الطلاق حالة اجتماعية تنشأ عند فشل الزوجين في الانسجام والتفاهم، وإمكانية التعايش ولو بالحدود الدنيا تحت سقف واحد يضمهما، وبالتالي فشل هذه المؤسسة الاجتماعية، الأسرة. ومعروف أن الطلاق غير مقبول ولا مرغوب فيه لا اجتماعياً، ولا دينياً فهو أبغض الحلال لأسباب معروفة للجميع. لكنه يصبح ضرورة لا بد منها عند استحالة العيش المشترك بمودة ورحمة، لإنقاذ أحد الطرفين أو كليهما، وأيضاً إنقاذ الأولاد (في حال وجودهم) من جحيم المشاكل والشجارات اللامنتهية بين الأبوين، وهو ما يؤثر سلباً على الحالة النفسية والتكوين الخلقي لهؤلاء الأولاد. من المتعارف عليه أن الطلاق يتم عادة بعد فترة لا بأس بها من الزمن، أي بعد محاولة التعايش بطرق وأساليب متعددة، عسى أن يتم التوصل إلى حل هذه الخلافات وتجاوزها، وإلا فالانفصال هو الحل. أما اليوم فقد بتنا نرى حالات مستعجلة ومبكرة من الطلاق فقد يكون بعد زواج لم يتجاوز الأشهر، وهذه ظاهرة مرعبة لأنها تعبر عن خلل ما في نظرة الشباب من الجنسين أحدهما إلى الآخر، ولطبيعة العلاقة الواهية التي يقوم على أساسها هذا الارتباط المسمى بالزواج..! إضافة إلى أنها تخلخل بنية المجتمع بسبب ما تتركه من آثار اجتماعية سلبية على عائلتي الطرفين، وقبل ذلك تكون قد خلخلت البنية النفسية لكلا الزوجين اللذين رسما أحلامهما الوردية على صفحات حب واهية، وخططا لحياتيهما داخل قصور رملية قائمة على أساس من أوهام التفاهم والانسجام الكاذب، نتيجة عدم الفهم الصحيح لمفهوم الزواج ومسؤولياته، والذي تم بالدرجة الأولى لتفريغ شحنات الحب والهوى المقيد والممنوع اجتماعياً وأخلاقياً خارج زواج شرعي معلن. فما هي الأسباب التي يمكن أن تكمن خلف هذه الظاهرة المرعبة حقاً في مجتمعنا والتي لها منعكسات خطيرة على القيم الاجتماعية والأخلاقية؟ - الزواج المبكر للطرفين لأسباب تقليدية اجتماعية( النذر، الابن الوحيد). والطرفان هنا لم يؤهّلا نفسياً واجتماعياً وحتى صحياً، بشكل كاف لفهم الزواج وتقدير مسؤولياته، وبالتالي تحملها بجدارة. - الزواج المبكر للفتاة وربما مع عدم موافقتها، وبالتالي فإن قلة تجربتها وانعدام خبرتها بمسألة التعايش والتكيف، إضافة إلى جهلها بمسؤوليات الزوج واحتياجاته الخاصة، وهذا ما قد يخلق لها نوعاً من النفور حتى من أنوثتها، وبالتالي قد تصاب ببعض الأذيات النفسية التي تؤثر عليها ولا تؤهلها مجدداً للاستمرار داخل الحرم الزوجي. - وجود قصة حب عنيفة (في مرحلة المراهقة) قائمة على عواطف متأججة بحكم المرحلة العمرية للطرفين، وهنا تتحكم هذه العواطف بهما، وبالتالي يتحكمان بالأهل لإتمام الزواج دونما معرفة دقيقة وواضحة لبعضهما ولدقة مشاعرهما، التي ما تلبث أن تفتر بعد فترة وجيزة من الزواج، وتتضح الاختلافات الجوهرية والعميقة التي لا يمكن الاستمرار معها. أي حسب المقولة الشعبية (راحت السكرة وجاءت الفكرة). - التقدم بالعمر (العنوسة) عند الطرفين أو أحدهما، وحتى لا يفوتهما قطار الزواج (ظل رجل ولا ظل حيطة) فإنهما يستغلان أول فرصة سانحة للزواج دون دراسة ومعرفة دقيقة وحقيقية من كل منهما للآخر، ولمشاعرهما. وما إن ينتهي عسل الأيام الأولى حتى تتكشف للطرفين أمور وطباع قد لا تتوافق مع شخصية الآخر، وربما يصبح الاستمرار ضرباً من الاستحالة. - عمل المرأة واستقلالها اقتصادياً، ما ترك أثره على شخصيتها ورفضها لحياة لا تتلاءم مع تلك الاستقلالية والاعتراف بكيانها، إضافة إلى عدم رغبة فتيات اليوم في التحلي بالصبر والانتظار ريثما يتم التوافق والانسجام مع طباع الزوج، لأن هذا الانسجام قد يأخذ وقتاً تبعاً لشخصية كلا الطرفين وتكوينهما. - بعض عوامل الخداع والكذب من أحد الطرفين بمسألة ما أو بعدة أمور من تلك التي لا يمكن القبول بها والسكوت عنها، ويكتشفها الطرف الآخر بعد الزواج. وهنا أقول إن مسألة الزواج مسألة هامة وحساسة، يجب التفكير والتوقف كثيراً قبل الإقدام عليها وولوج فردوسها المعسول، لأن الزواج مسؤولية. وقبل هذا هو موضوع تعايش يجب أن يكون بكثير من المودة والرحمة والاحترام من كلا الطرفين لبعضهما. إضافة إلى أنه في بعض جوانبه عملية مقايضة يجب أن تتم بين الطرفين، أي أن يتنازل كل منهما عن بعض الأمور والصفات والطباع الثانوية التي قد تؤثر سلباً على حياتهما، وأيضاً قد تقف عقبة في استمرارهما معاً. ولا ضير في تنازل لا يترك أثراً قوياً ورئيسياً على الأخلاق والسمعة والشخصية، هي أمور قد تكون بسيطة وبالتخلي عنها يسير قارب الزوجية نحو مرفأ الأمان لدخول الفردوس المنشود. علنا نستطيع التخفيف من ظاهرة الطلاق عموماً، والطلاق المبكر خصوصاً لدى حديثي الزواج، والتي هي ظاهرة مرعبة بكل المقاييس تجاه الأفراد والمجتمع.