حقيقة الإخلاص
اعلم: أنَّ كل شيء يُتَصَوَّر أن يشوبه غيره، فإذا صفا عن شوبه وخلص عنه؛ سُمِّي إخلاصًا.
والإخلاص يضاده الإشراك، فمن ليس مخلصًا؛ فهو مشرك، إلا أن الشرك درجات.
فالإخلاص في التوحيد يضاده الشرك في الإلهية.
والشرك منه جلي، ومنه خفي، وكذلك الإخلاص، وقد ذكرنا درجات الرياء فيما تقدم في بابه، وإنما نتكلم الآن فيمن انبعث لقصد التقرب، ولكن امتزج بهذا الباعث باعثٌ آخر، إما من الرياء، أو من غيره من حظوظ النفس.
ومثال ذلك، أن يصوم لينتفع بالحمية الحاصلة بالصوم مع قصد التقرب، أو يعتق عبدً ليتخلص من مؤونته وسوء خلقه، أو يحج ليصح مزاجه بحركة السفر، أو للتخلص من شر يعرض له، أو يغزو ليمارس الحرب ويتعلم أسبابها، أو يصلى بالليل وله غرض في دفع النعاس عن نفسه ليراقب رحله أو أهله، أو يتعلم العلم ليسهل عليه طلب ما يكفيه من المال، أو يشتغل بالتدريس ليفرح بلذة الكلام، ونحو ذلك، فمتى كان باعثه التقرُّب إلى الله –تعالى- ولكن انضاف إليه خاطر من هذه الخواطر حتى صار العمل أخف عليه بسبب من هذه الأمور؛ فقد خرج عمله عن حدِّ الإخلاص.
والإنسان قَّلما ينفكُّ فعل من أفعاله وعبادة من عباداته عن شيء من هذه الأمور، فلذلك قيل: من سلم له من عمره لحظة واحدة خالصة لوجه الله –تعالى-؛ نجا؛ وذلك لعزة الإخلاص، وعَسُرَ تنقية القلب من هذه الشوائب؛ لأن الخالص هو الذي لا باعث عليه إلا طلب التقرُّب من الله –تعالى-.
قيل لسهل: أيُّ شيء أشد على النفس؟ قال: الإخلاص، إذ ليس لها فيه نصيب.
واعلم: أنَّ الشوائب المكدِّرة للإخلاص متفاوتة، بعضها جَلَي، وبعضها خفي.
ومن الرياء ما هو أخفى من دبيب النمل، وحاصله أن مادام العامل يفرِّق بين مشاهدة الإنسان والبهيمة في حالة من العمل؛ فهو خارج عن صفو الإخلاص، ولا يسلم من الشيطان إلا من دقَّ نظره، وسعد بعصمة الله –تعالى- وتوفيقه.
وقد قيل: ركعتان من عالم أفضل من سبعين ركعة من جاهل، وأريد به العالم بدقائق آفات الأعمال حتى يخلص عنها، والجاهل ينظر إلى ظاهر العبادة، وقيراط من الذهب الذي يرتضيه الناقد خير من دينار يرتضيه الغِرُّ الغبي.
المرجع: منهاج القاصدين