الخلافات الزوجية .. مسؤولية من ؟!!

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : أحمد حسين الشيمي | المصدر : www.wafa.com.sa

 
خطى المجتمع السعودي خلال العقود الماضية خطوات هائلة نحو التقدم والرقي، جراء التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي شهدها، والتي أثمرت عن توسع ملموس في حقوق المرأة، كما ألقت تلك التغيرات بظلالها على الأسرة بصفة عامة، وأدت إلى بروز الخلافات الزوجية بشكل واضح، مما نتج عنها في بعض الحالات تفكك أسري وتزايد كبير في حالات الطلاق. 
 
 ولا شك في أن الخلافات البسيطة التي تحدث داخل الأسرة بصورة مستمرة وتنتهي سريعاً بزوال أسبابها، تعطي رصيداً وخبرة للزوج والزوجة في كيفية التعامل معها، فهي أمور زوجية طبيعية لا يخلو منها أي بيت، مهما كان التوافق بين الزوجين، لكن الخلافات الزوجية الطويلة هي الأخطر على المجتمع، والتي يكون لها تأثيرات سلبية مهددة لسلامة المجتمع.
 
في التحقيق التالي يحاول (موقع وفاء لحقوق المرأة ) استطلاع آراء المفكرين الإسلاميين والمتخصصات في شؤون المرأة للوقوف على أسباب تلك الخلافات، وهل تجاوزها يقع على عاتق الزوجة أم الزوج أم الإثنين معاً، وكيف يمكن التعامل معها بصورة شافية تجعلها تمر مرور الكرام دون تأثير على بنية الأسرة.
  أسباب عديدة:  
 
 
 بداية تذكر الأستاذة نادية الشيمي الباحثة المهتمة بقضايا المرأة أن الخلافات الزوجية تزايدت في الآونة الأخيرة بشكل ملحوظ، وأصبحت ظاهرة تستدعي النظر والاهتمام.
 
وأضافت أن تلك الظاهرة تقف وراءها جملةً من الأسباب التي ترسخت في المجتمع وصارت جزءاً لا ينفصل عنه، منها على سبيل المثال :
 
 1-  سوء الاختيار: أحد الطرفين أو كليهما، أقام اختياره، على أساس ضعيف أو من غير أساس في بعض الأحيان،  سواء القرابة، أو التوافق المادي مثلاً وتغافل أساسيات أخرى مثل : التوافق العقلي والعلمي ثم يصطدم أحدهما أو كليهما بحقيقة الآخر، وتنشأ مشكلة جديدة، ثم تتراكم مشكلات أخرى، مما يؤدى إلى الانفصال، لاستحالة الحياة.
 
 2-      تأثير الظروف الاجتماعية : من الممكن أن يكون لها دوراً كبيراً, خاصة
 
بعد تدخل أحد من المقربين في شئونهم الشخصية مثل الأم, الأخت، أو الأب، في أمر من الأمور بطريقة خاطئة، مما يسبب القلق للطرفين، بقصد أو بغير قصد، مما يكون له أثر كبير على العلاقة بين الزوجين، وفى النهاية انهيارها.
 
 3- الظروف الاقتصادية : من الممكن أن تكون حالة الزوج الاقتصادية أو الزوجة سببــاً لوجود خلافات، بتغير النظرة بين الطرفين على أساس الأفضلية، والتعالي أو عدم الفهم والغيرة أو عدم وجود قناعة من الزوجة بما ينفقه الزوج، والعكس فقد يشعر الزوج ببذخ من ناحية الزوجة في المصروفات.
 
وتضيف الشيمي أن كلا الطرفين يتحمل المسؤولية عن عدم حل هذه المشكلات بسرعة، لاسيما أن الزواج علاقة مشتركة، يتحمل تبعاتها الزوج والزوجة معاً، وهي أسمى علاقة على وجه الأرض وهي آية من آيات الله في الكون.
 
مشددة إلى ضرورة أن تُبنى العلاقة الزوجية على أُسس قويمة، ولابد أن يتوافر للشاب والفتاة المقبلين على الزواج مرجعاً يتعلمون منه فن اختيار الزوج أو الزوجة, وكيفية بناء هذه العلاقة على أساس تعليمات ديننا الحنيف، التي تحدد لكل منهما دوره ومسؤولياته وواجباته تجاه الآخر، والعمل على استمرارها بنجاح  وكيفية مواجهة أي مشكلة تعترضهم في حياتهم، ولا تترك لمجرد الصدفة، حتى يسلم الإنسان والأفراد ومن ثم المجتمع ككل.
 دروس نبوية :
 
 بدوره يذكر المفكر الإسلامي الدكتور طارق عبد الحليم أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، كان، وسَيظل، مثلاً أعلى للإنسان، في كل جوانب الحياة البشرية، كما كان القرآن هو خُلُقه وطَبيعته وتصَرّفاته، ومن هنا كانت تصرفاته صلى الله عليه وسلم، مثلاً يحتذى لكل مسلمٍ في علاقته بأهله، وفي بيته.
 
