النساء المُطلقات وواجبنا نحوهم !!

الناقل : elmasry | الكاتب الأصلى : أحمد حسين الشيمي | المصدر : www.wafa.com.sa

النساء المُطلقات من أكثر الفئات اللاتي يعانين معاناةً هائلة، فمن ناحية نظرة المجتمع والمحيطين بها التي تكون سلبية في أحيان كثيرة راصدة كل حركاتهن وسكناتهن، ومن الناحية الأخرى مشكلاتهن النفسية وشعورهن بالعزلة والنبذ، جراء اتهامهن بالفشل في استمرار الحياة الزوجية.
 
نظرات الشك والريبة من البعض تجاههن تجعل من حياتهن جحيماً لا يطاق، لسبب بسيط وهو أنها حملت لقب "مُطلقة" طوعاً أو كرهاً، وربما في حالات كثيرة لأسباب خارج إرادتها، لتكون المحصلة النهائية أن تصبح "خادمة" لعائلتها، وتمضي سنوات طويلة في المحاكم من أجل الحصول على حقوقها المشروعة.
 
بل يزيد على ذلك رفض شريحة كبيرة من الرجال والشباب الزواج من امرأة مُطلقة، وهذا الرفض لا يوجد ما يبرره خاصة إذا علمنا أن زواج المُطلقات من أفضل الأعمال عند الله سبحانه وتعالى، وليس فيه ما يشين الإنسان بل يرفع قدره عند المولى عز وجل.
 
فقد أكد  الدكتور صالح بن غانم السدلان، أستاذ الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أن الزواج بالمُطلقة يعتبر من أفضل الأعمال وأجل القربات إذا قصد الإنسان بذلك وجه الله جل وعلا ثم الإحسان إلى هذه المُطلقة.
 
وأضاف أن الزواج بالمُطلقات هو هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتزوج إلا واحدة بكراً، وبقية زوجاته اللاتي دخل عليهن يصل عددهن إلى أربع عشرة امرأة أو خمس عشرة كلهن مطلقات وأرامل وبعضهن كبيرات في السن سوى عائشة ابنة الصديق رضي الله عنهما، وسائر نسائه صلى الله عليه وسلم ثيبات، حيث قال بعض أهل العلم: ما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من أجل نفسه إلا عائشة.
 
الاحصاءات الأخيرة الصادرة عن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات في المملكة تشير إلى أن نسبة كبيرة من المُطلقات تتراوح أعمارهن بين 30 و34 سنة، تليها المُطلقات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 35 و39 سنة.
 
وعلى الرغم من التشريعات والقوانين في المملكة المنصفة للمرأة المُطلقة والمنظمة لحقوقها، إلا أن المعاناة هي السمة المميزة لها، مما دفعنا إلى استطلاع آراء الدعاة والمتخصصين حول واجب المجتمع تجاه النساء المُطلقات، وكيف كرمهن الإسلام ودعا إلى مساعدتهن وتوفير كل الإمكانات لهن، والدور المنوط بوسائل الإعلام في هذا الإطار، حتى يعشن الحياة الكريمة أسوة بغيرهن في المجتمع.
 
 
مكانة المُطلقة في الإسلام :  
 
بداية يذكر الداعية الإسلامي يوسف صابر أن المرأة المُطلقة لها حقوق على الزوج، يتوجب عليه الوفاء بها منها النفقة، كما قال ربنا سبحانه وتعالى : ( وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً )، علاوة على الصداق كاملاً إذا دخل بها، ونصفه إذا لم يدخل بها، وهذا تعظيم للمرأة لم تتمتع به قبل الإسلام، ففي الجاهلية لم تكن المُطلقة تتمتع بأي حقوق، لكن الإسلام جاء ليضع كرامة وحقوق المرأة فوق أي اعتبار، فقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : "ما أكرمهن إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم".
 
مضيفاً في حوارٍ خاص مع (موقع وفاء لحقوق المرأة) أن الإسلام ألزم الزوج بضرورة الإنفاق على مُطلقته أثناء فترة العدة، وإذا كانت مرضعة أو حاضنة لأطفالها، عليه أن يوفر المستلزمات المعيشية لها ولأطفالها من إنفاق مادي وملابس وغيره.
 
