السلام عليكم ورحمة الله وبركاته آثار الذنوب والمعاصي على الإنسان العاصي ) لإمام ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالي في كتابه ) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ) وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله : حرمان العلم فإن العلم نور يقذفه الله في القلب والمعصية تطفىء ذلك النور ولما جلس الإمام الشافعي بين يدي مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته وتوقد ذكائه وكمال فهمه فقال: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بظلمة المعصية .وقال الشافعي رحمه الله تعالي : شكوت إلى وكيع سوء حفظي ** فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال اعلم بان العلم فضل ** وفضل الله لايؤتاه عاصي حرمان الرزق قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ولا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر." أو كما قال صلي الله عليه وسلم كما أن تقوى الله مجلبة للرزق فترك التقوى مجلبة للفقر فما استجلب رزق بمثل ترك المعاصي . قال الله تعالى : وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وقال الله تعالى: وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وحشه يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله لايوازنها ولايقارنها لذة أصلا ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تف بتلك الوحشة وهذا أمر لا يحس به إلا من في قلبه حياة وما لجرح بميت إيلام فلو لم تترك الذنوب إلا حذرا من وقوع تلك الوحشة لكان العاقل حريا بتركها .وشكا رجل إلى بعض العارفين وحشة يجدها في نفسه فقال له:إذا كنت قد أوحشتك الذنوب ** فدعها إذا شئت واستأنس الوحشة التي تحصل بينه وبين الناس ولاسيما أهل الخير منهم فإنه يجد وحشة بينه وبينهم وكلما قويت تلك الوحشة بَعُد منهم ومن مجالستهم وحرم بركة الانتفاع بهم وقرب من حزب الشيطان بقدر ما بعد من حزب الرحمن وتقوى هذه الوحشة حتى تستحكم فتقع بينه وبين امرأته وولده وأقاربه وبينه وبين نفسه فتراه مستوحشا من نفسه وقال بعض السلف إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي . تعسير الأمور عليه فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقا دونه أو متعسرا عليه وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا فمن عطل التقوى جعل الله له من أمره عسرا ويالله العجب ! كيف يجد العبد أبواب الخير والمصالح مسدودة عنه متعسرة عليه وهو لايعلم من أين أتى؟ ظلمة يجدها العاصي في قلبه حقيقة يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم ادلهَمّ فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسية لبصره فإن الطاعة نور والمعصية ظلمة وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته حتى يقع في البدع والضلالات والأمور المهلكة وهو لا يشعر كأعمى خرج في ظلمة الليل يمشي وحده وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين ثم تقوى حتى تعلو الوجه وتصير سوادا فيه حتى يراه كل أحد قال الإمام عبد الله بن عباس وارضاه : "إن للحسنة ضياء في الوجه ونورا في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق وإن للسيئة سوادا في الوجه وظلمة في القلب ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق" المعاصي توهن القلب والبدن أما وهنها للقلب فأمر ظاهر بل لاتزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية وأما وهنها للبدن فإن المؤمن قوته في قلبه وكلما قوى قلبه قوى بدنه وأما الفاجر فإنه وإن كان قوى البدن فهو أضعف شيء عند الحاجة فتخونه قوته عند أحوج ما يكون إلى نفسه وتأمل قوة أبدان فارس والروم كيف خانتهم عند أحوج ما كانوا إليها وقهرهم أهل الإيمان بقوة أبدانهم وقلوبهم؟ حرمان الطاعة فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا أن يصد عن طاعة تكون بدله وتقطع طريق طاعة أخرى فينقطع عليه طريق ثالثة ثم رابعة وهلم جرا فينقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها وهذا كرجل أكل أكلة أوجبت له مرضة طويلة منعته من عدة أكلات أطيب منها والله المستعان .. المعاصي تقصر العمر وتمحق بركته ولابد فإن البر كما يزيد في العمر فالفجور يقصر العمر وقد اختلف الناس في هذا الموضع :فقالت طائفة: نقصان عمر العاصي هو ذهاب بركة عمره ومحقها عليه وهذا حق وهو بعض تأثير المعاصي .