الدوافع الإسرائيلية وراء الهجوم على قطاع غزة

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : سعيد عكاشة | المصدر : www.siyassa.org.eg

اختبار الردع:
 
الدوافع الإسرائيلية وراء الهجوم على قطاع غزة

دخلت إسرائيل المواجهات الجارية حاليًّا مع حركة حماس في قطاع غزة، على خلفية تلقيها عدة صواريخ أطلقت على أراضيها الجنوبية ، وتسببت في مقتل ثلاثة وجرح آخرين، وجاء ردها العنيف سواء بتكثيف الغارات على أهداف منتقاة في القطاع، أو باغتيالها لأحمد الجعبري نائب قائد الجناح العسكري لحركة "حماس" ليشعل الموقف، ويوسع المواجهات العسكرية.

 

أهداف عملية " عامود السحاب"

وتركز إسرائيل حاليًّا على تحقيق الهدف الأساسي من العملية المعروفة باسم "عامود السحاب" وهو إجبار الفلسطينيين على وقف إطلاق الصواريخ تجاه المدن الإسرائيلية، غير أنها ضمنًا تسعى لتحقيق أهداف أخرى لا تبدو واضحة بشكل مباشر كما تظهر القراءة المدققة لتصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي "إيهود باراك" والتي حدد فيها أهداف العملية الجارية على الوجه التالي:

- تعزيز قوة الردع الإسرائيلية.

- تدمير مخزون الصواريخ الذي تملكه حماس.

- توجيه ضربات قوية لحماس.

- تقليل المساس بالجبهة الداخلية.

ويعني مفهوم الردع بالنسبة لإسرائيل منع خصومها المباشرين وغير المباشرين من تصعيد الأوضاع القائمة إلى حافة المواجهة الشاملة، فثمة تفرقة واضحة في الخطاب الإسرائيلي بين الخطر الأمني ، والخطر الوجودي، يتعلق الأول بنوع من المخاطر المشتملة على عمليات التسلل والتخريب داخل أراضيها، وكذلك الهجمات الصاروخية التي يمكن أن يتم شنها من أراضٍ وبلدان مجاورة، وعلى الأخص من غزة وجنوب لبنان وسيناء.

فهذه النوعية من المخاطر لا تهدد بقاء الدولة، ولكنها تهدد ما تسميه النخبة الأمنية الإسرائيلية "المناعة القومية" للبلاد التي تحسب بعدة عناصر من بينها مستوى ثقة المواطن في قدرة الحكومة على توفير الأمن لمواطنيها، ومدى استجابة جنود الاحتياط لنداءات الاستدعاء العاجلة. أما الخطر الوجودي، فيتعلق تحديدًا باحتمال تعرض أراضي الدولة للغزو من جبهة أو أكثر، ويعتبر الخبراء الأمنيون الإسرائيليون أن هذا الخطر لم يعد موجودًا منذ توقيع اتفاقات الهدنة مع الدول العربية المحيطة بها عام ١٩٤٩، بل إنه قد تقلص كثيرًا بعد توقيع مصر والأردن اتفاقات سلام معها، وأيضًا نتيجة الخلل الدائم في الميزان العسكري وميزان القوة الشاملة بين إسرائيل والعرب عامة ودول الجوار مع إسرائيل خاصة.

ورغم ذلك تتحسب إسرائيل لإمكانية عودة نوايا غزو أراضيها وتهديد وجودها بعد وصول الإخوان المسلمين للحكم في مصر، وأيضًا احتمال إقدام سوريا على عملية يائسة للخلاص من الوضع الداخلي الضاغط حاليًّا بنقل الصراع إلى الخارج، وإحياء المواجهة مع إسرائيل في جبهة الجولان، مع الاعتماد على الدعم القوي من جانب إيران وحزب الله في جنوب لبنان.