 
لكن الملاحظ أن المجتمع ينظر للمُطلقة نظرة دونية لا ترتقي إلى النظرة التي دعا إليها الإسلام للمُطلقات أسوة بظروفهن النفسية والاجتماعية، فنجد أن المحيطين بها يرصدون ويحسبون تحركاتها وسكاناتها، وكأنها ارتكبت جرماً أو معصية، خاصة أن الطلاق قد يكون في أكثر حالاته نابعاً من عدم التزام الزوج أو استهتاره وعدم تحمله مسؤوليات الزواج، ولا يكون للزوجة أي ذنب في ذلك، فمثلاً قد يرتكب الأهل خطأ فادحاً في حق فتياتهم بإجبارهن على الزواج ممن  ليس ذو دين أو خلق، وهنا تحدث المشكلة.
 
 
لذا علينا تغيير نظرتنا للمرأة المُطلقة، فعلينا أن نعينها على أن تعيش الحياة الطبيعية، وأن نشجعها على أن تفتح صفحة جديدة في حياتها، ونؤكد لها أن الطلاق ليس معناه انتهاء الحياة، أو أنها فاشلة في إدارة الحياة الزوجية، وعلى المجتمع أيضاً أن يهجر بعض العادات والتقاليد التي تُنفَّر الشباب أو الرجال من الزواج من المُطلقات.
 
ودعا يوسف الأزواج الذين يتعسفون في إعطاء حقوق مُطلقاتهم، أن يتقوا الله ويعلموا أنهم معرضون عليه يوم الحشر، فماذا يقولون لله عز وجل في هذا اليوم العظيم، مضيفاً أنه روي عن أحد السلف عندما سأله البعض عن أسباب رغبته في طلاق زوجته، أجاب عليهم بقوله : "العاقل لا يفشي سر بيته"، وحين طلقها بالفعل، وسأله البعض أيضاً عن الأسباب، قال : "العاقل لا يفشي سر امرأة أجنبية عنه".
 
 
دور الإعلام :
 
بدوره يؤكد الخبير الإعلامي كريم فرغلي أن الإعلام تفاعل مع واقع المرأة المُطلقة ولكن ليس بالشكل بالمطلوب، رغم أن المرأة في الوطن العربي نجحت في اقتناص مكانة بارزة لها في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة، حيث تزخر الفضائيات والصحف العربية بأسماء إعلاميات لامعات حققن نجاحاً كبيراً، كما أدار بعضهن مؤسسات عريقة وناجحة مما سهل فتح نوافذ إعلامية تناقش مشكلات المرأة بشكل متخصص من برامج تلفزيونية وإصدارات صحفية، لذا ينبغي استغلال تلك النوافذ الإعلامية الناجحة في تنمية الوعي المجتمعي بالتعاطف مع المرأة المطلقة والحد من الإرهاب النفسي الممارس ضدها .
 
 
ويحدد فرغلي في حوارٍ خاص مع (موقع وفاء لحقوق المرأة) ثلاثة محاور أساسية ينبغي أن تعتمد عليها الرسالة الإعلامية لتصحيح صورة المُطلقات، يوجه الأول للنساء لأن أغلب معاناة المُطلقة مصدرها النساء متمثلاً في نساء العائلة والعمل والأقارب حيث ينظرن للمُطلقة على أنها خطراً على أزواجهن، كما تدخل الأسرة أيضا في هذا الإطار حيث يجب توجيهها لاحتواء المُطلقة ومعاملتها بحساسية لا أن تعامل كمن ارتكب جريمة تستتبع عزله اجتماعياً.
 
ويوجه المحور الثاني للرجال بتشجيعهن على الارتباط بالمُطلقة وأنه لا يعني زيادة نسبة فشل الزواج، ويخص المحور الثالث المُطلقة ذاتها إذ  ينبغي تشجيعها على ممارسة حياتها بشكل طبيعي وعدم الانهزام لضغط المجتمع والأسرة، وأن تكون هي صاحبة أول دور لمحو الصورة السلبية للمرأة المطلقة والمرسخة لدى المحيطين.
 
ويضيف فرغلي : لابد من اتباع أساليب غير تقليدية لتغيير هذه الصورة السلبية عن المرأة المُطلقة بعدة وسائل مثل تسليط الضوء على تجارب واقعية وناجحة لنساء مُطلقات نجحن في تكوين أسر جديدة بعد طلاقهن فتجاوزن تجربة الطلاق، للتأكيد أن الطلاق لايمنع بناء حياة جديدة ناجحة، وكذلك لتشجيع الرجال على الزواج بالمطلقات.