استكثر من العمل الصالح

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : الشيخ: علي بن عبد الرحمن الحذيفي | المصدر : www.muslimat.net

استكثر من العمل الصالح

 

 

إنّ الحياةَ الدنيا دار عملٍ للصالحات ودارُ ابتلاء بالسيّئات، مَن أحسن فيها  العمل؛ جزاه الله بخيرِ الثواب، ومن أساء العملَ؛ جزاه الله بأليم العذاب، ويتفضّل الله على المحسنين، ويحلم على الجاهلين، ويتقبّل توبةَ التائبين. وجعل الله العملَ الصالحَ وسيلةَ قربى لربّ العالمين، قال الله–تعالى-: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا   أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ   وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ: 37]، ومن أساءَ العملَ في الدّنيا، وقدِم على ربّه   مضيِّعًا للفرائض مقترفًا المحرّمات كافرًا بربّه؛ لا يقبَل الله منه فديةً، ولا يقبَل الله مالًا ولا شفاعة شافِع، قال الله –تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا   وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ   ذَهَبًا وَلَوْ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}[آل عمران: 91]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ   لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ*  يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا  وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ}[المائدة: 36، 37]، وقال تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا   تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ   مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ}[البقرة: 48]، والآيات في هذا كثيرة، ومِن   النّاس من يخلِط عملًا صالحًا وآخرَ سيّئًا؛ فتناله الشّفاعة -بإذن الله- إذا سلِم من   الشّرك  .

ومِن رحمةِ الله وحكمتِه وقدرته أن جعلَ فِعْلَ الأعمال الصالحة وتركَ  الأعمال المحرّمة سببَ التقرّب إليه وسببَ الدخول في جنّات النعيم والنجاةِ من عذابٍ أليم، ولم يجعل ذلك بسببٍ آخر، قال رسول الله : (قال الله –تعالى-: من عادى لي   وليًّا؛ فقد آذنته بالحَرب، وما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبَّه، فإذا أحببته؛ كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصِر به، ويدَه التي يبطِش بها، ورِجله التي يمشي بها، ولئن سألني؛ لأعطينّه، ولئن استعاذني؛ لأعيذنّه)

[1]، ومعنى قوله تعالى: (كنت سمعَه الذي يسمَع به وبصرَه الذي يبصِر به،  ويدَه التي يبطِش بها، ورجلَه التي يمشِي بها) معنى ذلك أنّ الله -تبارك وتعالى- يحفَظ على هذا العبد جوارحَه بطاعةِ ربّه والبُعدِ عن معصيتِه، فيستعمِله فيما  يرضِيه  .

 أيّها المسلم، لن تسعدَ في الدنيا والآخرة إلاّ بما يوفّقك الله له من العملِ الصّالح والعِلم النّافع، ولن تشقَى إلاّ ببُعدك عن العلمِ النّافع والعمل الصّالح، وربّك -جلّ وعلا- لن يظلِم أحدًا مثقالَ ذرّة، قال الله –تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ   مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا}[النساء:40]، وفي الحديث القدسي: (قال الله –تعالى-: يا عبادي، إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثمّ أوفّيكم إيّاها، فمن وجَد خيرًا؛ فليحمدِ الله، ومن وجد غيرَ ذلك؛ فلا يلومنّ إلاّ نفسه)[2].
وليكن همُّك إصلاحَ العمل، وحفظ حدودِ   الله، فقد جعل الله العمل الصالحَ وقايةً للعبد من كربات الدنيا والآخرةِ، عن  المقداد بن الأسود -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله يقول: (تُدنَى الشمس يومَ  القيامة من الخلقِ حتى تكون منهم كمقدار ميل)، قال: (فيكون النّاس على قدرِ أعمالهم في العرق؛ فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى رُكبتيه، ومنهم من   يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجِمه العرق إلجامًا)وأشار رسول الله إلى فِيه.

 

فاستكثر مِن العمل الصّالح في هذه الدّار، فليس بعدَ هذه الدّار إلا الجنّة أو النّار  . 

 

 

واعلم أنّ العمل الصالحَ   الذي يرضى الله به عن العبدِ وينفعه هو ما كان خالصًا لوجهِ الله، يريد به المسلم   وجهَ الله وثوابه، ولا يريد به رياءً ولا سمعة ولا محمَدةَ النّاس وثناءهم ولا عرضًا من أعراض الدّنيا، والشرطُ الثّاني أن يكونَ العمل على هديِ رسول الله ووفقَ  سنّته، قال الله –تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر: 3]، وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- قال النبيّ: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا؛ فهو ردّ)[4]، قال الله –تعالى-: {وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ   وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ   فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [التوبة: 105].

 

 

 

 

 

 

للشيخ: علي بن عبد الرحمن الحذيفي -حفظه الله-

 

 

 


 

[1] رواه البخاريّ من حديث أبي هريرة -رضي   الله عنه-.

 

[2] رواه مسلم من حديث أبي ذرّ-   رضي الله عنه-.

 

[3] رواه   مسلم والترمذي.

[4] أخرجه مسلم في الأقضية (1718) وهو في البخاري بلفظ آخر