معالم تربوية ودعوية في أحداثنا المصرية

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : د. صلاح سلطان | المصدر : islamstory.com

نحن بحاجة قبل أي وقت مضى إلى فقه القلوب في الانتقال من الغفلة إلى استحضار القلب، ومنه إلى حضور القلب، وهذا على المستوى التربوي. أما على المستوى الدعوي فيجب أن ننتقل بأبنائنا في مصر من الدعوة إلى الدولة، ومن العبادة إلى القيادة. بعبارة أخرى، أن نبدأ المشوار بأن نكون أصحاب قلوب حية بذكر الله عز وجل؛ سعيًا إلى درجات المقربين، وتعافيًا من مقام أصحاب الشمال، وعدم الوقوف عند مقام أصحاب اليمين..
وفي الوقت الذي نقوِّي حبالنا مع الله، يجب أن ندعم حبالنا مع الناس، سواء من داخل الصف تثبيتًا وتحريكًا، أو أبناء مصرنا الحبيبة طمأنة وإزالة للشبهات، وفي هذا الإطار يجب أن نصل الليل بالنهار، إما تبتلاً إلى الله الواحد الغفار، أو حركة مع الأحرار من أبناء شعب مصر الأبرار.
لذا ننصح إخواننا وأخواتنا العلماء والدعاة ببعض المعالم التربوية والدعوية في أحداثنا المصرية، أهمها ما يلي:
أولاً: المعالم التربوية:
1- أن نحسن التضرع والدعاء والقنوت والإخبات، خاصة مع الأدعية التي تناسب حالة القلق والتردد وكثرة الآراء واختلاط المفاهيم؛ حيث روى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر أن يقول: «اللهم ربّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل, فاطر السموات والأرض, عالم الغيب والشهادة, أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون, اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم».
2- أن نطيل الركوع والسجود قصدًا، مع زيادة مصحوبة بالإيمان والاحتساب لعدد التسبيحات "سبحان ربي العظيم، سبحان ربي الأعلى"، و"سبوح قدوس رب الملائكة والروح"، واستشعار أن الهويّ إلى السجود هو عين الارتقاء إلى ربنا الودود. ويحسن أن نقرر أن كل يوم فيه عدد وتريّ من التسبيحات، كأن تقول: أسبح اليوم ثلاثًا ثلاثًا، أو خمسًا خمسًا، أو سبعًا سبعًا؛ وذلك حتى لا تتحول العبادات إلى عادات، مع حضور القلب؛ لأن السجود قمته في قوله تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19].
ويحسن أن نطيل الدعاء أن يستعملنا الله في التمكين لدينه، وإعلاء كلمته في مصر والعالم كله.
3- أن نصوم يومًا كل أسبوع، ونبتهل لله عند الإفطار أن يحفظ مصر من الكائدين، وأن يستعملنا لخدمة دينه وأبناء وطننا أجمعين؛ ليكونوا سعداء في الدنيا والآخرة، للحديث الذي رواه البخاري ومسلم بسندهما عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صام يومًا في سبيل الله، باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا». والصيام هنا زاد تربوي مهم في هذه الأوقات.
4- أن نجيد إرجاع البصر كرتين، تدبرًا وتفكرًا في النفس والكون، والانتقال من مرحلة كفر النعم أي جحودها {إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ} [الزخرف: 15] إلى مرحلة الشكر، وهو من يشكر الله على نِعَم يدركها؛ لقوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]. ومنها إلى مرحلة "الحامدين" الذين يحمدون الله في السراء والضراء، ويرون أن العطاء من العبد حرمان، وأن المنع من الله إحسان، ويستشعرون بقلوبهم وعقولهم معًا: "إذا رُزق العبد الفهم في المنع عاد المنع عين العطاء". فإذا كان ثَمّة توفيق، فهو من الله وحده؛ لقوله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53]، وإن كان غير ذلك فمن ذنوبنا وتقصيرنا، ونستغفر الله من ذلك.
5- التجرد من الحول والطول، والقوة والغنى، والعدد والعُدّة، فنبذل أقصى جهدنا في تحقيق أحسن الأسباب، ونكِل النتائج كلها إلى رب الأرباب، ولا ندع طريقًا إلى خير بلدنا وأمتنا إلا سلكناه، ونرضى عن الله تعالى فيما يقدره، مستعينين بالله تعالى ذي القوة المتين، وذي الجلال والإكرام، الذي بيده ملكوت كل شيء، ولا يجري في ملكه شيء لا يريده، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فنعيش مقام {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] بأن تتضاءل في عقولنا كل قوى الأرض أمام قوة الملك التي لا تقهر، وقوة المنهج الذي لا يتغير، وتتصاغر كل الموازين سوى مقام الله العزيز الحكيم الذي يحكم ما يريد، وهو سبحانه {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ} [السجدة: 5]، و{يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ} [الرعد: 2]..
