تشتكي الكثير من الأسر من سلوكيات بعض أطفالها، وتنحصر معظم شكواهم في عبارة طفلي عنيد ماذا أفعل؟ لو سلطنا الضوء على معنى العناد، فسنعرفه بأنه الرفض السلبي المستمر سواء كان لمواقف أو لأمر أو فعل، وقد يصل إلى درجة الخروج على السلطة والمبادئ والقيم والقوانين والعقائد والأعراف السليمة. وبالملاحظة نجد أنه من أكثر المشكلات السلوكية شيوعا, ولن نبالغ إذا قلنا أنه على رأس الهرم في مشكلات الأسر مع أبنائها. ومن المهم معرفة أن العناد لا يولد مع الطفل كما يعتقد كثير من الأمهات؛ إنما يتشكل بشكل طبيعي في كل الأطفال في بداية العام الثاني والثالث, وعند المراهقين في بداية مرحلة البلوغ, وما عدا هذين الموسمين لا يعد طبيعيا؛ لأنه امتداد من عناد الطفولة الذي تشكل أصلا عند بدء شعور الطفل بذاته واستقلاليته عن أمه، فامتد بسبب أسلوبنا في التعامل معه في تلك المرحلة. فالعناد لا يقابل بالعناد إطلاقا؛ لأن ذلك يزيده, بل يقابل بالاحتواء، والحوار، والإقناع. وإن لزم الأمر في بعض المواقف الاستجابة لتصرفه من باب التجريب لا الاستسلام، فلا نقوم بالصراخ أكثر إذا كان يصرخ، ولا نبدي سخطاً أشد إن كان الطفل في حالة من السخط، ولا نوجِّه له عبارات جارحة كرد على استخدامه عبارات عنيفة، بل يجب اللجوء إلى الكلام والحديث الذي يناسب الحوار والموقف؛ لنقل الطفل المعاند من حالة الإصرار والتشبث بالرأي إلى حالة التقبل. لذا فالطرق التربوية التي نستخدمها مع الطفل هي التي تدفعه ليستخدم عناده كلغة يقول بها للوالدين لحظة أسلوبكما في التعامل معي لا يناسبني، ولا يتماشى مع استقلالي واحتياجاتي! وهنا يطرح السؤال نفسه كيف نتعامل مع الطفل العنيد؟ عندما نعرف أن عناده في الطفولة وبداية المراهقة يكون لولادة شخصية مستقلة لها رأيها، ولا تحب أن تكون تابعا ومنفذا في كل الأحوال, فإننا هنا سنراعي تلك الحاجة النفسية ونعطيها مساحة من الحرية؛ لنشبع احتياجاته في المرحلة الجديدة التي يقبل عليها, عندها وعندما يستشعر بوجوده ومكانته, وإشباعه العاطفي, مع استخدام أسلوب الحوار في كل الأحوال, فلن يكون الابن بحاجة للعناد وهذا من مبدأ الوقاية. أما إن أصبح العناد سلوكا، فنبدأ تدريجيا بالحوار معه، ونترك له مساحة لتجريب رأيه، ثم نناقشه بسلبيات وإيجابيات رأيه، والرأي الذي آثر العناد من أجله, ونتعامل معه بكل تقبل ومحبة لإشباع حاجاته العاطفية. ونحاول قدر الإمكان أن نكون واقعيين في الأمور التي نطلبها منه، فلا تكون مثالية بعيدة عن احتياجاته كإجبار الطفل على النوم ساعات كثيرة دون شعوره بحاجة لذلك!. وإن طلبنا منه النوم مبكرا: فليكن بأسلوب العرض لا الأمر "ما رأيك أن تذهب للنوم لتصبح أكثر نشاطا في المدرسة" ولنكافئه عند استجابته, وتجعلي له أياما يجرب فيها السهر ونناقش معه مزاياهما وعيوبهما، أو أن نجعل الأمر بصيغة التنافس والتسابق "اللعب" فيتنافس الأبناء في الذهاب للنوم أولا. ويمكن استخدام أسلوب آخر مع الأطفال، فبدلا من نهيه عن فعل يفعله, استبدليه بأمر بديل يفضله دون انفعال، فمثلا لو كان الطفل يرسم ويكتب على الجدار استبدلي "لا تكتب وترسم على الجدار" بعبارة: "اكتب وارسم على هذا الورق الملون، فهو أجمل و سأعلقه على الجدار بعد أن ترسم عليه وتلون" بمعنى أن تخبريه بما تريدين منه أن يفعله, لا ما تريدين منه ألا يفعله, مع إعطائه بدائل وعدم إلزامه بأكثر من أمر في وقت واحد. كما أن تعليمه وإخباره بما تريدين عن طريق القصة له ثمراته الإيجابية, فبدلا من الدخول في صراع معه لإجباره على تناول الطعام الصحي قصي له قصة عن ذلك، وبيني نتائجها الإيجابية بطريقة مغرية وامتدحيه عند تقليد صاحب القصة والاستجابة لذلك خاصة عند الزوار وعلى مسمع منه. والأهم من ذلك كله أن نتأكد أن الطفل قد سمع وفهم ما تطلبينه منه, ونتأكد من تواصله البصري معنا, ونسأله إن كان قد فهم أو أنه يستطيع التنفيذ؛ لأن بعض الأطفال ينقصه التركيز فيكون مشتت التفكير أثناء تكليف الوالدين له، فلا يستطيع التنفيذ لا من قبيل العناد, بل لأنه لم يفهم المطلوب منه. إن التعامل مع الطفل العنيد ليس أمرا سهلا، بل يلزمه الكثير من الصبر والحكمة والمثابرة؛ لأن الاستسلام والانفعال والتناقض في الأوامر يزيده عنادا وإصرارا, لشعوره بالانتصار, فعلينا أن نتقبل أبناءنا كما هم؛ لنستطيع تعديل سلوكهم وليتعلموا منا تقبل الرأي الآخر, فالعناد إشارة حمراء يرسلها الابن ليقول لن أغير سلوكي حتى تغيروا أسلوبكم, فماذا أنتم فاعلون؟! .