أكذوبة الهجوم على وزارة الدفاع
الناقل :
elmasry
| الكاتب الأصلى :
جمال سلطان
| المصدر :
islamstory.com
الذي يرى اللواء "مختار الملا" وهو يقرأ بيانه "العسكري" أمس في أعقاب الاشتباكات التي جرت في محيط وزارة الدفاع بين المتظاهرين والشرطة العسكرية، يقع في خاطره على الفور أنه بيان عن حرب مصيرية تخوضها مصر مثلاً مع الكيان الصهيوني أو تهديد دولي خطير، وليس تراشقًا بالحجارة بين متظاهرين وقوات أمن..
لغة التهديد والوعيد والاستعلاء التي يستخدمها "الملا" قبل الأحداث -في المؤتمر الصحفي- وبعد الأحداث في البيان المذاع، تكشف عن استبطان للعنف والروح العدوانية الشديدة تجاه الشعب والقوى الوطنية الساخطة على ممارسات المجلس العسكري.
والحقيقة أن تأمل لغة اللواء "الملا" تستدعي للذاكرة كل المشاهد الدموية التي سبقت الاشتباكات الأخيرة، وبشكل خاص المذبحة التي تمت برعاية رسمية في محيط وزارة الدفاع على يد مجهولين قيل إنهم بلطجية من أجل فض الاعتصام بالقوة، وتركتهم الشرطة العسكرية والمدنية يعيثون فسادًا في حي العباسية والمناطق المحيطة به في مشهد خرافي لا يصدق حتى لو كنا في مقديشو، التي يحكمها زعماء الميليشيات.
الادعاء بأن المتظاهرين الذين رأيناهم بصدور عارية وأيادٍ تلوح مع الهتاف كانوا ذاهبين إلى العباسية من أجل اقتحام وزارة الدفاع - كلام سخيف يحتاج إلى "قفا عريض" لكي يستوعبه، والآلاف الذين تركوا شارع الخليفة المأمون تحت ضغط خراطيم المياه والقذف بالحجارة والهراوات والغاز المسيل للدموع، وأخلوا الميدان بسهولة غير متصورة، لا يمكن تصور أنهم ذهبوا من أجل الموت والاستشهاد وتقديم مئات أو آلاف القتلى قرابين لهذه العملية المجنونة والأسطورية، التي يُروّج لها أبواق العسكر..
فمحاولة إعلام القوات المسلحة وإعلام الفلول تصوير المشهد على أنه محاولة لاقتحام وزارة الدفاع كلام لا يحترم العقل أو الحسابات المنطقية، وعندما أراد الثوار الموت أمام نظام مبارك في الميادين والشوارع كان الشباب ينامون تحت جنازير الدبابات، بل وفي تلافيف الجنازير ذاتها ليوقفوا تحركها! وأتمنى أن يكون هناك تحقيق محايد فيما حدث؛ ليعرف الناس من الذي بدأ التحرش والاستفزاز، ومن الذي يملك العقلية التخطيطية للاستدراج أمام متظاهرين بسطاء لا يملكون إلا حناجرهم وصدورهم المكشوفة.
نريد أن نعرف من هم الأشخاص المدنيون الذين كانوا يتحركون بين الجنود، ومن هو هذا الشخص الذي كان يرتدي ملابس مقنعة أقرب لأفلام الرعب الأمريكية، ويتحرك بصورة محسوبة بدقة أمام كاميرات الصحف ووكالات الأنباء ليعطي رسالة مقصودة عن "نوعية" المتظاهرين.. هل شاهد اللواء الملا لقطات الفيديو المنتشرة على نطاق واسع عن مجهولين بثياب مدنية ينزلون من عربات الجيش في العباسية؟ وهل يمكنه أن يشرح لنا مسمى هؤلاء "المجهولين"؟ وماذا كان دورهم في المعركة؟ وما إذا كان لهم دور في معارك سابقة؟
وإذا كان اللواء "الملا" وقواته تملك هذه الحيوية التي تحيط بميدان العباسية من جميع جوانبه، وتحرك آليات خفيفة وثقيلة ومئات الجنود والضباط وتسيطر على الأوضاع خلال ساعتين من الزمن وتقتحم المساجد ومحطات المترو لاعتقال المتظاهرين، فلماذا لم نرَ هذه الهمة عندما كان الرصاص الآلي يطرقع فوق رءوس جنوده قبلها بليلتين من قِبل من أسماهم "بلطجية" هاجموا المعتصمين ليلاً، ودارت معركة الذبح والتنكيل الموصوفة بمعركة الجمل الثانية؟! لماذا تجاهل "الملا" وقواته هذه المذبحة ووقف يتفرج عليها مدعيًا العجز عن التدخل أو فرض الأمن أو حتى إعلان حظر التجول؟ لماذا انشغل البعض بتوفير الوجبات الغذائية للبلطجية من دار المدرعات وحشد كتائبه الباسلة على شبكة الإنترنت لشتم المتظاهرين وكتابة التعليقات المهينة وتهديد الشعب المصري واحتقاره بالتواطؤ مع مواقع صحف الفلول وصحف الحكومة؟!
لماذا لم تنتفخ أوداج "الملا" عندما فزع العالم من تزايد وتيرة القتل للمتظاهرين بعد مذبحة العباسية وكأن الأمر لا يعنيه، إن لم يكن يسعده، وشغل نفسه ومجلسه بتهديد الشعب والمتظاهرين؟!!
خطابات اللواء الملا ولهجة بياناته، يمكن لأي "محلل" سياسي استخدامها في فهم الكثير مما جرى في مصر طوال المرحلة الانتقالية، التي أدارها المجلس العسكري، وستكون مهمة وكاشفة إذا وضعناها في خلفية العديد من المشاهد والأحداث "الغامضة" كالتي حدثت في ميدان التحرير ومحمد محمود ومجلس الشعب وماسبيرو وبورسعيد، وأخيرًا العباسية.