إن تكرار سماعنا لأصوات إسلامية المولد، غربية الثقافة والانتماء تطالب بالسفور والاختلاط، وتمجّد أهله بالقول أو الفعل، يستوجب طرح أحداث تاريخية لها علاقة مباشرة وغير مباشرة بهذه الدعوة وأهدافها.. فلعل وعسى نتعظ مما انتهت إليه.. { وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } من منا لا يعرف السلطان العثماني عبد الحميد الثاني -رحمه الله-؟ فلهذا الرجل مواقف مشرفة من عدة قضايا أهمها رفضه التخلي ولو عن شبر من أرض فلسطين، ضارباً عرض الحائط بكل الإغراءات المادية المتعلقة بهذا الشأن، وحتى التهديدات التي لمّح أو صرّح بها مؤسس الفكر الصهيوني(ثيودر هرتزل).. ولكن حديثنا في هذه العجالة لا يتطرق للقضية الفلسطينية بل لحرصه ودفاعه عن الحجاب الإسلامي، لقد كان اهتمامه بنشر التعليم وتطويره لا ينصب على تعليم الذكور دون الإناث بل شملهما معاً، ولم يكن اهتمامه بتعليم الفتاة ليعني تخلي الفتاة التركية عن حجابها الإسلامي، أو اختلاطها بالرجال، أو تخلي المجتمع ذكوراً وإناثاً عن تطبيق الشريعة الإسلامية.. لقد صمد -رحمه الله- أمام ما شاع في عصره من الافتتان بالغرب ونظامه الاجتماعي والداعي إلى السفور والاختلاط، فأصدر عدة قرارات تلزم أمته بما أمر به الله، فالحجاب تشريع إلهي لا يملك المجتمع المسلم التخلي عنه باختياره، كما منع الاختلاط في المدارس والجامعات وذلك عام 1895م. ويطيب لي هنا أن أنقل إليكم بعض ما جاء على لسانه في شأن الحجاب: "إن بعض النساء العثمانيات اللائي يخرجن إلى الشوارع، يرتدين ملابس مخالفة للشرع، وإن السلطان قد أبلغ الحكومة بضرورة اتخاذ التدابير للقضاء على هذه الظاهرة، كما أبلغ السلطان الحكومة أيضاً بضرورة عودة النساء إلى ارتداء الحجاب الشرعي الكامل بالنقاب إذا خرجن إلى الشوارع". وبناء على هذا فقد اجتمع مجلس الوزراء، واتخذ قرارات صدّق عليها السلطان، أذكر منها ما يأتي: • تُعطى مهلة شهر واحد يُمنع بعده سير النساء في الشوارع إلا إذا ارتدين الحجاب الإسلامي القديم، وينبغي أن يكون هذا الحجاب خالياً من كل زينة، ومن كل تطريز. • يُلغى ارتداء النساء النقاب المصنوع من القماش الخفيف أو الشفاف، وبالتالي ضرورة العودة إلى النقاب الشرعي الذي لا يُظهر ملامح الوجه. وبعد تنحيه سلطان عبد الحميد -رحمه الله- عام 1909م بسنوات تغيرت ملامح تركيا الإسلامية بشكل يدعو إلى البكاء، وليس أدل على هذا التغيير الجذري إلا الإشارة إلى حادثة وقعت عام 1923م، بطلتها فتاة تركية اسمها "كريمان خالص"؛ فنتيجة للحملة الإعلامية الداعية للحياة الغربية بمعناها الواسع، والتي روّج لها يهود الدونمة في الإعلام التركي، دعت جريدتي (ميلليت) و (كون إيدن) أشهر الصحف التركية آنذاك النساء التركيات المسلمات إلى الاشتراك في مسابقة ملكات جمال العالم التي تشترك فيها (28) دولة، وهنا تقدمت "كريمان خالص"، ففازت بلقب ملكة جمال العالم عام 1923م، وسط حفاوة غربية عظيمة! هذا الفرح الأوربي له مغزى تعدّى التاج الذي وُضع على رأس الفتاة التركية، وهو ما سيظهر لكم من خلال متابعة الكلمة التي ألقاها رئيس اللجنة الأوربية أثناء إعلانه فوزها باللقب.. فقد جاء فيها: "أيها السادة، أعضاء اللجنة، إن أوروبا كلها تحتفل اليوم بانتصار النصرانية، لقد انتهى الإسلام الذي ظل يسيطر على العالم منذ 1400م، إن "كريمان خالص" ملكة جمال تركيا تمثل أمامنا المرأة المسلمة.. ها هي "كريمان خالص" حفيدة المرأة المسلمة المحافظة تخرج الآن أمامنا "بالمايوه"، ولا بد لنا من الاعتراف أن هذه الفتاة هي تاج انتصارنا.. ذات يوم من أيام التاريخ انزعج السلطان العثماني"سليمان القانوني" من فن الرقص الذي ظهر في فرنسا، عندما جاورت الدولة العثمانية حدود فرنسا، فتدخل لإيقافه خشية أن يسري في بلاده، ها هي حفيدة السلطان المسلم، تقف بيننا، ولا ترتدي غير "المايوه"، وتطلب منا أن نُعجب بها، ونحن نعلن لها بالتالي: إننا أُعجبنا بها مع كل تمنياتنا بأن يكون مستقبل الفتيات المسلمات يسير حسب ما نريد، فلتُرفع الأقداح تكريماً لانتصار أوربا". آمل من القارئ إعادة النظر في الكلمة التي جاءت على لسان رئيس اللجنة الأوربية لمسابقة ملكة جمال العالم.. آمل أن يُبحث عن سبب هذه النشوة العارمة التي دفعته لمطالبة أعضاء اللجنة برفع الأقداح إعلانا للنصر.. أمل أن يُوضّح لي عن أي انتصار تحدّث.. ثم آمل أن يُمعن النظر طويلاً في قوله: "أيها السادة أعضاء اللجنة، إن أوروبا كلها تحتفل اليوم بانتصار النصرانية.." وقوله: "تمنياتنا بأن يكون مستقبل الفتيات المسلمات يسير حسب ما نريد..". ثم آمل من القارئ أن يجيبني بعد ذلك كله عن تقديره هو كإنسان مسلم لمستقبل بناتنا المسلمات؟! وهل يُتوقع أن يسرن كما يريد أمثال هؤلاء الأعداء؟! وهل ستكون بناتنا أداة يحركها أحفاد هؤلاء كيفما اتفق؟! حفظنا الله وحفظهن على طاعته.