 وقد عُرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان مع زوجاته هيناً ليناً متودداً، يظهر الحب لهم والشفقة عليهم، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يتحدث بالحب لعائشة، ويمازحها ويلاعبها ويسابقها، ويشرب محل فيها من الكوب، ويأكل محل ما تتعرّق من العظم، ولا يظن الظان أن عائشة وحدها هي التي حظيت بكل الاهتمام والحب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل الأمر أن عائشة كانت من أكثر الصحابة رواية لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فروَت عنه حاله في بيته، وكل بيوتاته صلى الله عليه وسلم.  
 
   وكبشرٍ من البشر، وهو أفضلهم، كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مواقفَ معيّنة مع أهل بيته، مما يُعتبر من المشكلات التي تواجه الأزواج، نلحظ منها اثنتين، أختلف فيهما ردّ فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الحلم والتغاضي، إلى الغضب والمفارقة.
 
أولاهما: ما ورد عند النسائي وغيره من حديث أنس قال : "كان النبي صلى الله عليه و سلم عند إحدى أمهات المؤمنين فأرسلت أخرى بقصعة فيها طعام فضربت يد الرسول فسقطت القصعة فانكسرت فأخذ النبي صلى الله عليه و سلم الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى فجعل يجمع فيها الطعام ويقول غارت أمكم كلوا فأكلوا فأمسك حتى جاءت بقصعتها التي في بيتها فدفع القصعة الصحيحة إلى الرسول وترك المكسورة في بيت التي كسرتها"
 
 نرى في هذه الحادثة، حلم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمّ المؤمنين، رغم تصرّفها العنيف، الذي نَشأ من الغِيرة الفطرية، التي لا مجال للتخلص من أثرها.
 
أما الحادثة الأخرى، فنجد أن تصرف رسول الله قد اختلف كلية، من الحلم والتغاضي إلى الغضب والمفارقة، نظراً لخطورة الواقعة وتعديها إلى المسّ بمكانة الزوج، وحقه في حفظ خصوصياته، وهي الحادثة الشهيرة التي نزل فيها قرآن يُتلى في سورة التحريم.
 
وقصتها كما في طبقات بن سعد عن شعبة قال "سمعت بن عباس يقول خرجت حفصة من بيتها وكان يوم عائشة فدخل رسول الله بجاريته وهي مخمر وجهها فقالت حفصة لرسول الله أما إني قد رأيت ما صنعت فقال لها رسول الله فاكتمي عني وهي حرام فانطلقت حفصة إلى عائشة فأخبرتها وبشرتها بتحريم القبطية فقالت له عائشة أما يومي فتعرس فيه بالقبطية وأما سائر نسائك فتسلم لهن أيامهن فأنزل الله وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا لحفصة فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير". وقد كانت غَضبة رسول الله شديدة، إذ لمست هذه الوقعة أمراً لا يصحّ السكوت عليه، وهو التجسس ونقل الأخبار والتظاهر على الزوج، وهذا يخرُج عن نطاق الغيرة الساذجة الآنية، إلى التدبير المُسبق، فكان أن اعتزلهُنّ، وسارت شائعة طلاقهِنّ كالنار في الهشيم.
 
وهاتان الوقعتان، اللتان كان تصرّف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهما بصفته زوجٍ لا رسول، تنبـآن عن ضرورة إعطاء كل مشكلة قدرها، وأن الشدة لا تكون بالقهر والإهانة، وأن إعطاء الفرصة للزوجة لتتوب وتعود هو من الخلق الأقوم.
 
 ويضيف المفكر الإسلامي أن مسؤولية إقامة حياة زوجية مستقرة تقع على عاتق الرجل والمرأة كليهما، كلّ حسب دوره وفي حدود مسؤولياته، فإن بحث سبب المشكلة والتعرف عليها ضروري لتصحيح العلاقة، وهو ما أرى أنه من واجب الرجل
 
ابتداءاً، لقدرته على النظر العام، إذ المرأة أفضل في تناول الجزئيات، والرجل أفضل في التعامل بالكليات.
 