وثمة احتمال ضئيل للغاية أن يؤدي اشتداد العمليات الحربية الموجهة لقطاع غزة إلى الوصول لحالة الحرب الإقليمية الشاملة، ومن ثمَّ فإن إسرائيل تحاول حصر تداعيات هجومها على غزة في الخسائر السياسية التي يمكن معالجتها لاحقا، مثل احتمال تدهور العلاقات مع مصر، والتي قد لا تقف عند حد خطوة سحب السفير المصري من إسرائيل، بل تتخطاها إلى احتمال طلب مصر من إسرائيل سحب سفيرها، أو اعتبار السفير شخصًا غير مرغوب فيه، أو الإعلان عن قطع العلاقات بين البلدين صعودًا إلى أقصى درجات التصعيد بإلغاء مصر اتفاق السلام من جانب واحد.

 

اختبار " المناعة القومية"

إن استمرار إطلاق الصواريخ من غزة ووصول بعضها لأول مرة إلى تخوم تل أبيب والقدس يشكل ضغطًا هائلًا على صانع القرار الإسرائيلي، حيث إنه يؤثر بشكل مباشر على ميزان "المناعة القومية" ، ويزيد شعور المواطن الإسرائيلي بنقص الأمن، ويشكك في مصداقية الحكومة وجدارتها في إدارة الشان الأمني، لأجل ذلك لوحت إسرائيل بإمكانية قيامها بعملية برية داخل القطاع بهدف مطاردة القواعد الثابتة والمتحركة المستخدمة في إطلاق الصواريخ نحو أراضيها.

ولزيادة مصداقية الردع الإسرائيلي ، وافق المجلس الوزاري المصغر المسئول عن اتخاذ القرارات الأمنية في البداية على استدعاء ٣٠ ألفا من جنود الاحتياط، أعلن بعدها رئيس الأركان "بني جانتس" عن استدعاء ١٦ ألف جندي فقط من العدد الذي وافقت الحكومة على استدعائه، ولاحقا ذكرت صحيفة "الجيروزاليم بوست" في موقعها يوم ١٧ نوفمبر 2012 أن الحكومة رفعت الحد الذي يمكن استدعاؤه إلى ٧٥ ألف جندي، الأمر الذي يعني رفع مستوى الضغوط على حركة حماس التي لم تغب عن ذاكرتها الأضرار الواسعة التي لحقت بقواعدها وبنيتها التحتية بل وشرعية حكمها في غزة في الحرب السابقة عام ٢٠٠٩. وأيضًا يعني ذلك مزيدا من العبء الواقع على كاهل الرئيس مرسي وحكومته بعد فشل زيارة رئيس الوزراء هشام قنديل لقطاع غزة في العودة للتهدئة بين إسرائيل وحماس.

وتود إسرائيل أن تختبر عمليًّا مدى تمسك مصر -في عصر حكم الإخوان المسلمين- بمعاهدة السلام التي تعرضت تاريخيًّا لتحديين كبيرين، كان أولهما عندما قامت إسرائيل بغزو بيروت عام ١٩٨٢، والثاني عام ٢٠٠١ عندما تزايدت الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في سبتمبر عام ٢٠٠٠، وفي المرتين كان أقصى رد فعل من جانب مصر هو سحب السفير المصري من تل أبيب بعد استنفاد الخطوات الأخرى مثل الاحتجاج الشديد اللهجة، والدعوة لقمة عربية، وطرح مشروعات قرارات في مجلس الأمن والأمم المتحدة، أما وقد استخدم الرئيس مرسي هذه الحزمة من الإجراءات دفعة واحدة فإن إسرائيل تتوقع أن يلجا مرسي إلى أحد خيارين:

