ثلاثة من الرؤساء العسكريين الأربعة لمصر اتهموا بقتل سابقيهم.. فهل يأتى رئيس يكشف المستور؟

الناقل : فراولة الزملكاوية | الكاتب الأصلى : أحمد شوقي | المصدر : gate.ahram.org.eg

الرؤساء الأربعة

نهاية رؤساء مصر الأربعة عقب ثورة 23 يوليو، بعد تواتر الأنباء حول وفاة الرئيس السابق حسني مبارك، لاتزال حتى الآن مسار تساؤل بين الكثيرين، فقد تناثرت الاتهامات والشائعات حول أن كلا منهم اشترك أو قام بقتل من سبقه أو على الأقل التسبب في وفاته.

وهي اتهامات ظلت ولا تزال مستترة، يتناقلها العامة فيما بينهم، أو بعض وسائل الإعلام من حين لآخر بشكل غير مباشر، ولم يتم حسمها بشكل رسمي سواء بالنفي أو حتى بمجرد المناقشة، مما يوحي بأن السبب وراء ذلك الإبهام هو الحفاظ على الدولة العسكرية التي أسست لها ثورة يوليو، وأن اتهامًا مثل ذلك إن صح قد يسبب صدعًا قويًا في جسد تلك الدولة العسكرية خاصة وأن الرؤساء الأربعة كانوا عسكريين، مع التأكيد أن كلا منهم هو من عين الذي أعقبه نائبًا له أو في موقع قريب من تولي الحكم.

رأى الكثيرون أن قرار جمال عبد الناصر بفرض الإقامة الجبرية على الفريق محمد نجيب، قائد ثورة 23 يوليو وأول رئيس للجمهورية، هو السبب في قتله رغم أنه توفى بعد ذلك القرار بنحو ثلاثين عامًا، كما اتجهت أصابع الاتهام صوب السادات في التدبير لقتل جمال عبد الناصر عن طريق ما أشيع بوضع الأول للثاني سما غريبا، صعب اكتشافه أدى لوفاته بأزمة قلبية، كذلك لم يسلم الرئيس السابق حسني مبارك من اتهامه بالتدبير لقتل الرئيس السادات، بل تجددت الاتهامات إليه بذلك عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، بعدما أذيع ولأول مرة التسجيل الكامل لحادثة المنصة والذي يكشف كيفية اغتيال السادات وما تلاها من فوضى أثناء العرض.




انهزم محمد نجيب في معركة مارس الشهيرة 1954، وتسببت هذه الهزيمة في قتله معنويًا على الأقل، ففي يوم 14 نوفمبر جاءه عبد الحكيم عامر وقال له « إن مجلس قيادة الثورة قرر إعفاءكم من منصب رئاسة الجمهورية».. وتم تحديد إقامته منذ ذلك اليوم، رغم قسم عامر بأن إقامته في فيلا زينب الوكيل لن تزيد على بضعة أيام ليعود بعدها إلى بيته، لكنه لم يخرج من الفيلا طوال 30 عامًا.. وذلك بحسب ما ذكره نجيب نفسه في مذكراته.

وظل على هذه الحال حتي تم إطلاق سراحه بواسطة الرئيس السادات في عام 1974 عقب الانتصار الذي تحقق في حرب أكتوبر 1973، ورغم هذا ظل السادات يتجاهله تمامًا كما تجاهله باقي أعضاء مجلس قيادة الثورة.

وبتاريخ 21 أبريل 1983 أمر الرئيس السابق حسني مبارك تخصيص فيلا في حي القبة بمنطقة قصر القبة بالقاهرة لإقامة محمد نجيب، بعدما صار مهددًا بالطرد من قصر زينب الوكيل نتيجة لحكم المحكمة لمصلحة ورثتها الذين كانوا يطالبون بالقصر، وهو القصر الذي عاش فيه لمدة 29 سنة منها 17 سنة وهو معتقل.

وقال وقتها: «إلى أين أذهب بعد 30 سنة لم أخرج فيها إلى الحياة؟.. ليس لدي معارف أو أحد يهتم بي. أنا أعيش هنا وحدي بعد أن مات اثنان من أولادي ولم يبق غير واحد منهم، فإلى أين أذهب؟» ولكنه امتثل للقرار، ومكث في معقله الجديد حتى رحل في هدوء في الثامن والعشرين من أغسطس لعام 1984.




وفي عام 1958، بدأت رحلة المرض مع الرئيس جمال عبد الناصر عندما اكتشف لأول مرة أنه يعانى مرض السكر، ورغم ذلك لم تظهر عليه أي ظواهر غير طبيعية إلا مرتين، حسبما أوضح سامي شرف وزير شئون الرئاسة وسكرتير الرئيس في كتابه "سنوات مع عبد الناصر".