فإن أجرى الله على أيدينا من العزة والقوة والتمكين لهذا الدين رعاية للناس وعمارة للأرض، فهذا من فضل الله علينا ليبلونا أنشكر أم نكفر؟ وإن صرف عنا شيئًا فنعود لأنفسنا مصححين، وعلى ربنا متوكلين، وبه وحده سبحانه نستعين، ونستمر في عطائنا حتى يأتينا اليقين، وتقرّ أعيننا برضا الله وجنات النعيم.
ثانيًا: المعالم الدعوية:
1- أن نقدم لقومنا خطاب الحب والود والإشفاق عليهم، وإعذارهم فيما فهموه عنا من تشويه، حيث كان النظام السابق -ولا يزال رموزه- يلطخون منهج وسيرة الإخوان والإسلاميين، ونحن نظل نردد قول الإمام حسن البنا: "ونحب أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا، وأنه حبيب إلى هذه النفوس أن تذهب فداء لعزتهم إن كان فيها الفداء، وأن تزهق ثمنًا لمجدهم وكرامتهم ودينهم وآمالهم إن كان فيها الغناء، وما أوقفنا هذا الموقف منهم إلا هذه العاطفة التي استبدت بقلوبنا، وملكت علينا مشاعرنا، فأقضت مضاجعنا، وأسالت مدامعنا، وإنه لعزيز علينا جدّ عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان أو نستكين لليأس، فنحن نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا، فنحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب، ولن نكون عليكم في يوم من الأيام، ولله الفضل والمنة، ولسنا نمتن بشيء ولا نرى لأنفسنا في ذلك فضلاً، وإنما نعتقد قول الله تعالى: {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات: 17].
وكم نتمنى -لو تنفع المنى- أن تتفتح هذه القلوب على مرأى ومسمع من أمتنا، فينظر إخواننا هل يرون فيها إلا حب الخير لهم والإشفاق عليهم والتفاني في صالحهم؟
وهل يجدون إلا ألمًا مضنيًا من هذا الحال التي وصلنا إليها؟
ولكن حسبنا أن الله يعلم ذلك كله، وهو وحده الكفيل بالتأييد الموفق للتسديد، بيده أَزِمّة القلوب ومفاتيحها، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وهو حسبنا ونعم الوكيل، أليس الله بكاف عبده؟
وأرجو أن يكون من ثوابتنا في خطاب الحب والودّ أن يوجه لكل فئات مجتمعنا مسلمين ونصارى، شبابًا وفتيات، رجالا ونساءً، عمالاً وفلاحين، أساتذة وفنيين، ولا يجوز إهمال فئة من شعبنا العظيم.
2- بث رسالة الأمل قبل العمل؛ حيث إن علاّم الغيوم وعد المؤمنين العاملين ألا يضيع أجرهم، ونكثر من النصوص الدالة على وعد الله بالنصر والعزة والكرامة، وأنه سبحانه يَقهر ولا يُقهر، وأنه سبحانه غالب على أمره، وأنه سيمنُّ على أهل مصر بخير كثير إذا وثقنا في قدرته ووعده سبحانه وبذلنا أقصى جهدنا، كما منَّ على المستضعفين في قصص القرآن وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وكما نهضت دول مثل اليابان وماليزيا وتركيا والبرازيل وجنوب إفريقيا وغيرها، وقد كانت تعاني جميعًا مثلما نعاني نحن الآن من المتآمرين في الخارج والفلول في الداخل.
3- الدعوة إلى برامج عمل تعتمد على منهجية الانتقال من الدعوة فقط إلى الدعوة مع الدولة، مستحضرين القصص القرآني عن سيدنا سليمان الملك الذي ينصر الحق بالقوة، ويلحق الدعوة بالدولة والعبادة بالقيادة، وكذلك قصة سيدنا يوسف -عليه السلام- الذي انتقل من صاحب الدعوة المتعفف الذي يدخل السجن لعفته، ويمارس الدعوة الفردية في السجن، لكنه لا يتأخر عن خدمة بلده لما ضاقت بها الموارد المالية، وتقدم للعبادة مع القيادة، وصار صاحب ملك يقوم على العدل والكفاية والإحسان..
وكذا قصص سورة الكهف التي بدأت بالدعوة مع الشباب، والدولة مع الظَّلَمَة، ولم تنته السورة إلا والدعوة والدولة معًا في ملك ذي القرنين، بعد أن مرت الدعوة بمرحلة الحوار مع الغير من خلال قصة الصاحبَيْن، كما نذكِّر ببدء الدعوة النبوية سرًّا وانتهت بدولة تدك عروش الرومان، وصارت خلافة عن النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، لا تغرب عنها الشمس، فأقامت حضارة رائعة أثّرت إيجابيًّا في العالم كله.
4- التركيز على حب وطننا مصر من زوايا خمسة لله عبادة، وللناس رعاية، وللأرض عمارة، وللقانون طاعة، وللسلطة معاونة؛ للأدلة التالية:
- لله عبادة؛ لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
- للناس رعاية؛ لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
- للأرض عمارة؛ لقوله تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61].
