاء أعمالهم، وأن 16 دولة عربية وافقت على اتفاقية الأمم المتحدة ضد الفساد، والذى تحول من ظاهرة إلى آفة، مشيرا إلى أن المنظمة العربية للتنمية الإدارية أوضحت أن ثلث الدخل القومى العربى وهو يقدر بحوالى تريليون دولار ضاع فى رشاوى وبيع ذمم، كما أن منظمة النزاهة المالية العالمية ذكرت عام 2010 أن مصر تخسر سنويا حوالى 6 مليارات دولار فى فساد حكومى وأنشطة مالية غير مشروعة. وتساءل د. سعيد عبد العزيز هل انتشار البيروقراطية الحكومية وتفشى الفساد والظلم والاستبداد شكل منظومة متكاملة من الفساد؟ وهل استيراد الأنظمة السياسية والاقتصادية وأنماط الحياة مع عدم مراعاة التوافق الاجتماعى كان من ضمن أسباب إخفاق الأمم؟ وأضاف أن بناء مستقبلنا بدايته أن ندرس أسباب فشل الآخرين. من جهته قال د. جيمس روبنسون إن نوع السياسة الذى يسيطر على السلطة هو الذى يحدد النظام الاقتصادى الذى يؤدى إلى نجاح الدول أو فشلها، فالسياسة المسيطرة على النظام إما أن تقرر إدارة مؤسسات الدولة بشكل استئثارى وإما أن تبنى مؤسسات اقتصادية تشاركية وهذه المؤسسات هى التى تعمل على نجاح الأمم، استعرض د. جيمس روبنسون بعض التجارب الاقتصادية لدول مختلفة للوصول إلى أسباب النجاح أو الفشل الاقتصادى للدول، وقال إن دولة مثل جنوب أفريقيا مرت بعملية تحول ديمقراطى واسعة جدا، إذ كانت عبارة عن مجتمع أوروبى استعمارى، وكان هناك ما يسمى بالفصل العنصرى، فكان المجتمع يتكون من 30 % من الأوروبيين البيض و60% من الأفارقة السود، وكان الجزء الأكبر من الأراضى مخصصا للبيض، وكذلك المنازل والممتلكات على اختلافها، وعندما عرض قانون يسمى (كالابا) كان هناك الكثير من المهن المخصصة للبيض، أما السود فكانوا لا يعملون إلا فى المزارع والمناجم، وأدى ذلك لزيادة إفقار السود وزيادة غنى البيض، كما حرم السود من فرص التعليم والوظائف وتملك المشروعات الخاصة التى استأثر بها البيض واستحوذوا على كل الموارد، وبذلك كان النظام السياسى هو المحدد للنظام الاقتصادى الذى قام بإقصاء السود واستحواذ البيض على كل شىء، ولكن عملية التحول الديمقراطى الواسعة التى مرت بها جنوب أفريقيا خلقت نظاما مختلفا واختفى قانون كالابا من الوجود بعدها وانتهى النظام الاستئثارى وتم خلق نظام تشاركى، وأكد على أن الإقصاء فى أى مجتمع سمة سيئة للغاية ولو كان لدينا مجتمع تشاركى وطبق فيه العدل على الجميع لكان هذا هو أول الخطوات لنجاح الأمم. مضيفا على ذلك الصين أيضا التى تحولت من المؤسسات الاستئثارية إلى المؤسسات التشاركية ومن هنا بدأت النمو وخاصة بعد انحسار الحكم الشيوعى عام 1987 وانحسار النظام الاستئثارى للدولة معه وإعطاء الأفراد حق تقرير ما يقومون به وأصبح هناك مؤسسات يعمل بها آلاف الأشخاص بعد أن كان من غير القانونى وجود مؤسسة بها أكثر من سبعة أفراد، كما أن الصين ليس بها نظام اقتصادى مركزى وهو ما أدى إلى أن يعم الخير على المجتمع كله، وأضاف أن الحال فى مصر يجب ألا يفرض تركيز السلطة السياسية فى أيدى القليلين مثلما كانت قبل الثورة حتى لا تفشل الدولة مثلما فشلت أنظمة فى العالم بسبب عودتها للنظام الاستئثارى. وأضاف قائلا: ليس من الضرورى أن تؤدى كل ثورة إلى الحصول على مؤسسات اقتصادية ناجحة أو مساواة الأفراد فى الفرص، فالأفراد هم من يفرضون ذلك، ولابد أن يحدث تحول إلى الاقتصاد التعاونى الذى يقوم على الائتلاف بين الأفراد بدلا من الاقتصاد القائم على الرشاوى ورءوس الأموال. واضاف د. روبنسون قائلا: إن الأنظمة التشاركية معناها أن يحصل على الوظيفة الشخص المؤهل لها والأكثر تعليما وتدريبا وليس الأكثر اتصالات أو صداقة بأصحاب النفوذ أو عضو الحزب الحاكم، أى أن أفضل شخص هو من يحصل على الوظيفة ويحصل عليها كمواطن وليس كصديق لمسئول، ومعناها أيضا أن يجد الموهوبون والمتميزون الفرصة لإظهار مواهبهم وتميزهم والاستفادة منها فتلك هى الخطوة الأولى لنجاح أى أمة وإنقاذها من الوقوع فى براثن الفشل. عدالة تحتضن الحرية وذكر د.