كانت المرة الأولى عقب عدوان 5 يونيه سنة 1967، والثانية يوم انتحر المشير عامر، ولم يظهر عليه طوال الفترة التي تلت هذا الحدث أي مضاعفات تذكر وانحصرت هذه المضاعفات التي ظهرت بعدها بعشر سنوات أي في عام 1968 في آلام في الساق الذي بدأ يشعر بها بعد ذلك، بحسب المصدر ذاته.

ويستطرد شرف في كتابه أنه فى الحادي عشر من سبتمبر 1969 أصيب الرئيس جمال عبد الناصر بالأزمة القلبية الأولى عندما اكتشف طبيبه الخاص الدكتور الصاوي حبيب صوتًا ثالثًا مع ضربات القلب، فأجرى رسما للقلب أكد التشخيص بأنه جلطة في الشريان التاجي، وقد أثبت الفحص الطبي والتحاليل ورسومات القلب حدوث جلطة بالشريان التاجي للقلب، وقد أكدت التحاليل التي أجرت هذا التشخيص الذي جاء نتيجة الإرهاق الشديد، وهذا النوع من الجلطات يحدث بدون ألم، الشيء الذي تم التعارف عليه الآن هو أن 25% تقريبًا من جلطة الشريان التاجي لمرضى السكر تتم بدون ألم.

كانت وساطة عبد الناصر لإيقاف أحداث أيلول الأسود بالأردن بين الحكومة الأردنية والمنظمات الفلسطينية في قمة القاهرة في 26 إلى 28 سبتمبر 1970، هي آخر المهام التي قام بها الرئيس قبل موته، حيث عاد من مطار القاهرة عندما داهمته نوبة قلبية بعد أن ودع صباح السالم الصباح، أمير الكويت، والتي لم يستطع معها انتظار صعود طائرة الصباح، مما اضطره للعودة إلى بيته مسرعا، ليموت هادئًا على سريره في 28 سبتمبر 1970.

ولم تمر وفاة عبد الناصر رغم أنها بدت وفاة طبيعية منطقية، دون توجيه اتهامات بالشروع في القتل، وذلك بسبب الظرف السياسي، والخصومات الشهيرة بين الرئيس وعدد من القوى العظمى في العالم، وقد وجهت الاتهامات –بحسب تقارير صحفية- أولًا إلى السوفيت، حيث كان عبدالناصر يعالج في مصحاتهم، استنادًا إلى ما قاله شوين لاي رئيس وزراء الصين الذي نهر مسئولين مصريين، وكان غاضبًا جدًا عندما شارك في جنازة عبد الناصر، وقال: لقد ضحيتم بزعيمكم.. تركتموه للسوفيت.. ولم يكونوا أمناء عليه"، وحزن شوين لاي على صديقه عبد الناصر، وسؤاله الذي نشر وقتها كان موجهًا للدكتور لبيب شقير، رئيس مجلس الشعب: كيف سمحتم لجمال عبد الناصر أن يموت بهذه البساطة وفي هذه السن؟

وجاء وقت المتهم الثاني في وفاة جمال عبد الناصر، ولأن إسرائيل عرفت وقتها بتقدمها في تخليق المستحضرات القاتلة والضارة، فقد وُجهت إليها أصابع الاتهام، حيث رددت وسائل إعلام وقتها قصصا لم تكتمل فصولها حول الموضوع، مفادها أن الدكتور "على العطفي" إخصائي العلاج الطبيعي سافر في بعثة دراسية إلى الخارج، وأن الموساد استطاع أن يوقعه في حباله، وقد ساعده في الحصول على الدكتوراه التي اكتُشف فيما بعد أنها مزيفة، وعندما عاد إلى مصر سبقته ضجة إعلامية كبيرة فأصبح بين يوم وليلة أشهر اسم بين إخصائي العلاج الطبيعي، ولأن الرئيس عبد الناصر الذي كان مصابًا بارتفاع ضغط الدم والسكري كان يحتاج في أوقات كثيرة إلى علاج ساقيه من آلام السكري، فقد اقترح عليه بعضهم أن يتولى علاجه "علي العطفي"، وقد كان، وأشيع وقتها أنه حصل على أدوية وعقاقير قدمتها له إسرائيل ليمارس بها علاجه لآلام ساقي الزعيم، وأن هذه العقاقير كانت تحتوي على أنواع من السموم التي يصعب اكتشافها، وذات أثر تراكمي يتسرب إلى الجسد تدريجيًا ويتسبب في الوفاة بعد فترات يعرفها مخترعو هذه العقاقير.

