حبته في ربع ساعة و استنته العمر كله قصة حب روعة اوعي تفوتك
الناقل :
elmasry
| الكاتب الأصلى :
Rabab Al Fahmi
| المصدر :
www.almraah.com
الحزن على فراق الأموات يظل أهون على القلب من فراق الأحياء المستلقين بأريحية داخله.
قبل عام في محطة القطار بدأت قصة صغيرة معه ، حين غادر قطار الثالثة عصراً متوجهاً إلى الغرب، وصلت قبله وتخطيت صالة الانتظار لأصل إلى موظف السكة الحديدية استفسر عن موعد القطار القادم ، وحين عدت إلى الكرسي لانتظر كبقية المسافرين أتى وجلس بجانبي ممسكاً بجريدة الأمس قد عرفتها من العنوان الأول الذي يذكر حدثاً عن ثوار سوريا.
فضولي لقراءة الخبر من جديد في جريدة القديمة ، جعله ينتبه لي ثم يبادر بفتح بابٍ للحوار ..
-رأيتكِ تسألين الموظف عن موعد قدوم القطار التالي، فمتى يكون؟
-نعم.. بعد خمسة عشر دقيقة.
نظر إلى ساعته وقال: أي قرابة الثالثة والربع عصراً …!
عاد لسؤالي : هل تنتظريه أيضاً؟
- نعم أنتظره.
-أنا معتز .. و أنتِ ؟
- ياسمين.
-أهلا ياسمين ، اسمكِ جميل .. يذكرني بوطني.
-أنتَ دمشقي؟
-نعم.. دمشقي مغترب.
تحاورت معه متناسيه ذاك الخطيب الذي طلب يدي وألبسها قطعة ثمينة من الألماس ليكون بها سجاني ، ونسي أن يسرق قلبي ويلبسه قطن ناعماً بنعومة الحب.
حاولت أن أخفي خاتم الخطبة في يدي ، كأن في دمي نبض يركض يباغتني لتصرف دون وعي. كان معتز مستمراً في التحدث معي ليقطع الوقت سريعاً حتى موعد وصول القطار وأيضاً .. يريد أن يقطع سنين الوحدة بلقائه معي.
خمس سنين في اغتراب عن وطنه ، وأنا في وطن الخطيب مغتربة.
عدم الارتياح كان ظاهراً على ملامحي وأنا أحاوره ..
هو فسر ذلك بأنه خجل ، و راق له التفسير كثيراً ، وتعلق بالحديث معي أكثر ..
وأنا أعي أني أخشى التعمق في الحديث وأكون سبباً في وجعه ذات مساء.
فالفرق بين عقلي وعقله .. أن عقله يلد فكرة واحدة ويصدقها ، أما عقلي يلد فكرة لتلحق بها سلسلة من الأفكار وأصل في نهايتها أنني سأوجعه.
هو لم يقل شيئاً .. لكن تقربه مني بالحديث جعلني أستوحي كل هذه الأفكار التي أخشى أن تكون حبٌّ ، وأنا لا قوة لي به الآن. فالحب درب لا أدخله من عالم يبعد عن عالمي ألاف الأميال … ولا أقوى على حمله في قلبي الصغير وأنا أعجز عن نزع الخاتم من يدي. لكنها الصدفة التي تأتي متأخرة ، فتضعك بين خيارين إما أن تستغلها وتفقد ماضيك ، أو تتركها وتخسر مستقبل رغبته .. في الحالتين ستشعر بالندم على الخيار الذي تركته. المهم أن أقرر …
وصل القطار وقال معتز وقتها: لقد وصل ، هيا لنلحق بالقطار سوياً.
كنت أنظر إلى منفذ الخروج واستشعر خاتم الخطبة الذي يستدير في إصبعي ، لأختصر كل الحب في عينيه : هذا قطارك أنت ، ليس قطاري.
أمسك حقيبته لا مبالي بما قلت وقال: غادري معي .. أرجوكِ ..
كانت كلماتي تخرج بخوف: ليس وقتي .. ليس وقتي …
وحملت حقيبتي لأعود من حيث أتيت .. إلى ماضٍ سبق كل الظنون و سرق دمي وسكبه في كأس من وصل أولاً …
ها قد مضى العام وتغير الكثير منذ تلك الخمسة عشر دقيقة ، أعدت خلاله خاتم لم أستطع أن أكون وفية لصاحبه ، وأنهيت بذلك قصة لم أرغبها واليوم أعود لأبحث عن قصةٍ رغبتها منذ عام .. لأجد محطة القطار خالية من المسافرين عداي .. وسيدة تكبرني بعشرين عاماً تقرأ في كتاب لجين أوستن …
سألتها: هل غادر قطارٌ إلى الشمال ؟
فقالت: قطار الشمال لا يغادر يا شابة ، دائماً يأتي .. فقط أنتظري مجيئه.
و إذ بصوت قدوم القطار وكان ذات القطار …
.
.
.
.
(رباب الفهمي).