وقالت طائفة: بل تنقصه حقيقة كما تنقص الرزق فجعل الله سبحانه للبركة في الرزق أسبابا كثيرة تكثره وتزيده وللبركة في العمر أسبابا تكثره وتزيده قالوا: ولا يمتنع زيادة العمر بأسباب كما ينقص بأسباب فالأرزاق والآجال والسعادة والشقاوة والصحة والمرض والغنى والفقر وإن كانت بقضاء الربّ عز وجل فهو يقضي ما يشاء بأسباب جعلها موجبة لمسبباتها مقتضية لها . وقالت طائفة: أخرى تأثير المعاصي في محق العمر إنما هو بأن حقيقة الحياة هي حياة القلب ولهذا جعل الله سبحانه الكافر ميتا غير حي كما قال تعالى: {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ} فالحياة في الحقيقة حياة القلب وعمر الإنسان مدة حياته فليس عمره إلا أوقات حياته بالله فتلك ساعات عمره فالبر والتقوى والطاعة تزيد في هذه الأوقات التي هي حقيقة عمره ولا عمر له سواها ..وبالجملة فالعبد إذا أعرض عن الله واشتغل بالمعاصي ضاعت عليه أيام حياته الحقيقية التي يجد ِغبّ إضاعتها يوم يقول: {يا ليتني قدمت لحياتي} فلا يخلوا إما أن يكون له مع ذلك تطلع إلى مصالحه الدنيوية والأخروية أو لا فإن لم يكن له تطلع إلى ذلك فقد ضاع عليه عمره كله وذهبت حياته باطلا وإن كان له تطلع إلى ذلك طالت عليه الطريق بسبب العوائق وتعسرت عليه أسباب الخير بحسب اشتغاله بأضدادها وذلك نقصان حقيقي من عمره . المعصية تزرع أمثالها وتولد بعضها بعضا ( تولد أختها ) حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها كما قال بعض السلف: إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها وأن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها فالعبد إذا عمل حسنة قالت أخرى إلى جنبها: اعملني أيضا فإذا عملها قالت الثالثة كذلك وهلم جرا فيتضاعف الربح وتزايدت الحسنات وكذلك كانت السيئات أيضا حتى تصير الطاعات والمعاصي هيئات راسخة وصفات لازمة وملكات ثابتة فلو عطل المحسن الطاعة لضاقت عليه نفسه وضاقت عليه الأرض بما رحبت وأحس من نفسه بأنه كالحوت إذا فارق الماء حتى يعاودها فتسكن نفسه وتقر عينه ولو عطل المجرم المعصية وأقبل على الطاعة لضاقت عليه نفسه وضاق صدره وأعيت عليه مذاهبه حتى يعاودها حتى إن كثيرا من الفساق ليواقع المعصية من غير لذة يجدها ولا داعية إليها إلا لما يجد من الألم بمفارقتها كما صرح بذلك شيخ القوم الحسن بن هاني حيث يقول: وكأس شربت على لذة ** وأخرى تداويت منها بها وقال الآخر: فكانت دوائى وهي دائي بعينه ** كما يتداوى شارب الخمر بالخمر لا يزال العبد يعاني الطاعة يألفها ويحبها ويؤثرها حتى يرسل الله سبحانه وتعالى برحمته عليه الملائكة تؤزه إليها أزا وتحرضه عليها وتزعجه عن فراشه ومجلسه إليها ولايزال يألف المعاصي ويحبها ويؤثرها حتى يرسل الله عليه الشياطين فتؤزه إليها أزا فالأول قوى جند الطاعة بالمدد فصاروا من أكبر أعوانه وهذا قوى جند المعصية بالمدد فكانوا أعوانا عليه. المعصية تضعف القلب عن إرادته فتقوى إرادة المعصية وتضعف إرادة التوبة شيئا فشيئا إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية فلو مات نصفه لما تاب إلى الله فيأتي بالاستغفار وتوبة الكذابين باللسان بشيء كثير وقلبه معقود بالمعصية مصر عليها عازم على مواقعتها متى أمكنه وهذا من أعظم الأمراض وأقربها إلى الهلاك. يتسلخ من القلب استقباحها فتصير له عادة ينسلخ من القلب استقباحها فتصير له عادة فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له ولا كلامهم فيه وهو عند أرباب الفسوق هو غاية التفكه وتمام اللذة حتى يفتخر أحدهم بالمعصية ويحدث بها من لم يعلم أنه عملها.. فيقول: يا فلان عملت كذا وكذا وهذا الضرب من الناس لا يعافون ويسد عليهم طريق التوبة وتغلق عنهم أبوابها في الغالب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي معافا إلا المجاهرين وإن من الإجهار أن يستر الله العبد ثم يصبح يفضح نفسه ويقول: يا فلان عملت يوم كذا