الصمت الزوجي.. ما هي الحلول؟

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : ليلى حلاوة | المصدر : islamtoday.net


الصمت الزوجي.. ما هي الحلول؟
ليلى حلاوة
 
كلما عاد زوجي من العمل، وكلما استيقظ صباحًا لا ننفك نتحدث ونتحدث، أحكي وهو يستمع، وتارة يتكلم وأنا أضحك، وكلَّ يوم نُذكِّر أنفسنا بالأيام الخوالي عندما لم يكن هناك أطفال، وأننا نود لو نجلس ساعة بدون إزعاجهم اللذيذ.
 
ثم فجأة جاءت هذه اللحظة التي أصبحنا فيها وحدنا، أُسقط في يدي؛ لماذا لا أجد أية كلمات خاصة لزوجي؟! لماذا لم أعد أتقن سوى حديثي المتواصل عن أطفالنا وحركاتهم وكلماتهم الجميلة؟! منذ متى حدث هذا؟! يا لَلهول! كيف مرت هذه اللحظات صامتةً دون أن نجد شيئًا نقوله لبعضنا البعض؟! وماذا عندما يكبر الأولاد؟ وماذا عندما يتزوجون ويتركوننا وحدنا؟
 
شعرت أننا على شفا كارثة حقيقية؛ أيجب أن يكون هناك طرف ثالث يضحكنا ويسلينا؟ ألم نكن من قبل لا تسعنا الأيام والليالي كلامًا وضحكًا حول أنفسنا، وماذا نريد؟ وما حلم كل واحد فينا؟ وماذا يحب أحدنا في الآخر؟ وما الذي لا يعجبه منه؟ وكيف سنكون عندما نكبر؟ وهل ستظل تحبني دائما؟
 
أثارت كلمات هذه السيدة وتساؤلاتها بعض الإشكاليات المتعلقة بالكيفية التي يجب اتباعها بين الأزواج حتى يتجنبوا جدار الصمت الزوجي؟
 
تقول دعاء (31 سنة):
 
حلقات الصمت والكلام بيني وبين زوجي تطورت في مراحل، ففي فترة الخطوبة كنا دائمًا نبحث عن الوقت واللحظات التي نتقابل فيها كي يعبر أحدنا للآخر عما يجول في خاطره وعن مشاعره، ولكن عندما تزوجنا وفي بداية حياتنا المشتركة أصبحت أبحث عن كلام نتحدث فيه. ولا أعرف لماذا هذا التغيير؟ ربما بسبب قضائنا وقتًا طويلًا مع بعضنا البعض. ولكن بمجرد أن أنجبت طفلتي الأولى تغير كل شيء؛ فأصبحنا نتحدث كثيرًا عنها، وعن تطورها، وماذا ستصبح؟ وكثير من الأشياء حولها. أما عندما كبرت طفلتنا وذهبت إلى المدرسة اكتشفنا أننا لم نكن نتحدث سوى عن طفلتنا، أما نحن كزوجين وحبيبين فقد سقطنا من حساباتنا.
 
أما رشا فتقول:
 
أنا وزوجي لم نعد نتقابل أصلًا بعد سنوات من الزواج، فهو يذهب إلى عمله في النصف الثاني من اليوم ويأتي عند منتصف الليل، أما أنا فأخرج من البيت مع الأولاد إلى المدرسة، ومن ثَمَّ أذهب إلى عملي، وأعود عندما يكون زوجي قد خرج من المنزل بالفعل، ولا نتقابل كأسرة سوى في "الويك إيند" الأسبوعي، وبالتالي لا مجال للحديث الزوجي، ربما نتحدث عن الأولاد ومشكلاتهم.
 
نفس المشكلة السابقة تتحدث عنها مريم، إلا أنها تضيف أنها لا تنفك تتعارك مع زوجها بسبب احتياجها إلى الحديث معه، ولكنه دائما غير موجود، تقول مريم:
 
حتى عندما يكون زوجي موجودًا في المنزل فإنني لا أجد ما أتحدث عنه معه، بسبب ابتعادنا المتواصل، وعدم معرفتنا بتفاصيل بعضنا البعض، أشعر أننا أصبحنا غرباء، وهناك أشياء أعرفها عنه من خلال مكالماته التليفونية، وهنا أعتب عليه بأنه لم يذكر لي شيئًا عن هذا الموضوع، ويتطور الموضوع إلى "خناقة" معتبرة.
 