وقد عزز من صحة تلك الشائعة ما حدث بعد من إلقاء القبض على "علي العطفي" وإغلاق عيادته ومركزه للعلاج الطبيعي، بدعوى عدم أهليته لممارسة المهنة وأن درجته العلمية غير صحيحة ومزورة.

لكن الاتهام الأقوى والذي لا يزال محل شك الجميع، هو تدبير السادات –نائب عبد الناصر وقتها- لقتله، خاصة بعد تصريح محمد حسنين هيكل المثير للجدل خلال إحدى حلقات برنامجه مع "هيكل" الذي كانت تبثه قناة الجزيرة، باتهام السادات بتسميم عبدالناصر من خلال فنجان قهوة أعده له بنفسه قبل وفاته بأيام.







أما اغتيال الرئيس محمد أنور السادات أو "حادث المنصة" كان خلال عرض عسكري أقيم في 6 أكتوبر 1981 احتفالا بالانتصار الذي تحقق خلال حرب أكتوبر، نفذها خالد الإسلامبولي الذي حكم عليه بعد ذلك بالإعدام رميًا بالرصاص في أبريل 1982.

ورغم أن الجناة الذين ارتكبوا الحادث قدموا جميعًا للمحاكمة، وهم خالد الإسلامبولي، وعبود الزمر، وحسين عباس، وعطا طايل، وعبد الحميد عبد السلام، وعمر عبد الرحمن -المسجون حاليًا في أمريكا- الذي اتهم وقتها بأن فتواه بإباحة دم السادات هي الدافع وراء التخطيط لقتله، إلا أن الشعب المصري كانت لديه شكوك -وإن كانت مستترة في كثير من الأحيان- بأن مبارك الذي عينه السادات عام 1975 نائبًا له، كان متورطا في اغتيال السادات لأنه على الأقل في رأيهم، لم يأمر بإجراء تحقيقات حقيقية في جريمة اغتياله.

وتعززت الاتهامات ضد مبارك، بعد إفراجه عن مرشد الإخوان وزعماء الجماعات الدينية والإسلاميين المتطرفين الذين كان السادات قد قبض عليهم قبل وفاته بشهر، وهو ما وصفه بعضهم أنه مكافأة لتلك الجماعات عن قتلهم السادات، كما تسبب عزوف الرئيس السابق عن تعيين نائبًا له، في ترويج شائعة مفادها أنه يخشي إذا عين نائبًا له قد يتكرر معه ما حدث مع السادات وعبد الناصر من قبلهما، وهي شائعة تعكس ما كان يدور بخلد المجتمع من شبهة تورطه في قتل السادات.

ثم يأتي أخيرًا شريط الفيديو الكامل لحادث الاغتيال والذي أذيع لأول مرة بعد ثورة يناير، فتوضح بعض لقطاته قيام مبارك بإلقاء كرسي على الرئيس أنور السادات وهو مصاب وملقى على الأرض، فيما بدا آخر وكأنه يرش شيئًا ما على الرئيس السادات، ثم أخيرًا يتم إنقاذ مبارك عن طريق تأمينه لمغادرة المكان دون أن يسعفوا الرئيس المصاب.



ثم يأتي دور مبارك نفسه، فيشيع منذ أيام نبأ وفاته إكلينيكيًا، عقب نقله إلى مستشفى المعادي العسكري في حالة صحية حرجة، لكن حتى هذه اللحظة، لم يصدر أي قرار رسمي يؤكد الوفاة من عدمها.

الطريف في الأمر أن مبارك قد حوكم وأصدر ضده حكم بالمؤبد على خلفية اتهامه في قتل المتظاهرين في ثورة يناير، في الوقت الذي يدير فيه شئون البلاد حاكم عسكري آخر هو المجلس العسكري برئاسة المشير طنطاوي وزير الدفاع في عهد مبارك، والذي يعد أقدم وزير في الحكومات المتعاقبة التي شكلت خلال الثلاثين عامًا الماضية.



وأخيرًا يتبقى السؤال الأهم، هل ونحن على مقربة من إعلان الرئيس الجديد للجمهورية، والذي يتنافس على منصبه اثنان، لأحدهما خلفية عسكرية وهو الفريق أحمد شفيق، وللآخر خلفية مدنية – باعتباره لم يشغل أي من المناصب العسكري - وهو الدكتور محمد مرسي، نستطيع أن نزيح الغمامة عن تلك الشبهات والشائعات ويتم حسم أمرها؟ أم ستظل حقيقة تلك الاتهامات غائبة كما هي ومستترة، تعيش تحت التراب مع من ماتوا، وعلى ألسنة مصريين ممن لا يزالون على قيد الحياة؟.