- الخيار الأول - من وجهة نظر إسرائيل - أن يمارس الرئيس مرسي ضغوطًا قوية على حماس لوقف إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل، وبذلك تكون إسرائيل قد أجبرته على أن يعود لنفس السياسات التي كان يتبعها الرئيس السابق حسني مبارك، الأمر الذي يؤكد على قوة الردع الإسرائيلي حيث تبرهن على أن سياسة مبارك تجاه إسرائيل لم تنبع مما استقر في مخيلة جماعة الإخوان وهي في المعارضة من أن مبارك اختار طائعًا التحالف مع أمريكا وإسرائيل على حساب المصالح المصرية، بل كانت هذه السياسة نتيجة قناعة مبارك بأنه لا يوجد لمصر مصلحة في معاداة إسرائيل، كما أن تكلفة الدخول في مواجهة معها مرتفعة للغاية، ولا يمكن لمصر تحمل تبعاتها السياسية والاقتصادية والأمنية.

وتراهن إسرائيل على أن لجوء مرسي لهذا الخيار سيعني مكاسب أخرى عدة أهمها جر أنصار الجماعة وجمهور واسع من المتعاطفين معها للاقتناع بأن العلاقات المصرية - الإسرائيلية ليست رهينة الأيديولوجيا الإخوانية المعروفة بعدائها لليهود وإسرائيل بل للمصالح الوطنية المصرية، وأن مصر من مصلحتها أن تضع مسافة بينها وبين حماس، وهو ما يعني إضعاف حماس، وإجبارها على عدم النظر إلى مصر على أنها حليف مضمون في مواجهاتها المقبلة مع إسرائيل، بل ربما تسعى مصر نفسها لجر حماس لمسار التسوية لتجنب الأزمات المتكررة مع إسرائيل، وفي كل الأحوال سيكون العائد المنتظر من أخذ مرسي بهذا الخيار زيادة مناعة معاهدة السلام مع مصر، وهو هدف تسعى إسرائيل لتحقيقه بقوة.

- الخيار الثاني ، من وجهة نظر إسرائيل، ويعني لجوء مرسي لتصعيد المواجهة مع إسرائيل سياسيًّا، سواء أقدم على طلب سحب إسرائيل لسفيرها في مصر، أو قام بطرده، أو قطع العلاقات الدبلوماسية، أو ألغى معاهدة السلام، فإن التداعيات المحتملة لأي من هذه الإجراءات على المصالح المصرية ستضع حكم الإخوان في مصر في مأزق كبير، حيث تشكل الأوضاع الاقتصادية الصعبة تحديًا للرئيس مرسي، كما يشكل الانقسام حول الدستور مشكلة عميقة للحكم الجديد في مصر، مما يصعب معه المغامرة بإدخال مصر في توترات مع الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، حيث من المتوقع أن يؤدي اتخاذ مرسي لأي من الخطوات السابقة إلى توتر علاقاته بواشنطن الضامنة لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وخاصة في ظل قدرة تل أبيب على تحريك أنصارها في الكونجرس للضغط على الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وتوقيع عقوبات على مصر في حالة مساسها بمعاهدة السلام على أي مستوى، والأمر نفسه فيما يتعلق بالمساعدات الاقتصادية التي وعد بها الاتحاد الأوروبي مصر قبل اندلاع الأزمة الحالية بين إسرائيل وحماس.

ويشكل إعلان الولايات المتحدة وعدد من دول الاتحاد الأوروبي تأييدها حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها سببا إضافيا لجعل الرئيس مرسي يفكر كثيرًا قبل اتخاذ قرارات من هذا النوع، وحتى في حالة إقدامه على اتخاذ أي إجراء من الإجراءات السابقة فإن اختبار رد فعل الشارع المصري يبدو مسألة في غاية الأهمية، ليس لإسرائيل وحدها بل لأمريكا وأوروبا أيضًا للحكم على مدى قدرة الإسلاميين المعتدلين على إدارة سياسات تقلل من العداء للغرب وتحمي المصالح المشتركة في المنطقة.