هل الأولاد يساهمون بشكل أو بآخر في الصمت الزوجي؟
 
يقول د.عمرو أبو خليل (الطبيب النفسي):
 
في معضلة الخرس الزوجي، التي تتزايد معدلاتها كل يوم بين الأزواج، والتي تصل تبعاتها في بعض الأحيان إلى الطلاق؛ لا يجوز أن نقول: إن الأولاد يساهمون فيها بأي شكل من الأشكال، ولكن الأبناء يُخفون المشكلة في حال وجودهم، فهم يمثلون موضوعًا مشتركًا دائمًا، نتحدث عنهم ونتحدث معهم، فالأطفال يملئون الحياة على الآباء والأمهات، ولكن في نفس الوقت قد يتوقف الزوجان عن الحديث فيما بينهما عن أنفسهما وعن مشاعرهما وعن علاقتهما الزوجية، وبالتالي عندما يذهب الأولاد إلى المدارس أو إلى الجامعة أو عندما يتزوجون يبدأ الزوجان في اكتشاف المشكلة، فالأولاد كانوا بمثابة هذا "الماسك" الذي كانت تختفي وراءه المشكلة الحقيقية فلم يعد الزوجان يتحدثان عن أنفسهما أو مشاعرهما أو حياتهما الخاصة، لذا أصبحنا نسمع اليوم عن طلاق ما بعد العِشْرة؛ فبعد أن يتزوج الأولاد ويستقروا نجد الزوجة تطلب الطلاق أو نجد الزوج يذهب ليتزوج بأخرى.
 
يقول د.أبو خليل:
 
إن مشكلة الصمت الزوجي مسئولية كلا الزوجين بنسبة واحد إلى واحد، فيجب على كل واحد منهما -في حال حرصه على استمرار العلاقة- أن يبحث عن مشتركات زوجية يتحدث فيها مع شريك حياته، فلو أخلص كل طرف منهما في حل المشكلة سوف تُحل بالتأكيد.
 
ويستطرد د.أبو خليل قائلًا:
 
إحدى الحالات التي وردت عليَّ كانت عن زوج يهتم كثيرًا بالسياسة ويتحدث فيها ليلَ نهارَ، وجاءني يشتكي من زوجته التي لا حديث لها سوى عن صديقاتها وما حدث وما لم يحدث خلال اليوم، وكلَّ يوم. وعندما طلب منها أن تشاركه همه السياسي ردت عليه قائلة: "ماليش في السياسة خالص". وهذا ما جعله منعزلًا حتى وهو موجود داخل المنزل. بالطبع هذان الزوجان مخطئان، فالأَوْلَى بالزوجة أن تشارك زوجها الحديث، حتى ولو شاهدت نشرة أخبار واحدة في اليوم فسوف تستطيع أن تستمع إلى زوجها وتناقشه، وعلى الزوج أيضًا أن يستمع إلى زوجته وحكاويها، حتى لو كان كلامها لا يأتي على هواه. أليس هذا أفضل من أن تدمر العلاقة أو أن يبحث كلٌّ منهما عن طرف آخر يهتم به ويستمع له؟ ووقتها لن ينفع الندم.
 
أهم شيء في مشكلة الصمت الزوجي أنه عندما يتم إدراكها يجب تداركها، فعندما نكتشف أننا كنا مشغولين بالأولاد بشكل أكبر من اللازم إلى الحد الذي نسينا فيه أنفسنا كزوجين، هنا يجب التفكير وتحديد خطة للحل، فالمرء عدو ما يجهل، ولو بحثنا سنجد حلولًا كثيرة، كأن نتذكر ما كنا نتكلم فيه من قبل، أو مغازلة بعضنا البعض، أو التحدث عن المشاعر والعواطف. ومن المشاركة أيضًا أن يحكي كل شخص للآخر ما مر به طوال اليوم عندما يكون مستعدًا لذلك. لابد أن يتحدث الزوجان عن أحلامهما وحياتهما ومستقبلهما، يجب أن يتحدثا عن الهم العام وفي السياسة والفن وفي كل شيء.
 
ومع ظروف الحياة الصعبة، وعدم تواجد الزوج في البيت أصلا. كيف سيقضي الأزواج على هذا الصمت؟
 
يقول د.أبو خليل:
 
لا توجد مشكلة بلا حل، فتخصيص وقت لقضائه مع بعضنا البعض، والتفكير في المواضيع التي سنتحدث فيها شيء مهم جدًّا يجب أن يأتي في أولويات المتزوجين، حتى لو اختار الزوجان ساعة بعد صلاة الفجر يقضيانها مع بعضهم البعض، يتسامران ويتضاحكان، ويعرف كل منهما فيما يفكر الآخر. فإذا كان الزوج يعود في وقت متأخر إلى البيت، فعلى الزوجة أن تنام ساعة باكرًا ثم تصحو قبل ميعاد عودة زوجها، وتستعد نفسيًّا لاستقباله، وتجهز له الطعام حتى يتناولا العشاء مع بعضهما البعض، وهنا نجد مساحة أخرى للكلام، ولكن يجب التأكيد على اختيار الكلام المناسب في هذا التوقيت الذي يعود فيه الزوج منهكًا ومتعبًا من العمل.
 
