لا يستطيع أحد إنكار ما أحدثته الانترنت من ثورة في مجال المعلومات ما يجعلها من أعظم وسائل نشر العلم و تنوير العقول إلا أن هذه العظمة لا تخلو من عيوب جسيمة بل مدمرة ساهمت في إحداث الكثير من التغييرات السلبية على التفكير و السلوك الإنساني بصفة عامة. أليست الانترنت من ساهم في تفشي المواقع الإباحية و إدمان الشباب لها؟ أليست الانترنت من جعل الشباب يميل عن طلب العلم و تثقيف الذات إلى الانغماس لساعات طويلة في محاولة البحث و تحميل الأفلام الإباحية؟ و ليس من المنصف أن نعمم القول بلفظ الشباب إلا أن الأرقام مفزعة و خاصة في الدول العربية إذ بينت بعض الإحصائيات أن بعض الدول العربية تحتل المراتب الأولى من حيث الإقبال على هذه المواقع كما أن الأرقام مفزعة فيما يتعلق بانتشار هذه المواقع نفسها التي تجاوز عددها ال500 مليون موقع حتى 2005 و الأرقام في تزايد مستمر
تعريف إدمان المواقع الإباحية:
إدمان المواقع الإباحية أو ما يسمى علميا بالإعتمادية الإباحية هو إدمان سلوكي يقتضي الانغماس لأوقات طويلة في البحث عن المشاهد و الأفلام التي تعتمد مشاهد الجنس كموضوع أساسي دون قصة أو حبكة تذكر و قد يصل الأمر بالمدمن إلى الجلوس لساعات طويلة أمام شاشة الكمبيوتر في البحث و التحميل و المشاهدة دون الوصول إلى إشباع حقيقي لرغباته و هي حالة مرضية تستدعي وقفة جادة من قبل الشخص نفسه و المحيطين به إذا تم التفطن إلى الأمر. و أثبتت الدراسات أن هذا الإدمان السلوكي شبيه جدا بل أشد فتكا من إدمان الخمر و المخدرات لما يحدثه من تغييرات كيميائية في الدماغ و قد تم إثبات أن هذه التغييرات الكيميائية شديدة الشبه بالتغييرات الناتجة عن الممارسة الجنسية الطبيعية الأمر الذي يمهد لحصول إدمان كيميائي بامتياز.
الأسباب:
من أهم عوامل تفشي الإدمان على المواقع الإباحية هو أسلوب هذه المواقع نفسها في جذب الزوار إذ أصبحت بعض هذه المواقع تلاحقك حتى في بريدك الإلكتروني من خلال الإعلانات و غيرها من الروابط كما أن الدخول إلى هذه المواقع لا يتطلب خبرة كبيرة في مجال النت و هي تكاد تكون خبرة عامة متاحة لكافة مستخدمي الحاسوب العاديين و الأمر الأخطر من ذلك هو أن الموقع العادي المخصص للألعاب أو غيرها من وسائل الترفيه قد يتحول إلى مصيدة من الصعب مقاومتها خاصة في المرة الأولى الأمر الذي يتوجب يقظة و حزما من قبل الأبوين خاصة عند جلوس الأطفال للعب على الجهاز فالطفل أو المراهق لن يكون اقل فضولا من الكبار. كما أن بعض هذه المواقع و بمجرد دخول المتصفح إلى محتواها قد يصعب عليه الخروج ثانية من خلال حيل تقنية مثل اصطياد الفأرة التي لن يستطيع المنصفح إخراجها من حدود الصفحة أو فتح صفحة جديدة كلما أغلقت الصفحة إضافة إلى كل الأساليب المتنوعة لجلب المتصفحين الأمر الذي يجعل مقاومة دخول الصفحة أمرا شديد الصعوبة و بذلك تتالى المرات و يتطور السلوك الطبيعي إلى إدمان حقيقي. و من الناحية النفسية يعتبر غياب الوازع الديني السبب الرئيسي لمشاهدة المواقع الإباحية كما تعتبر الحاجة الملحة لإشباع الرغبات الجنسية المتزايدة من أبرز أسباب الإدمان إلا أن الأمر الذي يجهله المدمن هو أن المشاهدة لن تشبع رغبته بل ستزيدها اشتعالا و سيحتاج تدريجيا إلى قضاء أوقات أطول أمام النت للحصول على الإشباع المأمول ثم تتطور الامور إلى أن تصبح بحثا عن المشاهد الأكثر شذوذا و قد يصل به الأمر على محاولة التفعيل الجنسي للمشاهد الأمر الذي قد يؤدي به إلى مشاكل نفسية و اجتماعية لا حصر لها.و لو قلنا أن هذا الإدمان أمر شبه عادي في المجتمعات الغربية و هو في نهاية المطاف يجعل المدمن يميل عن اتباع العلاقات الطبيعية الصحية إلى طرق أخرى تزيد من إدمانه و إبعاده عن الواقع إلا أن المجتمعات العربية مختلف جدا ففرص العلاقات الطبيعية محدودة جدا لدى الشباب بسبب صعوبة الزواج فتصبح المشاهد الإباحية أيسر طريقة لإشباع الرغبة.
النتائج:
على المستوى الفردي لا ينحصر تأثير المشاهدة للمواقع الإباحية في مجرد الوقوع في الخطأ و المرور بسلام بل يتجاوز ذلك إلى أمور أخطر إذ يصبح المدمن تحت التأثير المستمر لمخيلته المرتبطة بتلك المشاهد مما يجعل الشعور بالرضا الجنسي و الإشباع المثالي للرغبة أمرا شبه مستحيل و هو ما يمثل خطرا محدقا بالحياة الزوجية أما للمقبلين على الزواج فسيكون من الصعب جدا الإرتباط بشريك واحد لأن الرغبة الملحة في التغيير ستجعل الامر شديد التعقيد كما أن العديد من مدمني المواقع الإباحية يقعون في شراك الاضطرابات الشاذة للسلوك الجنسي الأمر الذي يجعل من العلاقة الطبيعية بين رجل و امرأة أمرا صعب المنال. كل ذلك إلى جانب مشاعر الخجل و الشعور بالذنب التي تمزق المدمن و خوفه الدائم ممن حوله و من أن ينكشف أمره مما يجعله في حالة متواصلة من التوتر و العصبية نظرا للسرية التامة التي يحيط بها نفسه مما يؤثر على المزاج و العلاقات . أما على المستوى الإجتماعي فيؤدي هذا الإدمان إلى خلل واضح في الهوية وفي الميول الجنسية كما يؤدي إلى اقتران الجنس بالعنف مما يؤدي إلى حالات متزايدة من الإغتصاب أو التحرش بالأطفال و غيرها من السلوكيات غير السليمة التي شهدت تزايدا غير مسبوق عي عالمنا العربي في السنوات الأخيرة نظرا للتفشي الوبائي لإدمان المواقع الإباحية.