سد النهضة في إثيوبيا والمخاطر المؤكدة
الناقل :
elmasry
| الكاتب الأصلى :
د. محمد مورو
| المصدر :
islamstory.com
أعجب ما تراه في مصر أنَّ هناك "خناقة" وشجارًا وأصواتًا عالية هنا وهناك حول قضايا، رغم أنَّها مهمة أو مفتعلة إلاّ أنّها في النهاية كنوع من الخلاف بين أبناء بيت واحد، مع أنَّ هناك فريقًا هنا أو هناك خارج البيت يتربص بالجميع!
هذا بالضبط ما يحسه المرء عندما يسمع أخبار بناء "سد النهضة" في إثيوبيا، الذي بدأ العمل به بالفعل، وكانت إثيوبيا قد أعلنت أنَّها ستبدأ في بناء هذا السد إبَّان انشغال مصر بثورة 25 يناير 2011م؛ أي أنَّها استغلت الوضع الداخلي في مصر لتبدأ في تحقيق هذا الأمر المريب، الذي كان ولا يزال مصدرًا للقلق والتوتر؛ لأنَّه من غير المقبول أنْ تقف مصر مكتوفة الأيدي أمام نقصان حصتها في مياه النيل، وهي التي لا تكفيها أصلاً.
القصة بالطبع طويلة جدًّا، والمحافظة على مياه النيل في مصر كانت ولا تزال قضية مصر الأهم؛ لأنَّها مرتبطة بحياتها ذاتها، وكانت كل الممالك المصرية القديمة والحديثة قد حسمت هذا الأمر من "حتشبسوت" وحتى اليوم.
وفي هذا الصدد فإنه ينبغي إدراك مجموعة من الحقائق كالتالي:
- أنَّ ما يأتي لمصر من ماء النيل لا يكفيها، وأنَّ من المفروض البحثَ عن المزيد، وإلاّ فلا مستقبل لمصر.
- أنَّ وجود نفوذ وأوراق ضغط مصرية في منابع النيل -وخاصة النيل الأزرق- أمرٌ حيوي لمصر، ولا يمكن الاعتماد في هذا على حُسْن النوايا، أو إقامة علاقات دبلوماسية جيدة مع إثيوبيا مثلاً.
- أنَّه لا طريق لأنْ يكون لمصر مستقبل، وسوف نجوع ونعطش - إلاّ بوحدة مصر والسودان، وهذا حيوي لمصر وحيوي للسودان أيضًا، ولا بد من الإمساك بأوراق ضغط قوية في الصومال وفي إثيوبيا ذاتها، عن طريق علاقات مع حركات التحرر الوطني والقومي داخل إثيوبيا.
- أنَّه بعد موت "ملس زيناوي" -رئيس وزراء إثيوبيا السابق- فإنَّ من المتوقَّع وقوع انفجارات عِرْقية وطائفية داخل إثيوبيا ذاتها، ولكنَّ هذا لن يكون مفيدًا لنا ما لم نملك أوراقًا داخل هذه الحركات.
- أنَّه منذ صعود الولايات المتحدة وانفرادها بالهيمنة على العالم منذ سقوط الاتحاد السوفيتي السابق، فإنَّ قوًى دولية وإقليمية مثل إسرائيل تفكر جديًّا في بناء سدود أو تشجيع وتمويل بنائها في إثيوبيا؛ للتحكم في حصة مصر من المياه، أو على الأقل كورقة ضغط على مصر في إطار الصراع السياسي والإستراتيجي.
- أنَّ إثيوبيا لا تعترف باتفاقية 1959م التي حددت حصة مصر والسودان من مياه النيل.
- أنَّ الولايات المتحدة وإسرائيل شجعت إنشاء ما يسمى "منتدى مبادرة حوض النيل" في عام 1999م، وفي عام 2010م قامت بعض دول الحوض باستخدام المنتدى لصياغة وتوقيع اتفاق جديد يعيد توزيع حصص المياه، ويحرم مصر من حق إعطاء الإذن بإقامة سدود في منابع النيل، وهو أمر خطير جدًّا، كانت تلك الدول هي: "إثيوبيا" و"كينيا" و"أوغندا" و"رواندا" و"تنزانيا"، ثم انضمت إليهم "بوروندي" عام 2011م.
- أنَّ إثيوبيا أعلنت أنَّها لن تخضع لأي ضغط، ولن تتوقف عن البناء، وأنَّ أحدًا لا يملك لها شيئًا، وحينما تكلم البعض عن التهديد العسكري المصري، قال الإثيوبيون: "إنَّ هذا خيالٌ غير ممكن".
وهذا كلام حقيقي؛ فطالما أنَّه لا وَحْدة بين مصر والسودان، وأنَّ مصر تركت الصومال للنفوذ الكيني والإثيوبي في سابقة غباء غير مسبوقة - فإنَّ الجيش المصري غير قادر على الوصول إلى إثيوبيا، وكذا ليس هناك ضغط حقيقيّ يمكن ممارسته على إثيوبيا.
- إنَّه إذا كان سد النهضة المتوقَّع الانتهاء من بنائه عام 2017م سوف يحرم مصر من (10: 15 مليار متر مكعب) من المياه، فإنَّ الأخطر أنَّ ذلك يمكن أنْ يتكرر بأكثر من طريقة وببناء المزيد من السدود.
- الحديث عن استثمارات مصرية في إثيوبيا، أو ضغط دبلوماسي، أو دعم فني - كله حديث هراء؛ لأنَّ الاستثمارات اليهودية والأمريكية أكثر إغراء، والضغط الدبلوماسي نوع من ضياع الوقت؛ فإنَّه ليس طريقٌ سوى:
توحيد مصر والسودان، دَعْم وَحْدة الصومال تحت قيادة قوًى إسلامية وعربية تعادي إثيوبيا وكينيا، وتسعى لتحرير أوجادين من إثيوبيا، وهي منطقة تمثل نصف إثيوبيا، ويعيش فيها صوماليون -عرب مسلمون سُنَّة- ولهم مطلب قديم وتقليدي بالانضمام إلى الصومال الأم، والتحرر من الاحتلال الإثيوبي.
إذا كان الأصل في حماية مستقبل مصر هو وحدة مصر والسودان وتوحيد الصومال، فإنَّ هناك عوامل مساعدة أخرى مثل: دعم إريتريا، ودعم حركات قومية وعربية داخل إثيوبيا نفسها.
أفيقوا قبل أنْ تعطشوا وتجوعوا!!