اختلاف طبيعة الرجل والمرأة سبب رئيسي للصمت الزوجي
 
وتتحدث مانيفال أحمد (المستشارة الاجتماعية) عن الصمت الزوجي فتقول:
 
إن جزءًا كبيرًا من الأسباب يعود إلى اختلاف طبيعة الرجل عن المرأة في نظرة كل منهما للكلام وتوقيته؛ فالنساء مثلًا تحب الكلام من أجل الكلام، تحب الفضفضة والشكوى، تحب التعبير عن أفكارها ومشاعرها السلبية والإيجابية بغض النظر عن وصولها لحل أم لا، أو حصولها على رد أم لا. وذلك على عكس الرجل الذي لا يتكلم أو يعبر عن مشاعره إلا في حالة شعوره أنه مضغوط، بالإضافة إلى أنه لا يفعل ذلك مع أي شخص. والزوجة أيضًا تشعر دائمًا -عندما ترى زوجها- أنها تريد أن تحكي له عن كل شيء وتشكو له من كل ما ضايقها خلال اليوم كي ترتاح. أما الزوج العائد من العمل فيكون مثقلًا ويريد لحظات من الصمت والهدوء، لذا نجده لا يرد على زوجته ويفضل تجاهلها.
 
أحد الأسباب أيضًا للصمت الزوجي أن كثيرًا من السيدات يعتمدن على الشكوى و"الزن" ولو من باب التفريغ وهنا يشعر الرجل أن المطلوب منه والمتوقع هو حل كل تلك المشكلات، وهذا يشعره بالعِبْء، ولا يجد سوى الهرب صمتًا كسبيل للتخلص من كل هذا العناء.
 
ومن جانب آخر، قد نجد الزوجة نفسها تميل إلى السكوت عندما تجد زوجها يصدها بشكل دائم، وعندما يكون رد فعله عنيفًا تجاه أي شيء تقوله، وبالتالي تهرب هي أيضًا من المواجهة، وتغلق على نفسها من باب "اللي يجيلك منه الريح سده واستريح".
 
من المهم جدًّا إحياء لغة الحوار بين الأزواج، فنحن نلاحظ أن كثيرًا من الأزواج والزوجات يكون حوارهم اليومي حول الأخبار والحوادث، ولكننا لا نلاحظ اهتمامهم بالتعبير عن المشاعر أو الحديث عنها، حتى إنه لا يوجد تخطيط لقضاء بعض الوقت سويًّا كمشاهدة شيء مشترك في "التليفزيون"، أو ممارسة نشاط مشترك، أو محاولة كسر الروتين والتجديد في العلاقة؛ لأن التجديد في سير اليوم وخَلْق جو جديد، حتى على مستوى تجديد البيت، أو تجديد بسيط في الشكل أو الأداء؛ كل هذا بالتأكيد سيترك أثرًا، ويخلق موضوعًا جديدًا للحديث.
 
ولكي نتجنب الوصول إلى مرحلة الصمت الزوجي تنصح مانيفال أحمد بالتالي:
 
- يجب على الزوجين التعرف على طباع بعضهما بشكل جيد، وأن يحاول كل طرف معرفة مفاتيح الطرف الثاني، واستعداداته، ومتى يمكنه الاستماع؟ وبأية طريقة؟
 
- على الزوجات التقليل من الشكوى، أو أن لا تبدأ بها الحديث مع زوجها، وأن توضح له أنها تتحدث معه لمجرد الفضفضة وليس لمطالبته أو لتكليفه بحلول لتلك المشكلات، بل هي فقط تحتاج إلى من يسمعها.
 
- يجب أن يتعود الزوجان من البداية على وجود لغة للحوار وعلى الصراحة والتفاهم، وأن يحكي كل طرف للثاني ويسمع منه من باب المشاركة والاهتمام.
 
- أن نراعي لحظات الضيق والتعب، ونتجنب فيها الكلام الثقيل والشكاوى والحكاوي المملة.
 
- أن نحاول الاجتماع على وجبة طعام واحدة مثلًا أو أي شيء آخر بعيدًا عن "التليفزيون" و"الكمبيوتر" لأننا نغرق أمامهما ونمتنع عن الكلام بسبب تركيزنا معهما.
 
- على الزوجين التعود على إفراغ ما بداخلهما من منغصات تجاه بعضهما البعض أولًا بأول، وألَّا يراكما الأشياء البسيطة بداخلهما حتى لا تكبر وتتضخم وتتحول إلى مشكلات كبيرة تجعل أحد الطرفين أو كليهما يأخذ جانبًا و"يقفل" من الثاني.