عبد الرحمن يسرى أستاذ الاقتصاد الإسلامى بجامعة الإسكندرية أن التاريخ الاقتصادى الإسلامى يقول إن الأمة العربية كانت متأخرة جدا اقتصاديا عن الروم، ولكن فترة جيل واحد فقط استطاعت أن تنهض بتنظيم اقتصادى قائم على ثقافة العدالة بين الناس والحرية للأفراد. وأشار د. أحمد صقر عاشور أستاذ الإدارة بجامعة الإسكندرية إلى أهمية دور القيادة والزعامة الملهمة ذات القدرة على التأثير والتغيير والقيام بتطويرات اجتماعية، فضلا عن أهميتها فى النهوض بالدول، وقال إذا أردنا أن نسرع ونعدل ونعطى قوة دفع، فالزعامات والقيادات الملهمة يمكن أن تلعب دورا، وأشار إلى دور مهاتير محمد ولولا دى سيلفا فى النهوض بدولتهما، وفرانكلين روزفلت والمشروعات العملاقة فى فترة الكساد العالمى. وأضاف صقر أن حالة الاستقطاب العقائدى الذى تشهده مصر ودول الربيع العربى يعتبر أكبر تهديد للنهضة والتقدم، هذه الحالة تتمثل فى تجريف العقول وتزييف الوعى وتقييد حرية الفكر والإبداع والاجتهاد، وأضاف قائلا إن النهضة تتطلب عقولا حرة مبدعة، ولابد أن يسود التضمين العقائدى والقبول بالآخر والتسامح الفكرى والعقائدى بدلا من الاستقطاب حتى ننهض بالوطن بالفعل. أما أحمد الوكيل رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية فقد قال إنه على الرغم من مرور عامين على الربيع العربى فإن الربيع الاقتصادى لم يأت بعد، ولابد من ربيع اقتصادى يعصف ببرد الشتاء القارص وتقلباته التى نعيشها للآن. وأضاف الوكيل قائلا إننا انتهجنا سياسات اقتصادية خلال الستين عاما الماضية أوصلتنا لما نحن فيه الآن، وقال إن إجمالى الناتج المحلى لكوريا الجنوبية خلال الستينات كان يماثل مصر، أما الآن فالكل يرى الفوارق الشاسعة بين الدولتين، وقال إن السياسات غير الديمقراطية التى تنتهجها الحكومات هى التى توصل الدول لأن تكون دول عالم ثالث، وكذلك فإن الحكم بلا شفافية ولا ديمقراطية هو الذى يعطل التنمية ويعطل الحياة الأفضل، وكذلك عدم وجود رؤية واضحة ولا سياسة ولا فلسفة ولا ديناميكية للحكم. وأشار د.محمد صالح الحناوى الأستاذ بكلية تجارة الإسكندرية إلى أنه لابد من جمع الناس فى بوتقة واحدة لتحقيق التقدم والنمو، والدولة التى تريد النهوض لابد أن تكون دولة تحتضن كل الأطياف، وأشار إلى أن انجلترا والولايات المتحدة الأمريكية تقدمتا لأن الثورات القديمة جدا تخلصت من النخبة وحولت الاقتصاد إلى اقتصاد للجميع. وذكر د.صالح الحناوى أن مصر مازالت تعانى من الكثير الذى يعوق تطورها ونهضتها واهمة ووقوع الاقتصاد فى دائرة جهنمية لسيطرة المقتدرين ماليا، والتوريث الذى تحول من التوريث العائلى إلى التوريث للعشيرة، واختيار القيادات الذى عاد إلى أسلوب أهل الثقة وليس أهل الكفاءة، وكذلك إقصاء المرأة وإقصاء الأقباط والذى يحرم الدولة من آلاف الكفاءات الموجودة بين صوف هاتين الفئتين. وأشار د.عبد السلام أبو قحف الأستاذ بكلية تجارة الإسكندرية إلى أن العالم تشومسكى قال إن فشل الدول بسبب عاملين رئيسيين أولا الاستخدام المفرط للسلطة، وثانيا الاعتداء على الديمقراطية، وأضاف أن تشومسكى قال إن الدولة الفاشلة اصطلاح جديد ابتكر فى أمريكا كبديل لمصطلح الدول الإرهابية والدول المارقة، وهذا البديل ابتكر لتبرير التدخل فى شئون الدول الأخرى وأدواتهم فى ذلك صندوق النقد الدولى ومؤسسات الشفافية.