ثم إن معالجة المشكلات لا يكون بالتعامل معها واحدة بواحدة، قدر ما يكون بتحديد السبب الرئيس وراءها كلها، ثم بيانه، ثم العمل على اقتلاعه، أو تخفيف أثره، والرجل هو القائد في هذا المجال، نظراً وبياناً.
 
ويجب على الرجل أن لا يبخل على زوجته بالكلمة الحُلوة والإشارة المُعبّرة، واللمسَة الرقيقة، والنظرة المتوددة، وعليه أن يعلم أن ليس في ذلك ما ينقص من قدر رجولته، بل العكس، فإن من لا يفعل ذلك مطعون في فحولته ابتداءاً.
 
ثم إن على المرأة أن تعلم أن الرجل، مهما كان، هو طفلٌ صغير في داخله، يحب أن يستمع إلى كلمات التشجيع والإكبار والتقدير لجهده، وإن قل، فإن في ذلك مادة ترضى غروره الطّبعيّ، وتجعله يحافط على مصدر هذه المادة.
 
ويجب أن نعلم أن لكل جنس خصوصية في الفهم والتقدير وطريقة التعامل والفهم، بناها الله سبحانه ملائمة لدواعي الطبيعة والفطرة ومنظومة الحقوق والواجبات، وهو ما يجب أن يراعيه الطرفان في التعامل بينهما، فما يراه الزوج مضحكاً، قد لا ترى الزوجة فيه أدنى فكاهة، وما يراه الزوج مهماً، كأحداث السياسة أو الرياضة، لا تراه الزوجة أكثر من مصدر إزعاجٍ وهمّ!.
 
من هنا يجب على الرجل والمرأة أن يميزا بين ما هو مشتركٌ عامٌ بين الناس، كالاهتمام بالذرية، وتقدير الحسن من الأمور ومحبة دين الله، وبين ما هو شخصيّ بخصوصية الفرد أو الجنس.
   الوقاية خير من العلاج:
 
 
 وشدد عبد الحليم على ضرورة أن يحسن المرء اختيار شريك حياته، هو أفضل طرق الوصول إلى الحياة الزوجية المستقرة، وقد أوضح الإسلام ما يجب اتباعه في مجال الوقاية، وما يجب في مجال العلاج.
 
ففي مجال الوقاية، وجهنا الإسلام إلى مراعاة التكافؤ، والتكافؤ يكون في أمور كثيرة، كالتكافؤ الاجتماعي والتعليميّ والعقليّ، الذي يجب أن يراعى قدر المستطاع.
 
ومتى تكافأ الزوجان، اختفت مشاكلٌ عدة من على سطحِ العلاقة الزوجية.
 
ثم إن الزوجة الصالحة هي خير متاع الحياة، كما صح في مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة".
 
 والصلاح المقصود هنا ليس هو الصلاح المتعلق بالصوم والصلاة فقط ، فإن في هذا صلاحٌ للمرأة ذاتها، بل هو الصلاح من ناحية كونها زوجة بالذات، إذ إلحاق الحال بوصفٍ معينٍ يقيده بهذا الوصف كما هو معلوم. ويقال نفس القول بالنسبة للرجل.
 
 ولا نغفل هنا عن أن نوجه الشباب الذي يُقدِم على الزواج أن يستمع إلى نصيحة الوالدين، فإنهما أكثر خبرة وأعلم بشؤون الحياة منه، ولا يركبه الغرور الموبق، أن جيلَهم يختلف عن جيلنا وأنهم لا يتفهمون مشكلاتنا، فإن هذا غرورٌ مقيت لا يؤذى إلا صاحبه.
 
ولهذا وجّه الإسلام إلى طاعة الوالدين، وفرض الولي، فإنهما أعلم بالأفضل، ومشكلات الحياة الزوجية هي هي مهما تطاول الزمن وتباعدت الأجيال.
 
 ومن ناحية العلاج، فإن الإسلام، إن صَحّ فهم قواعِده وتوجيهاته، يقيم هذه العَلاقة على أساس من الاحترام المتبادل، والمودة والمُحبة، لا على التشاكسِ والتناحُرِ والعَداء.
 
ومن الضروري أن يكون فهم أساس المشكلات هو الخطوة الأولى لعلاجها، كذلك الاستعانة بالصديق والقريب للتوفيق، إن عَجز الزوجان عن الحل، هو مما وجه إليه الإسلام، ومن أهم الأمور أن يقصد الزوجان إلى دراسة الإسلام، والتعمق فيه، فإن في ذلك تحجيمٌ للتافه من الأمور التي تعكر صفو الحياة الزوجية، ويدفع إلى توجيه الاهتمام إلى الأهم من تنشئة الأبناء، والتقرب من الله سبحانه.