تلاوة: أرتلُ أسماء المارين حينَ يصادفون نقطة حدود ما قبل فؤادي! يعبرون بعد تفتيشٍ يجريه حرس الحدود للنوايا والظنون "عبثًا" يمرونَ فلا يستطيعون فِعلاً بعد الآن, لا أحسهم إلا عِندما يخف وزن قلبي جزء من ألفِ جزء من حبة رملٍ على شطآني كتبتُ أشياء كثيرة - منذُ خلقت - وأكثر مِنْ ذَلك بكثير عِندما هرمتُ ثم أكثر من ذلك.. عندما مِتُ! ومازلتُ أفعل كل تِلك الطقوس عِندما أكتب! أن أغرس خنجراً في قلبي لأرضيك، أن أتوقف عن استنشاق الهواء، أن أعلقني إلى مشنقتي حيثُ يفترض أن أشنقك! أن أرتدي معطفاً من ماركة "مانجو" وأقف تحت أشعة الشمس حافياً في درجة الحرارة 47 ونصف!
مازلتُ أفعل كل ما تحب منْذُ رحلت يا صديقي.. مازلتُ أبترني في كل مساءٍ أراك في جزءٍ مِنْي! حتى لم يبق مني شيء لا يهم لأني مستبدلني لا محالة، لا يهم فانتهائي حان قبل لقائي بك قبل الوداع.. هل أستطيع الكذب أن أهنئك وأنا لا أفعل! كيفَ أفعل هل الأموات يهنئون؟ كيف أخرج من وداعنا الأخير, بل كيفَ لا أفي للأيام الجميلة؟ يشهق اسمك بي, اسمك لم يَعدُ يعنيني منذ سكنتني منذ رحلتَ تاركًا ذاتك فيَّ! لم أستطع إلا أن أزرع وجهك في كل زاوية من مدني، وضعت روحك في كل ورقة.. في كل كتابٍ.. في كل المنارات.. في أصواتِ المؤذنين يبثونك للعالمين، حيثُ يسمعون كل شيء عنك.
ولا يعرفون أي شيء, أبتهج بك.. أتذكرك.. ثم لا أُحس (تشربت) بقاءك لم أعد أحسه! الطرقات مزدحمة جِداً بالصمت, لا تسير بي, لا أسيرُ بها تعبرني أحيانًا أمتصها حينَ أتذكر أني أقسمت أن لا أكره.. أن لا أحقد.. أن أبقى أُحب وأحب كما أفعل دائماً متأملاً باحثاً عني في الأشياء حين لا تشبهني، أحس بصورتي مُعلقة على جُدرانِ المقابرِ وأتذكر كيف تزرعني طفلة ربيعية زهرة ربيع تموت حينَ يحين الفصل القادم مع كل كميات المياه التي احتسيتها كثيراً وتربة صالحة جِداً لتنمو بها شجرة مُعمرة تنحني كلماتي بها حينَ تثمر البرتقال الشهي حينَ تُقطف ليأكل أناس ويجوع آخرون قطفتُ بأياديهم..
لم يستطيعوا أن يتذوقوها وهم لها أقرب, ماتوا موتاً شريفاً لا يحظى بهِ أي أحد! كانوا قيمة للنبل والشهامة، كيف كان سيأكل الآخرون لو لم يفعلوا؟ اكتشفت يا صاحبي أني كنتُ الشجرة المعمرة والبرتقال والأيادي التي قطفتني لتتغذاني آلاف الكائنات الأخرى
صديقي: لم أصدقك عِندما تستلّ العبارات لتجرحني كنتُ أقول ما كنت أنت أنه كائن آخر لم أصدقك كذبتك واستمررت بتصديق أنك كائن للملائكة أقرب، وأن عيناي أخطأت قراءتك، أحسست كثيراً أني جرحتك دون قصد مني، أحسست بأشياء كثيرة أني قصرتُ كثيراً، وأني لم أفهم مشاعرك حقاً، لم أتفهمك فِعلاً، في آخر المطاف عزيتني بأني أحبك، لم أكن إلا كذلك بصدق، وذلك ما استطعت فهمه، كيف يمكنني أن أفهم الأشياء الأخرى لا أستطيع أن أقرأك يا صديقي! دمائي الآن تسيل، ازرقاقها يشحبُ، يتحول اللون الأبيض ذاك لون قلبي يتساقط البياض مطراً يسقي الأرض يحولها بسحره كراسة عظمى يرسم بها الصغار (شمس, كوخ, مدينة فارغة, متجر, صَوْت) ويلونون, كما فعلت حين زرعت فيه الكثير من المتناقضات ومازالَ يُحبك، مازال وفياً لك وهوَ في زوالٍ منذ لم يعد يحس كما ينبغي!
صديقي: تهنئتك بالعيد أفرحتني كثيراً.. إلا أني لم أستطع قراءتها, حادثتها كانت صخرة صماء كيفَ أقرأ؟ لا أستطيعُ القراءة.. تذكرتُ أني مِتُ منذُ وداعك كيفَ أهنئك؟ استعرت الكثير من أنفاس العابرين, الكثير من حياةِ الباقين لأقول لك: (وعيدك, شكراً لك)، ثم سكنتُ قبري أخرى, وقمت أمارس أفعال الموتى, أكتبُ كما يفعلون, أمشي كما يمشون, أُحلق كما يحلقون.. صديقي: إني لك أعتذر, ما عدتُ أقوى على البقاءِ معك, تُحاربني كبريائي قلبي الذي يُحبك يأبى إلا الكرامة، وكيفَ يستحق الحُب وهوَ ذليل؟ رئتي التي تتنفس وفاءً لك تأبى لقاءك تخنقني, حِبالي الصوتية تضربُ عن العمل فلا أستطيع محادثتك, أناملي التي خدرتها لأكتب لك لن تكتب لك أخرى.. صديقي: سأتذكرك وسأحبك كما أحببتك المرة الأولى (شكراً لك). موت: مرّت مخلوقات الأكوان على قلبي اليوم, أحسني متضخم بي! مازلتُ أشعرُ.. مازلتُ أستطيع الوفاء