وكذا كذا وكذا فتهتك نفسه وقد بات يستره ربه" كل معصية في ميراث عن أمة من الأمم التي أهلكها الله عز وجل فاللواط ميراث عن قوم لوط.. وأخذ الحق بالزائد ودفعه بالناقص ميراث عن قوم شعيب.. والعلو في الأرض بالفساد ميراث عن قوم فرعون.. والتكبر والتجبر ميراث عن قوم هود.. فالعاصي لابس ثياب بعض هذه الأمم وهم أعداء الله وقد روى عبد الله بن أحمد في كتاب الزهد لأبيه عن مالك بن دينار وارضاهم قال:"أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل أن قل لقومك لا يدخلوا مداخل أعدائي ولا تلبسوا ملابس أعدائي ولا تركبوا مراكب أعدائي ولا يطعموا مطاعم أعدائي فيكونوا أعدائي كما هم أعدائي" وفي مسند أحمد من حديث عبد الله بن عمر ا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم" المعصية سبب لهوان العبد علي ربه وسقوطه من عينه قال الحسن البصري رحمه الله تعالي : هانوا عليه فصعوه ولو عزوا عليه لعصمهم وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد كما قال الله تعالى: وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ وإن عظمهم الناس في الظاهر لحاجتهم إليهم أو خوفا من شرهم فهم في قلوبهم أحقر شيء وأهونه .. العبد لا يزال يرتكب الذنوب حتي يهون عليه ويصغر في قلبه وذلك علامة الهلاك فإن الذنب كلما صغر في عين العبد عظم عند الله وقد ذكر البخاري في صحيحه عن ابن مسعود وارضاه قال الرسول صلي الله عليه وسلم : " إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا فطار" أو كما قال صلي الله عليه وسلم أن غيره من الناس والدّواب يعود عليه شؤم ذنبه فيحترق هو وغيره بشؤم الذنوب والظلم قال أبو هريرة: إن الحبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم وقال مجاهد: إن الهائم تلعن عصاة بنى آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر وتقول: هذا بشؤم معصية ابن ادم .وقال عكرمة: دواب الأرض وهوامها حتى الخنافس والعقارب يقولون: منعنا القطر بذنوب بني آدم.فلا يكفيه عقاب ذنبه حتى يبوء بلعنه من لا ذنب له . المعصية تورث الذل ولابد فإن العز كل العز في طاعة الله تعالى قال الله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً أي فليطلبها بطاعة الله فإنه لا يجدها إلا في طاعة الله وكان من دعاء بعض السلف: "اللهم أعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك" قال الحسن البصري رحمه الله تعالي : إنهم وإن طقطقت بهم البغال وهملجت بهم البراذين إن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم أبى الله إلا أن يذل من عصاه وقال الإمام عبد الله بن المبارك رضي الله عنه وارضاه : رأيت الذنوب تميت القلوب ** وقد يورث الذل إدمانها وترك الذنوب حياة القلوب ** وخير لنفسك عصيانها وهل أفسد الدين إلا الملوك ** وأحبار سوء ورهبانها؟ إن المعاصي تفسد العقل فإن للعقل نورا والمعصية تطفيء نور العقل ولابد وإدا طفئ نوره ضعف ونقص وقال بعض السلف: ما عصى الله أحد حتى يغيب عقله .وهذا ظاهر فإنه لو حضره عقله لحجزه عن المعصية وهو في قبضة الرب تعالى أو قهره هو مطلع عليه وفي داره وعلى بساطه وملائكته شهود عليه ناظرون إليه وواعظ القرآن ينهاه وواعظ الإيمان ينهاه وواعظ الموت ينهاه وواعظ النار ينهاه والذي يفوته بالمعصية من خير الدنيا والآخرة أضعاف أضعاف ما يحصل له من السرور واللذة بها فهل يقدم على الاستهانة بذلك كله والاستخفاف به ذو عقل سليم . أن الذنوب إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين كما قال بعض السلف: في قوله تعالى: {كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} قال هو الذنب بعد الذنب وقال الحسن: هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب وقال غيره: لما كثرت ذنوبهم ومعاصيهم أحاطت بقلوبهم وأصل هذا أن القلب يصدأ من المعصية فإذا زادت غلب الصدأ حتى يصير رانا ثم يغلب حتى يصير طبعا وقفلا وختما فيصير القلب في غشاوة وغلاف فإذا حصل له ذلك بعد الهدى والبصيرة انتكس فصار أعلاه أسفله فحينئذ يتولاه عدوه ويسوقه حيث أراد. الذنوب تدخل العبد تحت لعنة الرسول صلي الله عليه وسلم حرمان دعوة الرسول صلي الله عليه