 

هل تغزو إسرائيل غزة ؟

لا يعني استدعاء إسرائيل الاحتياط سواء في حدود ٣٠ ألف جندي أو ٧٥ ألف جندي أن دخول القوات الإسرائيلية إلى غزة بات حتميًّا، فكما ذكرنا سابقًا أن إسرائيل تستهدف تقوية الردع، وبالتالي فحتى هذه اللحظة تسعى إسرائيل فقط لتشديد الحرب النفسية على حماس ودفع الولايات المتحدة وأوروبا للضغط على مصر والدول العربية النافذة خاصة السعودية لحمل حماس على التوقف عن إطلاق الصواريخ تجاه الأراضي الإسرائيلية، على ألا تخرج حماس بأي مكسب سوى تجديد الهدنة.

ومن المتوقع أن ترفض إسرائيل أن يكون رفع الحصار عن غزة جزءًا من أي اتفاق للهدنة. أما إذا استمرت وتيرة إطلاق الصواريخ على حالها خاصة تجاه مدن بعيدة مثل تل أبيب والقدس وإذا ما وقعت خسائر بشرية كبيرة نسبيًّا جراء هذه الهجمات، فإن عملية برية إسرائيلية كبيرة داخل القطاع ستغدو أمرا محتملا إلى حد كبير.

وتأمل إسرائيل أن تدرك حماس في الساعات القادمة أن العملية البرية ستعيد حماس إلى الوضع الذي كانت فيه عقب نهاية الحرب الكبرى ضدها في يناير ٢٠٠٩، حيث فقدت حماس حينها معظم مخزونها من الصواريخ، كما خلفت الحرب دمارا شاملا في بنية القطاع التحتية، الأمر الذي زاد من معاناة الفلسطينيين وغضبهم من سياسة التصعيد غير المحسوب التي تمارسها حماس ويدفع ثمنها المواطنون البسطاء.

ومن المتوقع أن يخلف غزو إسرائيلي للقطاع الآن آثارًا أكبر على معيشة الفلسطينيين، واستقرار حكم حماس، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان عندما صرح مساء الجمعة ١٦ نوفمبر "أن هدف العملية البرية ضد القطاع إذا ما بدأت فعلا لن يشمل إسقاط حكم حماس، بل ستكون هذه هي مهمة الحكومة الإسرائيلية المقبلة" ، وهو تصريح يستهدف جذب مزيد من التأييد للتحالف الذي أقامه ليبرمان مع نتانياهو لخوض الانتخابات في يناير المقبل بقائمة موحدة من حزبي الليكود وإسرائيل بيتنا، ومن دون شك سيحرص كل منهما على عدم إنهاء الحملة الحالية ضد حماس إلا بتحقيق نصر واضح حتى لا تؤثر أي نتيجة أخرى على فرصة تحالفهما المرشح أن يحصل على ٣٨ مقعدا إذا ما أجريت الانتخابات الآن.

وأخيرًا يمكن القول إن الحرب الدائرة الآن قد شكلت اختبارًا عمليًّا لمنظومات دفاعية إسرائيلية كانت في حاجة لاختبارات فعلية وليست افتراضية مثل منظومة القبة الحديدية لاعتراض الصواريخ قصيرة المدى، والتي تمكنت -حسب البيانات الإسرائيلية- من اعتراض نحو ٤٠ بالمائة من الصواريخ التي أطلقتها حماس على المدن الإسرائيلية، وتأمل إسرائيل في استغلال هذه المواجهات والكثافة التي تطلق بها الصواريخ لإدخال تعديلات على منظوماتها الدفاعية، وتحسين قدرتها على التصدي لأكبر عدد من الصواريخ يمكن إطلاقه في وقت واحد، وهو ما سينعكس أيضًا على قدرة إسرائيل على إجراء حسابات أكثر دقة لأخطار مماثلة قد تأتي من جانب حزب الله في لبنان، أو نظام بشار الأسد في سوريا.