- للقانون طاعة فيما لا يخالف شرعًا؛ لقوله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 18].
- للسلطة معاونة فيما لا يخالف شرعًا؛ لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
وأحب أن يستحضر إخواننا وأخواتنا الدعاة والعلماء قول الشاعر:
بلادي وإن جارت عليَّ عزيزة *** وأهلي وإن ضنوا عليَّ كرام
وأيضًا نستحضر قول الشاعر أحمد شوقي:
ويا وطني لقيتك بعد يأس *** كأني قد لقيت بك الشبابـا
5- أن نبين لأهلنا في مصر أن تقدمنا لتحمل المسئولية التنفيذية في هذه الأحوال العصيبة المتردية أمنيًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا هو مغرم وليس مغنمًا؛ فمسئولية مصر الآن بعد هذا التدمير مغرم، لكنا كالشمع يحترق ليضيء الطريق لغيره، ونرضى أن نفتدي مصر وأهلها، ليس بأموالنا وجهودنا فقط بل بأرواحنا.
6- أن نذكِّر الناس جميعًا أننا اتبعنا الربانية والشورى معًا في اختيار أفضل من نظن أنه يحمل الراية ويقود سفينة مصر وسط هذه العواصف العاتية برشد وهداية، فتواصينا أيامًا وليالي بالصيام والقيام، والدعاء والتضرع لله أن يلهمنا رشدنا، ووقع الاختيار بالشورى التي أمر الله بها على خيرة أبناء الحركة دون استشراف من أحدهم ولا رغبة فيها، فإن أصبنا فلنا أجران، وإن أخطأنا فلنا أجر، ولم نخالف نصًّا بل هو من الاجتهاد في السياسة الشرعية كما كان يقول الإمام أبو حنيفة: "هذا أحسن ما قدرنا عليه".
والحمد لله أظهرت الحوادث السياسية روعة المواقف التربوية، حيث أُقصي ظلمًا وعدوانًا المهندس الشاطر، وكنا على مستوى الأحداث تخطيطًا واحتياطًا، وظهر درس من أكبر دروس التجرد لله تعالى في واقعنا المعاصر ثم خدمة لبلدنا مصر، أن يتحول الشاطر إلى مساند لأخيه المرسي في مشروع النهضة.
7- إننا نَعِد أبناء شعبنا ألا نستأثر بالإدارة أو الوزارة أو الاستشارة، وسيجد كل حر محب لبلده مكانًا واسعًا من خلال برنامج النهضة الذي يعدُّ من أركانه استيعاب كل القوى الوطنية لأجل وحدة مصر في هدف واحد وهو رفعة مصر، وكرامة أبنائها في كل الشرائح.
8- أرجو مناقشة كل الشبهات المثارة حول المنهج والمشروع وأن نتجنب أمرين:
(أ‌) ألا نرد عن أشخاصنا اتباعًا لمنهجية: "إذا هوجم الإسلام انتفضنا، وإذا هوجم الأشخاص احتسبنا".
(ب‌) أن نلتزم أرفع الأخلاق في الإحسان لمن أساء، أن نعفو عمن ظلمنا، وأن نعطي من حرمنا، وأن نصل من قطعنا، وأن نحفظ حسن العشرة لمن كان معنا، وأن نتجنب تجريح الأشخاص والهيئات، والتشهير بمن شهّر بنا، فكل إناء بما فيه ينضح. ولا بد أن يبقى دلونا عذبًا فراتًا، لا ملحًا أجاجًا، ولا بد أن نتشبع بالإحسان كعفو سيدنا يوسف عن إخوته الذين دبروا لقتله صغيرًا، واتهموه بالسرقة كبيرًا، لكنه كافأهم بقوله: {لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 92].
فأمامنا مشروع يوجب أن نستنفد له كل الطاقات المخلصة من بلدنا دون أن يشغلنا ما يثيره المتحاملون علينا، ولنتذكر أننا لو كنا مؤمنين، فإن الله تعالى يقول: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج: 38].
(ت‌) أخيرًا أننا سنبذل أعظم الأسباب ونرضى بالنتائج من رب الأرباب، ونعدُ بالتعاون مع أي مسئول مخلص لمصر وأهلها يسعى لتحقيق أهداف ومطالب ثورة الأحرار في 25 يناير 2011م، وسنواصل السير معًا، سواء كنا جنودًا أم قادة؛ لأننا يشهد الله جعلنا الله غايتنا، والرسول صلى الله عليه وسلم قدوتنا، ونهضة مصر وإسعاد أهلها أكبر همِّنا.
نسأل الله تعالى أن يجمعنا على ما يرضيه، وأن يستعملنا في أحب الأعمال إليه، وأن يهدينا جميعًا سواء السبيل.. والله الموفق.