حقيقة الصدق

الناقل : SunSet | الكاتب الأصلى : الإمام: أحمد بن قدامة المقدسي | المصدر : www.muslimat.net

حقيقة الصدق

 

عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم -:‏‏(عليكم  بالصدق، فإن الصدق يهدى إلى البر، وإن البر يهدى إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا‏)

 

وقال بشر الحافي:‏ من عامل الله بالصدق، استوحش من الناس‏.‏  

 

 واعلم أن لفظ الصدق قد يستعمل في معان‏:‏  

 

 أحدهما‏:‏الصدق في القول‏:‏ فحق على كل عبد أن يحفظ ألفاظه، ولا يتكلم إلا بالصدق، والصدق باللسان هو أشهر أنواع الصدق وأظهرها‏.‏  

 

 وينبغي أن يراعي معنى الصدق في ألفاظه التي يناجى بها ربه، كقوله‏:‏ وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض، فإن كان قلبه منصرفًا عن الله مشغولًا بالدنيا؛ فهو كاذب‏.‏  

 

 الثاني‏:‏الصدق في النية والإرادة، وذلك يرجع إلى الإخلاص، فإن مازج عمله شوب من حظوظ النفس؛ بطل صدق النية، وصاحبه يجوز أن يكون كاذبًا، كما في حديث الثلاثة‏:‏ العالم، والقارئ، والمجاهد‏.‏ لما قال القارئ‏:‏ قرأت القرآن إلى آخره، إنما كذبه في إرادته ونيته، لا في نفس القراءة، وكذلك صاحباه‏.‏  

 

 الثالث‏:‏الصدق في العزم والوفاء به‏.‏  

 

 أما الأول‏:‏ فنحو أن يقول‏:‏ إن آتاني الله مالًا تصدقت بجميعه، فهذه العزيمة قد تكن صادقة، وقد يكون فيها تردد‏.‏  

 

 وأما الثاني‏:‏ فنحو أن يصدق في العزم وتسخو النفس بالوعد؛ لأنه لا مشقة فيه إلا إذا تحققت الحقائق، وانجلت العزيمة، وغلبت الشهوة، ولذلك قال الله –تعالى-: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ}  [الأحزاب: 23] إلى قوله: {وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ} [التوبة: 75-77].

 

الرابع‏:‏ الصدق في الأعمال، وهو أن تستوي سريرته وعلانيته، حتى لا تدل أعماله الظاهرة من الخشوع ونحوه على أمر في باطنه، ويكون الباطن بخلاف ذلك‏.‏ قال مطرف‏:‏ إذا استوت سريرة العبد وعلانيته؛ قال الله -عزَّ وجل‏:‏ هذا عبدى حقًا‏.‏   

 

الخامس‏:‏الصدق في مقامات الدين، وهو أعلى الدرجات، كالصدق في الخوف والرجاء والزهد والرضى والحب والتوكل، فإن هذه الأمور لها مبادئ ينطلق عليها الاسم بظهورها، ثم لها غايات وحقائق، فالصادق المحقق من نال حقيقتها، وإذا غلب الشيء وتمت حقيقته؛ سمِّي صاحبه صادقًا، قال الله –تعالى-: {وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ...} إلى قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} [البقرة: 177]، وقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات: 15].

 

 والتحقيق في هذه الأمور عزيز جدًا، فلا غاية لهذه المقامات حتى نال تمامها، ولكن لكل حظ بحسب حاله، إما ضعيف وإما قوي، والصادق في جميع هذه المقامات عزيز، وقد يكون للعبد صدق  في بعضها دون بعض‏.‏ ومن علامات الصدق كتمان المصائب والطاعات جميعًا وكراهة اطلاع   الخلق على ذلك‏.‏  

 

 

 

 

 

 

 

 المرجع: مختصر منهاج القاصدين

 

 للإمام: أحمد بن قدامة المقدسي -رحمه الله-

 

 (بتصرف)

 

 

 

 


 

 

[1]   رواه البخاري ومسلم‏.‏