وسلم والملائكة عقوبات المعاصي ما رواه البخاري في صحيحه من حديث سمرة بن جندب وارضاه قال"كان النبي صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول لأصحابه هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا فيقص عليه ما شاء الله أن يقص وإنه قال لنا ذات غداة: إنه أتاني الليلة آتيان وإنهما انبعثا لي وإنهما قالا لي: انطلق وإني انطلقت معهما وإنا أتينا على رجل مضطجع وإذا آخر قائم عليه بصخرة وإذا هو يهوي بالصخرة لرأسه فيثلغ رأسه فيتدهده الحجر هاهنا فيتبع الحجر فيأخذه فلا يرجع إليه حتى يصح رأسه كما كان ثم يعود عليه فيفعل به مثل ما فعل في المرة الأولى قال: قلت لهما: سبحان الله ما هذا؟ قالا لي: انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على رجل مستلق لقفاه وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه ويشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل في المرة الأولى قال: قلت: سبحان الله ما هذان؟ فقالا لي: انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على مثل التنور وإذا فيه لغط وأصوات قال: فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضووا فقال: قلت لهم من هؤلاء؟ قالا لي: انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على نهر أحمر مثل الدم فإذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة وإذا ذلك السابح يسبح ما شاء الله أن يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة فيغفر له فاه فيلقمه حجرا فينطلق فيسبح ثم يرجع إليه كلما رجع إليه فيغفر له فاه فيلقمه حجرا قلت لهما: ما هذان؟ قالا لي: انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا على رجل كريه المرآة أو كأكره راء رجلا مرأى وإذا هوعنده نار يحشها ويسعى حولها قال: قلت لهما: ما هذا؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق فانطلقنا حتى أتينا على روضة معتمة فيها من كل نور الربيع وإذا بينظهراني الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولا في السماء وإذا حول الرجل من أكثر ولدان رأيتهم قط قال: قلت: ما هذا؟ ما هؤلاء؟ قال: قالا لي: انطلق انطلق فانطلقنا فأتينا إلى دوحة عظيمة لم أرى دوحة قط أعظم منها ولا أحسن قال: قالا لي: ارق فيها فارتقينا فيها إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة قال: فأتينا باب المدينة فاستفتحنا ففتح لنا فدخلناها فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر منهم كأقبح ما أنت راء قال: قالا لهم: اذهبوا فقعوا في ذلك النهر قال: وإذا نهر معترض يجري كأن ماءه المحض في البياض فذهبوا فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا وقد ذهب ذلك السوء عنهم قال: قالا لي: هذه جنة عدن وهاذاك منزلك قال: فسما بصري صعدا فإذا قصر مثل الربابة البيضاء قال: قالا لي: هذا منزلك قلت لهما: بارك الله فيكما فذراني فأدخله قالا: أما الآن فلا وأنت داخلة قلت لهما: فإني رأيت منذ الليلة عجبا فما هذا الذي رأيت قال: قالا لي: أما إنا سنخبرك أما الرجل الأول الذي أتيت عليه يثلغ رأسه بالحجر فإنه الرجل يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلوة المكتوبة وأما الرجل الذي أتيت عليه يشرشر شدقه إلى قفاه ومنخره إلى قفاه وعينه إلى قفاه فإنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق وأما الرجال والنساء العراة الذين هم في مثل بناء التنور فإنهم الزناة والزواني وأما الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ويلقم الحجارة فإنه آكل الربا وأما الرجل الكريه المرآة الذي عند النار يحشها ويسعى حولها فإنه مالك خازن جهنم وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة" وفي رواية البرقاني: ولد على الفطرة فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولاد المشركين وأما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح فإنهم قوم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا تجاوز الله عنهم" . سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام علي المرسلين والحمد لله رب العالمين